إذا كسب المرتزقة الفاشر يعني ذلك وضع حجر أساس دولة العطاوة    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    عيساوي: البيضة والحجر    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة القوميين العرب بين التحديث و المحافظة


زين العابدين صالح عبد الرحمن
بعد اندلاع الثورة التونسية و الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي ثم تصاعد الثورة في مصر و دكها لأسوار نظام الرئيس حسني مبارك الذي بدأ يترنح في تلك الفترة و تفرض الثورة شروطها عليه, أرسلت رسالة بالبريد الالكتروني للأستاذ الصديق محمد بشير " عبد العزيز حسين الصاوي" أشرت فيها الي أن هناك واقعا جديدا في الوطن العربي بدأ تلوح تباشيره و أن الجماهير العربية بدأت تكسر القيود المكبلة بها و تنطلق لرحاب الحرية و الديمقراطية. هذا الواقع الجديد يفرض علي النخب التي تؤمن بالفكر القومي أن تخضعه للدراسة و البحث و تعيد النظر من خلال منهج نقدي في كل الدراسات السابقة و معرفة الأسباب التي أدت لإخفاق الثورات الجماهيرية عندما كان الحس القومي في ذلك الوقت طاغيا، وتصاعد تلك الثورات عندما بدأ الحس القومي يتلاشي عبر الهزائم المتواصلة و اقترحت عليه الدعوة إلي أقامة " سمنار " في الخرطوم تتم دعوة كل قبائل القوميين العرب " قوميين عرب – بعثيين بفئاتهم المختلفة و الناصريين" له وتقدم فيه أوراق حول ثلاثة قضايا. أولا وحدة دعاة القومية العربية عبر تنظيم ديمقراطي واحد ثانيا نقد التجارب السابقة و ثالثا التحولات الجديدة في المنطقة العربية و أثرها علي الفكر العربي علي أن يتم تمويل و تغطية نفقات السمنار من قبل السودانيين المقيمين في الخارج.
تلقيت رسالة من الأستاذ الصاوي يؤكد فيها انه ليس هناك ما يمنع مما تقدمت به و لكن المشكلة أن قضية وحدة قبائل القوميين العرب هي المشكلة باعتبار أن فكرة المؤامرة ما تزال تسيطر علي عقول الكثيرين و طلب مني السير في تحقيق الفكرة. كنت اعلم تماما أن الرفاق البعثيين في " حزب البعث السوداني" لا يمانعون في الفكرة حيث أن أغلبيتهم تميل للحوار الفكري و إنتاجه و ليست لها حواجز أو شروط تضعها مادامت الفكرة كلها مطروحة علي طاولة الحوار. وبذات الأريحية التي بعثت بها رسالة للصاوي اتصلت تلفونيا بالأخ علي حمدان أحد القيادات البعثية في " حزب البعث العربي الاشتراكي"العراق" ( عفوا لإضافة العراق ) فهي للتعريف فقط و نقلت الفكرة له و قبل أن أكمل حديثي و جدت الرجل منفعلا جدا لمقال كتبته في جريدة الأحداث بعنوان " المؤتمر الوطني هو الرابح من الأحدث في الوطن العربي" و يعتقد أن المقال يتجاهل نضال الشعب السوداني كله و التضحيات التي قدمها و يعطي المؤتمر الوطني حقا ليس له فقلت له أنني اتصلت من أجل موضوع أخر ليس له دخل بذلك المقال رغم أن المقال يحمل وجهة نظر ربما تكون صحيحة أو خاطئة و لكن هو تقييم للمعلومات التي أملكها و إذا كان هناك راي أخر يجب أن تكتبه لكي تدحض كل النتائج التي وصلت لها في تلك المقال ثم أنتقل مرة أخري لهدم الفكرة التي اقترحتها عليه و توصيلها للآخرين باعتبار أن تلفون الأخ و الرفيق علي حمدان هو الذي بحوزتي و قال لي أعرف من وراء هذه الفكرة : هي المجموعة الأخرى وهي ليست لها علاقة بالبعثيين العرب لأنها أسست حزب جديد سمته " حزب البعث السوداني" و أخيرا قال لي نحن سوف نرسل لك ردنا مكتوبا علي بريدك الالكتروني و انتظرت طويلا و لم أتلق ردا.
يعتمد الأخوة البعثيون في تثقيفهم علي كتاب "نضال البعث" و هو سلسلة من الكتب و نسختين سورية و عراقية و كل واحدة تحمل في طياتها إدانة للفصيل الأخر و الكتاب يعد كتابا تحريضيا من اجل التكتل و صنع المؤامرات بطريق غير مباشر رغم أنه كتاب يؤرخ للبعث و مسيرته التاريخية بيد أن الهدف من الكتاب أن يبين مصير النخب التي حاولت التأمر علي الحزب و التي خرجت علي الفكرة و لكن بدلا أن يقي الحزب من تلك الأمراض التي يحاول الكتاب إبعاد عضويته منها قد كرسها أكثر داخل الحزب بشقيه العراقي و السوري.
جاء دافعي لهذا المقال مقال كتبه الصاوي في جريدة "الحياة الندنية" بعنوان " حول الخاسر من الانتفاضات العربية" و المقال يحمل رؤى فكرية عديدة انبثقت من التحولات التي تشهدها المنطقة العربية الآن. وفي قراءتي التحليلية للمقال أريد فقط التركيز علي بعض النقاط التي وردت فيه حيث تحمل أبعادا فكرية مهمة في المسيرة التاريخية لقضية العقل العربي و فهمه لعملية التنوير في العالم العربي و دوره في عملية التحولات الديمقراطية إضافة للدراسة النقدية للواقع العربي و تناقضاته. و تعرض الصاوي للفشل الذي أصاب النخبة السودانية رغم أنها قد أنجزت انتفاضتين ضد الدكتاتوريتين العسكريتين " عبود 64- نميري 85 " و عزي ذلك لهشاشة الوعي الديمقراطي و العجز في سد الفجوة بين التوقعات و الإمكانيات و معدلات البطء و التعقيد في الانجاز فيضيق المزاج الشعبي بما يتصوره (فوضي) الديمقراطية و فشلها الإنجازي مما يدعو المستبد العادل" و اعتقد إن من أهم الأسباب لفشل الديمقراطية في السودان أن المؤسسات السياسية التي تعد أعمدة أساسية للديمقراطية " الأحزاب" هي نفسها تفتقد للديمقراطية رغم أن هذه المؤسسات كان من المفترض أن تكون هي معامل لإنتاج الثقافة الديمقراطية في المجتمع و ضعف المؤسسات الحزبية ديمقراطيا أدي لضعف أيضا في تأسيس منظمات مجتمع مدني معافاة و جعل من هي تناضل من أجل البقاء تعاني من ضعف ديمقراطي أو يحاول بعض منها التغول للعب دور بديل لتلك الأحزاب و هي أحد إشكالية الديمقراطية في السودان.
القضية الأخرى كما ذكر الصاوي في فقرة أخرى ضعف الطبقة الوسطي التي تقوم بدور التنوير في المجتمع و غياب المؤسسات التي تدعم الطبقة الوسطي في تحررها من ربقة الثقافة البطريكية القائمة في المجتمع السوداني لذلك لم تجد الطبقة الوسطي الضعيفة إلا الانخراط في المؤسسات الحزبية القائمة علي ضعفها و بدلا من أن تستخدم أدوات التحديث و التغيير في تلك المؤسسات لكي تلاءم مع التحولات الديمقراطية و زيادة جرعات الحرية في المجتمع وقعت تلك النخب في مستنقع الأمراض الاجتماعية " الانتهازية و الوصولية ...الخ" مما جعلها طبقة وسطي تحتاج هي نفسها لإصلاحات فكرية حيث استغلتها الطائفية في تحقيق مصالحها و جعلتها علي هامش العملية السياسية ثم جاءت الإنقاذ و قضت علي ما تبقي من الطبقة الوسطي. ضعف الطبقة الوسطي ووضع نفسها في خدمة الطائفية أفقدها الدور الطليعي و الريادي في المجتمع و أنعكس تلقائيا علي النظام الديمقراطي كما أن قبائل اليسار المختلفة هي أيضا تعاني من إشكاليات فكرية و تنظيمية و ديمقراطية حيث أن المساحات الديمقراطية المتاحة عند الأحزاب التي تعاني من سيطرة الطائفية أفضل من هي في اليسار بأنواعه المختلفة هذا الغياب شبه الكامل للديمقراطية في المؤسسات الحزبية ظل أيضا محمولا في النظم الديمقراطية و لأن الوجهات السياسية بعد تغيير النظامين بقيت هي نفسها مدعاة للفشل السياسي مما جعل الحركة الجماهيرية لا تثق في القوي السياسية و ترضي بالمستبد العادل أي أنها لا تعارض حدوث الانقلابات العسكرية.
أن المستبد العادل " المؤسسة العسكرية" قد فرضته ظروف ضعف الطبقة الوسطي من جانب و ضعف المؤسسات السياسية أيضا من جانب أخر حيث أصبحت المؤسسة العسكرية هي القوي الوحيدة المنظمة في المجتمع و التي تملك أدوات التغيير ألأمر الذي يجعل ألمجتمع مهددا بانقلاب إذا كان يعاني من ضعف في الطبقة الوسطي و المؤسسات السياسية المدنية و إذا لم يحدث تغيير في موازين القوة في المجتمع. أما الذي حدث في كل من تونس و مصر و اليمن و ليبيا و سوريا أن الجماهير أصبحت واعية لحقوقها الأمر الذي تطلب عملية التغيير وخروج الجماهير للشارع ترفع شعارات التغيير متحدية المؤسسات القمعية و المؤسسات العسكرية و خروج الجماهير للشارع بكل فئاتها هو الذي غلب موازين القوة بالنسبة لمصر و تونس و أدركت قيادات المؤسسة العسكرية التغيير الذي حدث في المجتمع لذلك رضخوا لشعارات التغيير و لكن سيظل في حذر شديد إذا لم يعاد بناء المؤسسات الحزبية علي أسس ديمقراطية و جماهيرية ثم بناء منظمات المجتمع المدني لكي يتراجع دور المؤسسة العسكرية تماما في المجتمع لأن قوة المجتمع المدني و تغيير موازين القوة هو الذي يضمن استمرارية الديمقراطية و يوسع من رقعة الحريات. أما في كل من ليبيا و اليمن و سوريا ما تزال القوي العسكرية و الأجهزة القمعية تعتقد إنها هي القوة الوحيدة في المجتمع و إن التحولات قد فرضتها شروطا خارجيه فإزالة تلك العوامل سوف تعود الأنظمة كما كانت و لكن هناك من أدرك طبيعة التحولات و أن التغيير سوف يتم مادام الجماهير في الشارع هو الذي دفع أجزاء من المؤسسات العسكرية لتعلن انحيازها للجماهير و في السودان سيظل الوضع علي ما هو عليه حتى يحدث تغيير في موازن القوة في المجتمع و هو ما أشار إليه الصاوي حيث قال " إذا افترضنا إن النموذجين المصري و التونسي ينطويان علي قدر من الحصانة ضد احتمالات الردة بسبب التبلور النسبي للطبقة الوسطي و بعض مكونات المجتمع المدني فيهما بالمقارنة للسودان و ليبيا و اليمن و غيرهما من أقطار الوطن العربي" فالطبقة الوسطي في مصر منذ عملية الانفتاح التي حدثت في مصر في عهد الرئيس أنور السادات قد انحازت لعملية التغييرات و لكن تغييرات كانت في صالح الديكتاتورية و ليس في مصلحة الديمقراطية باعتبار أن رايات النضال ضد الصهيونية كانت تضع في مقدمة الأولويات و هو الطريق الخطأ و قد يحدث مثل ذلك في أن تقف الطبقة الوسطي النامية ضد التحولات الديمقراطية و تدعم النظام الديكتاتوري و قد حدث في روسيا بعد استلام فلادمير بوتين السلطة حيث رفع رايات القومية و عودة روسيا إلي القمة بعد التراجع الذي حدث لها بعد سقوط الاتحادي السوفيتي فقبلت الطبقة الوسطي أن تذهب معه من أجل تعميق الترابط القوي و التحدي مع العالم الغربي لكي تأخذ روسيا دورها القيادي في الشئون الدولية و تخلت عن التحولات الديمقراطية و لكن مثل هذه الإشكالية مؤقتة و تحكمها ظروف روسيا نفسها التي شهدت انشقاقات و تشققات في الدولة و بالتالي تراجعت الديمقراطية في سلم أولويات الطبقة الوسطي و لكن توسيع دائرة الطبقة الوسطي و الاستقرار السياسي سوف يدفعها لكي تقوم بدورها التنويري في المجتمع و تحدث التحولات المطلوبة من اجل الديمقراطية.
و إذا رجعنا إلي تجربة النمور الأسيوية نجد أنها سارت في ذات الاتجاه " المستبد العادل" حيث قبلت الطبقة الوسطي التحسينات التي حدثت في مستوي المعيشة للطبقة الوسطي علي حساب قضية الحرية و الديمقراطية و لكن عندما سارعت وتيرة التطور الاقتصادي و بدأت الطبقة الوسطي تتوسع بدرجات أعلي مما كانت علية بدأ التململ يحدث داخل تلك المجتمعات مما أدي إلي إصلاحات سياسية في مصلحة الديمقراطية و الحرية في عدد من دول النمور و بالذات في كوريا الجنوبية و اندونيسيا و ماليزيا رغم أن هذه التحولات الديمقراطية لم تحدث في الصين رغم توسع دائرة الطبقة الوسطي و لكن الصين لم تسلم من نشاطات مناهضة للوضع القائم و تدعو إلي إصلاحات سياسية. إذن قضية نمو الطبقة الوسطي في المجتمعات العربية تعد الخطوة الأولي لعملية التغييرات الديمقراطية لأنها الطبقة التي لها القدرة علي الإنتاج الثقافي و الفكري كما هي الطبقة التي تخلق التوازن الطبقي في المجتمع.
يقول الصاوي " نتيجة هيمنة المنظور الديني الخام و الشعبوى علي المقاومات إلي جانب ارتباطاتها الإقليمية بإيران و سوريا خاصة – أدي إلي خلط متعمد و غير المتعمد بين العداء المفهوم و المطلوب للسياسات الرسمية الغربية فلسطينيا و ضرورة التعاطي المفتوح مع التجارب الديمقراطية الغربية و خلفيتها في عصر التنوير الأوروبي" . أعتقد أن إسرائيل استفادت كثيرا من النظم الديكتاتورية في تحسين علاقاتها مع المجتمعات الغربية بادعاء أنها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط الديمقراطية وسط بحر من الديكتاتوريات و بالتالي هي مستهدفة من تلك الدول و أيضا أن النظم الرجعية أو الريديكالية و الديكتاتورية هي أيضا استفادت من الصراع العربي الإسرائيلي باعتبار أنها كانت تؤكد دائما في خطابها لا شيء أهم من المعركة مع إسرائيل الأمر الذي أطال عمر تلك النظم الديكتاتورية و مارست أبشع أنواع انتهاكات حقوق الإنسان ضد مواطنيها .و في الجانب الأخر ظلت الدول الغربية و الولايات المتحدة ترفع شعارات الحرية و الديمقراطية ضد الدول التي تعتقد أنها تشكل تهديدا لمصالحها و قد أثبتت الأحداث أن قضية الديمقراطية و الحرية هي قضية تتفاعل عواملها داخليا و تفرض قسرياً عندما يصل الشعب لفهم ليس هناك خيار سوي طريق الحرية و الديمقراطية لاستعادة حقوقه السياسية و المدنية، و لكن أيضا هل يعتقد الصاوي أن النظم الديكتاتورية حاولت استخدام القضية الفلسطينية لكي تجعل هناك عائقا للنخب العربية من عدم الاستفادة من عصر التنوير الذي حدث في أوروبا باعتبار أن الغرب يدعم إسرائيل أم هو غياب للنخبة الواعية التي لم تستوعب خيارات التحديث و تفاضل بينها؟ فهي قضية تحتاج لمزيد من البحث و التمحيص باعتبار أن الصراع العربي الإسرائيلي أعتقد سوف يأخذ منحنيات جديدة و ليس مستقبلا في مصلحة إسرائيل و التي بدأت تدرك ذلك و تعمل له منذ الآن رغم أن النخبة العربية القومية ما تزال في حالة اندهاش من الذي يحدث الآن في الوطن العربي و ذلك هو الذي دفع الأخ و الصديق علي حمدان أن لا يستوعب ما يحدث في المنطقة إلا في ظل الصراع البعثي البعثي الدائر في السودان و هي أزمة لا يمكن الخروج منها إلا بتغير العقلية التي كانت سائدة و تغير منهج التفكير الذي فرضته الأنظمة العربية الريديكالية في كل من العراق و سوريا علي النخب العربية التي كانت قريبة من النظامين و هي نخب مستهلكة لعملية الإنتاج الفكري الذي يصدر من تلك الأنظمة و ليست منتجة له و تريد أن تظل علي هذا الحال مما يجعلها علي هامش الفعل السياسي.
و حول عملية الانقطاع الفكري و النهضوى يقول الصاوي " الحق أن العقل العربي كان إلي درجة أو أخرى جاهزا لامتصاص تأثيرات هذا المناخ لان " النهضة" العربية الحديثة ممثلة في الأنظمة و الحركات و التيارات الفكرية التي سادت ساحة التغيير خلال العقدين الخامس و السادس خاصة كانت انقطاعا عن بواكير النهضة ذات الأفق الديمقراطي التي شهدتها مصر و المشرق و المغرب العربيين منذ أواخر القرن التاسع عشر و ليست استئنافا لها " باعتبار أن البعثات العربية التي ذهبت إلي بلاد الغرب في عهد دولة محمد علي باشا قد فتحت أفاقا للنخبة العربية و التي جاءت تحمل مشاعل التغيير في الوطن العربي و في الدول الإسلامية و أعتقد أن تلك النخبة التي أشار إليها الصاوي أمثال طهطاوي و محمد عبده و فرح انطوان في المشرق و خير الدين حسيب في المغرب العربي قيمتهم أنهم فتحوا حوارا في مجتمعاتهم و بينوا القواعد التي تقوم عليها عملية النهضة في بلادهم و مزجوا بين الإسلام و العروبة و لكن حدث انقطاع بين هؤلاء و النخب الجديدة حيث انقطع الحوار بين الأجيال و الغريب أن انشغال النخب العربية في عملية الصراع و النضال ضد الاستعمار كان من المفترض أن توسع دائرة الحوارات الوطنية و القومية لكي تفتح أفاقا لعملية التلاقي العربي و تضع خيارات كثيرة توصل في النهاية للوحدة و لكن حدثت الانقسامات خاصة بعد مراحل الاستقلال ثم بدأت تظهر الأفكار الديكتاتورية هذا الانقطاع دعمته النظم السياسية الراديكالية التي حاولت أن تستبدل الحرية و الديمقراطية بالتنمية الاقتصادية و العدالة الاجتماعية و لكن للأسف أن الجماهير لم تطال لا بلح اليمن و لا عنب الشام.
أن الأستاذ حسين الصاوي كعادته قد فتح أفاقا جديدة للحوار خاصة في قضية النهضة العربية بعد ما استطاعت الجماهير العربية أن تنهض و تنفض الغبار و تسير في طريق الحرية و الديمقراطية و هي اللحظة التي انتظرتها النخبة العربية التي تؤمن بالوحدة العربية بعد مراحل تاريخية طويلة حدثت فيها العديد من الانكسارات و الهزائم و هي تؤكد أن المنهج القديم الذي كانت تسير عليه يحتاج إلي إعادة تقييم و دراسة و تمحيص في المرحلة الحالية و المقبلة و خاصة أن الجماهير العربية الآن هي في الشارع و تحتاج لمزيد من الوعي فهل النخب العربية مدركة لواقعها الجديد و التحولات التي بدأت تحدث في المنطقة ؟ خاصة العروبيون السودانيون و هم كتل و مجموعات متفرقة يرفعون شعارات الحرية و الديمقراطية و ينفرون منها كلما جاءت دعوة تدعوهم للحوار فيما بينهم و هم أهل فكر واحد و تجربة و تاريخ واحد كما أن شعاراتهم تحتاج لتغيير لان شعارات " أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة وحدة حرية اشتراكية أو اشتراكية وحدة حرية " كما يفضلون، تحتاج أيضا لتغيير لأنها أرتبطت في ذهن المواطن العربي بتلك النظم الريديكالية الديكتاتورية التي أذاقتهم صنوف من العذاب و أنواع من التنكيل, يجب علي هذه النخب السودانية فتح حوارات بينهم أولا ثم مع الآخرين و نقل التجربة السودانية في الحوار العربي حتى لا نصبح فقط ننظر لتجارب الآخرين لمعالجة مشاكلنا لآن الحوار يحتاج لاجتهادات من الجوانب المختلفة المشاركة و نريد لحلقات الدرس ان تستند إلي كتابات سودانية كما استندت طول تاريخ الفكر العروبى علي آخرين.
هناك العديد من المفكرين السودانيين الذين ينتمون لهذا الفكر أمثال عبد العزيز حسن الصاوي و محمد علي جادين و محمد سيد أحمد عتيق و الدكتور بكري خليل و من الأخوة الناصريين هناك الذين ابتعدوا عن العمل الحزبي المباشر وتفرغوا للعمل الصحفي أمثال حيدر طه و فيصل محمد صالح خاصة أن الأخير كان مولعا بكتابات الدكتور عصمت سيف الدولة و كتابه ذو الأجزاء الثلاثة " نظرية الثورة العربية" ثم كتابات دكتور خيري حماد " حتمية الوحدة العربية بالمفهوم الاشتراكي " لاسيما وأن كتابات الدكتور سيف الدولة تضع منهجا للتفكير في تناول موضوعات الفكر العربي و اعتقد مهم جدا قراءته لكل باحث في الفكر العربي باعتبار أن الرجل كان يقدم منهجا علميا إذا اتفق الناس معه أو اختلفوا و لكن قدم جهدا مقدرا في الأجزاء الثلاثة من كتابه.
أن النخب العروبية السودانية يجب أن تفك ارتباطها بحالة الكسل الفكري الذي عاشت فيه طويلا حيث كانت فقط هاضمة لإنتاج الآخرين و ظلت هي مقتنعة بالوضع التنفيذي الذي استخدمت فيه، إن كان في العراق أو في سوريا و أصبحت علي هامش العمل السياسي تجتر ما يكتبه الآخرون من واقع تجاربهم و بيئاتهم الخاصة دون أن يكون لها إسهاماتها الفكرية من وحي بيئتها الخاصة لكي تسهم في عملية الحوار الفكري و لكي لا أكون غير موضوعي هناك إسهامات فكرية مقدرة جدا من بعض الرفاق المحدودين جدا ليس مثل إسهامات دول أخري فيها أعدادا من المفكرين و ربما تكون ظروف السودان القاهرة و عدم الاستقرار السياسي و الاجتماعي سببا في ذلك رغم أنه كانت هناك كوادر سياسية متفرغة للعمل السياسي كان لها فرصة كبيرة لكي تقدم اجتهادات فكرية مقدرة و لكن الاكتفاء بالشغل التنفيذي و حب الوقوف في الصفوف الخلفية هو الذي عطل قدراتهم من الفاعلية و المساهمة و الآن تغيرت الظروف و تغير الواقع العربي وأصبح هناك واقع جديد هل سوف تنتفض تلك النخب و تقدم أفكارا جديدة تدفع بقضية التقارب العربي علي مستوي الشارع و الفكر أم ستظل النخب كما كانت في الماضي تردد شعارات الآخرين وتهتف وراء القيادات من المشرق و المغرب هذا هو التحدي الذي طرحه عبد العزيز حسين الصاوي في ورقته و له منا كل تقدير و احترام و الله الموفق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.