شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    شاهد بالصورة والفيديو.. ناشط مصري معروف يقتحم حفل "زنق" للفنانة ريان الساتة بالقاهرة ويقدم فواصل من الرقص معها والمطربة تغي له وتردد أسمه خلال الحفل    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    خريجي الطبلية من الأوائل    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    لم يعد سراً أن مليشيا التمرد السريع قد استشعرت الهزيمة النكراء علي المدي الطويل    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    تحرير الجزيرة (فك شفرة المليشيا!!)    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النوبة المرتزقة واثرهم فى تدمير الشعب النوبى على مر التاريخ.(1-4) طالب تية-الاراضى المحررة


بسم الله وبأسم الوطن
مقدمة:
بعد تتبعنا لاحداث التاريخ فى السودان على مر العصور والحقب، وجدنا ان النوبة لا يهزمهم الا النوبة، فالعدو الخارجى بمفرده مهما كانت قوته لا يهزم النوبة، لذا كان العدو الخارجى يعتمد دائما على المرتزقة من ابناء النوبة، وخاصة الصفوة ذات المراكز الاجتماعية الرفيعة، وتجنيدهم فى قواته والاغداق عليهم بالمال والسلطان حتى يستطيعوا ان يهزموا او يضعفوا الشعب النوبى ، وبعدها يأتى العدو ويبسط سيطرته، بعد اقصاء هولاء المرتزقة المدفعوعى الاجر، بعد ان يكونوا قد ادوا مهمتم ومهدوا الطريق للعدو، للسيطرة الكاملة على النوبة.
وهذه الظاهرة قد تكررت كثيرا على مر التأريخ، ففى السودان القديم والسودان المسيحى والسودان العروبى الاسلامى واخيرا فى السودان الحديث حتى هذه اللحظة التى نكتب فيها هذا المقال نجد كثيرا من النمازج التى تنطبق على ما سنذكره فى هذا المقال، لذا رأينا لفت نظر المهتمين من الشعب النوبى لهذه الظاهرة الخطيرة، وتسليط الضوء عليها، للتعامل معها بمسئولية، والقضاء عليها تماما، والا، فان الشعب النوبى، سينتظره مصير اسود فى السودان الشمالى المتبقى لا محالة، وسيسوقهم ذلك فى نهاية المطاف الى الانقراض، ان هم تركوا المرتزقة من ابناءهم، ينخرون فيهم كالسوس، ويقومون بنفس الدور، الذى قام به الذين سبقوهم من المرتزقة فى السابق، مما ادى الى انهيار المماللك النوبية القديمة، واحتلال النوبة للمقاعد الخلفية، فى عهد انحطاطهم، فى السودان العروبى الاسلامى والسودان الحديث.
سنقوم فى هذه العجالة، بتسليط الضوء على هذه الظاهرة، وتتبعها تأريخيا، والوقوف على خطورتها، ومن ثم العمل على ازالتها او تقليلها للحد الادنى على الاقل، بوعينا بهذا الخطر الذى يحدق بنا. واننا قد راينا كيف استطاع العدو السيطرة على النخب من ابنائنا، بشراء ذممهم بالاغداق عليهم بالسلطة والمال والنساء، ومن ثم اطلاق اياديهم لكى تنخر فى مجتمعاتنا كالسوس. كم من ابنائنا من اساتذة الجامعات ومن الموظفين الكبار فى الدولة فى الخدمة المدنية وفى الجيش وفى الشرطة، بدلا من قيادة شعوبهم كما تفعل النخب فى كل الدنيا، الا انهم فى المواقع التى زكرناها، قد فضلوا الجلوس فى المقاعد الخلفية، واستمراء الخنوع والخضوع للعدو، فهم لم يظهروا الندية، بل تم استلابهم وتم تخويفهم بفقدانهم لمواقعهم القيادية، وافراغهم من محتواهم، واصبحوا يتوارون خجلا كالنساء، ويتم تحريكهم كالدومى او قطع الشطرنج، ليتم تسليطهم على رقابنا بعد هذا الاستلاب والادلجة المخجل والمميت فى نفس الوقت!!.
ان هذه الظاهرة لجد خطيرة، ويجب الالتفات اليها، والقيام بكثير من البحوث والدراسات التاريخية والاجتماعية والفلسفية والسايكلوجية والسياسية، للوقوف على هذه الخصلة المشينة والمذلة، واجتثاثها تماما من المجتمع النوبى، حتى يقوى هذا المجتمع، ويستعيد امجاده ليقود السودان، فهم اهل قوة وسلطان وحكم وادارة، لما تتوفر فيهم من هذه الصفات بالسجية، والتى قلما توجد عند غيرهم من الشعوب السودانية. فالذين يحكمون الان، ليست لهم اى خبرة فى ادرة الشعوب او الحكم، فقد لعبت الصدفة وحدها فى ان يصل هؤلاء الى مقاليد الحكم فى السودان. فذهنية هؤلاء لا تصلح الا لادارة مشايخ تكون مسئولة عن اثنيات متقاربة او خشوم بيوت ذات اثنية واحدة، ولكن ان يحكموا شعوبا وممللا مثل الشعب السودانى، فلا تجارب لهم فى ذلك بل قد فشلوا فى ادارة التنوع، والايام قد اثبتت ذلك من خلال اكثر من خمسين عاما من التجربة فى الحكم، واتوقع ان تسبقهم دولة السودان الجنوبى الوليدة فى ادارة الدولة. والا ان تركنا النخب منا ليتم اسطيادهم بواسطة هؤلاء المرتزقة، ومن ثم توجيههم كسهام قاتلة على صدورنا، سينقرض العنصر النوبى العظيم من على الارض، كأقدم مجموعة اثنية حضارية مازالت تحتفظ بملامحها القديمة، اذ ان كل الحضارات القديمة قد اختفت تماما من الوجود، واصبحت تأريخا، كما وان اللاعبين الاساسيين فى تلك الحضارات قد اختفوا من الوجود ايضا، ولم يبق منهم الا النوبة، الذين هم اللاعبون الاساسيون فى الحضارة الكوشية، والذين مازالوا يحتفظون بكامل الملامح والاشكال الكوشية. فاللاعبون الاساسيون للحضارات الاشورية والفينيقية والفارسية والاغريقية والرومانية والفرعونية ليس هم نفس اللاعبون بنفس تلك الملامح والاشكال القديمة فى دولهم الحالية، بل قد حدثت فى تللك الحضارات تغييرات جزرية، وجاء لاعبون جدد بالتصاهر، ربما معظمهم من خارج الحدود، ليرثوا تلك الحضارات وينسبوها الى انفسهم.
1-النوبة المرتزقة فى السودان القديم:
قبل ان ندخل فى لب الموضوع، لا بد من تعريف من هو المرتزق؟ فالمرتزق على حسب تعريفنا هو كل من يقاتل او يعمل للغير من اجل المال والمال فقط لا غير. وهى مهنة احترفها فى السابق ويحترفها الان كثير من البشر ان كان عن طريق القتال فى صفوف جيوش لا ينتمى لها المرتزق بل مصلحته القتال من اجل المقابل المادى او عن طريق التخزيل لصالح طرف ثانى من اجل المال حتى ان كان المرتزق ينتمى الى الطرف الثانى الذى يرتزق ضده المرتزق. فالمرتزق لا تهمه اى مصلحة غير مصلحته الشخصية والتى تتمثل فى المقابل المادى فقد لا غير. فالمرتزق ليست له قيم او اخلاق، فقيمه واخلاقه هى المال وكل ما يتعلق بالمال وكفى.
فبهذا الفهم كثرت ظاهرة الارتزاق وسط الشعب النوبى منذ فجر التاريخ، لذا عانى العنصر النوبى الكوشى كثيرا من ابناءهم المرتزقة الذين كان كثيرا ما يجندهم العدو ليغزو بهم بلاد النوبة لمعرفتهم للطبيعة والجغرافية ولشدة باسهم فى القتال. فهنالك نمازج كثيرة من هؤلاء المرتزقة على مر التاريخ وحتى وقتنا الحاضر هذا. ففى كل السودان الان العنصر، الوحيد الذى يجند ليقتل اهله وبنى جلدته من اجل المال، ناهيك عن التوظيف فى قتل وايذاء الاخرين هو العنصر النوبى الكوشى، بل هم يتفننون ويتلذذون فى ذلك. فقد فعلها من قبل احد ابناء النوبة من ابناء الكواليب جنرال فى جيش المؤتمر الوطنى فى بنى جلدته كما فعلها اثنين من ابناء كادقلى احداهم جنرال والاخر كولونيل فى بنى جلدتهم فى الريف الجنوبى من كادقلى. وحاليا تقاتل حكومة المؤتمر الوطنى النوبة بابنائهم المرتزقة فى صفوفها. فحتى الان لم يجلب المؤتمر الوطنى جيشا قوامه من خارج جبال النوبة للقتال فيها لمعرفة لعدم قدرة ذلك الجيش لمواجهة ابناء النوبة فى الجيش الشعبى!!!. فكما زكرنا فان هذا التصرف لا يحدث الا عند ابناء النوبة وليس غيرهم من الشعوب السودانية المختلفة. فالمسيرى مثلا لا يقبل ان يجند لكى يقتل اهله المسيرية حتى وان تمردوا عن بكرة ابيهم ضد الدولة، كما وان الجعلى او الشايقى او الدنقلاوى لا يقبل ان يجند لكى يحارب بنى جلدته. فيمكن ان يرسل اخرون للقيام بذلك ولكنهم شخصيا لا يقبلون ان يكونوا مرتزقة لقتال بنى جلدتهم، الا عندنا، فالنوبة هم من يجيدون ذلك ولنا فيه ارث تاريخى مع الاسف الشديد.
ا)الانسان فى السودان القديم –دولة كوش.
ان وجود الانسان فى السودان حسب اقدم المعطيات الاثارية يرجع الى حوالى ثلاثمائة الف عام، بل احتمالا قد يصل الى مليون عام مضت. فالانسان القديم المنتصب القامة الذى وجدت اثاره فى شرق افريقيا بدا الانتشار من هنالك الى بقية اجزاء القارة الافريقية ومنها انتشر خارجها الى جنوب غرب اسيا ومن هنالك الى اوروبا. فظهور التراتب الاجتماعى وبروز جماعات ذات شان فى تسيير امور تلك الجماعات قد برز منذ فترة ليست بالقصيرة فى السودان القديم، بل هى قد تكون متزامنة مع تلك التى حدثت فى مصر القديمة ان لم تك اقدم منها كما ابرزت بعض الدراسات الحديثة. وقد ارتبطت الاجزاء الشمالية من السودان القديم مع مصر العليا عن طريق تجارة الذهب والاحجار الكريمة وسن الفيل وريش النعام, وقد كان يعرف الذهب والاحجار الكريمة عندهم بالمتاع الجنائزى.
فبعد ان نجح حكام هيراكنو بولس فى توحيد شطرى مصر اصبحت مسالة تامين الحدود الجنوبية، مصدر امدادهم بالسلع الترفيهية، والسيطرة على طرق التجارة النيلية مع المناطق الجنوبية شغلهم الشاغل، وخاصة بعد ان تمصرت الدولة المصرية وفقدت ملامحهها الزنجية. وبالفعل بدات الحملات المصرية على الاجزاء الشمالية من السودان القديم فى عصر الفروعنين جرو، واجى. وقد ادت تلك الهجمات الى هجرات النوبيون الكوشيون من الاجزاء الشمالية الى الجنوب بعيدا عن العدو وبذلك تكونت ممالك كانت اقواها على الاطلاق مملكة كوش النوبية. وقد اعترف بها واصبح لها السيادة على بقية الممالك. وقد ظهرت هذه اللملكة فى ايام الاسرة الثانية عشر الفرعونية. وقد كانت الهجمات التى شنها الفراعنة على النوبة قدعرضت سوانح موسعة للتجارة ولكنها قد كانت مصحوبة بابتلاءات يتحين فيها الفراعنة النهب واسترقاق النوبة القرويون، وهذا قد حول النوبة الى تلافيف من البروليتاريا الخارجية للامبراطورية المصرية.
ولكن فى الجانب الاخر فقد ادت الحملات العدوانية التى شنها فراعنة الدولة القديمة على الاطراف الشمالية للسودان القديم الى تحفيزهم على التفكير فى التوحيد بصورة اكثر فعالية لمواجهة ذلك الخطر الداهم وقد ظهر ثلاث حكام سودانيون هم كاكارى ان، وادجكاى سيجريستى، وابيب حنزى، الذين تبنوا النمط المصرى فى القابهم ورسوماتهم وقد توحدت هذه المشيخات فيما بعد حتى استطاعت ان تغزو مصر نفسها لتؤسس الاسرة الخامسة والعشرون.
فقد تمكن المصريون فى عهد امنمحات الاول (1991-1962ق .م) وسنوسرت الاول (1962-1928ق.م) من الاسرة الثانية عشر رغم المقاومة الشرسة التى ووجها بها من استكمال فتح الاطراف الشمالية للسودان القديم واقامة حامية عسكرية فى بوهين عند الجندل الثانى، وفرض سيطرتهم على السودان حتى جزيرة صاى، حيث مركز مملكة شات، التى تزكرها نصوص اللعنات، واقاموا علاقات تجارية مع مملكة كرمة. وقد كان السودانيون فى الواقع مصدر رعب للمصريين فى عهد الدولتين القديمة والوسطى. وقد ظهر اسم كوش للمرة الاولى فى نقش صروحى اقيم فى حوالى (1950ق.م) بالقرب من قلعة بوهين تخليدا لاستعادة سنوسرت الاول احتلال الاطراف الشمالية للسودان القديم. وقد كانت كوش هى القوة الوحيدة الموجودة فى الجنوب وقد نعتها مسؤلان مصريان قديمان ب (كوش اللعينة)، وقد اعترف المصريون بكوش ليس بحسب قوة سائدة فى السودان القديم فيما وراء الجندل الثانى، وانما ايضا بحسبانها قائدة تحالف، يوحد مناطق، تالفت كل منها من مدن، ولكل منها ملكها التابع لها. وقد خدم كثير من المصريين واظهروا ولاءهم لملك كوش.
وبعد انهيار الاسرة الثالثة عشر، وضعت نهاية للدولة الوسطى ومصر الموحدة، وبعد (1700ق.م) تم الاستيلاء على كل شمال مصر بواسطة الهكسوس الاسيويين الذين اندفعوا من فلسطين وتبنوا النمط الفرعونى فى الحكم. وقد تمركزت مملكة مصرية ضعيفة فى طيبة (الاسرة السابعة عشر)، سيطرت على مصر العليا ولكنها قد كانت تدين بالولاء للهكسوس. ولم يك للمصريين وجود فى الشمال السودانى القديم، بل انسحبوا الى اسوان، وملء الفراغ بدولة كوش السودانية. وقد ظلت مصر تحت الاحتلال الهكسوسى الى ان توحدت مرة اخرى، وللمرة الثالثة، فى ظل الدولة المصرية الحديثة، (الاسرة الثامنة عشر-الاسرة العشرين حوالى 1570-1070ق.م).
ولقد كانت هنالك علاقات تجارية وثيقة بين الهكسوس وحكام كرمة، وقد كان ملك كرمة هو نفسه ملك كوش. وقد اقتنى ملوك كوش كل السلع التجارية اما عن طريق التجارة مع طيبة او مع الهكسوس او عن طريق الحرب، مما يوحى بالود المفقود بين المصريين والكوشيين.
فرض المصريون بعد احتلالهم للسودان عبادة الاههم الاعلى امون- وهواله الخلق والخصوبة والشمس والملكية فى المنظور الميثولجى الطيبى- على كل المناطق التى تم احتلالها. وقد اعتقدوا بانه الاب الفعلى للفرعون. وقد صور امون فى المعابد السودانية على هيئة كبش او هيئة رجل برأس كبش يرتدى قرص شمس، بينما صور فى مصر على شكل رجل يرتدى تاجا مسطح القمة يعلوه قرص شمس. ففى كلا الحالتين كان قرص الشمس هو العامل المشترك.
فمع نمو المصالح السياسية والاقتصادية بين السودان القديم ومصر، اضحت العلاقات تتسم بالصراع والتنازع. فالقوة والمنعة العسكرية للواحد من الطرفين، يتبعه ضعف فى الطرف الاخر، وهذه ظاهرة تأريخية مهمة يجب الانتباه اليها جيدا. وقد تميزت نهاية الالفية الثالثة، والفترة التى سبقت الاحتلال المصرى للسودان فى عهد الاسرة الثامنة عشر، بازدهار الحضارة السودانية النوبية، وكانت كرمة بلا منازع، البيئة الاكثر تجليا فى وادى النيل، وقد منحت لبقية مناطق السودان تقليدا ثابتا لم يتأثر بالاحتلال المصرى. وقد نجح المصريون بعد ذلك فى احتلال المنطقة بين الجندلين الثانى والثالث بطريقة تختلف عن الطريقة التى حققوا بها ذلك فى المناطق الواقعة فيما وراء الجندل الثالث، واحيوا تاسيس المدن المحصنة تحت سلطة نائب الملك، الذى صار يلقب فى كوش بابن الملك ومراقب البلدان الجنوبية، فقد كان هذا اول عمل لظهور الارتزاق بصورة مقننة وسط النوبة الكوشيون فى السودان القديم!!!.
ب)ظهور الارتزاق وسط النوبة فى السودان القديم.
لقد جلب بييبى الاول جيشا كبيرا، يتكون من عشرات الالاف من الجنود، من ابناء المنطقة الجنوبية التى يسكنها الزنوج الذين اشتهروا بالبراءة فى استخدام القوس، وقد كان على راس هذا الجيش شخص يدعى اونى، واونى هذا يعتبر اول مرتزق نوبى يتم توثيقه. وقد عين اونى هذا، حاكما للجنوب، وهى وظيفة بدأت تظهر اهمية شاغلها ابتدءا، من عصر الاسرة السادسة، حيث اصبح يلقب حكام الجنوب بقواد القوافل المصرية المتجهة للجنوب، والتى كانت تجلب الخيرات لملك مصر، وكما كانوا يسمون بحراس الباب الجنوبى. وهم بذلك يعملون عمل الجنود المرتزقة، لانهم كلهم من الجنوب وليسوا مصريين. وقد كان اشهر من تولى هذا المنصب هو حرخوف. وقد كان فى الاصل اميرا على جزيرة فيلة. فقد قام هذا الامير بثلاثة غذوات استغرقت الاولى سبعة اشهر وفيها قد كان مساعدا لابيه كما استغرقت الغزوة الثانية ثمانية اشهر، وقد كان على راسها لوحده، ثم قام بغذوة بعد ذلك الى يام.
كما ان حرخوف قد قام بغذوة رابعة الى بلاد النوبة فى عهد بييبى الثانى. وتعتبر رحلات حرخوف هذا، من اقدم الرحلات الكشفية التى قام بها مرتزق لصالح طرف ثانى. ومن الامراء الذين عينوا وقاموا بحملات على ارض الجنوب، رجل يدعى بييبى نخت، وقد جلب بييبى نخت هذا عددا من الاسرى للفرعون المصرى، فيهم ابناء الرئيس والعظماء. وايضا هنالك امير اخر يسمى سبنى قد كلف بهذه المهمة ايضا فيما بعد. فقد كان يحلب هولاء العبيد للعمل كمرتزقة فى الجيش المصرى. فقد كان يتألف الجيش المصرى الفرعونى فى ذلك الوقت، بالاضافة الى الجيش الثابت، من جيش من المرتزقة، (النحسى)، المؤلف من النوبة الكوشيون، وقد كان الملوك المصريون يمنحونهمم اراضى وضيعات كما كانوا يزوجونهم من النساء المصريات، ومقابل ذلك كانوا يرسلوا الى الحروب فى البلاد الاجنبية. ويبدو ان كلمة نخاسة، قد اتت من كلمة نحسو، التى نسبت الى اؤلائك الجنود النوبييون المرتزقة. وقد كان اقليم يام، من اكثر المناطق التى كانت تمون الجيش المصرى الفرعونى من المرتزقة.
فقد قام هؤلاء الجنود المرتزقة النوبيون الكوشيون، بفرض ضرائب باهظة على الوطنيين النوبييين الكوشيين، وارهقت البلاد بارسال كميات كبيرة من السلع الى مصر. وقد كانت المنطقة الى الجنوب من الجندل الثالث مستعصية اكثر امام السيطرة المصرية، ولم تنجح قوات تحتمس الاول فى احتلال كل المناطق الجنوبية، والتى ظل سكانها يقودون الانتفاضات فى عهد الملوك الرعامسة، كناية عن رمسيس الاول والثانى....الخ. وقد اخذ الكثير من النوبيون الكوشيون بواسطة الجنود المرتزقة، عبيدا الى مصر وقد هجرت المنطقة تماما، الا ان المقاومة قد كانت منظمة.
وقد اكتمل الاحتلال النهائى فى فترة الحكم المشترك للملكة حتشبسوت والملك تحمس الثالث، وقد ادى هذا الاحتلال الى تمصر كثير من النوبيين فى الشمال. فقد اخذ تحتمس الثالث ابن ملك كرمة رهينة الى مصر، واعيد لاحقا ملكا تابعا لمصر مرتزقا. فبالرغم من انه قد حاول التحرر من خلال الثورات التى قام بها، الا ان استمرار السياسة والتاثيرات المصرية الاكيدة على الحكام الكوشيين، قد قادت فى النهاية الى المواصلة فى الارتزاق، وتقبل السيادة المصرية. وقد كرر حكام المماليك فى القرون الوسطى كما سنرى لاحقا ذات السياسة التى استنها تحتمس الثالث، فى تعاملهم مع مملكة المغرة السودانية المسيحية.
فقد انتهت السيطرة المصرية فى السودان عند الجندل الثالث، وظلت المنطقة بين الجندلين الثالث والرابع محيدة. ولكن قد كان يقدم الحكام المصريون لحكامها الكوشيون المرتزقة الدعم العسكرى. وقد كان هنالك اشراف مصرى شكلى من خلال موظفين مصريين سموا بمراقبى البلاد الاجنبية الجنوبية، يتراسهم نائب الملك، وهو يسمى بابن الملك فى كوش، والذى يعين مباشرة من الفرعون، ويقوم نائب الملك بتعيين نائب له من النخبة من افراد الاسر المحلية. لذا لم تجلب السيطرة المصرية الى السودان سوى، اعداد محددة من المصريين من كبار موظفى الخدمة المدنية والعسكرية والكهنة، تاركة التراتب الاجتماعى فى المجتمع النوبى الكوشى على حاله دون مساس كما، يحدث اليوم من النخب النوبية فى الخرطوم. وقد بقيت السلطات الفعلية بايدى المرتزقة من الحكام السودانيين والاداريين المحليين من افراد النخبة.
وقد ادى هذا الاجراء بالانصهار الكلى للنوبيين الكوشيين فى الاطراف الشمالية للسودان القديم فى الدولة المصرية، وتعرض النوبيون الكوشيون القاطنون الى الجنوب من الجندل الثانى الى درجة عالية من التمصير. وقد كان التمصير، اى التمثل من جانب واحد، اى تكيف النوبيون المرتزقة مع الثقافة المصرية، ونتج عن ذلك ازدراءهم للتقاليد النوبية الكوشية والهوية والاثنية، كما يفعل بالضبط الان المرتزقة من ابناء النوبة المتجلبين فى الخرطوم. ففى الفترة المتاخرة لادارة نائب الملك، يمكن ارجاع تاريخ حاكمين نوبيين من المرتزقة هما، ارى، وكتسن، اللذين قد يكون احدهما استخدم كوة على الضفة الشرقية للنيل بمواجهة دنقلا عاصمة له.
لقد اصبح منصب نائب الملك، بحلول الاسرة العشرين، متداخلا مع الوظائف العسكرية العليا، وايضا مع منصب الكاهن الاعظم لامون فى طيبة، لذا كان لنائب الملك سلطات غير عادية . الا ان نائب الملك فى السودان الكوشى قد شذ، عندما طلب منه رمسيس الحادى عشر ان يهدىء الاوضاع فى طيبة، بالاستعانة بالقوات التى تحت امرته. الا ان الحملة تطورت الى انتفاضة ضد الفرعون، تمكن بانحسى من خلالها، من توحيد الاطراف الشمالية للسودان القديم مع مصر العليا، تحت حكمه الشخصى. ولكن فرض على بانحسى التراجع الى اطراف السودان القديم الشمالية. وقد عين رمسيس الحادى عشر مرتزقا اخر نائبا جديدا للملك، وقد قام هذا الاخير بتتبع بانحسى حتى الاطراف الشمالية للسودان القديم، ولكنه اخفق فى القضاء عليه، حيث ظل بانحسى سيدا هنالك حتى وفاته.
نتيجة لهذه الانتفاضة انشطرت، منطقة النيل الاوسط بكاملها عن مصر، وفقدت موقعها فى نظام اعادة التوزيع المصرى. وقد اعيد فتح الاطراف الشمالية للسودان القديم بعد وفاة بانحسى، وظلت تحت السيطرة المصرية حتى القرن الثامن قبل الميلاد. وقد تسببت الصراعات التى دارت فى المنطقة فى انخفاض درامى فى عدد السكان وفى تقليص مواقع الاقامة الى مجرد محطات عسكرية يقيم فيها مرتزقة محليون جدد.
فبعد ان تخلص النوبيون الكوشيون من تبنى الارتزاق عن طريق ما يسمى بابن الملك، تخلصوا من الاستعمار المصرى. وبحلول القرن العاشر ق.م ،سيطر زعماء الكرو على معظم مساحة مملكة كرمة القديمة. وقد توحدت اسرة الكرو مع منطقة البطانة المأهولة بمجموعات تتحدث اللغات المروية، وخلقت فى نهاية المطاف دولة قوية فى نبتة، افضت فى النهاية الى وصول خمسة من حكام النوبة الكوشيون الى عرش مصر الفرعونى، وتاسيس الاسرة الخامسة والعشرين.
طالب تية
الاراضى المحررة.
6 فبراير 2012م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.