الحرية - معتصم أبو خميس انتهت انتخابات الكنيست الإسرائيلية ال19 في ظل توقعات قالت بتقدم القائمة الانتخابية التي يقودها نتنياهو وليبرمان، وحصولها على حصة وافرة من المقاعد تمكنها من إدارة دفة تشكيل الحكومة الجديدة دون منغصات تذكر. لكن الذي حصل أن الانتخابات حملت مفاجآت غير سارة لرئيس الوزراء وضعته أمام خيارات ضيقة وفتحت المجال أمام خصومه كي يفكروا مجددا في إمكانية إقصائه أو على الأقل حشره في سياق مساعيه لتشكيل الحكومة الجديدة. فهل يتجاوز نتنياهو هذه المعضلة ويعيد ترتيب أوراقه وحساباته مستميلا أحزاب من المعسكر المقابل تقطع الطرق على مساعي إقصائه.. أم أن خصومه سيخرجون من حالة التشتت ويستعيدون قوتهم ويوحدوا طاقاتهم من أجل التصدي لتشكيل الحكومة واستمالة أحزاب من معسكر نتنياهو ذاته؟ مشاركة واسعة شهدت الانتخابات العامة في إسرائيل أكبر نسبة مشاركة منذ العام 1999، وكما تبين وصلت النسبة إلى 66.6 في المئة في ارتفاع طفيف مقارنة مع النسبة المسجلة في الانتخابات السابقة العام 2009 65,27 في المئة، بحسب اللجنة الانتخابية. وبلغ عدد الإسرائيليين الذين لهم حق الإدلاء بأصواتهم أكثر من 5.65 مليون ناخب. وكشفت نتيجة فرز 99.8 من الأصوات، التي نشرها موقع عرب 48 عشية إعلان النتائج الرسمية (23/1)، أن قائمة «الليكود بيتنا» اليمينية حصلت على 31 مقعدا، أي أقل ب11 مقعدا عن إجمالي ما حصل عليه الحزبان العام 2009. فيما فجر حزب الصحفي يائير لبيد «يش عتيد» من تيار الوسط مفاجأة الانتخابات بحصوله على 19 مقعدا على خلاف التوقعات التي رجحت حلول «البيت اليهودي» بعد «الليكود وإسرائيل بيتنا»، فيما تقدم حزب العمل بزعامة الاعلامية شيلي يحيموفيتش ب 15 مقعدا والذي كان حصل على 11 مقعدا في الانتخابات السابقة. وفي المرتبة الرابعة حل حزب البيت اليهودي المتطرف الذي يمثل المستوطنين بزعامة نفتالي بينيت وذلك ب 11 مقعدا، يليهم حزب شاس الديني المتشدد لليهود الشرقيين (السفارديم) الذي يتزعمه العنصري ايلي يشاي ب11 مقعدا. وحزب «يهدوت هتوراه» الذي يمثل اليهود الاشكينازيين ب7 مقاعد. وحصل قائمة «الحركة» برئاسة تسيبي ليفني على 6 مقاعد، مقابل 6 مقاعد لحزب «ميرتس» اليساري، ومقعدين لحزب «كاديما» بقيادة شاؤول موفاز الذي يعاني من مشاكل داخلية قوية أودت بتسيبي ليفني خارج صفوف الحزب. أما القوائم العربية فحصلت مجتمعة على 12 مقعدا، توزعت على التالي: 5 مقاعد للقائمة الموحدة برئاسة النائب أحمد الطيبي، و4 مقاعد للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة بزعامة النائب محمد بركة و3 مقاعد للتجمع الوطني الديمقراطي بزعامة النائب جمال زحالقة. وفي المحصلة، فازت كتلتي اليمين ويسار الوسط بعدد متساو من المقاعد في الكنيست، وفق الاعلام الإسرائيلي. وكان تنافس في الانتخابات جرت بنظام التمثيل النسبي 32 حزبا على مقاعد الكنيست، التي يبلغ عددها 120 مقعدا، ويتعين على أي حزب الحصول على 2 بالمئة على الأقل من إجمالي الأصوات كي يفوز بمقاعد في الكنيست. وبالنظر إلى تراجع أغلبية تحالف «الليكود بيتنا»، قال رئيس الوزراء نتنياهو إنه سيبحث مع العديد من الشركاء سبل تشكيل حكومة جديدة. ومن المرجح، وفق مراقبين، أن يتوجه نتنياهو نحو حزب قومي جديد، هو «البيت اليهودي» للتحالف معه. وقد فاز الحزب ب 11 مقعدا في البرلمان، وينازع «الليكود بيتنا» على أصوات اليمين. بينما يرى المراقبون حصول حزب «يش أتيد» على 19 مقعدا إنجازا ضخما. وأعلن زعيم الحزب، يئير لبيد، أن حزبه لن ينضم إلى حكومة نتنياهو، ما لم يعد رئيس الوزراء بالمضي قدما في المفاوضات مع الفلسطينيين. وأظهرت لجان ومؤسسات حقوقية أن الانتخابات الإسرائيلية شهدت عدة وقائع ومخالفات وشكاوى من أعمال تزوير وخداع. وشكا ناخبون فى عدة مدن من حوادث توجههم إلى مراكز انتخابية ليكتشفون أن أشخاصا مجهولين صوتوا بدلاً منه، ما أحدث اضطرابا وقلقا في العديد من المراكز الانتخابية. سقوط الخطاب القديم وعلى عكس الانتخابات السابقة، ركزت حملات الأحزاب الانتخابية على قضايا اجتماعية واقتصادية أكثر من حديثها عن احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام دائم مع الفلسطينيين. وأشار تقرير مؤخرا إلى أن قرابة ربع الإسرائيليين فقراء. وأشار مراقبون إلى تراجع حقبة الأحزاب التقليدية التي ارتبطت تاريخيا بوجود إسرائيل وإستمرارها، وتراجع المعطيات التي كانت تصنف هذه الأحزاب بين يمين ويسار. فالخطاب التقليدي، بحسب المراقبين، الذي كان يفصل بين اليسار واليمين، ويحدده بالموقف من الجيران الفلسطينيون أو المنطقة العربية بشكل أوسع، يتلاشى ومعه تتراجع القضايا التي كانت تضع العمل وأنصاره في معسكر اليسار وتضع «الليكود» وما انبثق عنه وارتبط به من أحزاب صغيرة وتكتلات في موقع اليمين. ولاحظ هؤلاء غياب الحديث عن حل الدولتين، أو عن استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، أو الموقف مما يحدث من انتفاضات في المحيط العربي عن خطاب الزعماء السياسيين في إسرائيل. وبدلا من ذلك يتركز الحديث عن الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية في خطاب حزب العمل، وعن إيران والاستعداد لضربها اذا اقتربت من حاجز التخصيب للأسلحة النووية في خطاب نتنياهو، وعن سرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية التي يعلن نفتالي بينيت، زعيم البيت اليهودي، استعداده المطلق لضم ستين في المئة منها إلى إسرائيل ومنح سكانها الجنسية الإسرائيلية. وفيما يخص أحزاب اليسار فإن موقفها لا يقل غموضا، فحزب العمل الذي كان يتبنى التسوية مع الفلسطينيين وحل الدولتين، جمد خطاب السلام، مفضلا التركيز على الشؤون الداخلية، اذ تحاول زعيمته الشابة شيلي يحيموفيتش استهداف الطبقة الوسطى بعد الاحتجاجات التي شهدتها إسرائيل العام الماضي، وعلى خلفية بعض الاحصاءات التي تتحدث أن نحو ربع الإسرائيليين يعيشون في حالة فقر. خطاب يحيموفيتش الداخلي يهاجم الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تحصل على امتيازات من الدولة دون مقابل، ويحذر من توجه حكومة يمينية جديدة من زيادة الضرائب على الطبقة الوسطى. ويقول البعض إن ضعف «العمل» في هذه الانتخابات لا يقتصر على عدم تبنيه خطاب واضح وتقليدي في السياسة الخارجية أو ضعف حلفائه من الشيوعيين والأحزاب العربية، لكنه يشمل أيضا من زحفوا على مواقعه التقليدية قادمين من اليمين ويمين الوسط. ويضيفون أن «كاديما» الذي يصنف نفسه حزبا وسطيا، لا يستدعي في هذه العملية ميراثه اليميني متطلعا إلى أصوات ناخبي العمل واليسار، والوصف نفسه ينطبق على الحركة الجديدة التي أسستها تسيبي ليفني زعيمة «كاديما» السابقة باسم «هاتنوعه». وجدد العلمانيون اليهود آمالهم بقادم جديد في ساحتهم هو حزب «يش اتيد» وتعني «يوجد مستقبل»، ورغم دعوة يئير لبيد زعيم الحزب، إلى استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، فإنه يعارض أي تنازلات في القدس ولا يمانع في الالتحاق بائتلاف يميني يقوده نتنياهو. الانتخابات.. بعيون فلسطينية سيطر التشاؤم على نظرة الشارع الفلسطيني لنتائج الانتخابات الإسرائيلية، ولم يبدُ الفلسطينيون مكترثين كثيرا لما يدور في الشارع الاسرائيلي معتبرين أن أي تغيير في الوجوه في الحكومة الاسرائيلية المقبلة لن يجلب أي جديد بالنسبة للواقع الذي تعيشه المدن الفلسطينية في ظل الاحتلال، من مشاريع استيطانية جديدة وقتل للمدنيين، وحملا اعتقال وتهويد.... وجاءت ردود الأفعال الفلسطينية مطالبة الأوان بضرورة إعادة توحيد الصف الوطني، والاعتماد على القوة الداخلية لأن أي انتخابات إسرائيلية، باعتبارهم، لن تجلب إلا من يلبي مطالب الشارع الإسرائيلي الذي ينادي بالمزيد من الاستيطان والقمع للفلسطينيين وتضييق الخناق أكثر فأكثر.