أنظار المجتمع الدولى والإقليمى اتجهت صوب الشرق الأفريقى، بتركيز متزايد على أديس أبابا التي تحتضن عاصمتي السودان وجنوب السودان واجتماع لجنتيهما السياسية والأمنية (الطارئ) بحسب الناطق باسم الجيش. الاجتماع المحدد منذ ديسمبر الماضى يهدف لإكمال التباحث حول تنفيذ اتفاقية التعاون المشترك في مقدمتها الترتيبات الأمنية وضخ النفط ووضع النقاط فوق حروف ملف أبيى.. استباق الاجتماع ونتائجه المتوقعه لقمة الرئيسين البشير وسلفا كير في ال 24 الحالى على هامش أعمال القمة الأفريقية، ويتيح عرض ما تم التوصل اليه ومعالجة القصور وتذليل ما يعيق التنفيذ. الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع، رئيس اللجنة السياسية الأمنية من جانب السودان، حدد في تصريحات صحفية قبيل مغادرته أولويات تفاوض الخرطوم بأن الاجتماع سيُعقد برعاية الآلية الأفريقية رفيعة المستوى لحسم القضايا المعلقة، وأن ما يهم ملف دعم وإيواء الحركات المسلحة وفك الارتباط باعتباره الشلال الذي يعترض نهر السلام السوداني الجنوبي. عبد الرحيم بدا مراهناً على خلاصات آخر الاجتماعات الرئاسية بين البشير وسلفا كير باعتبارها أجندة التفاوض، وقال يومذاك: (لقاء القمة بين البشير وسلفا كير أوصى بأن هذه القضايا أساسية ويجب أن تُناقَش ويجب أن توضع لها آليات لكيفية معالجتها). اجتماع أمس استبقته مجموعة من عوامل تهيئة المناخ، أبرزها خطوة جوبا المفاجئة بالانسحاب الجزئي من مناطق مختلف حولها رغم سودانيتها التاريخيه، الأمر الذي اعتبرته الخرطوم شأناً يخص جوبا، ويتسق مع ما تم الاتفاق عليه خلال اجتماع الآلية الفنية مع قائد قوات اليونسفا، بالإضافة لرسم جداول محددة وترتيبات حول المنطقة منزوعة السلاح وآليات مراقبة المنطقة منزوعة السلاح في أعقاب تسلم العاصمتين لخريطة واضحة من الآلية رفيعة المستوى وقائد اليونسفا توضح الحدود المعقدة والمنطقة المنزوعة السلاح و(الميل 14). قبول الخرطوم بالخريطة الجديدة كان أخطر اللحظات التي استبقت التفاوض أمس وأعظم المهددات، لتفاجئ الخرطوم الجميع بقبولها معلنةً اتساق الخريطة الأفريقية مع الاتفاقية الأمنية الموقعة في 27 سبتمبر من العام الماضى، التي نصَّت على أن هناك ترتيبات أمنية خاصة بمنطقة (الميل 14) بحسب تصريحات وزير الدفاع. الخرطوم تسترق النظر لمقر التفاوض، في سياق مزيج من التفاؤل الحذر والتشاؤم المكبوت، بيد أن باحة الخارجية الخرطومية أمس كانت تنضح بالتفاؤل أو الاسترخاء الغامض، أرجعه العديدون لاطمئنان القيادة السياسية بالعاصمة في تطبيق أجندة وتوصيات الرئيسين في ضرورة حسم نهائي وعاجل للملفات قيد النظر، بيد أن رؤية أخرى انطلقت تفسح لنفسها مجالاً في أذهان المحللين ربطت بين استرخاء الخرطوم واطمئنانها وبين الجولات الماكوكية التي انطلقا فيها نائبا الرئيس لمجموعة من الدول الأفريقية، وأنها ربما لتعبئة الدعم الأفريقي في مواجهة الضغوط الغربية على الخرطوموجوبا ومساعيها في اختطاف ملف التفاوض إلى مستويات آخر ما تتصف به هو المحلية. عموماً.. للخرطوم رؤية استباقية فيما يبدو تتجاوز النتائج المباشرة لجولات التفاوض المستمرة حالياً، وتعتمد على تركة مثقلة من النكوص المتبادل لما تم الاتفاق عليه مراراً وتكراراً بين العاصمتين. وطبقاً للفريق ركن عثمان بلية نائب رئيس هيئة الأركان السابق، نائب رئيس مجلس تشريعي الخرطوم في حديثه ل (الرأي العام) فان الجواب يعرف من عنوانه، أي أن الجولات السابقة تترك مؤشراً لعدم التزام الجنوب بالمواثيق والعهود، وقال (إذا كان ثمة التزام كان يمكن أن يحدث عقب اتفاق الرئيسين في سبتمبر الماضي، لكن لم يتم تطبيق أي شئ). وأضاف (بالتالي كل المداولات السابقة واللاحقة تعاني من ذات الخلل المتمثل في عدم التزام جوبا وهو المتوقع أيضاً مهما اختلف الزمن). واعتبر بلية أن الخرطوم تتعامل بطيب خاطر غير مبرر مع ظاهرة عدم التزام الجنوب بما يتم التوصل اليه، والخرطوم تجلس مرة ومرة ثانية وثالثة حول ذات الملفات والقضايا سواء الأمنية أو الحدودية أو أبيى أو فك الارتباط دون نتائج على الأرض. نائب رئيس المجلس التشريعي بالخرطوم، لم يستبعد حدوث انفراج نسبي لجهة استباق الاجتماع قمة الرئيسين المقبلة، بيد أنه ركز على عامل اعتبره أكثر حسماً وقال (الجنوب تزايدت الضغوط عليه اقتصادياً بعد ملل الداعمين كذلك من قبل مواطنيهم، لكن ذلك طالما لم يجعلهم يفكرون منذ وقت مبكر فلا أعتقد أنهم سيفكرون الآن).. وقطع بلية بأن جوبا لا تنظر أو لا تعرف مصالحها وتظل معبرة عن وجهة نظر الخارج. وقال (إذا غلبت القيادة الجنوبية مصالح دولتها فان التعامل مع السودان هو الأربح خصوصاً على مستوى التبادل التجاري بعد انكشاف خداع يوغندا وكينيا). من جانبه، اعتبر العميد(م)صلاح كرار عضو مجلس قيادة الانقاذ السابق، أن الجولة الحالية في أديس بمثابة تجديد ليس الا لعدم المصداقية ، وبرر لذلك بقوله ل(الرأي العام)( مراكز اتخاذ القرار في جوبا متعددة ، كما أنها متكافئة بالتالي لا يمكن تغليب تيار على آخر) واستدرك( لكن بقراءة الاوضاع الاقتصادية والسياسية والامنية في الدولتين، تعتبر المرحلة ملائمة للوصول لاتفاق بين الطرفين، في الحد الادنى مؤقتا او مرحليا الى حين حل النزاع المؤثر في ابيي ،و الحدود، و فك الارتباط) وأضاف( من حيث الارتباط والمنطق فالحسابات السياسية تقول إنه لن يحدث لكنني متفائل ، لأن الضغوط على مراكز قرار الجنوب تزايدت بعد الحاح حاجته للنفط). كرار طالب الخرطوم بضرورة ادراك أن الاتفاقات مع الجنوب لن تستمر لجهة أن تعارض الآراء والمواقف في جوبا بمثابة قنابل موقوتة، وأعتبر الانسحاب الجزئي الذي نفذه جيش الجنوب بمثابة تهيئة للمناخ التفاوضي كانعكاس لضغوط الشعب الجنوبي على حكومته وقال( ليس هناك صحة أو تعليم أو خدمات ، أي ليس هناك دولة في الجنوب فالدول تحترم بانفاقها، ومع ذلك على الخرطوم اتخاذ احتياطاتها حتى لا نفاجأ بمثل ما حدث في أبيي و هجليج). من جانبه طالب الاكاديمي والمتخصص في العلاقات الدولية د. مهدي دهب بالفصل بين موقف الوفد الجنوبي و موقف الجنوب كدولة تجاه الخرطوم ، ويرى أن ما يحدث من تعويق للمفاوضات من قبل أحد الاطراف، يعد تعبيراً أو نوعاً من وسائل الاحتجاج ليس الا، وقال ل(الرأي العام) إن التفاوض ومواصلته لم يعد شأناً ذاتياً يقتصر على جوبا أو الخرطوم، بل أضحى شأناً دولياً تهتم به المنظمات الاممية والاقليمية وترفع تقارير متابعته، ما يعني أن المفاوضات في طريقها للاستكمال شاءت أو ابت الخرطوموجوبا.. د. حسين حمدي نائب رئيس وفد التفاوض حول المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الازرق)، بدا متفائلاً في حديثه ل(الرأي العام) وكشف عن مراهنته على الجهود الحثيثة المبذولة من قبل قيادة الدولة والحكومة على مستوى الرئيس ونوابه ومساعديه لاستكمال عملية التفاوض، وأن ثمارها ستنعكس في مخرجات اجتماع اللجنة السياسية ، بيد انه رفض الافصاح عن سر ثقته بأن الجولة الحالية هي الختامية في مشوار تنازع الطرفين. وعلى العكس، ابدى المك محمد رحال مك كادوقلي حاضرة ولاية جنوب كردفان زهده في توقع نتائج ايجابية للاجتماع الحالي وقال ل(الرأي العام): (لقد اعتدنا أن يحدث تفاوض ويستغرق وقتا طويلا ويعلن اتفاق ولا يحدث شئ أو لا يتم التنفيذ) وبرر للمشهد بفقدان المصداقية بين الطرفين، وطالب اللجنة السياسية الامنية بضرورة الاصرار على حسم الملف الامني وفك الارتباط باعتباره أحد أبرز مهددات الاستقرار في السودان عامة وولايته خاصةً.. نقلا عن صحيفة الرأي العام السودانية 14/1/2013م