الخرطوم وجوبا تدخلان جولة جديدة من (تأليم) شعبيهما بمفاوضات على مستوى الرئاسة تنعقد مساء الجمعة القادمة بأديس أبابا، تكاثف الجدل حول أجندتها بعد فشل اجتماعات اللجنة السياسية والأمنية في الوصول بالملفات إلى بر الأمان وشاطئ التنفيذ.. الخارجية السودانية بدت مطمئنة لسير الأمور على ما يرام، وان القمة القادمة ستخرج بنتائج عملية تصيغ طريق السلام بين العاصمتين بفضل إرادة الرئيسين البشير وسلفاكير في العبور بشعبيها إلى بر الأمان، بالإضافة لقوة الدفع المعنوية التي تحققت بفضل تأكيدات الأممالمتحدة لخارطة الخرطوم في منطقة الميل 14 ومساحتها المقدرة 248، بالإضافة لوعود تلقتها الشخصيات القيادية بالدولة من الزعامات الأفريقية عقب جولة أفريقية شملت الدول الأعضاء بمجلس الأمن والسلم الأفريقي بضرورة محاصرة الملف السوداني/ الجنوبي إقليمياً و عدم السماح بتدويله عبر بوابة أبيي.. في المقابل تدخل جوبا المفاوضات مدفوعة بشهادة المجتمعين الإقليمي والدولي على ما وصفته بتراجع الخرطوم عن حسم ملف أبيي بسبب مطالبته بنسبة جديدة في عضوية المجلس التشريعي بعد الاتفاق الجزئي على تكوين الجهاز التنفيذي في إدارية أبيي، بالإضافة لاختلافهما في طرق التنفيذ.. فجوبا تريد تنفيذ الاتفاق النفطي وبدء الضخ، فيما ترى الخرطم ضرورة ان يتم الأمر جملة واحدة ضمن حزمة مكتملة تشمل الملف الأمني بمضامينه في فك الارتباط.. واشنطون انتقدت الخرطوموجوبا أمس لعدم قدرتهما على حسم القضايا المعلقة والدخول إلى حيز التنفيذ ضمن ما عرف بالمصفوفات، واشنطون ركزت في بيانها أمس على محور الطاقة، وتحدثت عن فشل الطرفين في استئناف صادرات النفط ذات الأهمية الحيوية لاقتصاد البلدين واعتبرت ان التأخير يقوض عملية السلام، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند في البيان ان إصرار حكومة السودان على تأجيل استئناف ضخ النفط حتى يكتمل تنفيذ الترتيبات الأمنية يتعارض مع المبادئ الأساسية للاتفاق (المبرم في سبتمبر) ويتسبب في مزيد من التقويض للوضعين الاقتصادي والأمني في الدولتين كلتيهما.. إذن الخرطوم تدخل الجولة الرئاسية القادمة في الرابع والعشرين من الشهر الجاري وهي تواجه ضغوطاً أمريكية إزاء محاولتها الحفاظ على حقها الطبيعي في إلزام الجنوب بما لا يلتزم به دوماً كما يراه منسوبو الحزب الحاكم... طبيعة الجولة الرئاسية القادمة طبعاً لترجيحات وتوقعات غير حاسمة اكتنفت الخرطوم، ربما تتجاوز التوقيت المألوف والمحدد من قبل الوساطة لما ستستغرقه القمة، وأرجعوا ذلك للأجندة التي تشمل بحسب مقربين من ملف التفاوض على الحدود والمنطقة معزولة السلاح، بالإضافة لملف الترتيبات الأمنية بما يشمله من فك ارتباط وانسحاب للجيششين السوداني والآخر، وملف الميل 14... فيما يذهب آخرون إلى أن الأمر لن يتجاوز المتعارف عليه في التوقيت المحدد للقمة وما استستغرقه نسبة لارتباط الرئيسين بقمم أخرى أبرزها اجتماعات مجلس الأمن والسلم الأفريقي ثم الإيقاد ثم القمة الرئيسية في اجتماعات دورة الاتحاد الأفريقي، كما ان ثمة أمراً آخر يرتبط بما ستنظر فيه القمة والمتمثل في مواقع التعثر المرتبطة بالتنفيذ أو تلك التي حالت دون التنفيذ لا الملفات بأكملها، حيث أنها تعد محسومة منذ توقيع اتفاق سبتمبر العام الماضي، كما ان المجتمعين الدولي والإقليمي لن يسمحا بإعادة التفاوض حول ما تم الاتفاق عليه مرة أخرى.. الخرطوم تبدو محاصرة قبيل الجولة الرئاسية وتوقعت مصادر بالحركات المسلحة هاتفتها (الرأي العام) ان تشهد القمة الرئاسية تنازلات فورية من قبل الخرطوم لكسب رضا المجتمع الدولي خصوصاً الولاياتالمتحدةالأمريكية، عقب الرسالة المباشرة التي حملها بيان وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية جوني كارسون، لدى اجتماع ضمه بقيادات الحركات المسلحة الاسبوع الماضي – لم يفصحوا عن مقره- نقلوا قوله بأن الإدارة الأمريكية لا تريد ازعاجاً في أفريقيا باعتبار ان الهدوء والاستقرار من صميم مسؤوليات واشنطن بعد تقسيم أفريقيا من قبل الاتحاد الأوروبي، وتولى فرنسا مسؤولياتها في مالي باعتبار ان المجموعات هناك تعارض مصالحها، وتولى أمريكا مسؤولياتها في الخرطوم لم يأت مصادفة بل لأن لها مصالح فيه.. وكشف مصدر مقرب من حركة أبو القاسم إمام ل(الرأي العام) عن ان واشنطون أمهلت الخرطوم حتى 21 فبراير القادم لإعلان نيتها بوضوح تجاهه، ورجح القيادي ان تكون المهلة الأمريكية مهلة صامتة، لمعرفة ما ينتويه في جولة المفاوضات القادمة والتزامه بالوصول إلى تسوية نهائية مع جوبا، وقطع بأن واشنطون بدورها تخضع لضغوط من ثلاثة اتجاهات في مقدمتها الجماعات الأفريقية في أمريكا، بالإضافة لقدوم قيادات الحركات وسماع وجهة نظرهم لتوضيح أبعاد قضاياهم، بالإضافة للضغط المركز من قبل جماعات الضغط الأمريكية التي لها مصالح في الجنوب بشكل مطلق.. إذن ثمة ضغوط غير مباشرة ستواجه الخرطوم في حسم الملف مع الجنوب في مقدمتها رغبة الإدارة الأمريكية في حسم الملف نهائياً بالإضافة لخطر انشغال الخرطوم نفسها بملف جوبا في سياق (صنابير) الدعم اللا محدود من قبل واشنطون أو غيرها للحركات المسلحة ومن تبعها في سيناريو الفجر الجديد، ويدلل القيادي المقرب من أبو القاسم إمام على ذلك الدعم بتزايد معدل العمليات العسكرية للحركات في المحاور الثلاثة دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، بالإضافة لتسهيل واشنطون للمجموعات المسلحة الوصول إلى العاصمة الأمريكية.. عموماً تجربة الرئيس البشير لا تحكي إمكانية استجابته للضغوط وبالتالي التفريط في ما يعد مصالح استراتجية للبلاد، كما أنه يدخل الجولة ببرود أعصاب كرسه رصيده المثقل من اعجاب واحترام الشعب الجنوبي وربما الإحساس بالجميل لجهة اقراره تنفيذ اتفاقية السلام النيفاشية وتطبيق تقرير المصير والاعتراف بالاستقلال الجنوبي .. فيما يدخل الرئيس سلفاكير محاصراً بعدم سيطرته على تيارات متباعة داخل نظامه السياسي بدءاً برجالات الجيش الشعبي مروراً بتيار الصقور وفي مقدمتهم أبناء أبيي، الذي يعبَّر عنه عدم تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه مع الخرطوم، بالإضافة لرصيد من الاحتقان النفسي لدى الشماليين بفعل طول مدة الحرب والتكلؤ في فك الارتباط، ما يجعله في خانة الشريك في تصعيب الوضع على السودانيين بأكثر مما هو ماثل.. الخرطوموجوبا مصر مستقبلهما على ما يبدو يظل مرهوناً بسويعات الرابع والعشرين من الشهر الجاري، في سياق تملل داخل العاصمتين من الملف الذي بات ممجوجاً ولا يحوى أي تغييرات في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فهل ينجح الرئيسان في تحقيق ما ظل معلقاً في خانة عدم التنفيذ؟ أم سيكون لتكتيكات المجتمع الدولي دورها في المشهد؟!!