في ندوة قرارات مجلس الامن والسلام الشامل في السودان أقام مركز دراسات السلام بجامعة جوبا ندوة بعنوان «قرارات مجلس الامن والسلام الشامل في السودان» تحدث فيها السيد بونا ملوال وزير الاعلام الاسبق والقيادي الجنوبي البارز، ود. الطيب زين العابدين المحلل السياسي المعروف، والاعلامي د. محمد محجوب هارون. «الصحافة» كانت حضورا وتورد هنا رصدا تلخيصيا لما جاء في الندوة. ابتدر الحديث بونا ملوال والذي آثر ان يتحدث باللغة الانجليزية، مؤكدا انه كان من ضحايا نظام الانقاذ الحالي عندما انتهجت خطا آيديوولوجيا اسلاميا اقصت فيه غير المسلمين، واعتبر هذا التوجه هو السبب الرئيس في عداء الانظمة الغربية بما فيها الولاياتالمتحدة للحكومة السودانية. واضاف ان هذه الاجندة الدينية قد انتقلت الى حرب الجنوب مما اعطى الحرب طابعا دينيا، وهو ما لم يحدث في فترة الحرب الاولى والتي استمرت طويلا، مشيرا الى ان بروز ظاهرة حقوق الانسان مؤخرا في ادبيات المنظمات الاجنبية قاد الى هذا التصادم بين الحكومة وهذه المنظمات. وأكد ملوال ان الحكومة قد غيرت في منهجيتها خلال الثلاث سنوات الاخيرة، مما فتح الباب واسعا امام الحوار والذي قاد بدوره الى اتفاقيات السلام الاخيرة. لكن بونا ملوال عاد للقول إن اخطر ما في هذا الاتفاق انه يربط بين الحكومة والحركة الشعبية، بحيث اذا انهار طرف سينهار الاتفاق نفسه. صراع بين المستعمرين الجدد والقدامى ويرى ملوال ان اتفاق نيفاشا اعطى السودانيين الفرصة لحل اشكالاتهم بطريقة سليمة، لذا فهو مندهش لما جرى في دارفور وتصاعد الاحداث فيها بهذه الطريقة الدراماتيكية، واكد ان دارفور ظلت مهمشة في كل العهود وليست في عهد الحكومة الحالية وحدها، معتبرا مآلات الاحداث في دارفور مؤشرا واضحا لعدم قدرة السودانيين على حل مشاكلهم بأنفسهم. وانتقد ملوال المجتمع الدولي والامم المتحدة لاهتمامهم بمحاكمة المتهمين ال 51 عبر القرار 1593 اكثر من اهتمامهم بتنفيذ بنود الاتفاق الموقع بين الحكومة والحركة ليكون السلام واقعا معاشا بين الناس، واشار الى ان محاكمة ال «51» ستؤدي الى انهيار الاتفاق. ودعا السودانيين الذين واجهوا ظلما من هذه الحكومة التعامل بحكمة بالغة في طرح ظلاماتهم وعدم اللجوء للاجنبي لحل الخلاف لان هذا يؤدي الى نتائج عكسية ربما تقود الى كوارث خاصة وان مجتمع دارفور معروف بتعقيداته المتداخلة. ويعتقد ملوال ان تصاعد احداث دارفور بهذه الوتيرة السريعة والدرامية يؤكد ان هناك صراعا عالميا بين المستعمرين الجدد تمثلهم الولاياتالمتحدة والمستعمرين القدامى وتمثلهم فرنسا مشيرا في هذا الصدد الى ان فرنسا تود ان تصفي حساباتها مع امريكا عبر دارفور عندما حدثت المواجهة الشهيرة بينهما خلال احداث العراق الاخيرة.. واضاف ان عدم تصويت امريكا على القرار 1593 بالرغم من ذهابها الى القول بوجود ابادة جماعية في دارفور يعكس مدى وعمق هذا الصراع بين الدولتين!! وقال ملوال انه يرفض القرار 1593 لانه من شأنه ان يقوض اتفاق السلام، وزاد بالقول انه قلق على السلام اكثر من محاكمة ال «51» لان الاوضاع الآن في السودان سيئة ومأزومة، مؤكدا ان الحكومة يمكن ان تساهم في الخروج من هذا المأزق بحل اشكال دارفور السياسي والجلوس مع متمردي دارفور، والاستماع لمطالبهم بأذن صاغية وربما يعطي هذا دافعا لهذه الحركات لتغيير نظرتها تجاه الحكومة، وبالتالي تغيير افكارها ومواقفها المحتمية بالاجنبي فرص واسعة وحكمة مطلوبة من جانبه اوضح الدكتور الطيب زين العابدين، عبر كلمته ان قرار مجلس الامن صدر على خلفية ان الاوضاع في السودان تهدد الامن والسلام العالميين وانه صدر تحت البند السابع مما يعني إلزاميته. ويعتقد ان الوضع في السودان لا يمثل تهديدا للعالم كما جاء في حيثيات القرار، غير انه عاد وقال بخطورة الاوضاع الحالية، لان القرار تليه العديد من التبعات على رأسها العقوبات الاقتصادية وربما تصل الى حظر تصدير النفط! وتساءل لماذا تتحمل الحركة الشعبية تبعات قرار لم تكن هي طرف في القضية التي ادت لاتخاذه؟ واضاف ان الحكومة يجب ان تتعامل بواقعية مع هذا القرار، خاصة في جوانبه القانونية، والوصول الى حل لمشكلة دارفور ان هي ارادت ان تصل الى اموال المانحين في اوسلو والتي قال عنها انها اكثر مما توقعه الجميع. ويرى زين العابدين ان دستور المحكمة الجنائية يتيح للحكومة فرصا واسعة للتحرك والتعامل مع القرار مثل ان هناك فترة «12 شهرا» للاخذ والرد، وكذلك كون المحكمة الدولية هي مكملة للمحكمة الوطنية اذا كان القضاء فيه راغبا وقادرا على عقد المحاكمة. ويعتقد زين العابدين ان القائمة يمكن ان تضم خليطا من الناس ليس من بينهم رئيس الجمهورية، معتبرا لجنة التحقيق الدولية التي كانت وراء هذه القائمة تضم اناساً ذوي ميول سياسية وهم يدركون اي اعضاء لجنة التحقيق ان قائمتهم هذه من شأنها ان تؤدي الى انهيار البلاد بكاملها. ومع ذلك، يرى زين العابدين انه الاوفق للحكومة ان تتعامل بعقلانية ودون تهور مع هذا القرار، لأن المجتمع الدولي حريص جدا على معاقبة الجناة في هذه الجرائم التي اعترفت بها الحكومة نفسها. ويضيف انه لا يرى حرجا ان تقام محاكمات فيها قدر من الشفافية والحضور الاجنبي في اي مكان في العالم! واكد ان التسوية السياسية هي الملاذ الوحيد للخروج من هذه الوهدة. وطالب الحكومة بقدر من المرونة السياسية للتعامل مع القوى السياسية خاصة مع متمردي دارفور والدخول في مفاوضات جادة معهم حول مطالبهم والتي قال عنها إنهم صاروا يبالغون فيها كثيرا. واضاف ان الحكومة لا يمكن ان تتضرر اذا ما اخذ ابناء دارفور مناصب قيادية في الدولة او توحدت اقاليم دارفور، ويرى زين العابدين ان تحقيق السلام اهم من تقديم «51» فردا للمحاكمة.. لان الاول مرتبط بمصير شعب باكمله والاخير مرتبط بافراد، مشيرا في هذا الصدد الى انه معجب بتصريحات المتمردين في دارفور التي قالوا فيها انهم سيذهبون للمحاكمة اذا ما طلب ذلك منهم! مطلوبات الخروج من الأزمة من جهته بدا د. محمد محجوب هارون الاستاذ الجامعي والاعلامي المعروف متفائلا بالرغم من صعوبة الاوضاع التي تعيش فيها البلاد، وبنى تفاؤله على الاهتمام الذي اولاه جمهور الحاضرين خاصة الشباب منهم على مثل هذه القضايا الهامة، الامر الذي اعتبره مؤشرا جيدا لجيل افضل. واكد ان القرارات جاءت مرتبة ومتسقة بصورة مفهومة ومنطقية وهو لم يندهش لها. واوضح ان القرارين «90» و«91» اكثر خطورة من القرار «93» لانهما يكرسان لتقويض مفهوم السيادة الوطنية بالكامل، والتي قال عنها انها لم تصبح مسألة حياة او موت كما كان في السابق، لحدوث تغييرات جذرية في هذا المفهوم. ودعا الى مراجعة مقولة «نحن مستهدفون» والنظر بجدية الى اخفاقاتنا الذاتية والتي اعطت مشروعية كاملة للتدخل الاجنبي. وانتقد طريقة التعامل مع القرارات على نهج «يا نحن يا هذه القرارات» لانها امر واقع. واضاف انها قرارات ذات طابع سياسي اكثر من كونها قانوني، مشيرا الى مطلوبات ثلاث للخروج من الازمة وهي: 1 مسؤولية اخلاقية ووطنية تجنب البلاد خطر الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي. 2 انقاذ الاتفاق من خطر الانهيار، بوضع الاتفاق موضع التنفيذ، لانه لو انهار ستنهار معه البلاد. 3 استكمال التسوية السياسية وتسوية النزاعات القائمة والمحتملة في بقية انحاء السودان خاصة في الاطراف. تكهنات وتخرصات وكان مولانا دفع الله الحاج يوسف حصيفا وهو يدير الندوة عندما اورد بعض التوضيحات الهامة حول قرار مجلس الامن الاخير لجمهور الحاضرين قبل بداية المناقشات حيث اكد ان هذه القرارات جاءت على خلفية زيارة اللجنة الدولية التي زارت البلاد خلال الفترة الماضية، مشيرا الى ان الاسماء المتداولة الآن هي مجرد تكهنات فقط، ولا احد يستطيع ان يقول من هم ما لم ينشرها المدعي العام على الملأ. واضاف ان القرار احال حالة دارفور من يوليو 2002 وان المدعي العام قام بالفعل بفض المظروف الذي يحوي الاسماء والتي هي ليست ملزمة له وليست نهائية.. وزاد بالقول ان اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق بدارفور التي كان يرأسها لم ترفع اسماء بعينها لرئيس الجمهورية لانها لجنة استقصائية ولا تستطيع توجيه تهمة لاحد. واكد دفع الله ان قرارات المدعي العام يمكن ان تستأنف في دائرة ابتدائية بالمحكمة، ودعا الى اخذ طلب الاتحاد الافريقي بالنظر اليه من زاوية مختلفة لمفهوم العدالة في افريقيا والتي تذهب جنبا الى جنب مع المصالحة العامة بحكم تكوينها القبلي. بونا ملوال: القرار «1593» سيؤدي الى تقويض السلام نقلاً عن الصحافة