عقب توقيع اتفاقية المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس وكافة الفصائل الفلسطينية في القاهرة في حضور ممثلي جامعة الدول العربية والأممالمتحدة والاتحاد الأوربي ، انطلقت مسيرات الابتهاج في رام اللهوغزة وسائر المخيمات الفلسطينية احتفالاً بهذه المناسبة التاريخية العظيمة التي انهت الانقسام الفلسطيني الدامي الذي دام أربع سنوات ولعل المتأمل للشعارات التي رفعها المحتفلون بالمصالحة الفلسطينية يستشف رسائل الشكر لمصر الثورة التي اعادت تقييم اتفاقية السلام مع إسرائيل بما يخدم المصلحة المصرية العليا وتعهدت بفتح معبر رفح بصورة دائمة ثم احتضنت مفاوضات المصالحة الفلسطينية الشاقة وحلحلت عقدها الأمنية الشائكة وأشرفت على توقيعها كما يستشف رسائل الشكر لدولة قطر التي سارع أميرها صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى شد الرحال للقاهرة من أجل التنسيق الاقليمي والدولي لرفع الحصار عن غزة وإعمار المدن الفلسطينية المدمرة. وغني عن القول إن المصالحة الفلسطينية تحمل في طياتها بشائر توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية ولكن لا بد من ترجمتها عملياً عبر تشكيل حكومة تكنوقراطية مستقلة تضع على كاهلها تدعيم المصالحة الفلسطينية عبر اتخاذ الاجراءات السياسية الكفيلة بوقف الانشقاق الاعلامي والسياسي والعسكري بين الفصائل الفلسطينية ورفع الحصار عن غزة وتحقيق الإعمار ، وتسويق المصالحة الفلسطينية لكل دول العالم وتبني موقف استراتيجي موحد يهدف إلى حل القضية الفلسطينية بأسلوب التفاوض السلمي تحت إشراف الأممالمتحدة. من المؤكد أن هناك عدة عوامل داخلية وخارجية قد ساهمت في تحقيق المصالحة الفلسطينية عبر اقناع فتح بأن التفاوض المنفرد مع إسرائيل لم يعد مجدياً من الناحية العملية في ظل الانقسام الفلسطيني واقناع حماس بأن التشدد السياسي والعمل العسكري المحدود لم يعد مثمراً في ظل الواقع السياسي الراهن ، فالشعب الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة قد شدد ضغطه من الداخل على الفصائل الفلسطينية المتصارعة عبر المسيرات السلمية المنادية بالاصلاح وانهاء الانقسام بعد أن تعلم أكبر درس من الثورتين المصرية والتونسية وهو أن أسلوب الثورات الشعبية السلمية ينجح في تحقيق الأهداف السياسية الكبرى بصورة أسرع وأكثر فعالية وأقل تكلفة من أسلوب العمل العسكري. ومن الملاحظ أن كل دول العالم قد رحبت بالمصالحة الفلسطينية ما عدا إسرائيل التي وصفت المصالحة الفلسطينية بأنها نصر عظيم للإرهاب وهددت بحجب عائدات الضرائب عن حكومة فتح وهذا موقف بالغ الشذوذ والغرابة ، فإسرائيل تقوم بتحصيل الضرائب التي يدفعها الفلسطينيون بصفتها وكيل وتحصل على عمولة قدرها 3% من عائدات تلك الضرائب ولا يوجد أي قانون في العالم يبيح للوكيل أن يستولي على أموال الأصيل عبر هذا الأسلوب الذي لا يخلو من بلطجة وابتزاز، وغني عن القول إن هذا الموقف الاسرائيلي المتعنت سينهزم في نهاية المطاف أمام وحدة الصف الفلسطيني ودعم الحكومات العربية ومناصرة كل شعوب العالم المحبة للسلام بل أن الأفضل لاسرائيل، كما يقول كثير من المحللين السياسيين الإسرائيليين ، هو أنه يجب على إسرائيل ، إذا أرادت العيش في سلام دائم مع العرب ، أن تجنح إلى أسلوب التفاوض السلمي مع حكومة فلسطينية واحدة لا مع حكومتين فلسطينيتين متشاكستين من أجل تحقيق السلام العادل المستند إلى الشرعية الدولية بعد أن ثبت للجميع أن أسلوب العمل العسكري قد فشل في حل قضية الشرق الأوسط وجعلها القضية الأطول عمراً والأكثر تعقيداً والأكبر تكلفةً على مر التاريخ البشري. فيصل علي سليمان الدابي/المحامي