افتتاح المعرض الصيني بالروصيرص    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    أنا وعادل إمام    القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعادة هيكلة الجيش اليمنيّ

منذ وصوله إلى السلطة في 17 تموز / يوليو 1978، عمل الرئيس السابق (علي عبد الله صالح) على تعيين ضبّاطٍ صغار (جلّهم برتبة الرائد) ينتمون إلى قبيلته "سنحان" في قيادة معظم الوحدات العسكرية التي كانت قائمة أو التي استحدثها فيما بعد[1]. بحيث بات الضبّاط السنحانيون يمثّلون نحو 70% من قادة الأجهزة والمؤسّسات العسكرية والأمنيّة، وهي قبيلة لا يصل عدد سكّانها إلى 1% من سكّان الجمهورية العربيّة اليمنيّة آنذاك. وعقد صالح اتّفاقًا غير مكتوب مع داعميه من ضبّاط سنحان يقضي بأن يخلفه الرائد علي محسن الأحمر في منصب رئيس الجمهورية في حال اغتياله أو وفاته[2]. وبعد توحيد دولتَي اليمن السابقتين، وإعلان تأسيس الجمهورية اليمنيّة في 22 أيار / مايو 1990 ظلّ جيشا الدولتين السابقتين منفصلين، ولم يُدمجا. وقد "شكّل الحرس الجمهوري إحدى قضايا الخلاف بين المؤتمر الشعبي العامّ والحزب الاشتراكي اليمنيّ بعد الوحدة، فقد كان المؤتمر الشعبي العامّ يطالب بالإبقاء على ارتباط الحرس الجمهوري بالرئيس مباشرةً، فيما طالب الحزب الاشتراكي اليمني بأن يكون الحرس الجمهوري تحت المسؤولية المباشرة لوزير الدفاع، تجنّبًا لانقسام الجيش"[3]. وعلى الرغم من توقيع الطرفين (ضمن أطراف أخرى) "وثيقة العهد والاتّفاق" التي تضمّنت بندًا عن دمج القوّات المسلّحة وإعادة بنائها[4]، فإنّ الرئيس السابق بعد انتصاره في حرب صيف 1994، فكّك الجيش الجنوبي، وأحال معظم ضبّاطه وجنوده إلى التقاعد قبل بلوغ السنّ القانونية، واستولى على تسليحه وبنيته التحتيّة، وبدأ في تقوية الحرس الجمهوري، وبناء جيشٍ عائلي.
في عام 1999 بدأ علي عبد الله صالح في اتّخاذ إجراءات جدّية لتوريث السلطة، فدفع بمقترحٍ للتعديلات الدستورية يسمح له بالبقاء في السلطة حتّى عام 2013، والتمهيد لتوريث منصب رئيس الجمهورية لنجله الأكبر أحمد، ما أنتج خلافًا في أوساط "النخبة العسكرية السنحانيّة" التي ساعدته على البقاء في السلطة منذ وصوله إليها عام 1978، إذ رأت أنّه يريد بناء حكمٍ عائلي على أنقاض حكم قبيلة سنحان. وكان اللواء محمد إسماعيل القاضي (قائد المنطقة العسكرية الشرقية) أكثر هؤلاء الضبّاط صراحةً في التعبير عن استيائه[5]. وفي آب / أغسطس 1999 قضى اللواء محمد إسماعيل القاضي واللواء أحمد فرج وقادة آخرون، في حادث سقوط مروحية في حضرموت. وخلال الفترة 2000- 2011، شكّل علي عبد الله صالح جيلًا جديدًا من ضبّاط سنحان، بمن فيهم نجله الأكبر وعدد من أنجال إخوته الأشقّاء وغير الأشقّاء. وعيّن كثيرًا منهم في قيادة ألوية الحرس الجمهوري الذي أسند قيادته لنجله الأكبر أحمد علي عبد الله صالح، فبات الجيش اليمنيّ مكوّنًا من جيشين: جيش موالٍ للرئيس علي عبد الله صالح ونجله العميد أحمد، ويتكوّن من الحرس الجمهوري والقوّات الخاصّة وقوّات مكافحة الإرهاب، والقوّات الجوّية والدفاع الجوّي التي يقودها اللواء محمد صالح الأحمر (الأخ غير الشقيق لعلي عبد الله صالح) وبعض الألوية التابعة شكليًّا لوزارة الدفاع، والتي يقودها بعض ضبّاط سنحان الشبّان؛ وجيش مُوالٍ للجنرال علي محسن الأحمر، ويتكوّن من الألوية التابعة للفرقة الأولى مدرع والمنطقة الشمالية الغربية، والألوية التابعة للمنطقة الشرقية بقيادة اللواء محمد علي محسن الأحمر.
عمل الرئيس السابق على تقوية الحرس الجمهوري والوحدات المرتبطة به، بحيث بات يتكوّن من أكثر من ثلاثين لواءً. في مقابل ذلك، عمل على إضعاف الوحدات التي يقودها الجيل القديم من ضبّاط سنحان، فخلال الفترة 2004- 2010 ورّط القوّات التابعة لعلي محسن الأحمر في ستّ حروبٍ ضدّ جماعة الحوثي في صعدة وعمران، بهدف إضعافها[6]. ووفقًا لبرقيّةٍ لأحد الدبلوماسيين الأميركيّين مسرّبة في موقع ويكيليكس Wiki Leaks، حاول صالح قتل اللواء علي محسن الأحمر (خلال الحرب السادسة) عام 2009، عن طريق تزويد القوّات الجوّية السعوديّة (التي شاركت في الحرب) بمعلوماتٍ عن مقرّ قيادته الميدانية باعتباره مخبأ من مخابئ جماعة الحوثي[7].
تعامل الرئيس السابق مع تشكيلات القوّات المسلّحة المختلفة كما لو كانت ملكًا شخصيًّا له، وليست مملوكة للوطن[8]، ولا سيّما في ظلّ عدم إصدار قانون ينظّم القوّات المسلّحة، أو لائحة تنظيمية لوزارة الدفاع، الأمر الذي سهّل له إعاقة مَأسسة القوّات المسلّحة، والحيلولة دون استقلالها عنه، لذلك كان هو الذي يحدّد عدد الجنود، وكيفية اختيار المجنّدين الجدد، والمناطق التي يختارون منها، والمناطق التي تُنشر فيها الوحدات العسكرية. وكان يصدر أوامرَ بترقية ضبّاط في القوّات المسلّحة من دون الالتزام بالشروط القانونية للترقية، وأوامرَ تمنح مدنيّين رتبًا عسكرية ومرتبات في القوّات المسلّحة، وأوامر بصرف أسلحة وسيّارات وموادّ غذائية من مخازن القوّات المسلّحة. ويمنح بعض شيوخ القبائل أوامرَ بتجنيد أعداد (تصل أحيانًا إلى مئات وأحيانًا أخرى تصل إلى الآلاف) من أتباعهم. ويُصدر أوامرَ بتعيين أبناء شيوخ القبائل قادة لبعض الوحدات العسكرية، إلى درجة باتت معها علاقات بعض وحدات الجيش وبناها أشبه بالبنى والعلاقات القبليّة؛ فشيخ القبيلة أو ابنه هو قائد الوحدة العسكرية، ومعظم جنودها من أتباعه ورجال قبيلته[9]. وتَعامل الجنرال علي محسن مع الألوية الموالية له بالأسلوب نفسه، الأمر الذي أدّى إلى تضخّم عدد الجيش اليمنيّ، ولا سيّما أنّ وظائف الجيش جذّابة لرجال القبائل لأنّها لا تتطلّب منهم دوامًا حقيقيًّا في وحداتهم العسكرية. وسادت هذه الوظائف الوهميّة بسبب النظام العسكري الفاسد، فالجنديّ لا يداوم في وحدته مقابل جزء من مرتّبه للضابط المسؤول عنه، لذلك فإن كثيرًا من ألوية الجيش اليمنيّ كانت تاريخيًّا لا تضمّ سوى ثلث أو نصف قوّتها الحقيقية[10]. وتقدّر بعض المصادر الجنود الوهميّين بما يقارب ثلث جنود القوّات المسلّحة[11].
مثّل انقسام الجيش والتنافس بين مركزَي القوّة العسكرية واحدًا من أهمّ أسباب تسييسه وإضعاف مستوى حرفيّته، فاختيار قادة الوحدات العسكرية يجري على أساس الولاء لا على أساس الكفاءة والخبرة[12]. وحفاظًا على التوازن بين مركزَي القوّة، لم تجرِ إحالة من بلغوا سنّ التقاعد إلى المعاش، ولم يجرِ تدوير الوظائف القيادية، فبعض العسكريّين ظلّ في الخدمة لمدّة أربعين سنة، وظلّ بعض قادة الوحدات العسكرية في مواقعهم القيادية منذ ثلاثة عقود (كما هي الحال بالنسبة إلى اللّواء محمد خليل قائد اللواء 310 مدرع)، فيما أُسندت قيادة بعض الألوية العسكرية لضبّاطٍ شبّان في العشرينات من أعمارهم، كما هي الحال بالنسبة إلى خالد علي عبد الله صالح الذي مُنح رتبة عقيد بعد تخرّجه مباشرةً، وأُسندت له قيادة فرقة مشاة جبلي.
سعى كلّ مركز من مركزَي القوّة العسكرية إلى التحالف مع جماعة غير نظامية؛ فتحالَف الجنرال علي محسن مع الجماعات السلفيّة ومع التجمع اليمني للإصلاح، ومع بعض كبار شيوخ القبائل، واستغلّ موقعه في قيادة المنطقة الشمالية الغربية والفرقة الأولى مدرع في بناء شبكات محسوبية ودفع مرتّبات لآلاف من الشخصيات القبليّة[13]. وتحالَف علي عبد الله صالح مع بعض التنظيمات الجهادية ومع أنصار الشريعة (يعدّه البعض أحد أجنحة القاعدة). واستوعب عددًا كبيرًا من عناصر التنظيمات الجهادية وجماعات الإسلام السياسي في الجيش. لذلك فإنّ الجيش بدل أن يساهم في بناء الأمّة وتحقيق الاندماج الاجتماعي بات يمثّل أحد عوامل التفكّك الاجتماعي، وساهم في تعميق الانقسامات الاجتماعية العمودية (الرأسية) في المجتمع، فبسبب هذه السياسات برزت حركات انفصاليّة في الجنوب. وبسبب تسييس القوّات المسلّحة وتفكيك الجيش الجنوبي، كان المتقاعدون العسكريون في طليعة القوى التي أسّست الحراك الجنوبي السلمي عام 2007، وكانت جمعية المتقاعدين العسكريين أوّل جمعية تقوم على أساس شطري بعد 17 عامًا من الوحدة. وطرح المتقاعدون العسكريون والحراكيون الجنوبيون عمومًا مطالبَ حقوقية في البداية. ونتيجة للسياسات الخاطئة، تحوّلت بعض فصائل الحراك عام 2009 إلى المطالبة بالانفصال أو فكّ الارتباط؛ فقد أحدثت سياسات صالح تجاه الجيش الجنوبي شرخًا في الوحدة الوطنية، وقد تعزّز التفكّك الاجتماعي بفعل السياسة التي اتّبعها لإضعاف الوحدات التي يسيطر عليها اللواء علي محسن الأحمر، إذ زجّ بها في ستّ حروب مع جماعة أنصار الله (جماعة الحوثي) في صعدة والمحافظات القريبة منها، ما أدّى إلى انبعاث النزعات والنزاعات المذهبيّة والطائفيّة في المحافظات الشمالية. وانتشرت النزاعات المسلّحة بين جماعات الإسلام السياسي المدعومة من مركزَي القوّة العسكرية بعضها في مواجهة البعض الآخر أحيانًا، وفي مواجهة الجيش أحيانًا أخرى. إذ كان كلّ مركز من مراكز القوّة العسكرية يسعى إلى إضعاف الوحدات العسكرية الموالية للفريق الآخر[14].
مثّل التنافس بين مركزَي القوّة العامل الحاسم في بناء القوّات المسلّحة وهيكلتها، وتقسيم مسرح العمليات، وتحديد العقيدة العسكرية؛ فعلى مستوى العقيدة العسكرية باتت عقيدة التشكيلات العسكرية التابعة لكلّ مركز تتركّز على حماية هذا المركز من المركز الآخر، ومن المخاطر الداخلية عمومًا. ولم تقم عقيدة الجيش على الدفاع عن السيادة الوطنية وحماية الحدود البرّية والبحرية للجمهورية اليمنيّة وأجوائها، فباتت تشكيلاته أقرب إلى التشكيلات الأمنيّة منها للتشكيلات العسكرية، وتركّز اهتمام مراكز صناعة القرار العسكري على القوّات البرّية على حساب القوّتين الجوّية والبحرية، ولا سيّما أنّ العاصمة تقع في وسط البلاد، بعيدًا عن الحدود الدولية (البرّية والبحرية) للجمهورية؛ فالقوّات الجوّية لا تملك إلّا بعض الطائرات (الميج والسخوي والأنتينوف) القديمة التي ورثتها عن جيشَي دولتي اليمن قبل توحيدهما[15]، لذلك تزايدت حوادث سقوط الطائرات العسكرية بسبب الأعطال الفنّية خلال السنوات الأخيرة؛ فخلال الأعوام 2010- 2012 سقطت عشر طائراتٍ عسكرية، بمعدّل ثلاث طائرات سنويًّا[16]. وعلى مستوى تقسيم مسرح العمليات ونشر القوّات المسلّحة، تركّز نشر معظم القوّات العسكرية في أمانة العاصمة صنعاء ومديريات محافظة صنعاء المحيطة بها، وفي المدن الرئيسة. وأُهملت مناطق الحدود. وأُوكلت حمايتها لتشكيلات شبه عسكرية مكوَّنة من رجال القبائل تقيم في المناطق الحدودية، وبقيادة مشايخهم، ترتّب على ذلك وجود فراغ عسكري وأمنيّ في المناطق الصحراوية، وفي الشريط الساحلي الطويل على البحر الأحمر والمحيط الهندي، الأمر الذي أتاح لعناصر القاعدة الدخول إلى الأراضي اليمنيّة بعد عودتها من أفغانستان. فضلًا عمّا أتاحه هذا الفراغ الأمنيّ من حرية حركة لأفراد الجماعات الإرهابية والتنقّل بين اليمن والقرن الأفريقي[17]. وفي ظلّ هذا الفراغ الأمنيّ، استطاع تنظيم القاعدة تأسيس قواعد تجمّع ومعسكرات تدريبية لعناصره في بعض مناطق محافظات مأرب، وشبوة، وأبين. استطاعت القوّات الإثيوبية احتلال جزيرة حنيش بسهولة في كانون الأوّل / ديسمبر 1995. فضلًا عن عجز القوّات المسلّحة عن تأمين مناطق النشاط الاقتصادي، ولا سيّما مناطق إنتاج النفط، وخطوط نقل الطاقة الكهربائية.
مع انطلاق ثورة 11 فبراير أعدّ شباب الثورة قائمة بعددٍ من أقارب الرئيس صالح في أجهزة الدولة المدنيّة والعسكرية، بينهم تسعة عسكريّين[18]. وفي 21 آذار / مارس 2011، أعلن اللواء علي محسن الأحمر (قائد المنطقة الشمالية الغربية والفرقة الأولى مدرع) واللواء محمد علي محسن الأحمر (قائد المنطقة الشرقية) وعددٌ من قادة الألوية العسكرية، تأييدهم للثورة ودعمهم للثوّار. وأعلنوا عن تشكيل "جيش أنصار الثورة" الذي تعهّد بحماية ساحات الحرية وميادين التغيير في المناطق التي توجد فيها قوّاته. وأطلق الثوّار على الوحدات التي استمرّت في ولائها لعلي عبد الله صالح تسمية الجيش العائلي. وبذلك ظهر الانقسام الخفيّ إلى العلن. وشهدت العاصمة صنعاء ومدينة تعز وبعض المدن والمناطق الأخرى، مواجهات بين الجيشين والمليشيات التابعة لهما.
تضمّنت الآليّة التنفيذية لمبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربي (التي جرى توقيعها في 23 تشرين الثاني / نوفمبر 2011) بندًا ينصّ على تشكيل لجنة لإعادة هيكلة الجيش وإنهاء انقسامه[19]. وقد أصدر نائب الرئيس عبد ربّه منصور هادي قرارًا بتشكيل هذه اللجنة في 4 كانون الأوّل / ديسمبر 2011. وبدأت اللجنة في العمل على تحقيق الاستقرار، وإخراج المليشيات المسلّحة من العاصمة صنعاء ومدينة تعز، ورفع المتاريس التي نُصبت في شوارع هاتين المدينتين. ثمّ وضعت خطّة عمل تتضمّن ثلاث مراحل، هي كما يلي:
المرحلة الأولى: دراسة واقع القوّات المسلّحة الحالي، من خلال زيارات ميدانيّة إلى المناطق والوحدات العسكرية، لدراسة أوضاعها والتشاور مع القادة.
المرحلة الثانية: تبدأ بعقد ندوة إستراتيجية يجري خلالها وضع التصوّرات الأوّلية لإعادة هيكلة القوّات المسلّحة والتوجّهات الرئيسة للإصلاحات الهيكلية والإدارية. وفي ضوء نتائج الندوة يجري إصدار قانون تنظيم القوّات المسلّحة يحدّد الأسس والتكوينات ومهامّ مختلف القادة والهيئات، وتوصيف الوظائف العسكرية، وتحديد مهامّ كلّ هيئة ودائرة ومنطقة ومحور ولواء وكتيبة. ثمّ تقوم دائرتا شؤون الضبّاط والأفراد ودائرة التسليح، بوضع تصوّر عن إعادة توزيع الموارد البشرية والمادّية وفقًا للهياكل الجديدة والتوصيف الوظيفي.
المرحلة الثالثة: وهي المرحلة الأخيرة، يجري خلالها تنفيذ عملية إعادة توزيع الأفراد والأسلحة على الوحدات والمناطق العسكرية، وفقًا للملاك والهيكل.
بالتوازي مع عمل اللجنة العسكرية، أصدر الرئيس هادي عددًا من القرارات من شأنها تخفيف حدّة الانقسام في القوّات المسلّحة؛ ففي 1 آذار / مارس 2012 أصدر قرارًا بعزل اللواء مهدي مقولة (الموالي للرئيس السابق) من قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية وقيادة اللواء (31) مدرع، وتعيينه نائبًا لرئيس هيئة الأركان للقوى البشرية. وفي 6 نيسان / أبريل 2012 أصدر عددًا من القرارات يقضي بعزل العميد طارق محمد عبد الله صالح (ابن شقيق الرئيس السابق) من قيادة الحرس الخاصّ واللواء الثالث مدرع حرس جمهوري، وتعيينه قائدًا للواء (37) مدرع في حضرموت، وعزل اللواء محمد صالح الأحمر (الأخ غير الشقيق للرئيس السابق) من قيادة القوّات الجوّية والدفاع الجوّي، وتعيينه مستشارًا لوزير الدفاع لشؤون التصنيع العسكري، وعزل اللواء محمد علي محسن (الموالي للواء علي محسن الأحمر) من قيادة المنطقة العسكرية الشرقية وتعيينه نائبًا لرئيس هيئة الأركان العامّة لشؤون القوّات البرّية. وفي 6 آب / أغسطس صدر قرار رئيس الجمهورية القائد العامّ للقوّات المسلّحة بتشكيل قوّات الحماية الرئاسية من أربعة ألوية، ثلاثة منها كانت تتبع الحرس الجمهوري (اللواء الأوّل حرس خاصّ، واللواء الثاني حماية، واللواء الثالث مدرع)، فيما اللواء الرابع (اللواء 314 مدرع) كان يتبع الفرقة الأولى مدرع، وتحويل تبعية ثمانية ألوية من الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع إلى قيادة المناطق العسكرية التي توجد فيها.
نظّمت لجنة الشؤون العسكرية في منتصف تشرين الثاني / نوفمبر 2012 ندوةً شارك فيها عدد من الخبراء العسكريّين، خلصت إلى التوصية بتشكيل لجنة عسكرية متخصّصة لإعداد الرؤية الإستراتيجية لإعادة تنظيم القوّات المسلّحة وإعادة هيكلتها، وتقديم تصوّرات بشأن: إعداد الهيكل التنظيمي لوزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامّة وكلّ مكوّنات القوّات المسلّحة، وتقسيم مسرح العمليات وإعادة تموضع القوّات المسلّحة وانتشارها وفقًا لمتطلبات البلاد الدفاعية، وتحديد الحجم الأمثل للقوّات المسلّحة، وإعداد خطّة زمنية لمعالجة الاختلالات الناجمة عن التضخّم الحاصل في القوّات المسلّحة في مجال القوى البشرية، وتصحيح خلل توزيع القوّة البشرية، وتطبيق قانون التقاعد وتسريح القوّة الفائضة عمّا تقتضيه الهيكلة الجديدة، والخطوط العريضة لقانون التوصيف الوظيفي العسكري، وتطهير إدارة القوّات المسلّحة من الفساد، وإعادة العمل بقانون خدمة الدفاع الوطني الإلزامية، وتفعيل قانون الاحتياط العامّ، ووضع نظام للتعبئة العامّة، وإعادة تنظيم القوّات البحرية والدفاع الساحلي وتطويرها، واستكمال البنية الهيكلية لقوّة حرس الحدود، والإسراع في إعادة تنظيمها وانتشارها لضمان تأديتها مهامّ حراسة حدود الدولة، وأخيرًا إجراء التعديلات اللازمة في القوانين والأنظمة واللوائح العسكرية، وعلى وجه الخصوص قانونَي الخدمة والتقاعد[20].
وفي 19 كانون الأوّل / ديسمبر 2012، أصدر الرئيس عبد ربه منصور هادي قرار رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوّات المسلّحة رقم 104 لسنة 2012 بشأن الهيكل التنظيمي للقوّات المسلّحة، الذي حدّد المكوّنات الرئيسة للقوّات المسلّحة بخمسة فروع، وهي: القوّات الجوّية والدفاع الجوّي، والقوّات البحرية والدفاع الساحلي، والقوّات البرّية، وقوّات حرس الحدود، والاحتياط الإستراتيجي. وتتكوّن قوّات الاحتياط الإستراتيجي من مكوّنين هما: مجموعة الصواريخ (تتكوّن من الألوية 5، و6، و8 صواريخ)، والعمليات الخاصّة (تتكوّن من القوّات الخاصّة ووحدات مكافحة الإرهاب، واللواء الأول مشاة جبلي، واللواء العاشر صاعقة). وجميعها كانت تتبع الحرس الجمهوري. وضمّ باقي ألوية وتشكيلات الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع إلى القوّات البرّية اليمنيّة التي قُسّمت وفقًا لهذا القرار إلى سبع مناطقَ عسكرية.
في 10 نيسان / أبريل 2013، صدرت حزمة جديدة من القرارات تقضي باستحداث منصب المفتّش العامّ للقوّات المسلّحة، ونائب رئيس هيئة الأركان العامّة، وأربعة مساعدين لوزير الدفاع (مساعد الوزير للتخطيط الإستراتيجي، ومساعد الوزير للموارد البشرية، ومساعد الوزير للإسناد اللوجستي، ومساعد الوزير للتكنولوجيا)، وخمس هيئات في رئاسة هيئة الأركان العامّة (هيئة العمليات، وهيئة الاستخبارات، وهيئة التدريب والتأهيل، وهيئة القوى البشرية، وهيئة الإسناد اللوجستي)، وتشكيل هيئة استشارية للقائد الأعلى للقوّات المسلّحة، وتقسيم مسرح العمليات العسكرية، وإعادة تسمية المناطق العسكرية السبع التي تضمّنتها قرارات 19 كانون الأوّل / ديسمبر، وتشكيل قوّة احتياط وزارة الدفاع (اللواء الرابع مدرع، واللواء السابع مشاة، واللواء 62 مدرع، واللواء 63 مشاة، واللواء 83 مدفعية، واللواء 102 مشاة)، وإلحاق اللواء 89 ولواء غمدان بهيئة الإسناد اللوجستي، وإلحاق كلّ مراكز التدريب العسكرية بهيئة التدريب والتأهيل. وتضمّنت القرارات تعيين خمسة ضبّاط من مركزي القوّة في القوّات المسلّحة ملحقين عسكريّين في سفارات الجمهورية اليمنيّة في (قطر، ومصر، وألمانيا، والسعودية، وإثيوبيا)، وتعيين أحمد علي عبد الله صالح سفيرًا للجمهورية اليمنيّة لدى دولة الإمارات العربية المتّحدة، وتعيين اللواء علي محسن الأحمر مستشارًا لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاع والأمن.
عندما أصدر الرئيس هادي قرارًا بعزل اللواء محمد صالح الأحمر من قيادة القوّات الجوّية والدفاع الجوّي، وعزل العميد طارق محمد عبد الله صالح من قيادة الحرس الخاصّ واللواء الثالث مدرع حرس جمهوري، لم يمتثل الاثنان لقرار العزل. واستمرّ تمرّد محمد صالح الأحمر لمدّة 18 يومًا، هدّد خلالها بقصف مطار صنعاء الدولي، ما أدّى إلى إيقاف حركة الطيران ليومٍ واحد على الأقلّ. وعندما أصدر الرئيس هادي قرارًا بتشكيلٍ عسكري جديد باسم قوّات الصواريخ، وضمّ ألوية الصواريخ التي كانت تتبع الحرس الجمهوري إليها، رفض أحمد علي عبد الله صالح تسليمها، وهدّد بضرب العاصمة بالصواريخ، قابله الرئيس هادي بتأكيد عزمه على تنفيذ كلّ بنود المبادرة الخليجية وآليّتها التنفيذية، فقال خلال مؤتمرٍ صحفي في 19 تشرين الثاني / نوفمبر 2012: "إنّ المبادرة الخليجية ليست "وثيقة العهد والاتّفاق"، وعلى كلّ يمنيّ (صحفي إعلامي قياديّ أو سياسيّ) أن يستوعب أنّ المبادرة الخليجية وآليّتها التنفيذية مربوطة بمجلس التعاون الخليجي والأمم المتّحدة، وبقراري مجلس الأمن 2014 و 2051، وعمليًّا سينفّذ كلّ حرف فيها، وكلّ من يتطاول أو يخرج سيعاقبه الشعب اليمنيّ قبل أن تعاقبه الأمم المتّحدة"[21]. وخلال حضوره أعمال الندوة العلمية الأولى من أجل إعادة تنظيم جهاز الشرطة وإعادة هيكلته في 9 كانون الأوّل / ديسمبر 2012، حذّر مَن يتدخّل في أعمال الجيش والأمن، ومَن يمارس أعمال التفجيرات والاغتيالات، بلهجةٍ حازمة، وهدّدهم بكشف ملفّات الفساد في القوّات المسلّحة، وإلغاء قانون الحصانة[22]. ويبدو أنّ أحمد علي عبد الله صالح قد أدرك جدّية الرئيس هادي وتصميمه على استكمال توحيد القوّات المسلّحة وإعادة هيكلتها، لذلك استبق صدور القرارات التالية التي صدرت في 19 كانون الأوّل / ديسمبر، فسافر لقضاء إجازة في إيطاليا. أمّا اللواء علي محسن الأحمر، فعلى الرغم من ترحيبه بقرارات 19 كانون الأوّل / ديسمبر 2012 في اليوم نفسه الذي صدرت فيه، تلكّأ على مستوى الممارسة في تنفيذها. وشنّت وسائل الإعلام المقرّبة منه حملة إعلامية ضدّ الرئيس هادي. ثمّ أعلن بعد ذلك صراحةً أنه لن ينفّذها؛ فقال: - ردًّا على السؤال هل سيطلب الإحالة إلى التقاعد وفاءً بالوعد الذي قطعه للثوّار في بداية الثورة؟ - "حقيقة فإنّ ضميري وديني ووطنيتي، واليمن على هذا القدر من التأزّم بين حينٍ وآخر، هو ما يمنعني من ترك الخدمة العامّة والخلود للراحة، كما أنّ هناك أطرافًا تجرّ اليمن بين حينٍ وآخر وتضعه في مسار الكوارث، وهؤلاء يحتاجون إلى من خبر بتكتيكاتهم وبأفاعيلهم، وبقائي وآخرين إلى جانب الرئيس القائد المشير هادي يُفشل مخطّطات هذه الأطراف، بمعنى أنه عندما تلتزم الأطراف الأخرى بأمن اليمن وعدم إيذائه، نتحدّث بعدها عن التزاماتنا"[23]. مع ذلك، فقد رحّب بقرار تعيينه مستشارًا لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاع والأمن الذي صدر في 10 نيسان / أبريل 2013. وظهر على شاشات التلفزيون بالزيّ اليمنيّ التقليدي معلنًا تأييده القرارات والتزامه بتنفيذها. وتأكيدًا على التزامه بها، أدّى في اليوم التالي (11 نيسان / أبريل) اليمين الدستورية كمستشار لرئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوّات المسلّحة لشؤون الدفاع والأمن.
استُقبلت قرارات هيكلة القوّات المسلّحة في المحافظات الجنوبية بعدم الاكتراث؛ فكثير من الجنوبيين يقول إنّ إعادة هيكلة الجيش أمر يعني الجمهورية العربية اليمنيّة (إشارة إلى اليمن الشمالي قبل الوحدة)، ولا يعني دولة الجنوب. وعبّرت بعض فصائل الحراك الجنوبي عن عدم رضاها عن إعادة هيكلة الجيش اليمنيّ، بسبب ما يقولون إنّه سوف يعزّز القبضة العسكرية والأمنيّة لقوّات الاحتلال الشمالية (بحسب تعبيرهم) على الجنوب. مع ذلك، أعرب بعض قادة الحراك الجنوبي عن ترحيبهم بهذه القرارات. أمّا في المحافظات الشمالية، فقد استُقبلت قرارات توحيد الجيش وإعادة هيكلته بفرحٍ شعبي عارم. وسيّر شباب الثورة مسيرات داعمة لها في عواصم المحافظات الشمالية. وعبّرت أحزاب اللقاء المشترك عن دعمها هذه القرارات. وفي موازاة الترحيب الشعبي والحزبي بكلّ قرار، كان شباب الثورة وأحزاب اللقاء المشترك يطالبون الرئيس هادي بالتسريع في استكمال خطّة إعادة الهيكلة؛ فكانت الجماهير والقوى السياسية تدرك أنّ كلّ القرارات التي اتّخذها الرئيس هادي خلال عام 2012 لا تعدو كونها إجراءات تقلّص نفوذ مركزَي القوّة العسكرية، ولا توحّد القوّات المسلّحة، وتوفّر إطارًا قانونيًّا لإعادة هيكلة الجيش، لكنّها لا تعيد هيكلته على مستوى الواقع، لذلك طالب شباب الثورة وأحزاب اللقاء المشترك الرئيس هادي بالتسريع في استكمال خطّة توحيد الجيش وإعادة هيكلته. فبات الرئيس هادي واقعًا بين الضغوط الشعبية والحزبية التي تطالبه بتسريع إجراءات الهيكلة وعزل أقارب علي عبد الله صالح من قيادة القوّات المسلّحة، وروح المبادرة الخليجية وآليّتها التنفيذية التي تقوم على التسوية؛ فكان عليه إمّا أن يعزل اللواء علي محسن الأحمر والعميد أحمد علي عبد الله صالح، وهو أمر محفوف بمخاطر عدم التزامهما بالقرار، وتمرّدهما عليه، كما تمرّدا على قرارات كانون الأوّل / ديسمبر 2012، وإمّا أن يُبقي على الاثنين معًا، ويعيّنهما في قيادة اثنتين من المناطق العسكرية السبع. وهو أمر سوف يجرّد القرارات من أيّ معنًى حقيقي؛ فبقاؤهما في مواقعَ قيادية في المؤسّسة العسكرية من شأنه أن يساهم في استمرار انقسام القوّات المسلّحة، الأمر الذي فرض على الرئيس هادي التأنّي قبل إصدار قرارات استكمال هيكلة الجيش، ولا سيّما في ظلّ ما يتمتّع به مركزا القوّة العسكرية من دعمٍ إقليمي ودولي، فالولايات المتّحدة الأميركيّة تدعم العميد أحمد علي عبد الله صالح (قائد الحرس الجمهوري والقوّات الخاصّة) الذي تنظر إليه باعتباره أهمّ شركائها في مكافحة الإرهاب. وتدعم المملكة العربية السعودية الجنرال علي محسن الأحمر[24]، "ولا سيّما بعد أن أصبح الرمز الأبرز في الحرب على أنصار الله (جماعة الحوثي)"[25].
من الجليّ أنّ الرئيس هادي كان أمام خيارين: إمّا أن يعزل أحمد علي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر معًا، وإمّا أن يبقيهما معًا[26]. فاختار الخيار الثاني، إذ أصدر في 10 نيسان / أبريل 2013 قرار رئيس الجمهورية بتعيين قادة المناطق العسكرية السبع، ولم يكن بينهم الجنرال علي محسن الأحمر ولا العميد أحمد علي عبد الله صالح؛ إذ عيّن الأوّل مستشارًا لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاع والأمن، والثاني سفيرًا للجمهورية اليمنيّة لدى دولة الإمارات العربية المتّحدة. وهناك مؤشّرات عديدة على أنّ هذه القرارات سيجري تنفيذها دون تلكّؤ، فسفَرُ الرئيس السابق إلى المملكة العربية السعودية بحجّة استكمال العلاج، يأتي استباقًا لهذه القرارات التي سوف تجرّده من مصدر القوّة العسكرية الأخيرة التي كان يعتمد عليها في بقائه في اليمن.
في مقابل مقاومة مراكز القوى العسكرية قرارات الرئيس بشأن إعادة هيكلة الجيش، فإنّ الرئيس هادي يحظى بدعمٍ شعبي كبير، فضلًا عن دعم الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية (بما فيها المملكة العربيّة السعوديّة والولايات المتّحدة الأميركيّة)؛ ففي 9 نيسان / أبريل اجتمع الرئيس هادي بسفراء هذه الدول في صنعاء، ليُطْلعهم على مضمون القرارات التي سوف يصدرها في اليوم التالي، ويكسب دعمهم لها. وتداولت وسائل الإعلام أنّ السفير الأميركيّ جيرالد فايرستاين، اجتمع باللواء علي محسن الأحمر قبل ثلاث ساعات من إعلان هادي قراراته. وأكّد له أن لا خيارَ أمامه سوى القبول بالقرارات التي سيجري إعلانها، وأنّ عدم تنفيذها سوف يعرّضه لعقوبات دولية. وفي المقابل مارست الدول الراعية للمبادرة الخليجية ضغطًا على الرئيس السابق علي عبد الله صالح ومراكز القوى العسكرية الموالية له، لقبول كلّ قرارات إعادة هيكلة الجيش.
تساهم القرارات التي اتّخذها الرئيس عبد ربه منصور حتّى الآن في توحيد الجيش وإنهاء انقسامه؛ فهي توحّد القوّات المسلّحة في إطار هيكلٍ جديد يتكوّن من ثلاثة فروع رئيسة: الفرع الأوّل هو القوّات البرّية التي تتكوّن من سبع مناطقَ عسكرية (الأولى مركز قيادتها في سيئون بمحافظة حضرموت، والثانية مركز قيادتها في المكلا بمحافظة حضرموت أيضًا، والثالثة مركز قيادتها في مأرب، والرابعة مركز قيادتها في عدن، والخامسة مركز قيادتها في الحديدة، والسادسة مركز قيادتها في ذمار، والسابعة مركز قيادتها في عمران)؛ والفرع الثاني هو القوّات البحرية والدفاع الساحلي، وتتكوّن من قيادة القوّات البحريّة والدفاع الساحلي، ووحدات بحريّة عائمة، ووحدات دفاع ساحلي، ووحدات مشاة بحريّة، وقواعد بحريّة؛ أمّا الفرع الثالث فهو القوّات الجوّية والدفاع الجوّي، وتتكوّن من قيادة القوّات الجوّية والدفاع الجوّي، ووحدات طيران، ووحدات دفاع جوّي (ألوية صواريخ وألوية مضادّات طيران مواسير ولواء رادار)، وقواعد جوّية. إضافةً إلى هذه الفروع الثلاثة تضمّ القوّات المسلّحة قوّاتٍ لحرس الحدود، وتتكوّن من قيادة حرس الحدود ووحدات حرس حدود، ويضمّ الهيكل الجديد للقوّات المسلّحة تشكيلًا سُمّي الاحتياط الإستراتيجي، يتكوّن من مجموعة الصواريخ (ترتبط هيكليًّا بالقائد الأعلى للقوّات المسلّحة)، وألوية الحماية الرئاسية (ترتبط هيكليًّا بالقائد الأعلى للقوّات المسلّحة)، والعمليات الخاصّة (ترتبط هيكليًّا بوزارة الدفاع وعملياتيًّا بالقائد الأعلى للقوّات المسلّحة)، وتتكوّن من قيادة العمليات الخاصّة، والقوّات الخاصّة، ووحدات مكافحة الإرهاب، ولواء مشاة جبلي، ولواء صاعقة (انظر الرسم: هيكلة الجيش اليمني الجديدة).
هيكلة الجيش اليمنيّ الجديدة
لا تقتصر أهمّية الهيكلة الجديدة على توحيد الجيش اليمنيّ، بل تساهم في إعادة بناء عقيدة القوّات المسلّحة وإعادة تشكيلها، وتحويلها من حماية النظام إلى حماية الوطن؛ فقيادة أربع من المناطق العسكرية (الأولى، والثانية، والثالثة، والرابعة) تقع في مناطق وجود تنظيم القاعدة أو بالقرب منها. وسوف يجري نقل جلّ الوحدات والألوية العسكرية من العاصمة صنعاء إلى المناطق العسكرية التي تتركّز فيها التهديدات الإرهابية لتنظيم القاعدة، وإلى المناطق الحدودية (البرّية والبحرية). وسيجري إخلاء العاصمة صنعاء من المعسكرات، بما في ذلك معسكر الفرقة الأولى مدرع الذي أصدر الرئيس هادي قرارًا في 10 نيسان / أبريل 2013 بتحويله إلى حديقة عامّة باسم "حديقة 21 مارس". ولن يظلّ في العاصمة سوى قوّات الاحتياط الإستراتيجي التي سوف تتمركز في معسكر 48 على المدخل الجنوبيّ للعاصمة.
مع ذلك، فإنّ هذه القرارات لا تمثّل إلّا مقدّمة لإعادة هيكلة الجيش. ومازال هناك العديد من الإجراءات التي ينبغي تنفيذها خلال ما تبقّى من الفترة الانتقالية. وفي مقدّمها إصدار قرار بإعادة العمل بقانون خدمة الدفاع الوطني الإلزامية، وتفعيل أحكام الإحالة إلى التقاعد المتضمّنة في قانون الخدمة في القوّات المسلّحة، وتنقية كشوفات الوحدات العسكرية من الجنود والضبّاط الوهميّين، وإجراء المناقلة بين فروع القوّات المسلّحة والمناطق العسكرية؛ فالتصوّرات الأوّلية للفريق المكلّف بهيكلة القوّات المسلّحة، تشير إلى أنّ الحجم الأمثل للقوّات المسلّحة في ظروف اليمن الحاليّة هو 375 ألفًا (يمثّلون نحو 1- 1.5% من إجماليّ السكّان)، على أن يكون 85% منهم من الضبّاط والجنود المحترفين، و15% من جنود وضبّاط الاحتياط بعد إعادة تفعيل قانون خدمة الدفاع الوطني، وأن يوزّع الملاك البشري للقوّات المسلّحة على الفروع الرئيسة الثلاثة كما يلي: 80% للقوّات البرّية، 10% للقوّات البحرية والدفاع الساحلي، و10% للقوّات الجوّية والدفاع الجوّي. وينبغي أن لا تتجاوز نسبة الضبّاط على مستوى كلّ وحدة من وحدات القوّات المسلّحة 7% من إجماليّ الموارد البشرية للوحدة، ولا تتجاوز نسبة صفّ الضبّاط 25%، ولا تقلّ نسبة الجنود عن 65%. أمّا على مستوى القوّات المسلّحة بصورة عامّة، فينبغي أن لا تتجاوز نسبة عناصر القيادة والسيطرة 15% من إجماليّ عديد القوّات المسلّحة، ولا تتجاوز نسبة الإداريين والفنّيين 15%، ولا تقلّ نسبة العناصر المقاتلة عن 70%[27].
إنّ ما جرى تنفيذه حتّى الآن من خطّة توحيد الجيش وإعادة هيكلته يكتسب أهمّية كبيرة، فهو يساهم في بناء الثقة بين القوى السياسية والاجتماعية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، ويساهم في التأسيس لبناء دولة مدنيّة. مع ذلك فإنّ على الرئيس هادي تسريع استكمال ما تبقّى من خطّة إعادة هيكلة الجيش، استغلالًا للدعم الشعبي والإقليمي الذي يحظى به حاليًّا؛ فمن المتوقّع أن تقابِل مراكز القوى الصغيرة من الضبّاط (قادة الكتائب والسرايا) الذين لم تشملهم خطّة الهيكلة حتّى الآن، والنخب التقليدية المستفيدة من مرتبات الجنود الوهميّين ومن اقتصاد الحرب الذي عاشت عليه هذه النخب خلال العقود الثلاثة الماضية، إجراءاتِ مكافحة الفساد في القوّات المسلّحة بمقاومةٍ شديدة. ومن أجل ضمان استدامة فعالية خطّة توحيد الجيش وإعادة هيكلته، ينبغي التنسيق بين لجنة الشؤون العسكرية وفريق القوّات المسلّحة والأمن في مؤتمر الحوار الوطني، من أجل تقديم مقترحات بنصوص تشريعية (دستورية وقانونية)، تشترط أن لا يكون المرشّح لرئاسة الجمهورية أو لعضوية مجلس النوّاب عسكريًّا عاملًا خلال السنوات الخمس السابقة للترشّح، وحظر الجمع بين منصب رئيس الجمهورية ومنصب القائد العامّ للقوّات المسلّحة لمن سبق لهم الخدمة في القوّات المسلّحة النظامية لمدّةٍ تزيد عن خمس سنوات، وحظر تعيين أيّ قريب من أقارب رئيس الجمهورية من الدرجة الأولى في قيادة أيّ وحدة من وحدات القوّات المسلّحة. وتحظر على الدولة استخدام أيّ قوّات شعبية أو فتح مجال عقد صفقات أسلحة لغير أجهزة القوّات المسلّحة، وتنظيم عملية التجنيد لكلّ وحدات القوّات المسلّحة عبر شعبة التجنيد، وعبر إعلانات عامّة وبالطرق والآليات التي تكفل تفعيل مبدأَي المساواة وتكافؤ الفرص، وتحظر على العسكريّين العاملين المشاركة في تأسيس منظّمات مجتمع مدني، أو عضوية هيئاتها الإدارية، وحظر ممارسة الأنشطة التجارية على كلّ ضبّاط القوّات المسلّحة أثناء خدمتهم بالقوّات المسلّحة، وإخضاع القوّات المسلّحة لأجهزة الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد، وتأسيس آليّات مؤسسية تضمن تفعيل هذه المبادئ على مستوى الواقع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.