مرتضى شطه [email protected] زهاء عقد من الزمان مضى علي أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي نفذ فيها تنظيم القاعدة أكبر هجوم جوي مدني في التاريخ الحديث ودمر برجي التجارة العالمية بل وصل عرين الأسد حيث هاجم مكاتب في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ،ونحواً من عقدين قد مر علي ملاحقة الولاياتالمتحدةالأمريكية لأسامة بن لادن ،منذ مطلع التسعينات بعد أن إنفضت مصلحتها فيه عقب هزيمة الإتحاد السوفيتي في أفغانستان بفضل المجاهدين العرب والإسلاميين الذين حالفتهم الولاياتالمتحدة لتحقيق ذلك الغرض ،وما أن إنهار الإتحاد السوفيتس حتى تحول إلي عدو للهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط ،وهو أول عدو قادها إلي الحفرة التي حفرتها لندها القطب الآخر وقتها لتجد نفسها تصارع الإسلاميين والعرب في أفغانستان مقبرة الغزاة وتدفن مليارات الدولارات في ذلك المستنقع ،كما أنه إستطاع نقل المعركة إلي داخل الولاياتالمتحدة وضرب إستقرارها ،ثم مرة أخرى إستدراجها إلي ميادين أخرى في الشرق الأوسط يستطيع فيها إيجاد العوامل اللوجستية والتأمينية اللاومة وقاعدة الولاء والتأييد لنشاطه وسهولة تجنيد المجاهدين أو دخولهم من دول أخرى،إتفق الناس أم إختلفوا فقد كانت عمليات القاعدة ضد الأمريكان مؤثرة جداً علي كافة الصعد الدولية والإقليمية بل حتى على الجوانب الفكرية والإقتصادية والإجتماعية ،وقد زاد من عمق أثرها ردة الفعل العنيفة التي تعاملت بها الولاياتالمتحدة التي وصلت حد جعل الحرب علي الإرهاب ذريعة للتضييق علي الإسلاميين منظمات وأفراد وجماعات دعوية وخيرية من غير ذوي الصلة بالقاعدة ،بل تم إستغلال الحرب علي الإرهاب لتتحول إلي حرب علي الإسلام وتضييق علي الحريات الشخصية للمسلمين في الغرب ومحاصرة الدول والحكومات عبر المواقف من الإرهاب بمقولة بوش الإبن المشهورة(من ليس معنا فهو ضدنا )،وخطابه الأقل شهرة في أكاديمية سياتل للعلوم العسكرية في 11 فبراير2002 بعد مضي ثلاثة أشهر علي هجمات سبتمبر حيث قال ( we are going to re_write the world history by means of our military forces) التي أصبحت شعاراً لإستخدام القوة العسكرية في الهيمنة علي العالم وهي التي قاد بها بوش الأمريكان إلي مستنقع العراق وأفغانستان ولو إستمرت إدارته لزادت القائمة ،لكن الخلاصة التي توصلت إليها هذه الإستراتيجية هو إستحالة غزو العالم لإحتلاله لان ذلك ينطوي عليه أمران :أولاً العبء الإقتصادي المدمر حيث قادت فاتورته إلي جانب القروض العقارية إلي الأزمة المالية والتباطؤ الإقتصادي ،والأمر الثاني هو صعوبة السيطرة علي البلد المغزو لأن التكنولوجيا العسكرية ودقة الطائرات والصواريخ في التصويب لا تغني عن قتال الإلتحام البري المباشر عبر قوات المشاة ،وهو ما يحتاج إلي عقيدة قتالية أكثر من أي تكنولوجيا أخرى وهو ما يفتقر إليه الجنود الأمريكان لضعف البعد الروحي في عقيدتهم العسكرية ،وبعد أن إستطاعت النيل من أسامة بن لادن فالذي أرجحه هو أن تستثمر الولاياتالمتحدة هذه السانحة لإنهاء أي عمليات عسكرية في العراق وأفغانستان وتعجيل جلاء قواتها من هناك إلي جانب لملمة ملف الحرب علي الإرهاب وإخفاته علي مستوى الخطاب السياسي وبالتالي إختصار هذه الحرب في العقد القادم في إطار العمليات التكنلوجية والإستخباراتية لمكافحة الإرهاب بأقل تكلفة مالية وعسكرية وبشرية وسياسية ،والتدخل الفوري من خلال القارات والبوارج الحربية المنتشرة في المعابر المائية والخلجان لضرب أي هدف والتقهقر إلي القواعد فوراً(إضرب وإهرب) ،فيما يظل السيف مصلتاً علي الحكومات والأنظمة العربية لتركيعها وكذلك الجماعات الإسلامية لإحتوائها أو تفكيكها تحت هذه الذرائع القديمة ،بينما تسعى لإعطاء الأولوية لموضوعين :أولهما هو إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط من حيث موالاة الأنظمة وتأمين السيطرة علي ديناميكيات التغيير في بلدانه بعد أن فشل مشروع الإدارة الأمريكية السابقة المسمى بالشرق الأوسط الكبير ،بل بعد أن كادت ألهبة الثورات العربية الشعبية أن ترسم شرقاً أوسطياً غير الذي تنشده الولاياتالمتحدة والغرب عموماً بعد أن تأكد أن آليات التغيير لا تسيطر عليها الجماعات الليبرالية والعلمانية ،وإنما يمسك بها الإسلاميون ،فسعت إلي تعطيل الثورات وتطويل أجلها في اليمن وليبيا لتحبط ثقة بقية الشعوب في إمكانية التغيير لا سيما الأنظمة الموالية لها في الخليج العربي ،كما أنها ستسعى لتأمين الحد الأدنى من التراضي مع الشعوب العربية بعد أن تأكدت من صحوتها من سباتها العميق ربما من خلال بعض السياسات المتعلقة بالهجرة والدراسة والبرامج التدريبية ،وبمحاولة تجميل صورتها بشيئ من إتفاق إسرائلي فلسطيني ولو قدر له ألا يصمد طويلاً .أما الأمر الثاني الذي سيكون ضمن سلم الأولويات فهو التطبيع الإقتصادي ورعاية المصالح الإقتصادية للولايات المتحدة دونما أدلجة أو حرج سياسي لتأمين عودة الكثير من المنافع للشركات الأمريكية في الشرق الأوسط وإستعادة عشرات التريليونات العربية التي هربت من الإستثمار في أمريكا عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر مع زيادة السماحية في تحويل الأرصدة والأموال في ظل إستمرار الرقابة الإستخبارية . ما أود قوله لخلاصة لإستقراء الوضع هو أن الحرب ضد الإرهاب والصراع الحضاري (الهيجتنتوني) مع الإسلام سيتحول خلال العقد القادم من حرب عسكرية قتالية إلي حرب باردة.