السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    عيساوي: حركة الأفعى    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة الثالثة د. النعيم وتفكيك الإسلام


(1) التفكيك المبدئي الشامل
"وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ*ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ *ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ*وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ" صدق الله العظيم (سورة الحج آيات 8-11)
صدق الله العظيم
"والخوض في أصل الدين سير في الوادي المقدس، تخلع فيه النعلان"
الأستاذ محمود محمد طه
سنتناول قضية تفكيك الإسلام عند النعيم، حسب طرحه، في حلقتين: الحلقة الأولى عن تفكيك الإسلام بصورة مبدئية وشاملة.. والحلقة الثانية عن تفكيك الأخلاق.
ونحن هنا إذ نتناول القضية الأولى، نحب أن نذكر بالمباديء الأساسية لفلسفة التفكيك، في فكر ما بعد الحداثة الغربي، والتي تناولناها في الحلقة الأولى، وفلسفة النعيم التي تناولناها في الحلقة الثانية.. فتفكيك النعيم للإسلام، هو تطبيق للمباديء الفلسفية التي وردت، في الحلقتين، وكلها ترجع إلى اتجاهات ما بعد الحداثة، في الفكر الغربي.
التفكيك عند د. النعيم، بدأ بصورة أساسية، مع إطار التوجيه، أو الإطار المرجعي، الذي أتخذه لنفسه، وأسماه (المنطق المدني).. فهذا المنطق المدني، أبعد منذ البداية، المرجعية الدينية، بصورة مؤكدة.. يقول عن المنطق المدني أنه: "الذي يسعى لإقناع عامة المخاطبين من غير الإعتماد على المرجعية الدينية العقائدية بين المسلمين، أو غيرهم من أصحاب الأديان".. وهو يبعد العقيدة الدينية لأن الدين في نظره يفرق بين الناس، ولأن التفكير الذي يقوم على المرجعية الدينية قاصر، وغير موضوعي.. يقول في هذا الصدد: "في الحقيقة ما في فهم ديني موضوعي، كل فهم ديني فردي.. ما في رأي ديني موضوعي.. أي رأي ديني ذاتي".. ويقول: "وتتطلب طبيعة ودور قانون الدولة، في الدولة الحديثة، تداخل عدد كبير من المشاركين والعوامل المعقدة، التي من غير الممكن احتواؤها بمنطق إسلامي عقيدي".
وعنده القرآن لا يقرر بوضوح نتائج الإيمان بالدين، بما في ذلك الإيمان ب (لا إله إلا الله)، أسمعه يقول: "القرآن لا يقرر بوضوح نتائج مسألة معنى الإيمان بالدين نفسه مثلاً، ما معنى تأكيد المسلم للإيمان بأن (لا إله إلا الله)، ماذا يعرف المؤمنون أو ما الذي يفترض بهم أن يعرفوه، عن، الله؟ وما هي النتائج المترتبة على الإيمان بوحدانية الله بالنسبة للممارسة الشخصية للمسلم وسلوكه، سواء على المستوى الشخصي الخاص أو مستوى العلاقات الإجتماعية/ الإقتصادية العامة والمؤسسات والعمليات السياسية؟ من لديه سلطة الفصل في الخلافات التي لا يمكن تجنبها حول هذه القضايا والقضايا الأخرى بعد موت النبيِّ صلى الله عليه وسلم وكيف؟ وبدلاً من توفير الإجابات لمثل هذه الأسئلة، يترك القرآن المسلمين أحراراً ليناضلوا مع القضايا بأنفسهم".. واضح أن هذه قراءة تفكيكية، فالقرآن أجاب على هذه الأسئلة وبصورة مستفيضة، والمصحف لا ينطق وإنما ينطق عنه الرجال، ولكن النعيم ينكر إجابات القرآن، من مبدأ قراءاته الذاتية، ليقرر على ضوء هذا الإنكار (يترك القرآن المسلمين أحراراً ليناضلوا مع القضايا بأنفسهم)!! ليفهم كل فرد بطريقته الخاصة كما هو مبدأ الذاتية، والنسبوية عند النعيم.. سنتناول لاحقاً، إبعاد النبي صلى الله عليه وسلم، في طرح النعيم.
ما هي العقيدة التي أبعدها النعيم؟ هي عقيدة الإيمان في الإسلام.. أركان الإيمان: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر خيره وشره، واليوم الآخر.. فهو يرى أن الفكر الذي يقوم على أركان الإيمان هذه، يتصف بالنقائص التي ذكرها، ويقدم عليه (المنطق المدني) .. ثم هو، لا يرى شيئاً واضحاً، من الأخذ بهذه العقائد، فحسب قوله (القرآن لا يقرر بوضوح نتائج مسألة معنى الإيمان بالدين نفسه).. فهو يضرب مثلاً لذلك (بلا إله إلا الله) أصل التوحيد!! فيقول: (ما معنى تأكيد المسلم للإيمان بأن (لا إله إلا الله).. وكل هذا هو جوهر الدين، وهو عند د. النعيم، على الأقل موضوع تساؤل لا إجابة عليه!!
هذا، عن الإيمان، ماذا عن الإسلام؟ يقول النعيم أنه، لا يوجد شيء متماسك اسمه الإسلام!! وأن الإسلام لا يمكن أن يعرّف بصورة محددة وشاملة.. أسمعه يقول: "أعتقد أن صياغة السؤال بهذه الطريقة باطلة من حيث المفهوم، نظراً لأن السؤال يفترض أن هنالك شيء قابل للتعريف، ومتماسك اسمه (الإسلام)، يمكن مقارنته بتعريف ثابت وراسخ لحقوق (الإنسان)".. ويقول:"أصر وأؤكد أنه لا أحد - مسلم أو غير مسلم- يمكنه أن يعرّف بصورة محددة، وشاملة، الإسلام.."!!
واضح أن النعيم، يعتبر تعريف النبي صلى الله عليه وسلم، الوارد في حديث جبريل الذي يرويه سيدنا عمر بن الخطاب، واضح أنه لا يعتبره تعريفاً تنطبق عليه المواصفات التي ذكرها.
ثم ماذا عن الشريعة؟! يقول النعيم مثلاً: "كل ما يدركه المسلمون اليوم من تصورات للشريعة، حتى تلك التي ينعقد حولها إجماعهم ما هي إلا نتاج آراء بشرية عن معنى القرآن والسنة".. وقد رأينا أنه ينفي صفة الثبات عن الشريعة.
وكل جوانب النظرة السلبية للإسلام، يمكن أن ترد، إلى قوله المبدئي: إن الدين صناعة بشرية، وعلماني، وهو بذلك، يبعد المصدر الإلهي للدين، فهو يقول:
"As a Muslim, I always make the heretical sort of statement that religion is secular, which may appear like a contradiction in terms. But the fact of the matter is that there is no way we can access, we can relate to, we can be influenced and formed by religion, except through human agency. Our human agency is definitive of our religion. In that sense, religion is secular, religion is human-made. The point here is to emphasize this secularity of religion, and as such, to make it political-to make it a political asset. This concept applies equally to culture. When I speak of religion and culture, I speak in the same vein, in the sense that they are both human-made, are both human-remade".
"كمسلم، فأنا دائما أطلق التقرير (الهرطقي) أن الدين علماني، وهذا القول ربما يبدو متناقضاً، في العبارة. ولكن واقع الأمر هو، أنه ليس لنا من سبيل لأن نعتنق الدين، أو نعقله، ونتأثر به، أو نؤثر فيه، إلا عبر الواسطة البشرية. فواسطتنا، كبشر، هي العامل الحاسم في تحديد، وتعريف، ديننا. وبهذا المعنى فإن الدين علماني.. الدين من صنع البشر.. وموقفي هنا، هو أن أؤكد علمانية الدين، هذه، التي أتحدث عنها، حيث يمكن، من هذا المنطق، إخضاع الدين للسياسة، أي جعله عنصرا، وذخرا، سياسيا.. وهذا المفهوم ينطبق، بنفس المستوى، على الثقافة.. فأنا، عندما أتحدث عن الدين والثقافة، إنما أتحدث عنهما بنفس المعنى، أي بمعنى أن كلاهما من صنع البشر، وأن كلاهما يمكن إعادة صنعهما، من قبل البشر" 1..
هذا نص واضح، وحاسم.. وهو يلقي الضوء على كل نصوص د. النعيم الأخرى، ذات الصلة، ويمكن تحديد أساسيات هذا النص في النقاط التالية:
1. حسب النص، الله تعالى، حتى لو كان موجوداً، فإن وجوده لا يؤثر على أحداث الكون، وأفعال الإنسان.. وحتى الدين نفسه، ليس لله فيه دور، إلا في أحسن الأحوال إيجاده الأَوَّلي.. فالدين، من الناحية العملية صناعة بشرية، وهذا يعني أنه يخضع للمعايير والقيم البشرية.
2. النعيم يقرر في النص بوضوح أن الدين علماني.. والأمر الذي لا خلاف حوله، أن العلمانية دنيوية.. وهذا يعني أن الدين، عند النعيم، دنيوي، وليست له علاقة بالآخرة.. وهذا يلقي الضوء على إبعاد الإيمان عند النعيم، ففي الفهم الصحيح، الإيمان أساساً إيمان بالغيب وهو يعني ما غاب عن إدراكنا وحواسنا ومن ضمن الغيب الآخرة، وما فيها من ثواب وعقاب، حسب ما ورد في الأديان السماوية.. وبالطبع من الغيب الملائكة، والجن، والجنة، والنار.. فهذه جميعها لا وجود لها في إسلام النعيم العلماني، المستبعدة فيه العقيدة.
3. العلمانية تقوم على العقل المجرد.. والدين، طالما أنه علماني، ومن صنع البشر، فهو يقوم على العقل المجرد.. وبالتحديد العقل كما هو عند النعيم المنطق المدني.
4. النعيم يقرر بصورة حاسمة، أن الدين لا يختلف عن الثقافة، كلاهما علماني ومن صنع البشر.. وبهذا يبعد النعيم أي محاولة لتأويل قوله هذا لصرفه عن دلالاته الواضحة.
الله والإله:
لقد رأينا، أن ما بعد الحداثة، ضد وجود أي مركز.. وضد أي فكر كلي.. وأول ما أبعد عن المركز، هو الله.. وهو تعالى أبعد في الفكر الغربي عموماً، فكما يقول والتر استيس: الله في الحضارة الغربية، أبعد الى بداية التاريخ، وهناك نسوه.. فهو بعد أن خلق الخلق، تركه للقوانين الطبيعية، تسيره دون تدخل منه تعالى.. وقد قال، العالم الفرنسي لابلاس لنابليون: الله فرضية، لا حاجة لها!!
فقد وصل إبعاد الله، في الحضارة االغربية، الى أبعد مداه عند نيتشة، الذي أعلن موت الله!! وقد تم بعث نيتشة في فكر ما بعد الحداثة من جديد، وبني على مقولته: موت المؤلف في النظرية التفكيكية.. ود. النعيم، كمفكر تقدمي، مساير لآخر الموضات الفكرية في الغرب، ومردد لمفاهيمها، هو أبعد الله، باسم الإسلام.. أبعده من يكون الإله.. والإله، يعني الفاعل لكل شيء في الوجود.. الفاعل لكبير الأشياء، وصغيرها.. فعند النعيم (الواسطة البشرية) تولت الأمر عن الله، فجعلت دينه، ديناً، علمانياً دنيوياً صنعته الواسطة البشرية أو أعادت صنعه.. وعليه، لم يعد هنالك وجود لأي مقدس، فما يدخل العقل البشري حسب النعيم لم يعد مقددساً، بما في ذلك القرآن!! والنعيم موكل برفع القداسة، عن كل شيء حسب زعمه.. فالبشر، هم الذين يفعلون، أو يفشلون كما رأينا من أقواله ولا يوجد أي شيء متجاوز لما هو زماني مكاني، فالله تعالى نفسه غير متجاوز، وإنما هو محكوم بالزماني المكاني الطبيعة والوجود المادي ولقد سبق أن أوردنا قوله، الذي جاء فيه: "ولكن الأمر فيما يخصني هو أن هذا هو موقفي وهذه بالطبع هي عقيدتي في كيفية حدوث الأشياء في الكون. فأنا لا أعتقد أن الله يفعل الأشياء في هذا الكون بصورة متجاوزة للوجود المادي أو خارقة للطبيعة إن الله يفعل في الوجود عبر الواسطة البشرية، فالبشر هم الذين يتصرفون ويتخذون المواقف إننا نحن البشر من نفعل أو نفشل في الفعل"_2_.. نقول للنعيم: قبل وجود هذا الكون المادي، كيف كان فعل الله؟! أم لم يكن له فعل؟! إلم تسمع، فمن الخير لك أن تسمع.. حسب نظرية (الانفجار العظيم)، الكون بدأ منذ حوالي سبع عشرة بليون سنة.. وهو قبل الانفجار كان كله محصوراً، في حيز، أقل من جزيء الذرة أسموه (مفردة singular).. وقبل انفجار هذه المفردة لم يكن الزمان موجوداً، ولا المكان، ولذلك يحذرك العلماء عن السؤال عن: أين ومتى؟ لأنه سؤال لا معنى له، طالما أن الزمان والمكان لم يوجدا.. المهم أن النعيم، يرى أن الله، في فعله في الكون ليس متجاوزاً للوجود المادي أو خارقاً للطبيعة!! هل نحتاج أن نقول له، أن الله في ذاته، مطلق الكمال، وأن إرادته هي التي أوجدت الوجود، وهي التي تقيده، ولا تتقيد به.. وإن كل صور القيد في الوجود، هي مجرد مظهر وتجلي للمطلق.. وأن القيد خطاب، في التنزل؟! أعتقد أنه لا معنى لقولي هذا بالنسبة له هو.. فمواعينه، لا تتسع لشيء منه!!
هذا، الذي نقلناه، عن النعيم، أعلاه، هو أكبر ضلالاته وأخطرها.. وهو قول فيه يبعد الفاعلية عن الله، ويعطيها للطبيعة، وللواسطة البشرية (فالبشر هم الذين يتصرفون ويتخذون المواقف) وليس الله!!
من المباديء الأساسية، في التوحيد أن: هنالك فاعل حقيقي، لكل شيء في الوجود، هو الله، وهنالك فاعل مباشر، هو نحن والأسباب الظاهرية.. وفعل الفاعل المباشر، هو فعل شريعة، فعل في الظاهر فقط، ومحاط به من قبل الفاعل الحقيقي.. والمطلوب، ديناً، رؤية الفاعلين معاً، مع الاعتبارات المذكورة حتى تقوم الشريعة والحقيقة في آن معاً.. من المؤكد أن النعيم سمع هذا القول، ولكنه لا يؤمن به.. وهو الآن يرى عكسه.. هو يغيب الفاعل الحقيقي، لمصلحة الفاعل المباشر.. وهذا كله، جرياً، وراء تقليد موضة، ما بعد الحداثة، في ابعاد الله عن المركز.. والظاهر أن الله، عند النعيم، أبعد، لمصلحة الإنسان!؟ وسنرى هل هذه فعلاً هي الحقيقة، أم أن النعيم يفكك الإنسان نفسه!!
ما بعد الحداثة عامة، والتفكيك خاصة، أبعد الله، والإنسان، والعقل، من المركز.. فما هو موقف النعيم من ذلك؟! سنرى.
عندما يقول النعيم أن الدين علماني، وأنه صناعة بشرية، هو يعني ما نقلناه عنه أعلاه إبعاد الله، حتى عن الدين، وحصر الأمر في الإنسان وهذا هو السر في قوله أنه لو جاء المسيح، فلن يغير منه شيئاً ما لم يغيره هو.. فهو مستغنٍ تماماً، عن الله الله عنده فرضية، لا حاجة لها، كما قال لابلاس ولا يوجد أي أثر، في طرح النعيم، لفعالية الله، إلا في الحالات التي يرى فيها أنه من مصلحته، ذكر هذا الأمر، لإرضاء بعض من يخاطبهم، عملاً بمنهجه البراغماتي.. في خطابه في الغرب، وهو الخطاب الأساسي لا يوجد شيء سوى تغييب الله.
إبعاد الله تعالى، عن المركز، يقوم على نظرية أساسية عند النعيم، هي (الواسطة) البشرية، التي يُرجع إليها كل شيء، حتى الدين نفسه!! وهذا تفكير عقيم، لا يستقيم عقلاً، إذ كيف تحجب الواسطة من وسَّطَها؟! الأمر الطبيعي هو أن تنفذ الواسطة، توجيهات من وسَّطَها، خصوصاً إذا كان من وسَّطَها على كل شيء قدير، وأنه عزيز، بحيث لا يُعصى إلا بأمره.. والقضية، ليست واسطة، وإنما هو خليفة، هكذا سماه الله تعالى في القرآن.. وقد بعد النعيم تماماً، عن استخدام كلمة خليفة، لأنها تتضمن، طاعة من خلفه، والعمل وفق مرضاة مخلفه.. والنعيم يريد (واسطة) تتمرد على من يوسطها، وتبعده عن الفاعلية.
في الإسلام، الاختلاف الأساسي بين الخالق والمخلوق هو، أن الخالق مستغنٍ تماماً، وعلى العكس من ذلك، المخلوق في حاجة مطلقة لخالقه، ولا يستطيع أن يستغني ولو للحظة.. وهذا هو معنى القيومية.. أما النعيم، فالصورة عنده معكوسة: المخلوق الإنسان مستغنٍ عن ربه.. والخالق في حاجة (للواسطة البشرية) ، ولا يستطيع أن يتجاوز الطبيعة والوجود المادي!!
الإنسان:
عندما أبعد طرح النعيم الله عن المركز، وجاء بالواسطة البشرية، هل يريد أن يجعل الإنسان في المركز؟! الواقع النعيم، كجميع التفكيكيين، يرفض المركز، بصورة مبدئية، وهو كما أبعد الله يبعد الإنسان من المركز.. أسمعه يقول: "القاعدة العالمية والعامة فيما يخص الإنسان هي أنه ليس هناك وجود لإنسان عالمي (كوكبي) وما دام أنه ليس هناك وجود لإنسان عالمي (كوكبي) فإننا نواجَه بمشكلة عندما نحاول إيجاد تعريف مفهومي لحقوق الإنسان العالمي".. واضح أنه يعني، بقوله بعدم وجود إنسان عالمي، عدم وجود إنسانية واحدة مشتركة الخصائص، يمكن تعريفها، تعريفاً تنبني عليه حقوق الإنسان، بصورة عالمية، ترجع إلى ما هو مشترك بين الناس.. بمعنى آخر، هو يعني أنه لا توجد طبيعة إنسانية مشتركة، وإنما البشر، أفراد مختلفون في خصائصهم.. وبالطبع هذه مغالطة فجة .. الأمر البديهي هو أن البشر، جنس واحد، يرجع الى أب واحد، وأم واحدة، وهم جميعاً يشتركون في نفس الخصائص، مع وجود اختلاف الدرجة.. فجميع البشر، لهم خاصية واحدة، تميزهم عن بقبة خلق الله، هي العقل المركب في النفس.. حتى من ناحية انثربولوجية، البشر، هم الإنسان العاقل homo sapiens، ولهم خصائصهم التي تميزهم عن الرئيسيات، التي يتفرعون منها.. فالأمر عكس ما يزعم النعيم، الإنسان كائن كوكبي، بمعنى انه جنس واحد، له خصائص مشتركة.. النعيم في الواقع (يقطع) أي شيء من رأسه، ويجعله حقيقة مطلقة، فمفهومه هذا الخاطيء عن الإنسان، جعله (القاعدة العالمية العامة)!!
هنالك ملاحظة أساسية، في طرح النعيم، هي أنه دائما يبني على الاختلاف يبني على ما يفرق، لا على ما يجمع.. وهذا في سبيل توكيد نسبويته.. وهو من أهم مباديء ما بعد الحداثة، التي تقوم على التعدد، والاختلاف، والتشظي بصورة مبدئية.. أهم مباديء ما بعد الحداثةأد. النعيم يريد أن يقول: أنه لا يوجد مجتمع بشري، وإنما يوجد أفراد، مختلفون وكل منهم نسبوي.. وقد كرر ذلك كثيراً.. فالنسبوية، عنده، ليست أمراً خاصاً به، وحسب، وإنما هي مبدأ عام، ينطبق على كل الناس، وهو في ذلك يقرر بوضوح: "فيما يتعلق بالمفهوم فالسؤال ببساطة هو: كيف تكون الحقوق عالمية، في حين لا يوجد إنسان عالمي، أم ترى أن هناك إنسان عالمي (كوكبي)؟ ثم من يعرف ذلك الإنسان الكوكبي؟ وهنا تكمن فيما أعتقد صعوبة الحديث عن حقوق الإنسان العالمية، أو عن عالمية حقوق الإنسان.. أعتقد أن ما سأحاول توضيحه هنا هو أن الشيء العالمي والوحيد بخصوص الإنسان هو أنه لا يوجد إنسان عالمي (كوكبي)، وأعني بهذا أن الفرد البشري، له خصوصيته الخاصة، والذاتية، بصورة تجعل من التناقض والمبالغة الزعم بوجود مفهوم ل (إنسان كوكبي)" _2_
واضح أن، حديثه هو عن مفهوم الإنسان، وهو يزعم أنه من المبالغة (الزعم بوجود مفهوم [لإنسان عالمي]).. وهو يريد أن يقول بزعمه هذا، ما ذكره في النص بقوله (وأعني بهذا أن الفرد البشري له خصوصيته الخاصة، الذاتية، بصورة تجعل من التناقض والمبالغة الزعم بوجود مفهوم [لإنسان عالمي]..).. يعني هنالك أفراد فقط، لهم ذاتياتهم الخاصة التي تتمايز بالصورة التي تجعل الحديث عنهم كجماعة هو مجرد مبالغة، وتناقض!! حتى هذه المفارقة، النعيم ليس فيها أصيلاً، وإنما هو مجرد ناقل.. فهنالك، في الفكر الغربي، من ينفي وجود المجتمع، فمثلاً، تاتشر، قالت: لا يوجد مجتمع إنما هو الفرد.. ومن ينفي المجتمع بهذه الصورة، لا يحق له أن يتحدث عن حقوق الإنسان، ولا عن الدولة، فإن الحديث في هذه المجالات، يتعلق بالفرد والمجتمع بصورة لا لبس فيها.. وهذا الرأي، الشاذ، وغير الموضوعي، يجعله النعيم الرأي الذي لا رأي غيره!!
وانطلاقاً، من فهمه، هذا السقيم، يجعل النعيم كل الناس نسبويين، فهو يقول: "أود أن أقول شيئا هنا ربما يمكنكم البناء عليه في النقاش الذي سيتبع.. أنا أعتقد، مثلما بعضنا على علم ، بكل تأكيد، بهذا الشد والجذب حول عالمية ونسبوية حقوق الإنسان، وأحب أن أعلن أن موقفي في ذلك هو أننا كلنا نسبويون.. ليس هناك أناساً عالميين (كوكبيين)"_2_ والنتيجة التي يريد النعيم أن يصل إليها، أنه لا يوجد إسلام عام، يخاطب كل الناس، في وقت واحد، لأنه لا يوجد إنسان عام (إنسان كوكبي)، فإنما هنالك إسلام نسبوي، يفهمه كل فرد، وكل مجموعة، بصورة خاصة تختلف عن الآخرين وقد أوردنا قوله بأنه لا يوجد تعريف للإسلام وعليه لا يوجد إسلام صحيح وإسلام غير صحيح، فالأمر كله، عنده، يتوقف على الرؤية الذاتية.. ولا حتى شريعة واحدة لكل المسلمين.. فإسلام كل فرد هو ما يراه هو إسلام، وقد أوردنا قوله: "عندما أقول ديني، وهو الإسلام، فإني لا أتحدث عن الإسلام بصورة عامة، أو الإسلام بالنسبة للمسلمين الآخرين، وإنما أتحدث عن الإسلام الشخصي. ذلك أنه بالنسبة لي الدين يجب أن يكون شخصيا. لا يمكن له أبدا أن يكون غير شخصي. لا يمكن للدين أبدا أن يكون غير التجربة الفردية والشخصية للإنسان" .. وقد سبق أن ذكرنا أن هذا يتعلق بالتحقيق، فالتحقيق فردي، ولكن الخطاب بالإسلام، هو خطاب عام لكل الناس.. والشريعة التي يقوم عليها التطبيق والتحقيق هي عامة لكل الناس، ومن المستحيل أن يكون الأمر خلاف ذلك، بداهة.. فالخطاب بالدين لا يكون لكل فرد على حدة.. وفي الشريعة، التي يقوم عليها العمل الفردي والجماعي، الصورة واحدة، ومحددة تماماً.. فالصلاة، والصوم، والحج، لابد أن تؤدى بهيئة واحدة عند الجميع، وكما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم.. وكذلك القيم: الصدق، والأمانة، ونقيضهما الكذب والخيانة،هي قيم واحدة، ومخاطب بها كل المسلمين، ومن بعدهم كل الناس، فالأولى مأمور بها، والثانية منهي عنها.. فلا مجال، في الشريعة، لأن يمارس الإنسان الكذب والخيانة، ويقول هذه رؤيتي الذاتية!! وكذلك الأمر في العقيدة، الخطاب لكل المسلمين، فلا أحد يدخل الإسلام إلا بعد الإيمان، بأركان الإيمان جميعها، ولا مجال لأن يؤمن ببعض هذه الأركان، ويترك البعض الآخر، على اعتبار أن هذه رؤيته الذاتية.. فقول النعيم هذا، يلغي الدين تماماً، ويلغي الشريعة، ويلغي الأخلاق.. وسنرى مدى خطورته عندما نتحدث عن الأخلاق.. يقول النعيم: "إذن بالنسبة لي، فإن مسألة كون المرء مسلما، وفيما يخصني أنا، ومنذ بدء الإسلام، قد كانت هذه الدعوة إلى الذاتية في أن أحدد لنفسي، ما هو ديني.. أن أحدد لنفسي كيف يكون التزامي بحقوق الإنسان، وما هي دوافعه.. ولكني لا أقول، بأي صورة من الصور، أن هذا الأمر يجب أن ينطبق على كل شخص آخر.. على كل شخص أن يحدد لنفسه، بنفسه، لماذا يلتزم بهذه الحقوق.."_2 _ عملياً، وبخلاف ما يزعم، هو يحدد لكل الناس!! قوله أن الأمر كله ذاتي، وهذا ينطبق على كل الناس، هو تحديد أمر خطير جداً، ولكل الناس.. فعنده تحصيل الأمر كله لا يمكن أن يكون غير ذاتي، بالمعنى الذي يتحدث به، (لأننا نسبويون كما زعم) .
هذا إلغاء للدين، وإلغاء للأخلاق، وإلغاء للإنسانية، وإلغاء لكل ما يمكن أن يكون مشتركاً بين البشر.. هذا هو مفهوم النسبوية عند النعيم، ومفهوم الواسطة البشرية عنده، وسنرى نتائجه الخطيرة جداً، عندما نتحدث عن الأخلاق.
ولكن، إذا كان لا يوجد إنسان بصورة عامة، هل توجد طبيعة بشرية؟ حسب مفهوم النعيم عن الإنسان، يفترض أنه لا توجد طبيعة بشرية، لأن المقصود بطبيعة بشرية الأمر المشترك بين جميع البشر، وثابتاً عندهم، بالصورة التي تسمح بأن يقال عنه طبيعة.. ولنرى بعض أقوال النعيم في هذا الصدد، هو يقول، مثلا: "وقد جُبِل الإنسان كذلك على الاختلاف مع الإنسان الآخر، فلا يتفق اثنان على أمر إلا في حدود ضيقة ولوقت محدد. وبالتالي، فكلما ذهبنا إلى التفصيل في الفهم والاستمرارية والمواصلة في العمل، وكل ذلك ضروري ولازم في أمور الحكم والإدارة والقضاء، زادت احتمالات الاختلاف. وكذلك من طبيعة الإنسان أنه لا يحتمل النقد ولا يصبر على الاختلاف في الرأي، بل بدايات الاختلاف نفسها تبعث على دواعي المزيد من الاختلاف واحتمالات الفجور في الخصومة".. ففي قوله (وقد جُبِل الانسان..)، كلمة (جُبِل) تعني خُلِق مطبوعاً، وهي تفيد أن هنالك طبيعة بشرية، لكن بقية الكلام يفيد أن هذه الطبيعة تقوم على الاختلاف، وهو اختلاف لأنه طبيعة عند النعيم لا يمكن تجاوزه.. أسمعه يقول: "الصراع الإنساني والاختلاف هي الصفة اللازمة للطبيعة البشرية، وستبقى كذلك حتى يوم القيامة.." وهذا يعني أن هنالك طبيعة بشرية، وهذا أمر يناقض الفكرة التي تقوم على عدم وجود انسان كوكبي..على كلٍ الطبيعة البشرية، عند النعيم، طبيعة سلبية، تقوم على الاختلاف والصراع الدائمين، وعنده، هذه سنة الله في البشر، فهو يقول: "الاختلاف هو سنة الله سبحانه وتعالى في البشر، ولن ينتهي بحكم نصوص كثيرة في القرآن"..
والطبيعة الإنسانية هذه، عنده، غير مقدسة، إلى الحد الذي معه، عندما يدخلها المقدس القرآن يصبح هو نفسه غير مقدس، فهو يقول: "ليس هناك نص مقدس، نحن نتكلم عن القدسية، وعن القرآن منزل، ولكن عندما يدخل القرآن العقل والتجربة البشرية ما عاد نص مقدس".
والطبيعة البشرية، عند النعيم، على افتراض وجودها، هي طبيعة شريرة، وتستعصي على الإصلاح، بحيث يستحيل معها العدل والمساواة ونصرة المستضعفين.. يقول النعيم: "لا يمكن لأي مؤسسة بشرية أن تحقّق الحياد والمساواة وحقوق المستضعفين، وهذا هو خطأ جوهري في زعم الدولة الدينية.. هنالك من يدّعي أن الدولة الدينية خالية من الفساد والغرض والهوى، وأنا (عبدالله أحمد النعيم) أقولُ من يزعم هذا إما مضللٌ لنفسه، أو مخادعٌ للناس، لا يمكن أن يتم ذلك لبشر، وأنا أصرُّ على الاحتفاظ بالطبيعة البشرية للدولة".. وهذا يعني أن هنالك طبيعة بشرية، لا يمكن تجاوزها، وهذه الطبيعة تقوم: على الفساد والغرض والهوى، بصورة لا يمكن تجاوزها، ويستحيل معها تحقيق الحياد والمساواة وحقوق المستضعفين.. فالمستضعفين، والمظلومين، مكتوب عليهم البقاء على حالهم سرمداً، لأن الطبيعة البشرية هذه الشريرة لا تتغير.. وبالطبع هذا انتصار واضح لفرعون وهامان وجنودهما.. وإذا قال الله تعالى: "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ"، فإن النعيم يحكم على قول الله هذا بالاستحالة، فهو يعرف طبيعة البشر، أكثر من ربهم!! الله تعالى يأمر بالعدل والإحسان والمساواة، ويبشر المستضعفين، بالمنة، بنصرهم وزوال استضعافهم.. ود. النعيم يزعم أن كل هذا الذي يقول به الله تعالى، أمر مستحيل، ومن يقل به إما مضلل لنفسه أو مخادع للناس!! فمن منهما الإله؟!
في الإسلام الإنسان كائن أخلاقي، وبداية إنسانية الإنسان هي سيطرة العقل على الشهوة، وهذه هي بداية الأخلاق، والحد الفاصل بين الحيوان والإنسان.. فالحيوان تسيره غرائزه وشهواته، والإنسان يسيره عقله.. ثم يتسامى الإنسان في تحقيق إنسانيته، بالتسامي في الأخلاق عن طريق حسن التصرف في الحرية، مستهدفاً الحرية الفردية المطلقة، عن طريق التخلق بأخلاق الله، فهو تعالى، وحده الحر حرية فردية مطلقة، وأخلاقه تعالى، كما وردت في القرآن، هي أفضل الخلق، وسبيل الإنسان للتخلق بهذه الأخلاق، هو اتباع وتقليد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كانت أخلاقه القرآن وكل هذا ما يتنكر له النعيم، وينكره.
هذا عن إنسان القرآن، أما إنسان د. النعيم، فهو يهبط دون الحد الأدنى للأخلاق، وهو كما قلنا: سيطرة العقل على الشهوة، ولذلك، توجهه هو توجه نحو الحيوانية، وليس نحو الإنسانية، وهذا ما سنراه عندما نتحدث عن الأخلاق.
العقل:
هل فكك طرح النعيم، الإنسان، وأبعده عن المركز، لمصلحة العقل؟! هذا، بالطبع، ما لا يمكن أن يكون، لأن إبعاد الإنسان عن المركز هو إبعاد للعقل.
العقل في الإسلام، هو أساس الدين، وهو الذي به تميز الإنسان عن الحيوان، وعليه قام التكليف فأصبح للإنسان ذكر، بعد أن لم يكن.. قال صلى الله عليه وسلم: "ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من العقل"..وقال لعليٍّ رضي الله عنه: "إذا تقرب الناس إلى الله بأنواع البر، فتقرب أنت بعقلك".. وقال: "إن الأحمق يصيب بجهله أكثر من فجور الفاجر، وإنما يرتفع العباد في الدرجات الزلفى من ربهم على قدر عقولهم".
والعقل عقلان، عقل معاد، وعقل معاش.. وعقل المعاش هو العقل قبل أن يهذب ويروض..أما عقل المعاد، فهو نفس عقل المعاش، بعد أن تم تهذيبه وترويضه، عن طريق العبادة، والتربية الدينية.. والدين يُفهَم عن طريق عقل المعاد، وليس عن طريق عقل المعاش.. نصيب عقل المعاش من الدين، هو العقيدة فقط، ولا نصيب له في المعرفة، والنعيم أبعد العقيدة!!
رأينا أن النعيم، منذ البداية اعتمد على ما اسماه المنطق المدني، وأبعد عقل الدين، على اعتبار أنه يقوم على العقيدة.. وهو ضد التفكير الديني، بصورة صارخة، وعنده التفكير الديني بطبيعته تفكير ذاتي وليس موضوعي.. وهو التفكير الديني عاجز عن حل مشكلات الدولة الحديثة، لقصوره، فهو يقول: "وتتطلب طبيعة ودور قانون الدولة، في الدولة الحديثة، تداخل عدد كبير من المشاركين والعوامل المعقدة، التي من غير الممكن احتواؤها بمنطق إسلامي عقيدي".. ويقول: "بعبارة أخرى الدولة العلمانية قادرة على توحيد المجتمعات المتباينة عقائدياً، عملياً، في مجتمع سياسي واحد، لأن متطلباتها الأخلاقية، قليلة، ومحدودة، لذلك هي أقل عرضة لأن تكون مصدر اختلاف رئيسي بين المواطنين".
وعقل المعاد، بالمعنى الذي ذكرته مستبعداً عند النعيم.. فهل عقل المعاش عنده، يقع في المركز؟! لا.. ولا هذه!! فهو أساساً لا يرى مركزاً.. وطالما أنه أبعد الإنسان من المركز، وفككه، بالصورة التي رأينا، فهو بالضرورة يبعد العقل من المركز، إذ لا يمكن الفصل بين الإنسان وعقله.. فعقلانية النعيم، هي عقلانية ما بعد الحداثة، والعقلانية البراغماتية، وهذه تقوم على العقل الأداتي.. وفي الواقع العقل الأداتي، هو تفكيك للعقل.. وقد تعرض العقل الأداتي، إلى نقد شديد، من أصحاب (النظرية النقدية) أو مدرسة فرانكفورت، ومما جاء في نقدهم، قولهم بأن العقل الأداتي : "هو تحويل مسار العقلانية من الكشف والابتكار، والتفكير في قراءة مستقبلية لحياة أفضل، إلى أداة تكتسب وجودها لغيرها لا لذاتها".. "وقد وجد رواد النظرية النقدية في هذا التحول تعطيلاً متعمدا لآليات الارتقاء العقلاني، وجموداً في النتاج الفكري، لأنه سيكون محكوماً بقالب لا يحيد عنه، وفقاً لرغبات المصالح الكبرى التي تنظمها الشركات الإنتاجية العالمية، طبقاً لما تراه مناسباً.
وبهذا المنطق تحول العقل الغربي حسب فرانكفورت إلى عقل مؤسساتي بارد، لم يعط الفرصة للعقل الديني للدخول إلى الساحة الاجتماعية العامة، وتعمد فصله عن ميادين السياسة والاقتصاد، وهذا العقل، أي المؤسساتي هو (عقل الثروة) الذي صار يملك السلطة، لأنه يملك اسباب بقائها، وأسباب التأثير على الجماهير" ص 213 (الأسس الفلسفية لنقد ما بعد الحداثة) د. محمد سالم سعد الله
وموضوع الذاتية والنسبوية، يعطي تصوراً كافياً عن العقل عند د.النعيم.
القرآن والسنة:
طالما أن الدين، من حيث هو، عند النعيم، علماني وصناعة بشرية، فمن باب أولى القرآن والسنة.. وقد سبق أن رأينا أنه يقول أن القرآن ليس موحاً به من الله بصورة صرفة!! وأنه عندما يدخل العقل يصير غير مقدس
وعلينا أن نتذكر حديثه عن الواسطة البشرية، ودورها.. والواسطة البشرية، بالنسبة للإسلام، وللقرآن، هي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند المسلمين مقدس، وينبغي أن يكون مقدسأ، وقد أمر الله تعالى بالصلاة عليه.. وتقديس النبي صلى الله عليه وسلم، شرط ضروري لسلامة العقيدة، وحسن الاتباع والتقليد.. وبدون هذا التقديس، قد يكون التقليد بغير جدوى.. ومعلوم أن مجرد رفع الصوت فوق صوت النبي، والجهر له بالقول يحبط العمل، ولكن النعيم يرفع القداسة عن كل شيء، فهو قد قال: "أنا بصدد رفع القداسة عن كل فكر أو عمل بشري..".. وبالطبع د.النعيم، كما رأينا، لا يفرق في نقده بين نص ديني أو غير ديني، وهذا أمر طبيعي طالما أنه قد رفع القداسة.. ومن أقواله عن القرآن: "القرآن لا يقرر بوضوح نتائج مسألة معنى الإيمان بالدين نفسه مثلاً، ما معنى تأكيد المسلم للإيمان بأن (لا إله إلا الله)، ماذا يعرف المؤمنون أو ما الذي يفترض بهم أن يعرفوه، عن، الله؟ وما هي النتائج المترتبة على الإيمان بوحدانية الله بالنسبة للممارسة الشخصية للمسلم وسلوكه، سواء على المستوى الشخصي الخاص أو مستوى العلاقات الإجتماعية/ الإقتصادية العامة والمؤسسات والعمليات السياسية؟ من لديه سلطة الفصل في الخلافات التي لا يمكن تجنبها حول هذه القضايا والقضايا الأخرى بعد موت النبيِّ صلى الله عليه وسلم وكيف؟ وبدلاً من توفير الإجابات لمثل هذه الأسئلة، يترك القرآن المسلمين أحراراً ليناضلوا مع القضايا بأنفسهم".. النبي، صلى الله عليه وسلم، بعد موته، ترك لنا سنته.. والنعيم، عضو في جماعة تسمى (القرآنيين) وهؤلاء، يقولون صراحة، أنهم، لا يأخذون بالأحاديث النبوية، وعملياً النعيم لا يرجع للأحاديث..
في الواقع الاجابات، على كل ما ذكره النعيم، متوفرة، بين القرآن والسنة بصورة واضحة، وعليها يقوم إسلام المسلم، ولكن النعيم يفتعل قضية عدم توفر الإجابات، ليفتح الباب للإجابات الذاتية النسبوية.. ويواصل من نفس النص ليقول: "من الصحيح أن لديهم توجهات عملية إضافية في السنة النبوية أو نموذج النبي، عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا أيضاً له إبهاماته وغموضه"!!. في الواقع لا يوجد أي إبهام او غموض فيما يتعلق بالنموذج النبوي.. وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم معروفة عند جميع المسلمين، بصورة مفصلة، وهو في هذا الصدد لا يدانيه أي عظيم في تاريخ الحضارة البشرية.. السيرة النبوية محفوظة في العقول، ويتغنى بها المسلمون شعراً، بصورة فيها كثير من التقديس، كما أنها محفوظة كتابة في كتب الأحاديث الصحاح، وفي كتب السيرة.. فقول النعيم هو مغالطة فجة، يكذبها الواقع.. ويقول عن القرآن: "وبعبارة أخرى، فإن الواسطة البشرية كانت جزءاً لا يتجزأ في وحي وتبيين وتطبيق الإسلام منذ بدئه في القرن السابع".. وعن الفهم النسبوي للقرآن يقول: "ربما يكون الله قال لك هذا، ولكن بالنسبة لي ربما يكون لم يقل أو لم تقل، أو ربما ذلك الإنسان أساساً لا يؤمن بالله".
النص المنقول أعلاه، نموذج لقراءة النعيم التفكيكية للقرآن، فالأسئلة التي طرحها وزعم أنه لا توجد لها إجابات واضحة، في القرآن، هي أساس الدين كله، والإجابات عليها في القرآن والسنة، وافية، وواضحة ومفصلة.. ومعلوم أن السنة وحي، فالنبي صلى الله عليه وسلم، كما أخبر عنه القرآن (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى)، ولكن النعيم يستبعد السنة بصورة واضحة.. فبالنسبة ل (لا إله إلا الله) التي ينكر النعيم أن القرآن، توفر على معناها، للأستاذ محمود كتاب اسمه (لا إله إلا الله)، كله عن معنى لا إله إلا الله، وفي كثير من الكتب، يرد حديث مفصل، من القرآن والسنة، عن معنى (لا إله إلا الله)، خصوصاً في كتاب (القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري).. ومن لا يعرف معنى لا إله إلا الله، لا يعرف شيئاً عن الإسلام ولا يمكن أن يعرف. ومثل هذا الشخص لا يحق له أن يتكلم عن الإسلام، فلا إله إلا الله هي الركن الأساسي في الإسلام!!
النعيم ينكر ما هو وارد في القرآن بوضوح، وببساطة شديدة، ومن أوضح الأمثلة على ذلك، قوله من كتابه (علمانية الدولة): "كما أن القرآن دائما يخاطب الفرد المسلم والجماعة المسلمة، ولا يخاطب مؤسسة أو هيئة يمكن وصفها بأنها الدولة، ولا يستقيم من الناحية المنطقية أن يخاطب القرآن غير الإنسان المكلف شرعا"!!
من المستبعد جداً أن يكون النعيم لا يعلم أن القرآن يخاطب غير العاقل بمقاييسنا نحن فالأمر بديهي بالنسبة لكل مسلم، ثم إن النعيم قد ترجم كتاب الرسالة الثانية وورد فيه مثلاً، قوله تعالى: "إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، وحملها الإنسان، إنه كان ظلوماً، جهولاً" ..وقوله تعالى لنار ابراهيم: "يا نار كوني برداً وسلاماً على ابراهيم" قول مشهور جداً.. فالراجح إذن، هو أن النعيم، يقرأ القرآن قراءة تفكيكية تقوم على إطلاق سلطة المتلقي أو القاريء، دون أي اعتبار للكاتب، وقصديته، ولا حتى للغة.. وهذا أمر متكرر عند النعيم، فهو مثلاً يُعرِّف الجهاد، بقوله: "لمصطلح الجهاد معانٍ كثيرة، كما أن هنالك عدة متطلبات لصحة ممارسته.. وأنا هنا استخدمه لأعني به: الاستخدام للقوة من جانب واحد من قبل المسلمين لتحقيق أهداف سياسية خارج الإطار المؤسسي للشرعية الدولية، وخارج حكم القانون بصورة عامة"!! واضح أنه يتحدث عن الجهاد بالسيف في الإسلام.. وتعريفه هذا، لا علاقة له من قريب أو بعيد بالجهاد الإسلامي.. وإنما هو تعريف، يمليه الغرض، في إدانة الإسلام، تقرباً للغربيين.. والتعريف يحاكم الجهاد، في القرن السابع، بمفاهيم عصرية لم تكن موجودة، مثل (الشرعية الدولية).. المهم أن تعريف النعيم يتجاهل تماماً تعريف النبي صلى الله عليه وسلم للجهاد.
وفي نفس الاتجاه يجيء قول النعيم عن دولة المدينة انها سياسة وليست دين: "دولة المدينة هي دولة سياسية، وليست دينية..." .. هذه قراءة تفكيكية، تتجاوز مسلمة أساسية، يقوم عليها الإسلام، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يعمل عملاً هو ليس بدين، خل عنك أن يكون كل عمله في دولة المدينة ليس ديناً!! وهذا الاتهام من الكبائر، لطعنه في المعصوم، وتكذيبه للقرآن، الذي وصف المعصوم بأنه (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) وما يكون بوحي الله هو دين بالضرورة.. كما أن الله تعالى، يقول عن المعصوم: "قل إن صلاتي، ونسكي ومحياي، ومماتي، لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين".. فكل عمل يعمله النبي صلى الله عليه وسلم هو دين، ومن يقل بخلاف ذلك من المسلمين، هو رجل فاسد العقيدة، يقيم نبيه ويحكم على عمله العام، بأنه ليس ديناً!! وهذا بعيد جداً، عن أوليات أدب الدين.
الشريعة:
للشريعة أهمية خاصة، لأنها الحد الأدنى من التكليف الديني، ولأنها تقوم على النصوص المحكمة، فلا مجال للاختلاف حولها بين المسلمين، إلا في بعض التفاصيل.. ولأنها الأساس الذي تقوم عليه الأخلاق، والأخلاق هي الدين، وهي إنسانية الإنسان.. ثم لأن النعيم، يزعم أن للشريعة، في طرحه مستقبل مشرق.. ولقد مضى وقت طويل، وأنا أرد على كتابات د. النعيم، وكنت أظن أنه ضد الدولة الإسلامية، ولكنه لا ينكر ولا يتنكر للإسلام في مستوى الشريعة، كعلاقة بين العبد وربه في العبادة والمعاملة، ولا ينكر القيم الأخلاقية في الإسلام.. وكانت فاجعتي كبيرة، حين اكتشفت أنه حتى هذه يتنكر لها، ويشوهها، بصورة لا تقل عن تشويه غيرها، إن لم تزد!!
تفكيك النعيم للشريعة، هو من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى جهد في إبرازه.. هو يذكر في أقوال كثيرة، أن الشريعة عمل بشري، وليست موحا بها من الله.. وهذا أمر طبيعي طالما أن الدين عنده صناعة بشرية، وعلمانية، فمن باب أولى أن تكون الشريعة كذلك.. ولذلك نحن سنورد القليل من نصوصه حول الشريعة لبيان تفكيكه لها، فهو يقول، مثلاً: "إن الطبيعة الأصيلة للشريعة هي كونها ناتجاً للتأويلات البشرية"..ويقول: "وكل ما يدركه المسلمون اليوم من تصورات للشريعة، حتى تلك التي ينعقد عليها إجماعهم، ما هي إلا آراء بشرية عن معنى القرآن والسنة".. ويقول: " بما أن التفاسير التقليدية للشريعة هي نتاج جهد بشري، وليست وحياً إلهياً، فإنها قابلة للتغيير.."
والقول الحاسم، في موقف النعيم من الشريعة، هو قوله: "ولكن النقطة الأخرى التي أود أن أدلي بها هي أنني سأظل أعترض على، وأنازع، أي شيء يوصف على أنه موقف الشريعة الثابت والراسخ، حتى في مجال العلاقات الاجتماعية، وليس فقط في المجال القانوني. ووجهة نظري في ذلك هي أن الشريعة وجهة نظر إنسانية.. وبعبارة أخرى، الشريعة علمانية. وأحد المواقف التي أحاول أن أدعمها هو رفع القداسة عن مفهوم الشريعة، واعتبارها نتاجا للتطور التاريخي والتجربة التاريخية. إن الشريعة ليست مقدسة.. إننا نتحدث عن الدين كشيء مقدس، ولكن المقدس عندما يدخل في العقل البشري، ما عاد مقدسا. لذلك، من أجل أن يكون للدين انطباق في حياتنا، يجب أن يكون علمانيا، نظرا لدخوله في العقل البشري والتجربة البشرية "_2_.. هذا كلام واضح جداً.. الملاحظة المبدئية هي أن كل شيء يدخل العقل البشري، والتجربة البشرية، هو عند النعيم علماني، وغير مقدس، وصناعة بشرية.. وبالطبع، لا يمكن أن يكون هنالك دين، لا يدخل العقل البشري والتجربة البشرية.. فالدين، أي دين، وكل دين، هو أساساً خطاب للعقل البشري، بما ينبغي أن تكون عليه التجربة البشرية، ووفق قيم الدين وتوجيهاته.. وعليه، وفق مفهوم النعيم، كل دين، عبر تاريخ البشر، هو علماني، غير مقدس، ومن صنع البشر.. وبالطبع هذا نفي تام، لجميع أديان التوحيد، من آدم وإلى محمد صلى الله عليهم وسلم جميعاً.
النعيم، يزيف التاريخ، ويجعله، بغير حق، يعبر عن فلسفته.. ففي مقدمةٍ كَتَبَها، لكتاب أصدرته تلميذته ميلودي، جعل النعيم الإسلام، لا يعمل على تغيير التقاليد والعادات الدينية، لتتوافق مع ما جاء به، وإنما هو الذي يتكيف معها!! يقول من تلك المقدمة: "إن النجاح التاريخي المميز للإسلام كدين عالمي يمكن أن يُعزى بصورة كبيرة إلى مقدرة الإسلام على التكيف مع التقاليد والعادات الدينية والثقافية للمجتمعات التي يسعى للانتشار فيها"!! _3_ هذا مجرد كذب مفضوح، فالإسلام عبر التاريخ يفرض على المسلمين نموذجه، ولا يرضى بغيره، وينهى عن التشبه بأصحاب الأديان الأخرى، بما فيها الأديان الكتابية، ولو في الشكل والمظهر، مثل الزي، واللحية والشارب.. والإسلام في القرن السابع فرض شريعته بقوة السلاح، قال صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها، وأمرهم الى الله " .. والحديث مأخوذ من آية السيف.. ولو كان الإسلام يتكيف مع التقاليد والعادات الدينية والثقافية لما وجد إسلام قائم حتى اليوم.. غرض د.النعيم، من هذا الزعم الباطل، هو القول بعدم وجود إسلام واحد، لا في الفكر ولا في الممارسة، وذلك، بغرض اخضاع الإسلام للقيم والتقاليد الثقافية الأمريكية، حتى في أقبح صور مفارقاتها لقيم الدين.. فالإسلام، حسب زعمه، ليس طريقة واحدة، لا في الفهم ولا في الممارسة، أسمعه يقول، من نفس المصدر (ولدى التحليل النهائي، فإن الرسالة التي ترسلها ميلودي، بفعالية شديدة، عبر أحاديث شخوصها، هي أن هنالك طرق لا حصر لها لفهم وتطبيق الإسلام..)!! ومن هذه الطرق لفهم وتطبيق الإسلام حسب شخصيات ميلودي في كتابها، المشار إليه، ألا يلتزم المسلم فيها، بأي شيء من أوامر ونواهي الإسلام، ولا حتى المحرمات، ومن شخصيات الكتاب المذكور، شخصيات تصرح، بأنها عملياً، تمارس كل صور الجنس، خارج مؤسسة الزواج!! وكل هذا عند النعيم، وتلميذته، من الإسلام!! ونحن لنا عودة لهذا الكتاب، ومقدمة النعيم له.
عند النعيم، الإسلام دائماً تابع للثقافة والتقاليد التي يوجد فيها، وليس له أي فهم محدد، ولا تطبيق محدد، يطالب به أتباعه.. فكل الطرق، التي يأخذ بها المسلم، من اي دين أو ثقافة، هي إسلام.. وكل هذا ليصل، النعيم، إلى أن هنالك شيء اسمه الإسلام الأمريكي.. وهو ما يدعو له!! ونحن سنرى ذلك في موضعه.
هكذا يفكك النعيم جميع أسس الدين، بصورة مبدئية ونهائية.. ونحن يعنينا بصورة خاصة تفكيكه للأخلاق.. وأعتقد أنه واضح جداً، مما تقدم، الأسس التفكيكية للأخلاق، عند النعيم.. ولكننا، سنعرض موقفه العملي، وتبريراته النظرية للأخلاق، بصورة أوضح وأوكد.
المراجع:
1. المرجع: ذي أميركان لو ريفيو (العدد 44: صفحة 1383)
The American University Law Review (Volume 44:1383
الرابط:
http://digitalcommons.wcl.american.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1490&context=aulr
2. من محاضرة عنوانها (من هو الإنسان في حقوق الإنسان) ألقاها النعيم في المؤتمر الذي انعقد في جامعة هارفارد بعنوان (Rethinking the Secular) في شهر أكتوبر 2007:
رابط المحاضرة:
WAR ON ERROR
Real stories of American Muslims
Melody Moezzi
The University of Arkansas Press
Fayetteville
2007
خالد الحاج عبدالمحمود
رفاعة في 21/9/2012م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.