الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    عيساوي: حركة الأفعى    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبيلة عبد الباسط سبدرات (7،8،9)


مصطفى عبد العزيز البطل
[email protected]
(المجموعة الثالثة - الحلقات السابعة والثامنة والتاسعة)
الحلقة السابعة
ما كان لعمل كهذا الذي نهض اليه الاستاذ عبد الباسط سبدرات، ألا وهو رصد جميع الأسماء والشخصيات التي تقلدت المنصب الوزاري في السودان، منذ الاستقلال وحتي يومنا هذا، والتعريف بكل منهم، أن يتم دون هنات هنا وهناك، كما ذكرنا فيما سبق.
ما كان ضرّ لو استعان سبدرات برجل او امرأة من مثل اولئك الذين يحملون، في الحقول الاكاديمية، صفة (مساعد أبحاث)، فيخفف – أو تخفف – عنه العبء، وتعينه على التمحيص والتدقيق. ولكن سبدرات استسهل القفز فقفز، ثم لما وصل الى عمق البحر، سمعناه يجأر بالشكوى من كبر السن وخذلان الذاكرة وضخامة المادة وعسر المهمة. كما أنه تحجج بأن ابنته شكت له من تطاول السلسلة، وحالة الملل التي أصابتها، وربما أصابت الناس منها (من السلسلة، لا الإبنة. حاشا لابنة سبدرات ان تكون مملة)!
والذين دققوا في السلسلة السبدراتية الأربعينية ربما لاحظوا أن الرجل كان قد تجاوز عن شاغلي المناصب الدستورية من غير حاملي لقب الوزير، مثل نواب الرؤساء ومساعديهم ومستشاريهم واعضاء مجالس السيادة، بزعم أنه سيعود اليهم فيعالج أمرهم في مبحث منفصل. وكذلك الحال بالنسبة لمنسوبي قبيلة الوزير من الجنوبيين، الذين ذكر أنه سيعود اليهم في حلقات منفصلة أيضاً. ولكنه عاد بعد هنيهة فنظر وراءه وأمامه على عجل. فلما خيّل اليه أن أحداً لم يتنبه أو يلق بالاً الى وعوده، أسرع يختم السلسلة، ويودع القراء، ويشكرهم على صبرهم. ثم غادر المكان متنفساً الصعداء. لكن "علي مين يا أستاذ .. نحن مصحصحين ومصهللين أوي"!
ربما كان من المناسب أن أعرض الى بعض الاخطاء في المعلومات عن الوزراء فأقومها. ولعلني أبدأ بما يليني ويلي أسرتي من الأمر، فقد هالني ما جاء في النبذة التعريفية عن زوج عمتي (الملكة النوبية فتحية محمد داؤد)، ووالد رجل الاعمال أسامة داؤد واخوته الأماجد، الاداري والسياسي الوطني والوزير السابق الراحل داؤد عبداللطيف، من أنه شارك في مؤسسات الحقبة المايوية، وأنه تولي منصب رائد مجلس الشعب. وليس ذلك من الحقيقة في شئ. ومن لطف الله على داؤد، تغشت قبره الشآبيب الرطاب، أنه غادر دنيانا قبل أن يقرأ ما كتب عنه من أنه شارك في مؤسسات النظام المايوي!
ومن الحق أن سبدرات أحسن التعريف بالوزير الراحل، الى درجة انه لم يكتف بذكر مدينة وادي حلفا، مكاناً لميلاده، بل أضاف اسم القرية، وهي "دغيم". كما أحسن عرض مسيرته في خدمة السودان متقلداً الوظائف الادارية والمناصب السياسية المختلفة. ولكنه عاد فكسر الجرة، عندما ذكر ان داؤد عبداللطيف تولى منصب رائد مجلس الشعب المايوي. وأنا لا أعرف من عادى جعفر النميري ونظامه واحتقرهما، كما عاداهما واحتقرهما داؤد. ولهذا قلت بأنه لو كان حيّا وقرأ ما كتب عنه لاصابته نوبة غضب لم يكن سبدرات لينج من عقابيلها.
مع الفارق المهول في السن فقد اتفق انني جالست داؤد مرات كثيرة، داخل السودان، وخارجه، لا سيما في بريطانيا، حيث دأبت خلال سني الدراسة الجامعية، على زيارته في شقته الفاخرة في مبني امين لودج في قلب لندن، وكنت أقصدها كل عام، قادماً اليها من الرباط على ظهور السفن والقاطرات. وأنا أذكر للراحل الكبير فضلين اثنين طوق بهما عنقي. الاول انه عرفني على مولاى أحمد العلوي، خال الملك الحسن الثاني، قدس سره، والذي تولي مناصب سامية في المغرب، منها رئاسة الديوان الملكي. وكان العلوى صديقاً صدوقاً لداؤد. والثاني أنه عرفني ووثق صلتي بشيخ العرب أحمد محمد أحمد أبوسن (حمودة)، فارس الشكرية الفذ، وعضو البرلمان السوداني لعدة دورات في حقب الديمقراطية (وهو أيضا بينه وبين النظم الانقلابية ما صنع الحداد). وشيخ العرب حمودة من أصفى وأنقى وأكرم وأشجع من عرفت من الرجال في حياتي كلها، أطال الله في عمره وبارك فيه.
كان الراحل داؤد عبد اللطيف نائباً في برلمان الديمقراطية الثانية، وتقلد في حكومة السيد الصادق المهدي منصب وزير الإعلام والشئون الاجتماعية، وكان ذلك آخر منصب عام تولاه في حياته. وعند فجر الانقلاب المايوي في 1969 كان في طليعة المعتقلين. ولم يصالح النظام قط بعد اطلاق سراحه، وانما انصرف للعمل التجاري. وبلغ مقته للنظام ورئيسه وحكومته – وقد سمعت ذلك منه مباشرة عدة مرات – حداً تمنع فيه وتحرج من أن تطأ قدمه أى مكتب او مرفق حكومي ولو لإنجاز معاملة رسمية ، فلم يدخل مقراً حكومياً الا مرة واحدة فقط!
كانت المرة الوحيدة التي دخل فيها داؤد مقراً حكومياً في عهد مايو هي عندما تقدم بطلب رسمي لمقابلة الوزير والقيادي السياسي المايوي الاشهر الراحل الدكتور جعفر محمد على بخيت. وقد التقاه في مبني وزارة الحكومة المحلية القديم بشارع النيل. أراد الراحل داؤد من ذلك اللقاء أن يكون مواجهة مباشرة بينه وبين السياسي المايوي، الذي كان قد كتب مقالاً نُشر في الصفحة الاولي من جريدة (الصحافة)، الناطقة بلسان النظام آنذاك، غمز فيه من قناة داؤد، وكان بطبيعة الحال يعرف عداءه لمايو، وأشار الى ورود اسمه في بعض كبريات الصحف البريطانية، بعد ان تم اختياره عضواً في مجلس ادارة شركة ذات صيت، يشاركه عضويتها عدد من عتاة اليهود الاوربيين. وذلك مورد للشغب والمكايدة ما كان ينبغي لرجل في مقام الراحل جعفر بخيت أن يرده.
وقد اضطر الوزير بخيت عقب تلك المواجهة أن يكتب مقالاً جديداً، نشرته (الصحافة)، استبرأ فيه مما جاء في مقالته الاولي، وتقدم باعتذار صريح ومباشر الى السيد داؤد عبد اللطيف.
الحلقة الثامنة
قلنا أن سلسلة (قبيلة الوزير) التي سطرها الاستاذ عبد الباسط سبدرات في أربعين حلقة بالتمام والكمال، اشتملت على بعض الأخطاء حول الوزراء والمناصب التي تولوها، فضلاً عن أخطاء المعلومات المضمنة في النبذات التعريفية عن بعض منسوبي القبيلة. وقد حصرت نحواً من خمسين معلومة استحقت المراجعة والتصويب.
وقد يبدو هذا الرقم مهولاً، ولكن مضاهاته بحجم الانجاز (إذ كتب سبدرات من الاوراق مثقال ما كتب ابن حجر العسقلاني) ربما أظهرت أن عدد التجاوزات مما يمكن قبوله والتعايش معه. ولكن التصحيح والتقويم واجب في كل الأحوال، طالما كنا بصدد سفر توثيقي ربما انتهي الى أن يكون المرجع الوحيد من نوعه في هذا الضرب من الاختصاص. وسأعود لاحقاً، لو مد الله في الأعمار، لأتخير بعضاً من نماذج الأخطاء المعلوماتية التي أشرت اليها فأصححها.
ثم أن السلسلة يشوبها شئ من التكرار، بحيث انك قد تقرأ المعلومة، ثم تتقدم خمس او ست صفحات لتجد نفس المعلومة وقد أعيد سردها. كما أن اللغة تراوحت قوةً وضعفاً، تماسكاً وانفلاتاً، من مكان الى مكان. بمعني ان بعض الأجزاء صيغت بلغة محكمة، بينما كتبت اخري بلغة اقرب الى العامية، ويُستشف منها الارهاق والتعب وضعف التركيز. مثال ذلك تعريف سبدرات لوزير العمل في حكومة مايو الاولي، الدكتور طه بعشر، حيث كتب: (أصله من حضرموت، وأهله حضارمة). واذا كان الوزير من حضرموت فمن الطبيعي ان أهله سيكونون حضارمة، ولن يكونوا من الأمهرا أو البربر. وقد ذكرني ذلك التعريف بالممثل عادل امام في مسرحية (شاهد ما شافش حاجة)، عندما طلب منه المحقق الادلاء بأى افادات اضافية عن جارته الراقصة فكان رده: (والله هي رقاصة)، ثم أضاف: (وبترقص). فشكر له المحقق هذه الاضافة الهامة!
ولكنني أود ان أعرض تحديدا في يومي هذا لشخصية المغفور له السيد/ محمود حسيب وزير المواصلات في اول حكومة بعد انقلاب مايو 1969. تقول النبذة التعريفية السبدراتية عن هذه الشخصية: (من أبناء جنوب كردفان، أتم تعليمه الثانوي ثم التحق بالكلية الحربية السودانية، وتخرج فيها ضابطاً بالقوات المسلحة وتدرج حتي رتبة النقيب، ثم فصل من الجيش لنشاطه السياسي. وهو ينتمي الى التيار العروبي. أصبح وزيراً للمواصلات، وبعد ان تم اعفاؤه عين محافظاً، ثم عين مديراً لشركة استثمارية حيث اغتيل هناك).
وكنت قد لاحظت خلال العقدين الماضيين ان هناك جهات أجنبية عديدة أبدت اهتماماً خاصاً بهذه الشخصية. في منتصف التسعينات، قبل ظهور منابر الشبكة الدولية الناطقة بالعربية، كانت هناك منابر تؤمها مجموعات نخبوية سودانية تتخاطب باللغة الانجليزية. وضمت هذه المنابر في عضويتها عدداً من الامريكيين والاوربيين المهتمين أو المتخصصين في الشئون السودانية (Sudanists)، وكان من عادة الباحثين الامريكيين والاوربيين توظيف تلك المنابر لطلب المعلومات من رصفائهم السودانيين. وقد وجدت لافتاً للنظر ارتفاع عدد المرات التي طلب فيها باحثون أجانب معلومات عن الوزير محمود حسيب. وقد تقاطعت طرقي مع بعض هؤلاء الباحثين، فلاحقوني ملاحقة شديدة تقصياً لجوانب معينة من حياة الراحل، ثم تحديداً حول ظروف وملابسات مقتله.
ومحمود حسيب يرد اسمه كثيراً في الكتابات المتعلقة بالتوثيق للانقلابات العسكرية في السودان. وقد لا يعلم بعضنا أنه هو الذى تولى بنفسه، صبيحة انقلاب الخامس والعشرين من مايو 1969، اذاعة الأوامر الجمهورية والمراسيم الدستورية من اذاعة ام درمان. وقد أثار اهتمامي أنه برغم اصوله العرقية غير العربية، فإنه كان من قادة القوميين العرب والتيار الناصري في السودان. وفي ذلك ما يعضد مقولة ان العروبة ليست عرقاً، وأن كل من تحدث العربية فهو عربي.
وقد جاء تعريف سبدرات بسيرة الرجل مختلاً بعض الشئ. ومن ذلك أنه أغفل تعيين الراحل في منصب نائب وزير الحكومة المحلية، بعد اقالته من منصب وزير المواصلات. واعفاء شخص من منصب وزير وتعيينه نائب وزير واحدة من (ابداعات)، او بالاحري بدع، الرئيس نميري.
وأعتقد ان سبدرات أخطأ، فأضاف للغموض والارتباك الذي ظل يحيط بشخصية الوزير الراحل، عندما كتب عبارة (عُين مديرا لشركة استثمارية حيث اغتيل هناك)، وكأن الأمر يتعلق بشركة حكومية. والصحيح أنه لم يعين مديراً لاى شركة بعد تخليه عن منصب محافظ جنوب كردفان. وانما كانت تلك شركة خاصة به، أنشأها بأمل ان يعتاش من رزقها وأسماها (الشركة العربية للاستثمار). ثم أن استخدام سبدرات لفظة (اغتيال) لوصف ملابسات وفاته جانبها التوفيق تماما. وبحسب الموسوعة الحرة ويكيبيديا فإن (اغتيال: مصطلح يستعمل لوصف عملية قتل منظمة ومتعمدة تستهدف شخصية ذات تأثير فكري او سياسي او عسكري، اوقيادي ويكون مرتكز عملية الاغتيال عادة سبب عقائدي او سياسي ..).
وكان الراحل قد قتل، في النصف الاول من ثمانينات القرن الماضي، داخل مكتبه باحدى ضواحي الخرطوم في اطار جريمة قتل عادية، عقب مشادة كلامية بينه وبين شخص آخر حول شأن اجتماعي خاص. حيث أشهر ذلك الشخص سلاحه واطلق منه طلقتين الى صدر الفقيد. ولم يكن للأمر علاقة، من قريب او بعيد، بأي قضية ذات محتوى سياسي او فكري او عسكري أو غيره. رحمه الله.
الحلقة التاسعة
ذكرت في الحلقة الثامنة أنني رصدت نحواً من خمسين معلومة خاطئة ومستوجبة للتصحيح في سلسلة الاستاذ عبد الباسط سبدرات الموسومة (قبيلة الوزير). وأود في يومي هذا أن أتقدم اليك – أعزك الله – بالتماس لتخفيض الرقم من خمسين الى ثلاثين. الدافع الى هذا الالتماس هو أنني بعد مراجعة أجزاء كبيرة ظللتها باللون الأصفر، بحسبان أنها اشتملت على معلومات خاطئة، اكتشفت أن كلمة (خطأ) ربما تنكبّت الوصف الصحيح. و لعله من الأوفق النظر اليها على أنها (ناقصة) او (غير مكتملة).
خذ مثالاً هذه النبذة التعريفية السبدراتية عن الوزير المهندس محمود بشير جماع: (تخرج في جامعة الخرطوم، كلية الهندسة، ثم عمل بوزارة الري حتى أصبح وزير دولة برئاسة مجلس الوزراء). كل المعلومات في هذا النص صحيحة. المشكلة أن السقف الوزاري للمهندس محمود بشير جماع لم يتوقف عند منصب وزير دولة. ولا يعقل ان يتولى شخص منصب وزير مركزي مرتين فلا يوثق ذلك، ويُكتفي في سيرته بأنه تولي منصب وزير دولة مرة واحدة. التوثيق الصحيح والمكتمل يقتضي الاشارة الى ان هذا الرجل تولي منصب وزير مركزي مرتين في تاريخ السودان: المرة الاولي وزيراً للري تحت مظلة النظام المايوي. والمرة الثانية وزيرا للري ايضا في حكومة الديمقراطية الثالثة.
ومحمود بشير جماع يمت بصلة قرابة وثيقة لجيران أعزاء، منزلهم على مرمى أمتار من منزلي في بيرنزفيل، ولذلك سأكون متحفظاً في الادلاء بأي إفادات عنه. وسأكتفي فقط بالقول أنه شخصية دارفورية خطيرة ومتآمرة، وأنه رجل مثير للشغب والقلاقل، وأن جهاز أمن الدولة كان يراقبه عن كثب بعد أحداث الشغب التي شملت بعض مدن دارفور عقب اعلان الرئيس نميري أسماء ولاة الولايات عند بداية تطبيق الحكم الاقليمي في السودان عام 1981.
وكانت دارفور قد استيقظت على خبر صدور القرار الجمهوري بتعيين الولاة. ولوحظ أنه تم اختيار وال لكل ولاية من أبنائها، ما عدا دارفور ، التي اختير لها والٍ ليس من أبنائها، وهو العميد (م) الطيب المرضي، الذي ينحدر من اصول كردفانية. واندلعت الثورة في دارفور، اذ لم يرض أبناؤها أن يعين عليهم وال من ولاية اخري. وكان ذلك الحدث هو أول الوهن في جسد النظام المايوي، اذ اضطر النميري مكرهاً أن يحني رأسه للعاصفة، فتم اعفاء العميد الطيب المرضي، وتعيين الشخص الذي اجمعت عليه النخب الدارفورية، وهو أحمد ابراهيم دريج. وقد خلص التقويم الأمني، الذي أجراه جهاز أمن الدولة للأحداث، الى ان المهندس محمود بشير جماع كان ضالعاً حتي اذنيه في اشعال تلك الانتفاضة وتأجيج نارها.
وآخر عهدي بالمهندس جماع هو الأيام الأخيرة من يونيو 1989 والديمقراطية الثالثة تلفظ أنفاسها الأخيرة. وكان جماع يشغل وقتذاك منصب وزير الري في حكومة السيد الصادق المهدي. ويخيل لي انه كان لجماع اهتمام خاص بجهاز الامن يوازي اهتمام جلاوزة الأمن به. فقد رأيته يدخل في معاظلة مع العميد، آنذاك، الهادي بشري، المكلف بإنشاء جهاز الامن الوطني (وهي التسمية التي اختارها النائب العام آنذاك الدكتور حسن الترابي للجهاز الجديد). وكان جماع قد تقدم بقائمة ضمت بعض الشباب الدارفوري، وطلب تعيينهم في جهاز الأمن. ويبدو ان استجابة العميد الهادي لم تكن على المستوى المطلوب مما أغضب الوزير. وقد تولت العصبة المنقذة مشكورة حسم النزاع بين الوزير ومدير جهاز الامن، إذ دبرت ونفذت انقلابها الذى أعفي الرجلين من منصبيهما.
من ايجابيات السلسلة الأربعينية السبدراتية، أن كاتبها حرص في بعض الأحيان على اضافة بعض الحواشي ذات الصلة بالمجرى الاساسي للعمل. وقد وجدت في بعض هذه الحواشي معلومات مثيرة للتأمل. كنت قد قرأت وعرفت في زمن مضى أن الرئيس السابق جعفر نميري كان ضمن أول مجموعة من الضباط وقع عليها الاختيار لتكوين النواة الأولي لسلاح الطيران السوداني، وأنه فشل في اثبات جدارته عند الاختبارات الفنية الاولي. وان الاختيار وقع على ثمانية آخرين. وعند تعريف سبدرات للفريق (طيار) عوض خلف الله، وزير الدفاع، في احدي مراحل الحقبة المايوية، لاحظت إشارته الى الرجل على أنه واحد من دفعة الطيارين الثمانية. ثم أضاف أن هذه الدفعة شهدت مصيراً مأساوياً.
في تفصيل ذلك المصير المأساوي للطيارين الثمانية علمنا أن أربعة منهم قتلوا عندما اصطدمت طائرتان حربيتان في منطقة توريت (لم يحدد الزمان وأغلب الظن انه نهاية الخمسينات او بداية الستينات). أما القتلي الشهداء فقد أوردت السلسلة أسماءهم العائلية فقط ، في ما أحسب، وهم: زلفو، والكدرو، وجميل، ومراد. ثم أضاف أن الخامس في دفعة الثمانية، وهو الطيار الصادق محمد الحسن، تم اعدامه لمشاركته في محاولة انقلابية على عهد حكم الفريق عبود. وهناك طيار سادس وهو الطيار كمال الدين (واظن ذلك اسمه الاول)، أنبأنا سبدرات أنه قتل في حادث مروري. تغمدهم الله جميعاً برحمته الواسعة، وانزلهم منازل الشهداء والصديقين.
سابع هؤلاء الطيارين بطبيعة الحال هو الفريق عوض خلف الله الذي تولي وزارة الدفاع في سبعينات القرن الماضي. ولكن أين الثامن؟ من هو وأين أنتهت به الأقدار؟ وأعجب للراوي يوافينا بمصير سبعة، ثم يترك الثامن معلقاً في الهواء. غيّاظ سبدرات هذا!
خاطرة واحدة جالت برأسي، وهي أن الرئيس السابق جعفر نميري كان رجلاً محظوظاً. ذلك ان فشله في اجتياز الاختبارات الفنية للالتحاق بدفعة الطيارين المشؤومة منحه فرصة للحياة وحكم السودان. وفي القرآن الكريم (عسى ان تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.