في معرض استذكاره لأستاذه الراحل أحمد عثمان المكي القيادي الإسلامي المعروف، تحدث الكاتب الإسلامي نادر السيوفي عن مقترح لود المكي في المؤتمر الثالث للجبهة الإسلامية، يدعو فيه لتثبيت نص في النظام الأساسي للجبهة، بتجديد القيادة وتحديد ولايتها بسقف زمني بحيث لا تتجاوز دورة الرئيس أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة. وتحسر السيوفي على ضياع المقترح العقلاني ، الذي كان حسب تقديره سيغير تاريخ الحركة الإسلامية والسودان، وسط صيحات التهليل والتكبير من المؤتمرين، بعد اعتراض الوافد الجديد للجبهة يومها، عباس النور، بنبرة تعبوية غاضبة على الفكرة ذاكرا أن "قائدنا الترابي وسيظل هو القائد". وبالطبع بقي الترابي قائدا ولكن ليس لكل الإسلاميين دعك من الوافدين، ومؤكد أنه افتقد عباس النور، يوم المفاصلة التي انتهت بالإسلاميين الى مؤتمرين وطني وشعبي، وقصر ومنشية، فكان أن اختار عباس القصر الذي دخله مستشارا صحافيا، والراجح أنه يعارض هذه الأيام تنحي البشير عن رئاسة المؤتمر الوطني في العام القادم توطئة لتخليه عن رئاسة الجمهورية في العام 2015. اليوم وبعد أكثر من ربع قرن على غضبة عباس، يأبى كمال عمر الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي، تنحي الترابي (80 عاما)، ويرفض تحميل حديث مسئول العلاقات الخارجية بشر آدم رحمة عن تنحي الأمين العام أكثر مما يحتمل. وإن جاهر عباس برفضه للفكرة من داخل المؤتمر العام للجبهة، فإن كمال عمر يصادر حق المؤتمر العام للشعبي ويحسم خيار عضويته قبل التئامه بقوله "إذا انعقد المؤتمر العام اليوم، فإنني وبمعرفتي وإدراكي وفهمي لعضوية المؤتمر الشعبي فلا مجال للترابي أن يتنحى". ويستلف كمال عبارات عباس: "بالنسبة لنا نحن في قيادة المؤتمر الشعبي يبقى الأمين العام الشيخ د. حسن عبد الله الترابي رمزاً ونموذجاً سابقاً وحالياً وفي أي وقت". واقع الحال أن نموذج عباس وكمال حتى لا نظلمهما موجود في كل الأحزاب ، بداية بالمؤتمر الوطني الذي تغالي بعض قياداته وترفض حديث البشير نفسه عن التنحي بدعوى أن الأمر يقرر فيه مؤتمر الحزب وليس رئيسه، مرورا بحزبي الأمة والاتحادي اللذين تعددت فروعهما حتى استعصت على العد ولا يتصور أن قيادتهما حدثت نفسها يوما بالتنحي مستغلة هالة القداسة الزائفة التي تعمي عيون القاعدة المغلوبة على أمرها، وانتهاء بالحزب الشيوعي الذي فجع مؤخرا برحيل زعيمه محمد ابراهيم نقد بعد 41 عاما قضاها سكرتيرا للحزب، وتلخص أزمته النكتة المتداولة عن تفكيره في قائد شاب في عمر الستين لخلافة نقد. وبقفلها لباب تجديد قيادات الأحزاب، تغفل هذه النماذج، حقيقة جوهرية مفادها، أنه لا سبيل لتحقيق الإصلاح والتحول الديمقراطي المنشود، إلا بإصلاح الأحزاب ، ولا إصلاح لحال الأحزاب المائل إلا بتغيير قيادتها، ولا سبيل لتغيير القيادة إلا عبر تقييد ولايتها بسقف زمني لا يتجاوز أربع سنوات وليس 40 عاما ، ودونكم الديمقراطيات الراسخة إذ إن قيادة الحزب تتجدد مع كل دورة انتخابية. فالنجاح ينتهي بزعيم الحزب رئيسا للدولة أو رئيسا لحكومتها لولاية أو ولايتين على الأكثر، أما الفشل فيعني بحث الحزب عن قيادة جديدة أكثر قدرة على تحققيق طموحاته وآمال قاعدته. بقي أن نقول لقيادات الشعبي ..دعوا الترابي يستن سنة حسنة بالتنحي ، عسى ولعل أن يتبعه البشير في العام القادم ، وتنتقل العدوى للأمة والاتحادي ، لتسري دماء جديدة في شرايين هذه الأحزاب فتصلح حالها لتحقيق التحول الديمقراطي، فلا يعقل أن نحارب الإصلاح الحزبي.. ونطمح في الوقت ذاته لإصلاح ينتظم البلد بأسرها. ///////////////////////////////////