يبدأ الإعداد لشهر رمضان في السودان على المستويين الشعبي والرسمي، فعلى المستوى الرسمي تصدر القرارات بإيقاف الإفطارات الرسمية وإفطارات المؤسسات، أما على المستوى الشعبي فيبدأ الاستعداد مبكراً بتحضير مشروب (الآبري)، والذي يحتاج إلى وقت كبير لتجهيزه. كما تزداد الحركة في الأسواق وتزدحم ببضائع رمضان المعروفة منذ بداية شهر رجب، ويتعرض المطبخ السوداني لأكبر عملية تغيير في شهر رمضان، حيث تقوم ربات البيوت، بشراء كل احتياجاتهن من الأسواق الشعبية من البهارات المختلفة، وذلك لأن التحضيرات الخاصة بقائمة الأطعمة والمشروبات تستغرق وقتاً طويلاً، وأحياناً تصنع على عدة مراحل وتستغل معظم النساء هذه الفرصة للشراء، فتعمل على تجديد كل أواني المطبخ والأكواب والصحون ومعدات المطبخ المختلفة احتفالاً بشهر رمضان، وذلك بشراء أطقم للعشاء والشاي والقهوة وصواني العصائر. كما تشهد ولاليات وقرى السودان، عودة الكثير من أبنائها الموظفين والعمال وطلاب المدارس والجامعات، الذين يعملون في المدن المختلفة داخل وخارج البلاد أو تضطرهم الظروف للسفر وذلك قبيل شهر رمضان. وهؤلاء الأفراد يسهمون بقدر كبير في كل الأنشطة الرياضية والثقافية التي تقام في القرية ابتداءً من أول أيام رمضان، حيث يقوم الشباب بتهيئة الأندية والساحات وبيوت العبادة لاستقبال القادمين. الاحتفال بشهر رمضان تتقارب فيه العادات والتقاليد بين سكانه على الرغم من تعدد القبائل فيه، ومن بين مظاهر الاحتفال التي يتميزون بها كل عام إقامة موائد الإفطار الجماعية خارج المنازل، حيث تقف مجموعة من كبار القرية عند رأس شارع ترقباً للمارة وعابري السبيل لدعوتهم لتناول الإفطار، ولا يسمحون لأي شخص بالمرور في وقت الإفطار دون أن يجلس لتناوله معهم حتى إنهم يقومون بإلزام سائقي السيارات والباصات السفرية بالتوقف عن السير، وذلك بوضع حواجز على الطريق قبل موعد الإفطار بخمس دقائق، لإجبارهم على النزول وتناول الإفطار. وهي عادة سودانية أصيلة تبدو واضحة بشدة في القرى والأرياف، وبعد الانتهاء من تناول الطعام يجلس الجميع في حلقات للحديث والحكايات ثم يتوجهون إلى المسجد لأداء صلاة العشاء والتراويح. كما يمتاز معظم السكان بحبهم الشديد إلى النوم في وقت مبكر، وهذه السمة ليست منتشرة في باقي المناطق الأخرى، ومن أجمل الأشياء التي تميز احتفالاتهم بهذا الشهر أيضاً اجتماع شباب الأحياء ليؤدوا دور (المسحراتي)، حاملين الدفوف ويطرقون عليها منادين في الناس ومرددين بعض الأناشيد الدينية حتى يتناولوا سحورهم ويؤدوا صلاة الفجر في جماعة. يتميز شهر رمضان بالسودان بروح الجماعة التي تسود فيه وذلك بتبادل الأطعمة بين الجيران، إلى جانب حلقات السمر التي يلتف حولها صبية الحي، وما زالت الأمسيات تزدهر بالحركة في المقاهي وتكثر طلبات المشاريب من الزبائن، ويبدأ المقهى باجتذاب الناس ويشكل مكان التقاء جميع الأفراد. المسحراتي أحد الطقوس الرائعة في شهر رمضان، فسماع صوت طبله وصوته الرخيم عندما ينادي (يا صايم قوم اتسحر.. يا صايم اعبد الدائم)، يضفي لوناً خاصاً على الأجواء الرمضانية. الخيام الرمضانية ظاهرة انتشرت في الآونة الخيرة في ولاية الخرطوم، تكاد تكون محصورة في المجتمعات الثقافية والرياضية، وغالبية السودانيين لا يحبونها ويعتبرونها عادات دخيلة على مجتمعهم في رمضان. وهي عبارة عن أماكن تشبه المقاهي يتم إعدادها من الخيام المجهزة بكل وسائل الراحة والترفيه والتسلية، وتبدأ برامج هذه الخيام بعد صلاة التراويح، وتستمر إلى وقت متأخر من الليل يتناول خلالها الرواد المأكولات والمشروبات الساخنة مثل القهوة والشاي والباردة كالعصائر، وتأتي الشيشة في مقدمة طلبات الرواد، بينما يستمر البرنامج الترفيهي الذي تشارك فيه الفرق الغنائية وبعض المجموعات الكوميدية التي تقدم عروضها الفنية على مسرح مفتوح. ويفضل البعض أيضاً عقد بعض السهرات في المنازل أو الأندية والساحات، كما يجتمع قادة الفكر والأدب في النوادي والأماكن الثقافية في ليالٍ شعرية وغنائية وندوات يومية بعد تناول الطعام. تزخر المائدة الرمضانية السودانية بصنوف من الأطعمة التي تشارك فيها الموائد العربية والإسلامية الأخرى، وتتألف من عصائر الفاكهة والتمر واللحوم والأرز وغيرها من المكسرات والحلويات، الخضراوات، المقبلات، الشطائر والفطائر، السندويشات، المعجنات، الشوربة، إلا أن أشهر المشروبات هناك "الآبري" و"الكركدي."