في العام الماضي ، لم يصم الصغيران ولو لساعة واحدة في رمضان ، لم يسترع انتباههما حماس الكبار عند اقتراب حلول الشهر الفضيل، لم يباليا مطلقاً بالتحضيرات الرمضانية المسبقة المتعلقة بشراء وتجهيز المأكولات والمشروبات الرمضانية اللذيذة ، لم يلفت نظرهما احساس الكبار بفرحة الصيام عند انطلاق أذان المغرب أو مدفع الإفطار ، ولم يحفلا أبداً لا بصيام أو قيام بل كانا منهمكين أشد الانهماك في ألعابهما الطفولية الواقعية والافتراضية المتنوعة، لكن هذا العام ، ودون سابق إنذار ودون أن يطلب منهما أحد التمرن على تجربة الصيام، قرر الصغيران من تلقاء نفسهما أن يصوما لأول مرة في حياتهما! قلنا للصغيرين إن مبادرتكما الصغيرة لخوض تجربة الصيام لأول مرة في حياتكما هي مبادرة شجاعة للغاية وأن التدرب على الصوم منذ الصغر هو أمر جيد جداً ولكن لأنكما غير بالغين وغير مكلفين شرعاً بالصيام فليس مطلوباً منكما أن تصوما اليوم بطوله وأن بإمكانكما أن تصوما حتى منتصف النهار وستنالان الأجر انشالله لكن الصغيرين صاحا بعناد طفولي شديد: الكبار ليسوا أفضل ولا أقوى منا نحن نستطيع أن نصوم من الشروق إلى الغروب مثل الكبار، نحن أيضاً نطلب الأجر من الله ومافيش حد أحسن من حد! حل اليوم الأول من رمضان ، وكان بالفعل أطول يوم صيام في العالم ، ليس بسبب إحساسنا بالجوع أو العطش وإنما بسبب شعورنا بالقلق على صحة الصغيرين الصائمين ، حل منتصف النهار ، ومازال الصغيران صائمين ثم حل العصر ومازال الصغيران صائمين وكلما أبدت والدتهما استعدادها لتقديم الطعام والماء لهما فوراً إذا قررا قطع الصيام ، تشبثا بعنادهما الوراثي ورددا بصيحة واحدة: قلنا لك سنصوم حتى انطلاق مدفع الافطار! قبيل غروب الشمس ، كنت جالساً بهدوء أمام الكمبيوتر واتنقل بصمت بين بعض المواقع الالكترونية بحثاً عن الأخبار والأحداث الهامة وقطعاً لتلك اللحظات الحرجة التي تسبق لحظة الافطار والتي يُمتحن فيها صبر الصائمين بشدة، فجأة انطلقت صرختان حادتان من الغرفة الخارجية فشعرت بذعر مفاجيء إذ تخيلت أن حريقاً قد شبّ بالغرفة الخارجية أو بإحدى السيارتين الواقفتين في الفناء الخلفي، نهضت بسرعة لاستطلع حقيقة ما جرى وعندها فوجئت بالصغيرين يندفعان إلى داخل الصالة وهما يصيحان بأعلى صوت: لقد انطلق مدفع الافطار ، لقد نجحنا ، لقد نجحنا! تحكمت ضجة الصغار في إفطار اليوم الأول من رمضان واستحكم الهرج والمرج في المائدة الرمضانية في تلك اللحظات فلم ندر ماذا أكلنا وماذا شربنا وكيف أدينا صلاة المغرب، ومرة أخرى صرح الصغيران بنيتهما في صوم اليوم التالي بلهجة حاسمة وطلبا منا إيقاظهما في ساعة السحور! في اليوم التالي لم نناقش الصغيرين في أمر الصيام وتوقفنا نهائياً عن إعطاء النصائح والارشادات وتجاهلناهما تماماً لنستكشف ردود فعلهما التلقائية، لكن الصغيرين واصلا صيام رمضان في هذا الصيف الملتهب بلا كلل أو ملل وراحا يقاومان مرارة الجوع وحرارة العطش بصبر عجيب ولم ينجذبا مطلقاً إلى إغراءات الحلوى اللذيذة أو المقرمشات الشهية أو العصائر المثلجة، عندها صغرنا في عيون أنفسنا وكبر الصغيران في عيوننا فقد أحسسنا أنهما أكبر من سنهما وتلاشى قلقنا بشأن صيامهما بل أننا لم نملك في نهاية المطاف سوى أن نبتسم ونضحك ونقول بصراحة شديدة: صغارنا أفضل منا فعندما كنا في سنهما لم نصم يوماً واحداً في رمضان، اللهم أحفظ صغارنا واحفظنا إنك أنت الحافظ الحفيظ يا رب العالمين.