*( أفل نجم روما، أيتها السحب والدموع والأخطار أقبلي، فقد أنجزنا صنائعنا..) - شكسبير- مسرحية يوليوس قيصر. .. في أوائل القرن الحادي والعشرين كانت مجموعة من القبائل تعيش في دويلات صغيرة متناحرة، في أرخبيل من الجزر المتناثرة في بحر الظلمات، ولا تكاد شعوبها تجد ما تعتاش به، فتلجأ إلى القرصنة، وتنهب ما يمكن أن تصل إليه أيدي قراصنتها، حتى انقرضت كل الكائنات التي يسمح لهم شرعهم بأن يقتاتوا بها. وكادت المجاعات المتتالية أن تفتك بهم. ولكن الواحد الأحد، جل جلاله، فتح لهم أبواب السماء بعطاياه، واكتشف المنقبون عن المياه فيها، في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، كنوزاً من الذهب والبلاتين وغيرها من المعادن الثمينة. وتحولت هذه الشعوب، بفضل ما جاد به عليها الواحد الأحد، من القرصنة والنهب والسلب، إلى البذخ والترف. وأصبح زعماء القبائل فيها ، وأولادهم، وأولاد أولادهم، وكل من لاذ بهم بصلة رحم أو غيرها يغرق في أكوام من الأموال. وتطورات دويلاتهم لتصبح دولاً لها وزنها المالي والاقتصادي، وافتتحت فيها بنوك وفروع لبنوك، وبنيت فيها العمارات والأسواق، وانتشرت فيها الشوارع الحديثة والسيارات والابراج العالية والمطارات والمطاعم الإيطالية والفرنسية والروسية والعربية بمسمياتها المختلفة. وصارت مأوى لفقراء الأرض من شرقي آسيا وغربها، ومن شمالي إفريقيا. وصار المتمولون فيها يستقدمون العبيد من بلدان تلك المناطق ليقومون على خدمتهم وخدمة أولادهم ونزواتهم وتنظيف سياراتهم ويخوتهم ونعالهم، ونشط البحث العلمي في البلاد المتقدمة في أمريكا الشمالية، وفي القارة العتيقة، وفي بعض بلدان العرق الأصفر. وأصبحت مهمته ابتكار الحمامات والمراحيض والمغاسل الذهبية المعشقة بالبلاتين والأحجار الكريمة، وتنافست الشركات العالمية على المقاولات الضخمة من أسواق ومطارات وفنادق ومشاريع بنى تحتية مما هو ضروري أحيانا ً قليلة، وترفيَ غير ضروري أحيانا ً أكثر، وأصبح أولادهم يجوبون بلدان اللذائذ والمواخير، ويعاملون كل الناس في كل البلدان معاملتهم للعبيد. وعندما يغضبون من عبد جاء لخدمتهم، وما أسهل وأكثر ما يغضب حديث النعمة، فإنهم يلقون به في السجون أولا ً، ثم خارج الحدود. ويصدرون كل يوم أنظمة وتشريعات تزيد من قسوة العبودية. وتمتلىء صحفهم الضخمة الكبيرة بصور الفارين من خدمة أسيادهم. والويل والثبور وفظائع الأمور للعبد الذي يقبض عليه، إذ يخصى ويجلد ويعذب ويرحّل ليعود إلى وطنه وفقره. أسال الواحد الأحد، جل جلاله، أن يقينا شر كنوز الأرض، وأن لا يعطينا منها إلا ما يضمن لنا العيش الكريم، ولا يفسد نفوسنا وضمائرنا وإنسانيتنا، ويبقي علينا نعمة العمل والجد مصدرا ً رئيسيا ً للقوت والكرامة. قطع اللسان: التطرف وإقصاء الآخر دفعا بالبعض إلى حد قطع لسان من يجاهر برأي مختلف أو مخالف، والمؤسف ان السلوك الجديد يتسع على مهل، في وقت تحاول فيه أطراف عدة تعطيل الحوار، أنبل ميزة بشرية، بين أبناء الجلدة الواحدة. قطع لسان الشاعر اليماني، ضرب ( رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) الراسخة في الثقافة العربية وأصابها في القلب، فكيف لمن يعبر عن رأيه مدحاً أو ذماً، أن يدفع لسانه ثمناً لقوله. ملوحة الأمواج المتلاطمة الأتية من البعيد تستفز العقلاء منا والمجانين على حد سواء، فعوضاً عن أن تكون حركتها انعكاساً طبيعياً للمد والجزر، نجدها تخبيء طياتها غيلاناً تكشر عن أنياب نهمة للدماء اليمنية. والكتل البشرية، التي تحركها من البعيد أيضاً، ُتوغل في استفزازنا، وهي تلوّح بمبضع يغيّر ملامح وجهنا بزعم التجميل، وواقعياً تجميلهم يعني المزيد من البشاعة والكثير من التشويه، قبح لا يرتضيه إلا المشوه، إذ هو تمييع لألوان الوطن الذي هتفته حناجرنا الطفولية في الصباحات حباً وحباً. قطع لسان الشاعر اليماني، ليس زوبعة في فنجان، وليس نشازاً دون سياق، هو تعبير واضح عن غياب (ثقافة) لم نعد نتمثلها كثيراً في سلوكياتنا اليومية، وهي تعبير فج عن روح الإقصاء، التي يروج لها البعض في أكثر من مجتمع عربي، والخشية ان يتحول العقلاء داخل تلك المجتمعات إلى أصداء (مستوردة) تعطل (لغة الكلام) وتنصّب المقص بديلاً عن اللسان.