5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    بنك الخرطوم يعدد مزايا التحديث الاخير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني إسراء سليمان تبهر المتابعين بإطلالة جديدة بعد عام من الغياب والجمهور يتغزل: (ملكة جمال الإعلام وقطعة سكر)    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية المتابعين.. الصحفي إبراهيم بقال يتجول رفقة بعض أفراد الدعم السريع داخل مكاتب الولاية وهو يحمل رتبة "فريق" وينصب نفسه والي لولاية الخرطوم    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    المريخ يوقِع عقداً مع شركة (Sport makers)    مفاوضات الجنرالين كباشي – الحلو!    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    محمد وداعة يكتب:    عالم «حافة الهاوية»    مستشفي الشرطة بدنقلا تحتفل باليوم العالمي للتمريض ونظافة الأيدي    مليشيا الدعم السريع تجتاح قرية البابنوسة شرق مدني وتقتل وتصيب 8 أشخاص    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    تعرف علي أين رسم دافنشي «الموناليزا»    عقار يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    كوكو يوقع رسمياً للمريخ    برقو لماذا لايعود مديراً للمنتخبات؟؟    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول دعوة د. عبد الله أحمد النعيم 5. الواقع الحضاري وأزمة المفاهيم
نشر في سودانيزاونلاين يوم 28 - 09 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم
( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).. صدق الله العظيم
لا أزالُ أكتبُ في إطار الذاتية المفرطة، عند د. عبدالله، في جوانبها الهامة المختلفة.. ومن أهم، وأكبر هذه الجوانب، تعامل د. عبدالله مع الواقع، فهو لا يتعامل مع الواقع الحقيقي، وإنما مع واقع افتراضي، يفترضه من عنده، بصورة ذاتية، وهذا ينطبق، بصورة خاصة، على مجال المفاهيم، والتعريفات.. فقد رأينا أنه يقرر أن القول بدولة دينية يعني أن الدولة تستطيع أن تعتقد، وتنوي، وتمارس الشعائر الدينية، وهذا خطأ مفهومي، عنده.. علماً بأن الخطأ المفهومي خطؤه هو، وحده، فعبارة (دولة دينية) لا تعني، لغةً ولا اصطلاحاً، ما يذهب إليه هو، إذْ لم يقل بهذا المفهوم غيره.. وجدير بالذكر أن مفهوم (الدولة الدينية) مفهوم معروف، ومتداول، لدى جميع من تحدثوا عن الدولة.. ولكن كل هذا، عند عبدالله، ليس مهماً، وإنما المهم ما يقرره هو!!
وقد ظل في كل طرحه، وإلى اليوم، يبني كل اعتراضه على الدولة الدينية، على مفهومه هذا الخاص، ويحكم، بصورة حاسمة ونهائية، أنه ليس هناك وجودٌ لدولة دينية، لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل، فالموضوع، عنده، مجرد خطأ مفهومي، ولا يصح ديناً، ولا عقلاً، القول بدولة دينية!! وقد ذكرنا صوراً أخرى لأقواله في هذا الصدد.
جوهر طرح د. عبدالله يقوم على فصل الدين عن الدولة، وحياد الدولة، مع توكيد دور الدين في الجانب السياسي.. وهذا الجوهر، مثله مثل كل شيء في هذا الطرح، يقوم على واقعٍ افتراضي، يختلف تماماً عن الواقع الحقيقي، بصورة جلية.. ففصل الدين عن الدولة، في الحضارة الغربية، قائمٌ قبل أن يولد عبدالله، بزمن طويل، وبالتالي فإن المشكلة، أصلاً، لا وجود لها، إلا في طرحه.. أما بالنسبة للعالم الإسلامي، فالإسلام، اليوم، نفسه، غائبٌ عن حياة الناس.. ذلك أن المسلمين لا يعيشون قيم دينهم، وإنما هم يعيشون على قشورٍ من الاسلام، وقشورٍ من الحضارة الغربية.. هم، في معظمهم، يؤدون شعائر الدين، ولكنهم، في حياتهم، لا يتعاملون وفق قيم الدين، وإنما وفق قيم الحضارة السائدة، وهي قيم دنيوية، وليست دينية.. وبهذا المعنى هم تبع للعلمانية.. فالمشكلة بالنسبة للمسلمين تتلخص في ضرورة بعث الإسلام.. ولكن طرح عبدالله جعل المشكلة بالنسبة للبشر عامة، وللمسلمين خاصة، هي فصل الدين عن الدولة، وفي الواقع الدين _الإسلام وغيره_ غائب، والحضارة كلها تقوم على العلمانية، بصورة لا يمكن الخلاف حولها.. ولكن عند د. عبدالله، كل هذا غير مهم، وإنما المهم ما يقرره هو!!
في العالم الإسلامي لا توجد سوى ثلاث دول، تدّعي أن نظامها يقوم على الإسلام، هي السودان وايران والسعودية.. وثلاثتها، النظامُ فيها لا يقوم على الإسلام، وإنما هي تستغل الاسلام لأغراض السياسة، والمطلوب محاربتها من هذا المنطلق _منطلق أن ما تدعيه من إسلام هو غير صحيح دينا، وأنها تعمل عكس الإسلام، إذْ تجعل الدين وسيلة للدنيا.. وهذه الدول، قد بدأت أنظمتها في العد التنازلي، وهي لابد زائلة، قريباً، بإذن الله.. ولا شك أنه يجب مواجهة هذه الأنظمة، ومحاربة الإسلام السياسي بصورة عامة، ولكن أي مواجهة تكون من خارج الدين لا يمكن أن تكون فعالة.. فمثل مواجهة د. عبدالله لهذه الأنظمة، ولجماعات الإسلام السياسي، تزيدها قوة، نظراً لأن منطلقه، في المواجهة، خاطيء في ذاته، وأحكامه على الإسلام، هي أحكامٌ شديدة البطلان.. وبداهةً، لا يمكن أن يتوقع من المسلمين أن يستمعوا لمن يحكم بأن القرآن ليس موحىً من الله بصورة صرفة، ويقرّر أن عمل المعصوم، في دولة المدينة، كان كله سياسة وليس ديناً، ويعلن، أنه لا وجود أبداً لدولة دينية، لا في الماضي، ولا في الحاضر، وينفي إمكانية قيامها في المستقبل، إلى آخر تقريرات د. عبدالله، الفوقية، الشديدة البطلان.
ومن المعروف بداهةً، أنه ليتسنى معالجة أي مشكلة، لابد من تشخيصها أولاً التشخيص السليم، ثم وصف العلاج الصحيح وفق هذا هذا التشخيص.. إلا أن تشخيص د. عبدالله، منذ البداية، تشخيصٌ خاطيء.. فهو قد جعل مشكلة الإنسانية عامة، ومشكلة المسلمين خاصة، هي عدم فصل الدين عن الدولة، وخطر الدولة الدينية بمفهومه هو.. وهذا كله خارج الموضوع، كما يطرحه الواقع الحضاري، وبذلك تصبح المعالجة، بصورة مبدئية، خارج الموضوع أيضاً، وتذهب إلى مفارقات أبعد، في مجال الخطأ، من حيث قراءة الواقع، ومن حيث تقديم الحلول الذاتية.
ما هو الديني:
تحديد المفهوم الديني، عند عبدالله، يقوم على الذاتية المفرطة، ومفارقة الواقع في تحديد المفاهيم.. اسمعه مثلاً يقول: (ما تفرضه الدولة باسم الشريعة، هو بالضرورة مدني، ونتاج للإرادة السياسية للحكام لا للمرجعية الإسلامية، حتى وإن كان ممكناً الاتفاق على تلك المرجعية بين المسلمين)!! علمانية الدولة ص 34.. فعنده ما تفرضه الإرادة السياسية للحكام، لا يمكن أن يكون دينياً، حتى ولو قام على مرجعية دينية متفقٍ عليها!!
إذن ما هو الديني في نظر د. عبدالله؟!
لنبدأ، أولا، بتحديد ما هو الديني، عند عموم الناس، إذ هو: كل عمل تكون المرجعية فيه دينية.. مثلاً، أمر الله تعالى بالجهاد بالسيف، وقامت على ذلك دولة المدينة، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين.. وبالتالي، الجهادُ أمر ديني، رغم أنه ينفذ بإرادة الحكام.. وإرادة الحكام، هنا، لا تفعل شيئاً من عندها، وإنما تعمل وفق توجيه الله، تعالى، لها.. فالدين كله هو العمل وفق مرضاة الله.. وهي تظهر من خلال أوامره، ونواهيه.. فالعمل الذي يقوم على توجيهات الدين، هو بالضرورة ديني، وعلى خلاف ذلك، العمل الذي لا يقوم على توجيهات الدين، كأن يقوم على المنطق المدني مثلاً، هو بالضرروة غير ديني.. والإرادة السياسية للحكام، إذا أمرت، بمرضاة الله، كما هي في القرآن، والسنة _المرجعية الاسلامية_ فأمرها هذا بالضرورة ديني، لأنه لا يقوم على رغبتها هي، وإنما على توجيهات الدين..
أما بالتصور الذي يقوم عليه فهم عبدالله، والقائل بأن كل ما يقوم به البشر هو بالضرورة عمل مدني، فإنه لا يمكن أن يكون هنالك دين.. ذلك أنه، حتى الصلاة وجميع تشاريع العبادات، تقوم على إرادة بشرية، ولكن هذه الإرادة البشرية، خاضعة للتوجيهات الدينية، ونفس الأمر ينطبق على تشاريع المعاملات.
وبناء على هذا المفهوم، الشاذ، في لا معقوليته، يقرر عبدالله: (الغاية هي تأسيس وتوثيق القول بأن الدولة الوطنية لا تقدر على تطبيق الشريعة الاسلامية كقانون عام أو أساس للسياسة الرسمية، ولا ينبغي لها أن تحاول ذلك..)!! لماذا؟!! لأنها إذا فعلت، فإن ما تفعله بالضرورة سيكون لا ديني!! ويقول: (وبعبارة أخرى، فإن الدولة بجميع مؤسساتها ذات طبيعة مدنية لا دينية، مهما كانت المزاعم بالدولة الدينية).. فما هو مدني، هو عنده، بالضرورة، لا ديني!! ولكن نشاط البشر، جميعه، مدني، فلماذا يريد أن يجعل النشاط الفردي، يمكن أن يكون دينياً، والنشاط الجماعي لا يمكن أن يكون دينياً؟! أنظر لهذا التسبيب العجيب، فهو يقول: (إن الطبيعة الدينية الأساسية للشريعة، وتركيزها على تنظيم العلاقات بين المسلم وربه، تعني أن تلك المسؤولية لا يمكن التنازل عنها، أو تفويضها، ولا يمكن لمؤسسة بشرية، إدارية أو قضائية، أن تكون دينية، حتى حين تزعم تطبيقها، أو فرضها، لأحكام الشريعة)!!.. علمانية الدولة ص 20.. لاحظ أنه حصر الشريعة في تنظيم العلاقة بين المسلم وربه، وهو بذلك يتحدث عن شريعة العبادات، ويهمل، إهمالاً تاماً، شريعة المعاملات.. وما ذلك إلا لأنها تنظم العلاقة بين العبد والعبد، وهو يعلم ذلك تماماً، ولكن للغرض الذي في نفسه، يتجاهله!! علماً بأن شريعة العبادات، هي وسيلة لحسن المعاملة، وقد لخص المعصوم الدين، بقوله: (الدين المعاملة) ولم يقل الدين العبادة.. لأن الله تعالى ليس في حاجة إلى عبادتنا، وإنما نحن، وإخواننا، في المجتمع، هم من يحتاجها.
وهنالك حيلة أخرى، من الحيل الساذجة، التي يبني عليها د. عبدالله عدم إمكانية قيام الدولة الدينية، أو التشريع لها، اسمعه يقول: (وبما أن الاعتقاد الديني وإمكانية التدين والورع غير ممكن إلا للفرد البشري، فإن الالتزام بأحكام الشريعة، بأي فهم لها، لا يمكن أن يقوم إلا في حق الفرد المسلم.. فالفردية هي مدار التكليف الديني. وغير ممكن للجماعة أو أي شخصية اعتبارية _مثل مؤسسات الدولة_ أن تعتقد أنها مكلفة دينياً)..علمانية الدولة ص 39.. مرة أخرى نفس الالتواء القديم الذي رأيناه في تعريف الدولة الدينية!! من قال إن الكيان الاعتباري يقدر على الاعتقاد والتدين؟! لا أحد سواك!! وكل إنسان طبيعي، عندما يسمع عبارة (مجتمع مسلم) لا يتبادر إلى ذهنه أن المسلم هو الكيان الاعتباري _المجتمع_ وإنما يفهم، أنه المجتمع الذي أفراده مسلمين، دون حاجة الى هذه التعقيدات غير الواقعية التي تريد فرضها من منطلقاتك الذاتية.. فالقول بمجتمع مسلم قول موضوعي، وليس قولاً ذاتياً، نظراً لأن له مقابل حقيقي في الواقع، ولا يعتمد على الذات فقط.
واضحٌ جداً، أن د. عبدالله يخلط بين فردي وخاص، وبين ذاتي بمعناها الاصطلاحي، كمقابل لموضوعي.. فعنده الفهم الفردي، أو الخاص، يعني ذاتي وغير موضوعي، فهو يقول مثلاً: (أي منّا عندما يشير لآية قرآنية فإنه يقدم فهمه الخاص، وليس كل فهم ممكن أو الفهم الوحيد الممكن لتلك الآية.. حتى عندما يكون هناك فهم واحد متفق عليه بشكل واسع بين أجيال متعددة، يبقى ذلك الفهم متعلقاً بمقدرة الإنسان على استيعاب القرآن، وبعبارة أخرى فإن أي محاولة لتعريف وتحديد النموذج الإسلامي لأي أناس آخرين تكون مقيدة تلقائياً بمحدودية وقصور من يقومون بهذه المحاولة)..علمانية الدولة ص 78_79.. هذا الذي تقوله ينطبق على أي فهم، في أي مجال من مجالات المعرفة، ولا ينطبق على القرآن فقط.. وميزة الإسلام على غيره، أنه يقدم المنهاج الذي به تُروض العقول، حتى تتخلص من آفات الالتواء الفكري، فترى الأشياء قريباً من قريب.. وعلى كلٍّ، التوصل إلى (فهم واحد متفق عليه بشكل واسع) هو الغاية المنشودة من الحوار البشري.. إذ المطلوب هو أن يصبح الفهم الخاص _وليس الذاتي_، عبر الحوار، قناعةً عامة.. والغريب أن هذا ما تزعم أنك تعمل لتحقيقه، فلماذا تستنكره، وتستكثره، على الإسلام؟!
وبناء على هذا الخطأ في فهم ما هو ذاتي، وما هو موضوعي، يقرر عبدالله، تقريره الخطير: (في الحقيقة ما في فهم ديني موضوعي.. كل فهم ديني فردي.. يعني ما في رأي ديني موضوعي.. أي رأي ديني ذاتي).. ومما يؤكد رأينا في أنه يفهم من كلمة (فردي) أنها تعني (ذاتي)، قولُه من النص: (كل فهم ديني فردي.. يعني ما فهم ديني موضوعي)، إذ يقابل بين (فردي) و (موضوعي)!!
وحيث أن كلّ فهم بشري، في أي مجال من المجالات، هو، بالضرورة، فهم فردي، فإنه ينبني، على ذلك، بمقياس عبدالله، أنه لا وجود لفهم موضوعي، عند جميع البشر، وفي كل المجالات، وليس في مجال الدين وحده!! ذلك أن عبدالله يقرر، ابتداء، (أن كل ما يقول ويفعل الانسان هو بالضرورة من وجهة نظره هو، ولا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك في أي مسألة أو موضوع، بما في ذلك أمور الدين)!!
الشريعة وأزمة المفاهيم:
يحسن بنا، أن نورد قول د. عبدالله في توكيد الذاتية، كاملا، إذ يقول: (ونقطة الانطلاق هنا، التي سبقت الإشارة لها هي أن كل ما يقول ويفعل الانسان هو بالضرورة من وجهة نظره هو.. ولا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك في أي مسألة أو موضوع، بما في ذلك أمور الدين).. إلى أن يقول: (فلا أنا ولا هو نقدر على أن نقرر حقيقة موضوعية مجردة عن وجهة النظر البشرية..)!! وهذا يعني عنده، في جميع الأحوال، أن وجهة النظر البشرية، هي بالضرورة، غير موضوعية.. ود. عبدالله مولع، بصورة خاصة، بعبارة (بالضرورة) هذه، ودائماً ما يستخدمها في غير مكانها!! المشكلة أن د. عبدالله، وعلى ذات النهج في تقريراته الفوقية، لا يعرّف مصطلحي (موضوعي) و (ذاتي) بالصورة المعروفة عند الآخرين، وإنما يعرفهما تعريفاً ذاتياً.. ففي المفهوم العام للكلمتين: وجهة النظر البشرية، عندما تنبني على الواقع الفعلي الموضوعي، أو على أمر خارج الذات، هي موضوعية.. وعندما تنبني على رؤية الذات فقط، دون أي شيء موضوعي خارجي، حسي أو معنوي، تكون ذاتية.. ولا شك أن أكبر نموذج للذاتية، هو هذه الرؤى الذاتية المحضة التي يطلقها جزافا د. عبدالله، مما تعرضنا له حتى الآن، من طرحه..
والرؤية الدينية إنما هي رؤية موضوعية، لأنها لا تقوم على مجرد وجهة النظر البشرية، وإنما تطلب من وجهة النظر البشرية هذه أن تعمل وفق توجيهات الدين، التي تأتيها من خارجها، حتى حين لا تكون هذه التوجيهات متفقة، أو متمشية، مع رغبات الشخص وأهوائه الذاتية!!.. فالدين أساساً إنما جاء ليخرج الناس من الرؤية الذاتية (الهوى) إلى رحاب الرؤية الموضوعية (الحق)، وبعبارة أخرى مما يريدون هم، الى ما يرضى لهم ربهم، وأن يروا، ويعملوا وفق مرضاته.. ولذلك، يقرر الدين، على لسان المعصوم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).. (هواه) يعني رغائبه الذاتية، التي توجه تفكيره.. وقوله (تبعاً لما جئت به) يعني تبعاً لما جاء به من ربّه من أوامر ونواهي، وبهذا الاتباع يتم الخروج من (الذاتية) إلى (الموضوعية).. وأنت عندما تقرر بصورة حاسمة (أنه لا يمكن التخلص من الفساد والغرض والهوى) في النص الذي أوردناه عنك، آنفا، فأنت تقرر بصورة نهائية أنه لا مجال للموضوعية عند البشر.. وهذا ينطبق على طرحك هذا، ولكنك تسقطه على الآخرين، وبصورة ذاتية أيضاً.
نحن، نريد أن نتناول هنا موقف عبدالله من الشريعة، فهو يزعم أن دعوته إسلامية تقوم على الشريعة، ويزعم أن للشريعة في دعوته مستقبل عظيم!! ولذلك، نريد أن نرى هنا ما هي هذه الشريعة، وما هو مستقبلها هذا العظيم!!
يقول، عبدالله، في مقدمة كتابه (الإسلام وعلمانية الدولة): (إنني أدعو في هذا الكتاب إلى عدم تطبيق أحكام الشريعة من قبل الدولة باعتبارها شريعة دينية، مع التسليم باستمرارية تأثير الشريعة على السياسة ودورها في تأسيس قيم المجتمع وتنشئة الأطفال، ومسار العلاقات الاجتماعية، وهو يستلزم ضرورة تطوير فهم المسلمين لأحكام الشريعة الإسلامية...)..علمانية الدولة ص 6..
أولاً هو يستبعد التشريع الإسلامي على مستوى الدولة منذ البداية، وبصورة نهائية.. وحتى لا يتوهم الجمهوريون أنه يقصد شريعة الرسالة الأولى فقط، فهو يقرر ما يقضي على هذا الوهم، إذ يقول: (بما أن الاعتقاد الديني، وإمكانية التدين والورع غير ممكنة إلا للفرد البشري، فإن الالتزام بأحكام الشريعة _بأي فهم لها_ لا يمكن أن يقوم إلا في حق الفرد البشري).. (بأي فهم لها) يعني سواء كان هذا الفهم يقوم على شريعة الرسالة الأولى، أو على شريعة الرسالة الثانية.. ولمن لا يريد أن يفهم، وحتى يكون هذا الأمر قاطعاً، هو يقول: (عقيدتي في شريعة الرسالة الثانية لا تجعلها قانوناً للدولة).. مالنا نحن ومال عقيدتك!! أنت أفكارك، نفسها، ذاتية، ناهيكِ عن عقيدتك.. المهم أن الرسالة الثانية، كما هي عند صاحبها، في كتبه، مثلاً كتاب (أسس دستور السودان)، تقوم على التقنين لتشريع جماعي، على مستوى الدولة، وهذا ما سنتعرض له لاحقا.
ولكن لماذا يستبعد عبدالله التشريع الجماعي الإسلامي، في مستوى الدولة؟ الإجابة: لأنه يرى أن طبيعة الشريعة تختلف عن طبيعة القانون، وإذا حاولنا تقنين الشريعة فإننا نغير من طبيعتها.. وهذا القول، إن هو إلا مجرد قول من أقواله الذاتية، لا قيمة له، والحجة التي يقدمها لمساندته، حجة واهية.. فالحجة، عنده، تقوم على التفريق بين الذنب والجريمة.. فهو يقول: (كما أن طبيعة القانون في الدولة الوطنية، تعتمد على السلطة السياسية كمظهر للسيادة القومية، وليس المعتقد الديني في حد ذاته. ومثال للتمييز المقصود هنا الفرق بين (الذنب ) و (الجريمة).. صحيح أن القانون يحاول استمداد مشروعيته من أخلاق المجتمع، ولكن القانون ينفذ بإرادة الدولة، وبغض النظر عن رأي المواطن في سنده الأخلاقي. وهكذا فأنا أميز بين استخلاص القاعدة القانونية من أساسها الأخلاقي، سواء أكان ذلك دينيا أو فلسفيا أو عرفيا، من ناحية، التوهم بأن ذلك الأساس الأخلاقي نفسه هو القاعدة القانونية.. فالقاعدة هي النص المقنن في التشريع، وليست الحكم الأخلاقي (أو الديني)، وهذا قائم عندي بالنسبة للشريعة السلفية أو شريعة الرسالة الثانية).. علمانية الدولة ص 40.. في الواقع لا خلاف بين الأمرين، سواء أن كانت الدولة إسلامية أو مدنية.. فالذنب يعاقب عليه الله تعالى، في جميع الحالات، والجريمة تعاقب عليها القوانين الوضعية في الدولة، سواء أن كانت هذه القوانين ذات مصدر إسلامي أو مصدر علماني.. فالقضية مجرد وهم في ذهنه هو، ومماحكة، ومحاولة لوضع عراقيل وعقبات وهمية في سبيل الدولة الإسلامية!!
وهو يسأل السؤال التالي عن الشريعة: (لماذا أعارض تطبيقها كقانون وسياسة للدولة؟) ويجيب: (هنالك على الأقل مرحلتان من الرد على هذا السؤال، في إحداها نقول: إن من الواضح أن ليس هناك أي فهم متجانس ومستقر للشريعة بين المسلمين بحيث يمكن فرضه عن طريق الدولة).. ونقول له: فهم الشريعة في الرسالة الأولى واضح ومستقر ومتجانس.. وفهم شريعة الرسالة الثانية، كما تدعو له الفكرة الجمهورية، هو الآخر متجانس ومستقر، ومفصل، كفهم.
أما سببه الثاني، فيقول فيه: (بما أن كل فهم للشريعة هو دوماً نتيجة للتفسير البشري للمصادر الإلهية، فإن أي فهم لها سيعكس القصور البشري لهؤلاء الذين يفسرونها بغض النظر عن إلهية تلك المصادر التي يستندون إليها)..علمانية الدولة ص 453.. كل هذا تخريج شديد البطلان، فمن حيث المبدأ، التوجيه الإلهي، وظيفته الأساسية هي توجيه البشر ليخرجوا من قصورهم.. والفهم البشري عندما يقوم على نصوص من الكتاب والسنة _وهي المصادر الإلهية في الإسلام_ لا يعتمد على الفهم البشري القاصر، وإنما يعتمد على التوجيه الإلهي الوارد في هذه النصوص.. وهذا عكس الفهم الذي يقوم على ما تسميه أنت المنطق المدني، فالمنطق المدني هو الذي يقوم على القصور البشري، لأنه لا يقوم على موجهات موضوعية من خارجه، وإنما منطلقه الأساسي، والمحوري، هو ذات داعيته (أنا عبدالله أحمد النعيم أقول) كما أوضحنا سالفاً.. وهذا أوضح ما يكون في دعوتك هذه.
وبعدُ: ما هي الشريعة، عند عبد الله؟!
يقول عبدالله: (غير أن الشريعة في الحقيقة هي الباب والممر لأن يصبح المرء مسلماً، ولكنها لا تشمل كل إمكانيات المعرفة الإنسانية والتجربة المعاشة للإسلام).. علمانية الدولة ص 463.. وهذا صحيح، ولكن أنظر، وقارن، قوله هذا: (أي مفهوم للشريعة هو دوماً بالضرورة مستقى من التفسير البشري للقرآن والسنة، ويعكس أكثر ما يعكس قصور فهم البشر).. لاحظ (يعكس أكثر ما يعكس قصور فهم البشر)!! ويقول في موضع آخر: (بما أن التفاسير التقليدية للشريعة هي نتاج جهد بشري، وليست وحياً إلهياً، فإنها قابلة للتغيير...)!!
وعلى خلاف ما تزعم، أنت، الشريعة، ليست نتاج جهد بشري، وإنما هي وحي إلهي في جميع تفاصيلها.. هي وحي كما جاءت في القرآن.. وهي وحي كما جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو (وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى).. إن قولك هذا، الذي أوردناه، مجرد تحريف، وفساد في العقيدة.. والشريعة قائمة على الآيات المحكمة، على خلاف ما تزعم أنت.. فالمحكم من القرآن، هو ما تقوم عليه آيات الأحكام، وهذا معروف عند عموم المسلمين، وهو ما ذكره الأستاذ محمود، الذي تزعم بالباطل أنك تلميذ له في جميع أقوالك العامة.. وكون العمل في الشريعة يقوم على النية، فإن ذلك لا يجعل الشريعة قاصرة على التشريع الفردي، ولا تقوم في التشريع الجماعي في الدولة، كما تحاول إيهام القراء.. فالنية قائمة في جميع الحالات: في الشريعة الفردية وفي الشريعة الجماعية.. ففي الصلاة الجماعية كل فرد محاسب على نيته، وكذلك الحال في الجهاد بالسيف، في الرسالة الأولى.. وفي حال قيام الدولة الإسلامية، على أسس الديمقراطية، كما هو الحال بالنسبة للدستور الإسلامي، الذي يقوم على أصول القرآن، كل فرد في البرلمان مسؤول عن نيته، وكذلك الحال بالنسبة للأفراد في الهيئة التنفيذية، وفي القضاء، وكل مؤسسات الدولة.. فالأمر لا يحتاج الى كل هذا الالتواء والمماحكة.. فالمسئولية أمام القانون، لا تلغي المسئولية أمام الله، كما أن العمل الجماعي لا يتعارض مع النية ولا يلغيها.. وكون السياسات، في الدولة الاسلامية، قابلة للخطأ البشري، فإن هذا أيضاً لا يلغي إمكانية التشريع على أسس إسلامية.. فالإسلام أساساً، لم ينزل على ملائكة لا يخطئون، وإنما على بشر يخطئون ويستغفرون، وهذه القابلية للخطأ والصواب، هي أس الكمال عند البشر.. ولكن العمل وفق التشريع الإسلامي، هو عمل لإخراج الناس من الخطأ إلى الصواب، بالتزامهم توجيهات الله ورسوله.. هذه التوجيهات هي التي تغير الناس، نحو الأفضل، وليست هي التي تتغير، بفهم الناس، أو تطبيقهم، لها، كما تفترض أنت في طرحك هذا، المتطرف في ذاتيته.
عبدالله، في سبيل صرف الناس عن دولة الاسلام، يمكن أن يقول أي خاطر، يخطر بباله، مهما كان قدره، من الفجاجة، واللامعقولية.. لنسمعه في هذا التقرير العجيب حيث يقول: (والزعم بالدولة الدينية ادعاء بإحاطة البشر بعلم وحكمة الله سبحانه وتعالى، فهو زعم باطل ديناً وعقلاً)..علمانية الدولة ص 394.. هل هذا القول فيه ذرة من منطق؟! هل الله تعالى يشرع لكماله هو، أم لنقص عباده؟! من البداهة أن القرآن، متنزل في الشريعة، إلى مستوى يستطيع أن يفهمه كل إنسان، وأن القرآن في إطلاقه هو عند الله في ذاته، ولا يمكن لأي مخلوق أن يحيط به في يوم من الأيام.. والمعصوم، عليه أفضل الصلاة والسلام، هو من أقام دولة القرآن، في مستوى الشريعة، ولم يرد عنه أنه قال إنه يحيط بعلم الله، وإنما ورد عنه، بعكس ذلك، قوله: (إن الله أجل وأخطر من أن يحيط بما عنده أحد).. ومعلوم عندك تماماً، أن الأستاذ محمود يدعو للدولة الدينية _الإسلامية_ ويبشر بها.. كما أنه معلوم عندك أن التكليف الأساسي عند الأستاذ هو العبودية لله، وهو من علّمنا أن القرآن هو ذات الله المطلقة، ولا يمكن فض أسراره، لا في الأبد، ولا في السرمد..
إنك، وفي سبيل مساندة وهمك، حول الدولة الدينية، تسيء، وتكرر الاساءة، وتبالغ فيها، لخير خلق الله، بمن فيهم سيد المرسلين، وقد وصل بك موات الحس إلى الحد الذي لا تشعر فيه، بما أنت فيه من خطر ماحق!! ومع كل ذلك، أنت تزعم لنفسك أنك تنطلق من منطلق إسلامي، وتبشر بمستقبل زاهر للشريعة!! مستقبل تبعد فيه الشريعة عن القانون العام في الدولة، وتحصر دورها (في تأسيس قيم المجتمع، وتنشئة الأطفال ومسار العلاقات الاجتماعية).. إنك تعتبر المسلمين مجرد أطفال يمكن إقناعهم بمثل هذا القول عن المستقبل الزاهر للشريعة، وهذا كله، إن أكد على شيء، إنما يؤكد على غفلتك أنت، لا غير.
يقول د.عبدالله: (فالإجماع هو أساس قبول القرآن والسنة...)..علمانية الدولة ص 43.. وهذا قول باطلٌ من عدة وجوه.. أولاً: القرآن والسنة، لا يقومان على الإجماع، ومصدرهما ليس المسلمين، حتى يقومان على الإجماع، وإنما مصدرهما الله ورسوله.. وثانياً: قبول المسلمين للقرآن والسنة، أساساً، ليس السبب فيه الإجماع، وإنما سببه الايمان بالله ورسوله.. وكل هذا من بدائه الأمور.. ثالثأ: أنت تقول إن مجرد الاتفاق بين البشر غير ممكن بحكم سنة الله في خلقه _حسب زعمك_ فلماذا تتحدث عن الإجماع، هنا؟!
إن هذا التحريف الخطير، السبب فيه، هو أن يتمكن من قول ما قاله، في تكملة النص وهو: (فليس هناك ما يمنع أو يبطل تكوين اجماع جديد، حول تقنيات التفسير، أو حول تفسيرات جديدة للقرآن والسنة)..علمانية الدولة ص 43.. بل هنالك ما يمنع، وبصورة أساسية، وهو أن أمر الدين لا يقوم على رؤى البشر الذاتية _وأنت ترى أن أي تفسير هو ذاتي_ وإنما يقوم على أمر الله، وإذنه، وهذا ليس للبشر فيه شيء، وهو أصل التوحيد، الذي حِدت أنت عنه بصورة تامة!!
الحق هو أنه: إذا لم يتأذن الله، لا شيء يتم في الوجود، وإذا لم يجيء من يأذن له الله ببعث دينه _وهو المسيح حسب البشارة_ لن يُبعث الدين.. وأنت، حسب قولك، ترى انتظار المسيح عملاً انصرافياً..
وأنت تقول: (وكل ما يدركه المسلمون اليوم من تصورات للشريعة، حتى تلك التي ينعقد عليها إجماعهم، ما هي إلا آراء بشرية عن معنى القرآن والسنة).. فأنت تزعم أن مجرد الاتفاق بين المسلمين مستحيل، حتى يوم القيامة، ثم تجعل الإجماع حول فهم جديد للشريعة، آليةً لتفسير الشريعة، تحل بها مشكلة الدولة الدينية، والتي تزعم أنها هي الأخرى، لا وجود لها!!
كل هذا التحريف الخطير للدين، الغرض منه أن تتمكن، أنت، من القول إنك صاحب آلية جديدة في التفسير، وتسعى لتحقيق الإجماع حولها، وهذه الآلية الجديدة هي إعطاء نفس مفاهيم ونصوص الشريعة القديمة تفسيراً جديداً، كأن تفسر الشورى تفسيراً جديداً، بجعلها تعني الديمقراطية!! وهذا ما سنتناوله لاحقاً..
هذه الآلية هي التي جعلت عبدالله يعتبر نفسه أصيلاً داخل إطار التقليد، وأنه صاحب نظرية جيدة!! اسمعه يقول: (ومن هذا المنظور أتجه الآن لأبين ما آمل أن يكون نظرية جيدة بوسعها أن تحرك وتحفز المسلمين، في كل مكان، للعمل على التحول الاجتماعي الايجابي المنشود)..علمانية الدولة..ص 62..
خالد الحاج عبدالمحمود


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.