كل دول العالم الناجحة استقرت بعد الأزمات بإيجاد مصالحة حقيقية نتج عنها قوانين ودساتير راسخة تصون الوطن وتحمي المواطن وتجعله عزيز يفخر بمواطنته وليس مهانا ينظر إليه العالم على أساس أنه ثروة عظيمة يملكها أغبياء. الحقيقة هي أننا لسنا أغبياء ولا رعاع، لكن مشاكل بلادنا المزمنة تكمن في اختفاء العقلاء والخيرين من المشهد الاجتماعي والسياسي كلما كانت حاجتنا لهم ملحة، سوف لن تكون هناك مصالحة مستدامة في ليبيا ما لم تؤسس على القصاص العادل ووفق القانون الذي عادة ما يفصل بين الظالم والمظلوم من قبل تاريخ 17. 2. 2011م، ونهاية بتاريخ اليوم، الظلم هو الظلم بغض النظر عن مكان وزمان وقوعه أو عن من الذي قام به، فقيم العدل والحق ليست قيم زمانية أو مكانية أو نسبية بل هي قيمة أبدية ثابتة ومطلقة، حيث أمرنا الله سبحانه بالعدل وحرم الله الظلم على نفسه ثم على البشر. من أراد الاستقرار لليبيا عليه أن يسعى للمصالحة بشجاعة وعدالة، لكن ما نعيشه الآن ونسمع عنه ما هو إلا محاولة لإقامة عدالة مشوهة على أساس من امتلك القوة المسلحة المؤقتة والنفوذ والشرعية فقط، إن المصدر الرئيس للقوة الحقيقية فوق الأرض يجب أن تنبع من قوة الحق والعدالة ولا من هيمنة الأسلحة التي ستنالها الرطوبة مع الزمن وقد لا تستجيب ساعة النداء بسبب أو بآخر والعبرة لنا قريبة في القذافي الذي لم يستطيع تسخيرها لبقائه وقد قضى عمره كاملا في شرائها. إن إقامة مصالحة غير عادلة على أساس امتلاك القوة فوق الأرض سوف تنهار بمجرد تغير واختلاف الظروف، وقد تتغير المعادلات فتدخل في نفق طويل وشاق مظلم بهيم، على الوطنيين أن يفكروا فقط في المستقبل وأن يقيموا العدل اليوم لاجل المستقبل الواعد للأجيال. بالأفكار الرخيصة وبواعز القبيلة نجد أنفسها أقل من أن نحمل أمانة صناعة حياة آمنة للوطن والمستقبل، أما فيما يتعلق بالمهجرين في الخارج من أطفال ونساء يتكففون العيش على فتات الجمعيات الخيرية ويتعرضون للابتزاز من أزلام النظام أو عناصر أخرى شيء لا يشرف الليبيين والوطن ولا يشرف تاريخهم الذي كان مشرقا برغم الأزمات. في النهاية حتى من أخطأ فمن العدل أن يتمتع بمحاكمة عادلة وليس الزج به في سجون المليشيات وتعريضه لأبشع أنواع التعذيب، ان القتل في السجون والتعذيب والاغتصاب يجعل منها أوكار للتعدي على حق الإنسان الذي ضمنته له قوانين الأرض جميعا، إن كنا نريد العدل علينا أن نؤسسه على أساس شرع الله سبحانه وتعالى وهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فمن اغتصب وعذب الناس وسلب المال العام والخاص في زمن القذافي يتساوى مع من قام بهذه الأعمال بعد الثورة، فنحن كمسلمين نتعامل مع الأشخاص وأفعالهم ليس من الشخوص وانتماءهم، الكثير من أعوان القذافي منحت لهم صكوك الغفران والحماية سواء من قبائلهم أو من أحلافهم أو بتأثير المال وشراء الذمم، والكثير من القبائل القوية تحمي أولادها حتى وإن كانوا مجرمين، أما من قبيلته ضعيفة أو من لا قبيلة له فيبقى مهان في الخارج هو وأهله وأطفاله. فرسان المصالحة هم في العادة أشجع وأنبل من فرسان الحروب، فالمصالحة هي نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم، عجبي لكم أيها الليبيون تستمعون إلى تصريحات أوباما ولا تستمعون لقول الرسول الكريم، ماذا لو قال أوباما بالحرف الواحد على الليبيين التصالح خلال أسبوع أو أنه مضطر لفرض المصالحة تحت أجنحة الطائرات، ماذا لو وجه إنذار وحرك الأساطيل؟ الأمر الإلهي أولى أن يتبع، كما جاء في الحديث، عن أبي المختار الطائر عن ابن أخي الحارث الأعور عن الحارث عن علي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة رد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدي من غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي من عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، خذها إليك يا أعور، أو كما قال مفتاح اعبيد المشاي......