شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالصورة والفيديو.. ناشط مصري معروف يقتحم حفل "زنق" للفنانة ريان الساتة بالقاهرة ويقدم فواصل من الرقص معها والمطربة تغي له وتردد أسمه خلال الحفل    شاهد بالصورة والفيديو.. ناشط مصري معروف يقتحم حفل "زنق" للفنانة ريان الساتة بالقاهرة ويقدم فواصل من الرقص معها والمطربة تغي له وتردد أسمه خلال الحفل    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    خريجي الطبلية من الأوائل    لم يعد سراً أن مليشيا التمرد السريع قد استشعرت الهزيمة النكراء علي المدي الطويل    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبيلة عبد الباسط سبدرات (4،5،6)


مصطفى عبد العزيز البطل
[email protected]
المجموعة الثانية
الحلقات 4 ، 5 ، 6
الحلقة (4)
قلنا فيما سبق أن السجل الذي قدمه الاستاذ سبدرات كشف عن ضخامة عدد من تولوا المنصب الوزاري في السودان، وان سبدرات نفسه أبدى استغرابه لذلك، وذكر أنه فوجئ بأسماء كثيرة تقلدت الوزارة، لم يستطع التعرف عليها ولم يكن قد سمع بها من قبل. ويبدو لى أن الانفجار السكاني، في قبيلة الوزراء قد حدث خلال حقبة الانقاذ.
وقد فوجئت أنا شخصياً أثناء مطالعتي للقوائم السبدراتية باسم أحد أقربائي وقد صار وزيراً في عهد الانقاذ ثم غادر المنصب. ولم اكن قد علمت بذلك، واستغربت أن أحداً من أفراد اسرتي لم يحفل بإخطاري بنبأ توزيره. في السودان القديم الذي خبرته كانت الترقية من الدرجة (دي اس) الى الدرجة (بي) خبراً تسير به الركبان وتطير به البرقيات الى الاقرباء والأهل والأحباب في طول البلاد وعرضها، فما بالك بالوزارة؟
وقد فكرت للحظة أن أبعث مهنئاً قريبي ذلك بثقة العصبة المنقذة وتوليه منصب الوزير، الذي وصفه عبد الرحمن بن خلدون في مقدمته، وان اختلف الإطار، بقوله: (الوزارة منصبٌ شريفٌ ملذوذ). ولكنني تذكرت انه فقد المنصب، فأقلعت عن التهنئة حتي لا أكون كمثل ذلك الأخ الذي قيل أنه كان يسير بجوار المقابر فوجد جثماناً مسجى على سرير وحوله قوم يتهيأون لمواراته الثرى. وتعرف على واحد من القوم، فحياه وسأله عن سبب وجوده هناك فرد الرجل بأن زوجته توفيت وانه جاء مع اهله لدفنها. وهنا اندفع الأخ قائلاً: "ياخي البركة فيكم. لكين انت اتزوجت متين. أنا لم اسمع بزواجك؟". فجاءه الرد: "الحقيقة تزوجت قبل سنة تقريباً". وهنا قال الأخ: "بالله؟ تصور ما سمعت، ياخي ألف مبروك"!
اتخذ سبدرات منهجاً مبسطاً ومباشراً لعرض المعلومات، فهو يسجل اسم الوزير، وخلفيته القبلية ان تيسرت له معرفتها، ثم مكان وتاريخ الميلاد، والمؤهلات العلمية، ثم تاريخ تسنم المنصب الوزاري وتاريخ مغادرته، وتسلسل المناصب والمسئوليات التي نهض بها بعد ذلك. غير أنني لاحظت أن سبدرات خرج عن هذا النهج خروجاً مباغتاً في بعض الأحيان فأضاف الى التعريف عبارات قصيرة تحمل أحكاماً قيمية، فكتب عن أحد الوزراء، على سبيل المثال: (وهو من أنظف الناس لساناً وقلباً)، وكتب عن آخر أنه كريم و:(صاحب دار تفيض بالضيوف).
وقد احترت في فهم مثل هذه الاضافات المفاجئة التى تتركك نهباً لأفكار متباينة. اذ أن المرور على عشرين وزيراً، مثلا، بمنهج تعريف جامد وصارم، ثم الاشارة الى الوزير الحادي والعشرين فجأةً بأنه نظيف اللسان والقلب، أو أنه كريم وداره مفتوحة للضيوف، ربما يمنح إحساساً خفياً يشي بأن الوزراء السابقين في القائمة ربما كانوا من البخلاء، أو أنهم لا سمح الله، (مُش ولا بد) من وجهة السريرة والاخلاق. كما لاحظت أنه تخير عدداً محدوداً للغاية من الوزراء، فأضاف الى تعريفاتهم عبارات من شاكلة (من أسرة نجيبة)، مما يغري بتوظيف مفهوم المخالفة المعروف في حقل القانون، في شأن أسر بقية الوزراء!
والمؤكد أن سبدرات توسع في تعريف الوزراء الذين اتفق انه كان قريباً منهم، ففي وصف وزير الرئاسة الأشهر في عهد مايو، الدكتور بهاء الدين محمد إدريس، قرأت عبارات لافتة للنظر اذ كتب: (صموت كالأسماك، خجول لدرجة الإغماء، هادئ ككوب لبن، يستر عينيه كي لا يفضح تحديقه بنظارة أنيقة). وأشار الى ان موضوع الدكتوراه التي حصل عليها الوزير الراحل من جامعة ألمانية، هو بيضة الناموسة. والأدق هو (تكوين الجنين في بويضة الناموسة). هكذا نطقها المرحوم الدكتور بهاء الدين امام المحكمة التي مثل امامها بعد سقوط النظام المايوي، فأضحك القاضى وممثلي النيابة والمحامين والحضور أجمعين!
في أمر تثبيت المؤهلات العلمية للوزراء بذل سبدرات غاية جهده، وان شابت عمله بعض هنات. ومن ذلك انه كتب في تعريف وزير الدولة الدكتور أمين حسن عمر، أنه حصل على درجة الماجستير والدكتوراه من الولايات المتحدة. والحق أن ابن مدينتي الشهباء عطبرة، حصل من الولايات المتحدة على درجة الماجستير فقط. وقد عانى أمين، في أمر مؤهلاته الإكاديمية ولقبه العلمي، على يد مناضلي الكيبورد ما عانى. إذ افترى عليه المناضلون وأذاعوا عنه الذائعات الكواذب، واتهموه كيداً بأنه ألصق لقب الدال باسمه عنوة واقتداراً طلباً للرفعة وطمعاً في الوجاهة، كما فعل كثيرون في سودان الانقاذ. ولم يعجبني بالطبع ذلك الافتئات. وقد حصل أمين على درجة الدكتوراه من جامعة القرآن الكريم بالسودان عن اطروحة في مجال أصول فقه السياسة الشرعية. ولا يجادل أحد ممن عرفوا الرجل أنه حجة في علم اصول الفقه. وقد نشرت رسالته للماجستير بأكثر من لغة، كما نشرت رسالته للدكتوراه ونفذت طبعتها الاولي، ثم ألحقها بطبعة تانية.
ولا أعرف ماذا فعل صديقنا وحبيبنا الاكاديمي المحترف الدكتور ابراهيم أبوعوف، الذي شغل ثلاثة مناصب وزارية على عهد الانقاذ، بعد أن جرده سبدرات من لقبه ودرجته العلمية الرفيعة التي حصل عليها من جامعة كليرمونت، فخر جامعات كاليفورنيا. ومنحه عوضاً عنها رتبة لواء، بعد أن ألحقه، غضباً عنه، بخدمة القوات المسلحة، فقدمه على أنه اللواء ابراهيم ابوعوف!
أصبر علينا قليلاً يا استاذ سبدرات. بقيت 27 حلقة فقط، ثم نخلى سبيلك!
__________________________________
الحلقة (5)
__________________________________
من النقاط التي وجدت نفسي فيها على خلاف جذري مع الاستاذ عبد الباسط سبدرات، وأنا اطالع سلسلته ذات الحلقات الأربعين، والمعنونة (قبيلة الوزير)، تقويمه لدور الحكومة الانتقالية التي أعقبت انتفاضة السادس من ابريل من العام 1985، إذ كتب: (أن الحكومة الانتقالية انشغلت بشكلٍ كبير بإزالة آثار مايو. ليس في نزع حجارة الأساس أو لوحات الافتتاح للمنشآت فحسب، بل محاولة تكسير كل ما يرمز لمايو ولو بكلمة. بل وسعت الى محو كل تلك الفترة من ذاكرة الناس. الا انها لم تفلح في فسخ اسم نميري من شهادات الميلاد لمئات الأطفال سماهم أهلهم "نميري").
وأنا أقرر بغير كثير حذر، أن هذا التقويم لدور حكومة الانتفاضة تقويم (مضروب). ولا غرو أن يكون الضارب هو عبد الباسط سبدرات. حبيبنا هذا نميريُّ الهوى، مايوي الهوية. وليس في ذلك عندي ما يُريب أو يُعيب، ولا ينبغي. والحق يُقال أن سبدرات، وبخلاف ما يعتقد الكثيرون، لم يتقلد أية مناصب رسمية في حقبة مايو، ولم يتكسب من أي نشاط ذي صلة بالنظام. وانما اشتغل طوال سنيّها بالمحاماة، وكوّن ثروته ومجده من عرق جبينه القانوني (ولكنه تقلد المناصب الوزارية مثنى وثلاث ورباع في عهد الانقاذ. ثم ضلع في خططها وتدابيرها ضُلوعاً استنكره عليه شيخ الانقاذ، الترابي، فقال عنه أنه أتى به (كومبارس) ففوجئ به مُخرجاً. وليس ذلك خطأ صاحبي، بل خطأ الشيخ، الذي ثبت ضعفه في علم الرجال، فأمثال سبدرات خلقوا مخرجين، لا كومبارسات)!
وأنا لا أبالي أن أقول – في وجه من أعلم أنني أفقع بقولي مراراتهم - أنني أغبط سبدرات على شجاعته وثبات جنانه ورجولته واتساقه الخلقي وعلو همته، عندما تصدى عقب انهيار النظام المايوي ليدافع عن المتهمين من أركان النظام أمام المحاكم. في وقتٍ لاذت فيه الجحافل، التي عبّت خيرات مايو عباً، ببيوتها خشية أن يقتلها سليمان وجنوده. كان ذلك زمان أن حاصرت جمهرة الثوار الحانقة، سبدرات وصحبه داخل مكتب رئيس هيئة الدفاع عن المايويين الأسارى، الراحل عبد العزيز شدو، وهي تهتف: "مكتب شدّو أنحنا نهدّو"! وأرادت أن تهد المبنى على رؤوس اولئك الذين امتلكوا الجرأة لتولي الدفاع عن المتهمين، لولا لطف الله.
نخالف سبدرات في زعمه أن حكومة الانتفاضة جعلت أكبر همها ومبلغ علمها إزالة آثار مايو، و(تكسير كل ما يرمز لمايو ولو بكلمة). والحق أن ذلك المطلب من مطالب التجمع النقابي والحزبي الذي أنشأ حكومة الدكتور الجزولي دفع الله، كان المطلب الوحيد الذي اعترف أغلب أعضاء تلك الحكومة أنه استعصى عليهم فأهملوه، وانطلقوا الى غيره.
وكان الدكتور أمين مكي مدني، الذي تم ترشيحه في الأساس لرئاسة تلك الحكومة، ولكن المناورات الحزبية والنقابية انتهت به الى منصب وزير الاشغال العامة، كان كلما أغلظ عليه الناس، بعد انتهاء الحقبة الانتقالية وتسليم السلطة الى الحكومة الحزبية المنتخبة، بدعوى فشله واصحابه في إزالة آثار مايو، توجه بسؤال واحد الى منتقديه: "يا جماعة جعفر نميري حكمكم كم سنة؟" فيردون: ستة عشر عاما". وهنا يقول لهم الدكتور أمين: "خلاص يا جماعة. أدخلوا السنة الانتقالية ضمن تلك السنوات، واعتبروا ان نميري حكمكم سبعة عشر عاماً. وها هي السلطة في يد حكومتكم المنتخبة. ورونا انتو حتزيلوا آثار مايو كيف"!
وقد يذكر الناس أن الإمام الحبيب الصادق المهدي كان قد ضمّن ذلك المبدأ في خطابه الجهير - أول خطاب توجه به الى الشعب، من فوق منبر الجمعية التأسيسية، عقب اختياره رئيسا للوزراء في يونيو 1986 - حين ردد عبارته الشهيرة: (إنني ملتزم بكنس مايو كنساً تاماً). وقبل ان تتمكن حكومته من كنس مايو، فوجئت بالشيخ الترابي وعياله يكنسون النظام الديمقراطي، فاختلطت المكانس على الكناسين!
ولكن الزمان بيّن للحكومتين، الانتقالية والمنتخبة، أن أمر إزالة آثار مايو أكثر تعقيداً مما ظن الناس. أما حكومة الانتفاضة فقد أخفقت، وأقرت باخفاقها، في الوصول الى تعريف جامع مانع لما هو مقصود أساساً بعبارة (إزالة آثار مايو) فاحتارت وحار دليلها، وتاهت في متاهات لا أول لها ولا آخر. بل وكادت تضل ضلالاً بعيدا. الى درجة انها نظرت في مقترحات لجنة (لعلها ضمت في عضويتها بعض المساطيل)، وضعت ضمن توصياتها لازالة آثار مايو، تكسير وإعادة بناء السور الخارجي لمبني البرلمان (المجلس الوطني حاليا). لأن شركة الانشاءات الرومانية التي شيدته، اتبعت نظاماً لبناء السور بحيث جعلته على شكل مجموعات من خمس وعشرين عموداً صغيراً، ثم خمس أعمدة كبيرة، قيل أنها ترمز الى تاريخ (خمسة وعشرين مايو)!
وبالقطع فإن حكومة الدكتور الجزولي دفع الله الانتقالية بريئة تماماً من تهمة تبديد الوقت انشغالاً بقضية (إزالة آثار مايو). وانما صوبت تلك الحكومة جل اهتمامها لمعالجة أمر التحضير للانتخابات، ويسجل التاريخ انها انجزت تلك المهمة بكفاءة واقتدار ومسئولية. الى جانب هموم الحرب المستعرة في الجنوب، التفاوض مع صندوق النقد الدولي، والتصدى لآثار المجاعة والجفاف والتصحر، ثم مواجهة مسلسل الاضرابات الذي كاد يشل الحياة العامة، واطفاء الحرائق التي اشعلتها المطالب النقابية والفئوية المتراكمة.
وسنبقي مع المسلسل السبدراتي، حتي مطلع الفجر، ان شاء الله!
__________________________________
الحلقة (6)
__________________________________
بحكم وجودي خارج السودان خلال حقبة حكم العصبة المنقذة، التي طالت واستطالت، فقد كان طبيعياً أن أصوّب قدْراً مقدراً من اهتمامي الى المعلومات التي رصدها الاستاذ عبد الباسط سبدرات في سلسلته (قبيلة السيد الوزير) عن هذه الحقبة تحديداً.
كان من أول ما لفت نظري وأنا أطالع أسماء الوزراء، والمعلومات التعريفية عن كلٍ منهم، وبخاصة تواريخ الميلاد، أن حكومات العصبة ضمت في عضويتها وزراء زغب الحواصل، أو هكذا خيّل لي. ومن طبيعة الانسان أنه لا يلتفت الى ارتفاع سنه وتواتر السنوات عليه، فيرى من هو أصغر منه صغيراً، دون أن يتنبه الى بلوغ هؤلاء الصغار مبالغ القوة والفتوة، بل والاستيزار في حكومات الانقاذ. ولذا فقد أدهشني أن وجدت أسماء لوزراء وأمامهم عبارة (تاريخ الميلاد 1980).
ووجدتني أخاطب نفسي: معقول؟! وزير من مواليد 1980؟ ماذا يعرف هذا عن الدنيا؟ ثم إذا بي أحسب السنوات على عجل فأكتشف أن من ولدوا في ذلك العام، هم اليوم في الثالثة والثلاثين، عمر أهل الجنة، كما قرأت في بعض كتب الاخوان الجمهوريين (أحبابي من الجمهوريين: ما هو سر سن الثالثة والثلاثين هذا؟ وهل هو عمر أهل الجنة للرجال فقط، أم هو للرجال والنساء معاً، وهل يشمل حبيباتنا وزوجاتنا من الحور العين؟ مُش كتيرة 33 يا جماعة؟). ثم أتذكر أن الاسكندر الأكبر فتح العالم وأسس أكبر امبراطورية عرفها التاريخ وعمره لم يتجاوز السادسة والعشرين، وأن طرفة بن العبد قال شعره كله، وعلق بعضه على أستار الكعبة، ومات، ولم يتجاوز الرابعة والعشرين في أغلب الروايات!
ومما لفت نظري عبارات قرأتها عند سبدرات في مورد التعريف ببعض الوزراء وملابسات تعيينهم وتركهم للوزارة، ولكنني عجزت عن فهمها واستيعاب معانيها. مثل ذلك قوله عن أحد الوزراء أنه (أصغر حاكم ولاية في تاريخ البلاد، ثم عين وزير دولة بوزارة الشباب والرياضة، ولكنه لم يؤد القسم). ووجدتني أسائل نفسي: "لم يؤد القسم؟ كيف ولماذا؟ طيب وايش حصل بعد ذلك"؟ ومما حيرني أيضاً وشوّش عقلي ما كتبه سبدرات عن وزيري الدولة جمال زمقان وعبد الجبار حسين، أنهما (لم يمكثا في الوزارة الا شهوراً قليلة ثم خرجا طوعاً). خرجا طوعا؟ كيف يخرج الوزير طوعاً؟ يبدو، وفوق كل ذي علم عليم، أن وزراء الانقاذ عندهم نوعين من الخروج، واحد طوعي والآخر قسري، ولله في وزراء عصبته المنقذة شئون. الا أنه خطر لي أن الخروج الطوعي ربما كان المقصود منه أن يتقدم الوزير بطلب لترك الوزارة. عزّز ذلك الاحتمال عندي أن سبدرات كتب (تم أعفاء الفريق اول صلاح محمد محمد صالح من منصبه كوزير لرئاسة الجمهورية بناء على طلبه).
أنا شخصياً أعرف اثنين من أعضاء مجلس الوزراء في حقبة مايو غادرا منصبيهما بطريقة (طوعية) ثعلبية، وكنت قد تنبهت الى طريقة انسحابهما من سفينة مايو في شهورها الاخيرة. وقد سألتهما لاحقاً عن ملابسات مغادرتهما، فأكدت الاجابات التي أعطياني اياها صحة تقديري. الاول هو وزير الخدمة العامة ومستشار رئيس الجمهورية للقوى العاملة حيدر كبسون. وهو أول وزير في تاريخ السودان يطلب من رئيس الجمهورية ان يعفيه من منصب وزير وأن يعينه في وظيفة مدير لاحدي الشركات التابعة لوزارة المالية. وقد استغربت أن الرئيس نميري أجابه الى طلبه الغريب دون أن يرتاب فيه. وقد سألت السيد حيدر كبسون بعدها عن حقيقة الأمر فقال لي أنه أدرك أن مايو (وصلت الميس)، فأراد ان يغادر ركبها قبل وقوع الكارثة. وأذكر انه استخدم عبارة باللغة الانجليزية، أعتذر عن ترجمتها الى العربية، وهي: I did not want to be caught with my pants down
أما الثاني فهو الوزير برئاسة مجلس الوزراء فيصل محمد عبد الرحمن، الذي استعفى ثم التحق بوظيفة متوسطة بمنظمة العمل الدولية بأديس ابابا. وعندما سألته عن ذلك أجاب: (أنا مما شفت المكاشفي طه الكباشي في التلفزيون، وسمعت عبارات "الشروع في الزنا" و"قطع اليد من مفصل الكف" عرفت مايو انتهت، وقلت أحسن أتخارج)!
ومن بين السير الذاتية القصيرة، التي سجلها سبدرات، وقفت عند سيرة مساعد رئيس الجمهورية السابق مني أركو مناوي. وقد جاء فيها أن مناوي أكمل تعليمه المتوسط بمدينة الفاشر، ثم غادر الى نيجيريا حيث درس بمعهد للغة الانجليزية، ومن هناك سافر الى تشاد حيث عمل ميكانيكياً بإحدى ورش صيانة السيارات. وبعد ذلك التحق مناوي بالقوات المسلحة التشادية. ثم حال أن اكمل خدمته بالجيش التشادي جاء الى دارفور فأشهر السلاح وركب حصان الجحجاح ، وبقية السيرة كتاب مفتوح.
لم أجد أغرب من سيرة مناوي هذا. يدرس اللغة الانجليزية ويتخرج، ثم بشهادة اللغة الانجليزية يشتغل (ميكانيكي) في ورشة لتصليح السيارات. ماهي العلاقة بين الانجليزية والميكانيكا؟ والواضح ان الرجل يحمل الجنسية التشادية، وأن تشاد أقرب إليه من السودان، بدليل انه ذهب اليها اولاً للعمل المدني، ثم التحق بجيشها، وما كان ليتأتى له ان يعمل جندياً في الجيش التشادي لولا ان كان منتمياً الى تشاد، متمتعاً بجنسيتها.
يا مني أركو مناوي: ربنا يهديك. مُش كان أحسن ليك الميكانيكا؟ أيهما أفضل، تصليح سيارات التشاديين، ام إزهاق أرواح السودانيين؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.