الهلال يرفض السقوط.. والنصر يخدش كبرياء البطل    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الجيش ينفذ عمليات إنزال جوي للإمدادات العسكرية بالفاشر    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالفيديو.. تاجر خشب سوداني يرمي أموال "طائلة" من النقطة على الفنانة مرورة الدولية وهو "متربع" على "كرسي" جوار المسرح وساخرون: (دا الكلام الجاب لينا الحرب والضرب وبيوت تنخرب)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    عصار تكرم عصام الدحيش بمهرجان كبير عصر الغد    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات السياسية بين تشاد والسودان(هبري- نميري


[email protected]

ولعله من المفيد في مطلع هذه العجالة العودة إلى الوراء قليلاً للنظر في مسيرة العلاقات التشادية السودانية التي لم تنل هذه العلاقة نصيبها الوافر من البحث والدراسة الاستقصاء، بالرغم من أنها ضاربة في القدم، لكن لا يحدد لنا التأريخ الشكل الذي تطورت فيه هذه العلاقة بكافة مراحلها, وإن أبرز ما يميز السودان وتشاد هو الامتداد الجغرافي والسكاني بدون حاجز بين البلدين، ونشوء جماعات سكانية تمتد عبر الحدود, وبذلك فهي لا تعتبر منطقة مختلفة من حيث المناخ أوالطبوغرافيا، ومكن ذلك من قيام نشاط حدودي كثيف يتمثل في الزراعة والرعي والتجارة.
ومن ثم قيام نموذج من العلاقات الاجتماعية المتشابكة متخطية الزمان والمكان. ويشير الكثيرون إلى أن العلاقات التشادية السودانية لم تنل القدر الكافي من البحث، ولم تحظى بقدر وافرمن التقصي لتقييم شبكة العلاقات القائمة بين البلدين وتطورها عبر التاريخ سياسياً اقتصادياً واجتماعيا وثقافياً. وإنه من المفيد طالما الأمر كذلك, أن ينصب هدفناً هنا تقييم هذه العلاقة في ظل أحداث كثيرة مرت بها البلدان.
ونهدف في مطلع استعراضنا لها الظروف والزمانية التي سبقت قيام حكومتي ديبي والبشير في البلدين اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً, بجانب ما كان يدور في الإقليم بكامله من تطورات وأحداث, ثم من بعد ذلك نعرج على مآل الحكومتين وما تعرضتا له من منعرجات ومتغيرات داخلية وخارجية(توتر العلاقة بسبب دارفور)، إضافة الى الآفاق التي تنتظرهما في ظل هذه المعطيات مستقبلاُ.
وإذا ماعلمنا أن البلدين يشتركان في حدود مشتركة بطول( 13.60)كلم تقريباُ, فهذا يعني بالضرورة أنها أكبر حدود بين بلدين في أفريقيا تقطنها(26)قبيلة مشتركة، وهي الأكثر إثنياً في أفريقيا، وتدين كل هذه القبائل بالإسلام، بينما نجد اللغة العربية هي اللغة المشتركة للتخاطب والتفاهم بينها بجانب اللغات المحلية الاخري. وبعد أن نالت تشاد استقلالها من الاستعمار الفرنسي وأصبحت دولة ذات سيادة سنة 1960م تكشفت عندئذ مجموعة من الحقائق التي لم يكن من السهل تجاهلها, منها أن تشاد والسودان سيؤثران على بعضهما بشكل وثيق بما يحدث على الحدث بينهما على الحدود, وفي دارفورعلى وجه التحديد، ومن الثابت أيضاً أن العلاقة بين الخرطوم وأنجمينا ظلت في أغلب الأحوال على حالة من الدفء والانسجام والتفاهم ليس لشيء سوى أن السمات المشتركة للشعبين تجعل دائماً التقارب بينهما شيئا ممكناً. وقد ظلت تشاد منذ استقلالها تشهد اضطرباً سياسياً, وحالة من عدم الاستقرار, بل كانت أكثر الأقطار الأفريقية اضطراباً خلال العقود الثلاثة التي تلت رحيل فرنسا من البلاد, وأسفر كل ذلك عن نزوح ملايين المواطنين التشاديين إلى الدول المجاورة لتشاد، وهي نيجيريا النيجر الكاميرون ليبيا أفريقيا الوسطى السودان .
وكانت السودان أكثر الوجهة استقبالاً للمهاجرين التشاديين. وهذا يعبّر في حقيقته عن طبيعة العلاقة التي تربط بين الشعبين، كما أن هذه الهجرة سيكون لها الدور المتعاظم في الشأن الداخلي التشادي لاحقاً. لم تذق تشاد طعم الاستقرار منذ استقلالها, وبالتالي ظلت بنياتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية دونما تغيير, إن لم تكن قد ازدادت سوءاً بالفعل رغم تدفق الثروة النفطية فيها في 10/10/2003م. فقد تعاقبت خلال تلك الفترة حكومات تشادية عديدة اختلفت في توجهاتها وتركيبتها باختلاف القائمين على سدة الحكم في أنجمينا, ويهمنا بهذا الصدد أن نشير إلى حكومة الرئيس تمبلباي وهي الحكومة التي أعقبت الفترة الانتقالية بُعيد الاستقلال.
حاول الرئيس الأسبق تمبلباي إقامة علاقات قوية ومتينة مع السودان ويعود ذلك لسببين أولهما، أن الرئيس تمبلباي بدأ يحس بضرورة الانفتاح على الدول المجاورة، سيما السودان والذي كان له بمثابة الجسر إلى العالم العربي والإسلامي، ورغم أنه مسيحي فإن بلاده بها حوالي 80% من المسلمين, وثانيهما، إحساسه بأن الخطر على نظامه سيأتي من الشرق بعد تنامي المعارضة في شمال البلاد بدء يشكلها غالبية المسلمين البدو والمزارعين، وقد كان محقاً في ذلك لأن التداخل القبلي الحدودي بدأ يشكل قوة ضاغطة على أنجمينا بفعل الثورة الأولى التي بدأ يقودها التشاديون من أبناء القبائل المشتركة(فرولينا).
إذ نشأت أول ثورة سياسية مسلحة في مدينة نيالا السودانية سنة 1966م تحت اسم" فرولينا"، وهو اختصار لاسم الجبهة الوطنية لتحرير تشاد, وذلك عقب الأحداث الدامية في مدينة " منقلمي "بمحافظة اقليم( قيرا)التشادي، والتي كانت بسبب القمع السياسي الذي مارسته القوات الحكومية في تلك المدينة ضد الأغلبية المسلمة. وتمكنت( فرولينا)بعد فترة من النضال المسلح الوصول إلى الحكم في انجمينا عبر تحالفات عديدة بين القوى السياسية التشادية، واستمرت حالة المد والجذب في السلطة حتى صعد إلى الحكم الرئيس السابق حسين هبري، والذي لعب دوراً رئيسياً في لفت انتباه الخرطوم لإعادة النظر بشكل شامل في العلاقات بين السودان وتشاد(وشد الانتباه مره أخري إدريس ديبي)، ويشكل هذا المنطلق محوراً أساسياً قلب نطرة الخرطوم في العلاقة مع تشاد - وكما نرى الحالة ذاتها تكررت في عهد الرئيس ديبي بسبب سياسته تجاه السودان عندما اشتعلت شرارة التمرد في دارفور- ، وهذا تعود حالة ديبي في علاقته مع الخرطوم الى أن الزغاوة التي ينتمي إليها كانت طرف نزاع أصيل في الأحداث، فقد ظلت العلاقات رغم أهميتها تتأرجح باستمرار إثر اندلاع التمرد في إقليم دارفور. ومهم جداً أن نسلط بعض الضوء ايضاً على سياسة هبري تجاه السودان إذا ما لزم المقارنة بين دبي وهبري في توجهاتهما السياسية مع السودان، فقد ارتكزت سياستهما على توتير العلاقة مع السودان لاعتقادهما بأن الخطر على النظام في انجمينا لم يكن ليأتي إلا من السودان، حيث الحدود الممتدة لمئات الكيلومترات، والتي تصعب السيطرة عليها، فضلاً عن التداخل القبلي شكل على الدوام وقوداً الثورة التشادية من أبناء الشمال والشرق, وكذلك شكل السودان في نظرهما بوابة يدخل بها كل من أراد الاستيلاء على السلطة في تشاد، إذ لم يحدث تهديد للحكم في تشاد من غير البوابة السودانية إلا مرة واحدة, وذلك أثناء الانقلاب العسكري على تمبلباي من قبل الجنرال فيليكس مالوم سنة 1975م, ولتأكيد ذلك تأتي تصريحات ديبي خلال التوتر بأن(السودان هو الذي يهدد أمن تشاد ويزعزع استقرارها)ويأتي ذلك في الإطار المناورة السياسي بين الدولتين عندما تتوتر العلاقات، ويكشف تصريح ديبي للتعبير عن الهواجس السياسية للقيادة التشادية وهي هواجس يشعر بها كل مسئول سياسي تشادي حينما يبدأ التمرد ضده في المناطق الشرقية المجاورة للسودان.
اعتمد هبري سياسية عدائية تجاه السودان بشكل دائم وجعل منه العدو الأول, بجانب ليبيا التي خاض ضدها حرباً ضروساً في الشمال حول شريط أوزو الجبلي لمساعده فرنسا وامريكا، كما أنه أنتهج سياسة القمع النظم والعنف في التعامل مع مواطني المناطق الحدودية بشكل خاص. ولم تقف سياسة هبري عند ذلك الحد، بل صار يرتكب المجازر ضد القبائل التي أجبر أبنائها للخروج عن بعض سياسته, وأن تمرد ديبي من الشريط الحدودي للاستيلاء على السلطة في انجمينا خير دليل على ذلك، ومع كل ذلك ظل السودان يراقب ما يقوم به هبري دون القيام بعمل حاسم ضده.
قامت عدة حركات ثورية ضد هبري داخل تشاد وخارجها ووجدت هذه الحركات دعماً قوياً من الجماهيرية والسودان وفرنسا لاعتقادها أن نظام هبري بات يشكل خطراً، نظراً لإيوائه جبهة إنقاذ ليبيا كمعارضة مسلحة ضد طرابلس انطلاقا من الأراضي التشادية لزعزعة الاستقرار الليبي في الجنوب، وهو شيئ لم تتحمله القيادة الليبية، كما انتهج هبري ايضاً سياسة عداء مفرطة ضد كل دول الجوار من جهة, وأن نظام هبري نفسه كان يقوم بتمكين الولايات المتحدة من جهة اخرى، والتي كانت تضمر العداوة لليبيا, ويمكن القول بأن محورين متناقضين قد قاما في الإقليم تمثلا في محور أنجمينا القاهرة ضد محور الخرطومطرابلس، وبذلك دخل الإقليم في حالة الاستقطاب الحاد من قبل القوى الدولية والتي تريد الاصطياد في المياه العكرة في يومذاك.
فقد دفعت تلك السياسة عدة حركات ثورية للإنطلاق من الأراضي السودانية بدعم ليبي سوداني فرنسي ضد حسن هبري، وان انعقاد مؤتمر بامينا على الحدود التشادية السودانية كان المنطلق النهائي للقضاء على سلطة حسين هبري. فقد أقامت تلك الحركات مؤتمرها وعزمت أمرها حيال ما يمكن القيام به لإزالة نظام هبري واختارت العقيد المتمرد إدريس ديبي قائداً لها، وكان يمتلك وقتئذ مجموعته التي كانت تمسى الأول من أبريل وهو التاريخ الذي غادرت فيه أنجمينا مع بعض زملاءه وطاردته قوات هبري حتى داخل الأراضي السودانية وتمكنت قوات هبري من إلقاء القبض على حسن جاموس الذي كان القائد العام للقوات المسلحة، وقد قتل فيما بعد في انجمينا في ظروف غامضة بعد هروب هبري.
وحري بالقول هنا أن دخول ديبي الأراضي السودانية سنة 1989م أوقع حسين هبري في المحظورات. فقد عمد إلى تبني سياسة التوتر داخل الحدود السودانية الغربية في دارفور، وذلك بدعم النهب المسلح فيها مما أساء كثيراً لهيبة الحكومة في الخرطوم، أما المحظور الثاني فكان استضافة هبري لفصائل التمرد في جنوب السودان وقتذاك، وسماحه لها بالعمل من داخل تشاد الأمر الذي لم تجد الحكومة السودانية بُداً من تحمله, وقررت يومها التخلص من حسين هبري ونظامه.
أفقد هبري بلاده التعاطف الذي كانت تجده من دول الجوار سيما من السودان، بل تحّول الموقف تماماً لغير صالحه جراء استضافة المتمردين السودانيين والليبيين في أنجمينا، وحدث الذي كان يخشاه هبري فقد وجد السودان ضالته في الحركة الوطنية للإنقاذ(MPS) بقيادة العقيد آنذاك إدريس ديبي، إذ كانت فرص نجاح حركته كبيرة، محلياً كان الرأي العام التشادي قد استقر على ضرورة ذهاب هبري ونظامه جراء الأخطاء التي وقع فيها, فوصل إلى درجة الأفلاس سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، أما أقليمياً فقد بات من المؤكد أن كل الدول المجاورة لتشاد رأت ضرورة التخلص من هبري بعد سلوكه العدواني تجاهها. ولم يكن للمجال الدولي بأفضل من سابقيه فقد تهاوت الأنظمة الشيوعية في أوربا الشرقية وباتت أثراً بعد عين, واستيقظ العالم حينها على حقيقة مرة تلك كانت انفراد الولايات المتحدة بوضع الدولة العظمى في العالم نتيجة لانهيار الاتحاد السوفيتي السابق.
كان ذلك على الصعيد التشادي، أما على صعيد السودان فكان الوضع أكثر قتامة، فالسودان وهو أكبر الأقطار أفريقياً من حيث المساحة ولها حدود مع تسع دول ظل يترنح تحت ظل أنظمة سياسية اتسمت بالعجز، بل دخل السودان في دائرة ضيقة من حيث الانظمة, فتعاقبت فيه حكومات ديمقراطية ما فتئت أن يتلوها حكم عسكري، وظل السودان يئن تحت وطأة تلك الدوائر المغلفة, ولكن ما يعنينا هنا بالتحديد النظام الليبرالي الذي جاء أعقاب الحكومة الانتقالية سنة 1985م بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق جعفر النميري أثر ثورة شعبية عارمة حكم نميري السودان ستة عشر عاماً, بدأ يسارياً صارخاً ثم ارتمى بعد ذلك في احضان الولايات المتحدة الأمريكية، وكما يُقال في السودان دائماً أن الحكومات تنشأ في الشمال وتسقط في الجنوب كناية عن الحرب التي كانت دائرة في الجنوب، ومقدرة صمود أي نظام سياسي في وجه تلك التحديات, وبطبيعة الحال فإن التمرد في الجنوب السوداني كان قد انطلقت شرارته قبيل الاستقلال في مدينة بور سنة 1955م، وظلت قضية الجنوب جرحاً نازفاً في الجسد السوداني ولم يقوى أي من الأنظمة المتتالية على الحكم إيجاد حل لتك المشكلة بصورة نهائية.
فإذا كان من فضل ينسب لنميري في سلام الجنوب، فإنه الأول من الساسة السودانيين الذي أوقف الحرب باتفاقية أبابا سنة 1972م وهي ما عرفت باتفاقية الوحدة, ولكنه سرعان ما ألتف حولها وعادت الحرب بأعنف من ذي قبل، سيما بعد إعلانه قوانين الشريعة الإسلامية سنة 1983م.
كان النظام الديمقراطي الذي جاء للحكم سنة 1986م هشاً وضعيفاً, ليس لشيء سوى أن الأحزاب التي انبنى عليها النظام كانت تفتقر إلى برامج سياسية محددة لإدارة الحكم في السودان، فضلاً عن حالة الإهمال الشديد للقوات المسلحة التي كانت تقاتل في جنوب السودان, إضافة إلى الأزمات الخانقة على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وبات الأمر وكأن الوضع كله قد آل إلى الأنهيار في الخرطوم، حيث تعطلت المرافق والخدمات وحدث اضطراب أمني خطير في العاصمة الخرطوم.
نشبت أول حرب قبلية دامية في دارفور أذكتها الصراعات الحزبية في لهاث كئيب بحثاً عن مناطق نفوذ لها في الإقليم إضافة الى النشاط الذي تقوم به حكومة هبري في الحدود، ويمكن القول بأن تلك الحرب أفقدت السلطة في الخرطوم قدراً كبيراً من هيبتها مما شجع النظام التشادي بقيادة هبري على التدخل السافر فيها عملاً بما أسماه تصدير التوتر الى الاراضي السودانية، ويرى هبري( إذا كان يعتقد أن السودان يتدخل في الشأن التشادي، قد آن له الآوان أن تعاد العملة ذاتها الي لأراضي السودانية)، وبل ذهب هبري لأبعد من ذلك، فقد ذكر أن الثروة الحيوانية في دارفور هي ملك لتشاد اضطرتها ظروف عدم الاستقرار بالتوجه للسودان، ويقتضي الواجب بموجب ذلك إعادتها ثانية من حيث أتت(يعني القبائل المشتركة التي اختارا الجانب الأمن من الحدود بين البلدين للحفاظ علي ثروتها الحيوانية)، وشجع تبعاً لذلك عصابات النهب المسلح لاجبار الرعاة التشاديين الرجوع مجدداً الى تشاد، لان نظام هبري في نظرهم أصحاب الماشية الهاربين من سطوته هو الذي فرض عليهم دفع ضريبة الحرب(impot d effort de guerre) ومعاقبة بعضهم انطلاقاً من خلفيات عرقية بسبب التمرد ضده(القبائل العربية CDRوالزغاوةMPS)، وعلى إثرها تحولت دارفور بأكملها إلى كتل من اللهيب والحرائق جراء الاقتتال القبلي وتلك الأحداث كانت امتداداً لما حدث في دارفور حاليا.
وعلى صعيد العاصمة الخرطوم فقد افتقد سكانها الطمأنينة والأمن ولن تلتفت قيادات الأحزاب السياسية التي كانت تمسك بزمام السلطة ما برحت الأرض تهتز من تحت أرجلها. لم يكن الجيش السوداني محايداً لطبيعة الجيوش في العالم الثالث، فهو ليست بعيدة عن المسرح السياسي، إذ كانت التحالفات تعقد ليلاً لتنفض عند الصبح.
وبهذا تعرض الجيش السوداني لاختبارات قاسية تمثلت في امتداد التمرد الجنوبي إلى أجزاء تعتبر ضمن إطار الشمال بفعل اللامبالاة والإهمال من قبل الحكومة الحزبية، وبدأ الأمر وكأنه متعمد.
ظل مجتمع العاصمة القومية يتندر بما قد يحدث في الخرطوم، وزاد الطين بلة ذلك التدخل الاجنبي الذي كان جلياً وواضحاً والذي جعل من السودان بأكمله ساحة للاستخبارات والاستقطاب، وأصبح القرار السوداني يرسم من لدن القارات الأجنبية، ولم ينج من ذلك القريب أو البعيد ول يهم إن رداءاً كان يلبس عربياً أو أفرنجياً غربياً، ولا معدي إذن في ظروف كتلك أن يتدهور الاقتصاد الوطني إلى درك سحيق وتعطل دولاب الانتاج تماماً زادتها سوءاً التقلبات المناخية التي أرغمت مواطني الريف للهجرة بشكل غير مسبوق إلى المدن، سيما العاصمة القومية الخرطوم وعمت الفوضى والاضطرابات أرجاء السودان قاطبة.
وفي تلك الظروف لم يكن مستغرباً أن يتوقع المواطنون تغييراً ما لإعادة الأمور إلى نصابها، وفي الوقت ذاته كان المتربصون يحيكون مؤامرات استهدفت السودان في كيانه الموحد، وجاءت مذكرة الجيش في فبراير سنة 1989م الى رئيس الحكومة الصادق المهدي والذي لم يعبه بها, بل سخر بعض أفراد طاقمه منها, وقال أحدهم مقولة مشهورة فحواها أن الجيش السوداني يجب ألا يظن نفسه أنه جيش تركيا الذي يقرر مصير الحكم في أنقرة.
إذن كانت المؤشرات تدل الى أن أمراً ما بات يلوح في الأفق السوداني, وأن التغيرات يجب أن تأتي قبل فوات الأوان، ووصل الأمر بأحد رموز العهد الديمقراطي بأنه قال إن الديمقراطية لو أخذها كلب فلن يعقبه أحد لاستردادها، وما أقساها من عبارة، ترى أي كلب يأخذ شيئاً هان على أصحابه.
لم يدم الأمر طويلاً إذ استيقظ السودانيون ذات صباح في الثلاثين من يونيو على مارشات عسكرية بثت من الإذاعة ليعلن بعدئذً الإطاحة بالنظام الحزبي وميلاد عهد جديد, وهو عهد جبهة الإنقاذ الوطني بقيادة الضابط عمر البشير، وأعلنت حكومة الإنقاذ ثوابتها ودواعي قيامها، أعلنت الإنقاذ الوطني أنها خرجت من مأساة الوطن السوداني، وآلت على نفسها ارتياد آفاق جديدة بحثاً عن بارقة أمل لشعب السودان الذي ترنح كثيراً من ويلات التصدع والأزمات والحروب.

العلاقات السياسية: إدريس ديبي- عمر البشير

دخلت العلاقات التشادية السودانية اعتاب مرحلة جديدة فى تعاونها السياسي منذ العام 1990م، حيث قام مسئولون تشاديون وسودانيون بتبادل زيارة الوفود الي البلدين, وقد كانوا يرون ان تطوير وتعزيز التعاون المشترك بات أمراً واقعاً بعد تجاوز العقبة التي وضعها هبري بين انجمينا والخرطوم في الماضي, وظل ترميم العلاقات التشادية السودانية واحدا من ابرز هموم القيادات السياسية العليا, وبهذا الصدد فقد تم ترفيع اللجنة الوزارية المشتركة الى لجنة عليا برئاسة نائب رئيس حمهورية السودان ورئيس الوزراء التشادي، وذلك إذاناُ بدخول التعاون السياسي بين البلدين مراحل جديدة وصلت مستوي متقدم خلال ستة عشرة عاماً الى حد(كسر حاجز الدبلوماسية التقليدية)على حد وصف احد السياسيين السودانيين.
ولعله من نافلة القول ان العلاقات بين البلدين على الصعيد الرسمى او الشعبى قديمة قدم الزمان والمكان, إلا أنها تمر فى السنوات الأخيرة "عهد ديبي والبشير" بقدر كبير من الاهتمام على الرغم من المعضلات التي تعترض طريقها، لاسيما الظروف الأمنية في الحدود التشادية السودانية جراء الصراع المسلح فى إقليم دارفور.
ولقد كانت انجمينا والخرطوم دائما تطلعان إلى تفعيل مجموعة الاتفاقيات الموقعة بينهما وكان أهمها الاتفاقيات الخمس الموقعة فى 21/8/2002م, والتي شملت مجالات الأمن والاقتصاد وتجارة العبور"الترانزيت" والتعليم وتبادل الخبرات, وهى فى مجملها ترسم خط مسار العلاقات بين الدولتين فى المستقبل، ولاشك في ان ابرز معالم هذا التطور تجسد فى ترفيع اللجنة الوزارية المشتركة الى لجنة عليا لتفعيل العمل السياسي والتعبوي برئاسة النائب الأول لرئيس جمهورية السودان ورئيس الوزراء التشادي .
وهذه الآلية الأولى من نوعها والتي تم تفعليها بهدف تنسيق التكامل بين تشاد والسودان، وهو يشمل مختلف مجالات التعاون الثنائي سياسياً واقتصادياً و ثقافياً.
ويتلخص عملها فى الآتي:
1.نظراً للعلاقات المتطورة بين البلدين وحرصاً منهما على تفصيل آليات التعاون المشترك، اتفق الطرفان على ترفيع اللجنة الوزارية الى لجنة عليا مشتركة برئاسة النائب الاول من الجانب السودانى والسيد / رئيس الوزراء من الجانب التشادى .
2.أكد الجانبان ايضاً على أهمية إرساء الامن والاستقرار والتنمية فى المنطقة .
3.اتفق الطرفان على مواصلة اتصالاتهما ومشاوراتهما بغرض تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بالاضافه الى التشاور والتنسيق فى المحافل الإقليمية والدولية .
ويتضح جلياً الارتباط الوثيق بين البلدين فى مختلف الاصعدة, وسعى القيادة السياسية فيهما نحو تحقيق المزيد ذلك التنسيق. وغنى عن القول ان النموذج الذي أقدمت انجمينا والخرطوم على إرسائه فى التعاون قبل التوتر وقطع العلاقات الدبلوماسية، انه مشجع للإقليم بأكمله على انتهاجه, خاصة دول المنطقة.
وبالنظر الى الخارطة الجيوسياسية للقارة الافريقية، نرى ان تشاد تحدها ستة دول, بينما يجاور السودان تسع دول افريقية وعربية, وان البلدين يقعان فى موقع القلب من القارة اى وسطها، وهما ايضاً جسران مهمان يربطان العالم العربي والإسلامي بالقارة الافريقيه. كما ان البلدين يشتركان كما سبق ذكره فى قواسم مشتركة عديدة، فلديها امتداد وتداخل سكاني وعرقي اقرب الى التماثل تماماً، بل تتشابه المشكلات التى تواجه البلدين السياسية منها والاقتصادية، ولاتزال قضية الوحدة الوطنية والبناء السياسى هماُ يعانى منه السودان كما تشاد, وتأتى قضايا القارة المستعرة على الحدود(دارفور ومنطقة البحيرات الكبرى وافريقيا الوسطى)تلقي بظلال كالحة على ساحة البلدين، وتظل آثار مشكلة دارفور بجميع تطوراتها ضمن الهموم المشتركة في المنطقة، ولعل التعاون القائم بين انجمينا والخرطوم يولي اهتماما اكبر للجانب الامني، لان ظروف الاضطراب الامني في دارفور جعلت استحالت استمرارية العلاقات بصورة طبيعية، نظراً لحساسية الموقف ودقة المرحلة لدى الطرفين، كما أنه من الملاحظ ايضاً في أن العلاقات سبق ان شهدت تطورا ملحوظاً, ولكن مشكلة دارفور سرعان ما ألقت بظلال سالبة على ذلك التطور وقلبته رأساً على عقب، بل وصل الامر بين القيادتين الى درجة إعلان العداء والمقاطعة الرسمية وتبادل الاتهامات بين الطرفين, وهي نقطة لم تصلها العلاقات التشادية السودانية منذ فترة طويلة، إذا ما أستثنينا المراحل التي مرت العلاقة في عهد حسين هبري والتي أشرنا اليها. كل ذلك قد جعل انجمينا والخرطوم تعبران عن هموم وهواجس حقيقية تشعران بها منذ اندلاع التمرد في دارفور، وكشف عنها نائب رئيس الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه قائلاُ:(أن همومنا المشتركة تجعلنا اكثر اصرارا على تطوير التعاون بيننا)، واضاف طه(لقد شهدت الفترة الماضية نشاطاً غير سبوق فى علاقاتنا الثنائية، وكانت الزيارات المتبادلة بين بلدينا على مختلف المستويات دليلاً آخراً على عمق الروابط التاريخية التى تجمع بين شعبينا الشقيقين، وشاهداً على الاهمية القصوى التى تواليها قيادات البلدين لتطوير هذه الصالات والعلاقات والانتقال بها الى افاق ارحب من التكامل الذى يعكس ويجسد صلات القربى والجوار التى تجمع بين الشعبين الشقيقين)، وهذا أملاُ من طه في ان يضمن مسار نجاح خطى التعاون بين البلدين استجابة لرغبة القيادتين على تطورها و الاستفادة من الفرص المتاحة امامها رغم التحديات الماثلة، ويوضح طه كلالك(ان التعاون القائم بين بلدينا يمكن ان يقدم النموذج الحقيقى بين الجنوب ويعطي دفعة كبيرة لجهود التضامن الاقتصادى والسياسى والاجتماعى لدول القارة الافريقي فى مساعيها الرائدة من اجل الوصول الى تجسيد احلام القارة فى التكامل والوحدة وخطوة متقدمة فى تنفيذ تطلعات القارة)، وهذا طموح كبيرجداً من نائب البشير الذي يتمنى أن تصبح تشاد والسودان نموذجا للوحدة الافريقية والتكامل، نظرا لما يمتلكانه من سمات شعبية مشتركة تساعد على ذلك، ويؤكد طه في ذات السياق ايضا الى ان نتائج تطور العلاقة وهو مطمئنا(اننا ننظر بعين الرضى ونتابع بكثير من الارتياح والحرص الذى تبديه كافة اجهزة الدولة فى بلدينا لتجسيد التعاون القائم فى مشروعات محددة وبرامج واضحة وضعنا اسسها خلال زيارتنا خلال العام الماضى، وان السودان سيواصل العمل الجاد لاكمال المشاريع التى انطلقت خلال زيارتى الاخيرة لانجمينا)، وقد بادل طه رئيس وزراء تشاد السابق د/ هرون كبادى الشعور نفسه بالقول(نحن ايضا نولى اهتماما كبيراً ورغبة صادقة فى تنمية هذه العلاقات التاريخية التى تربط بيننا منذ القدم، وان الاحترام المتبادل والصداقة القائمة بيننا تعكس احلام وتطلعات شعبينا، والتى تزداد قوة ومتانة مع كل يوم)، واردف كبادي(نسال المولى ان يعيننا على انجاز مهمتنا لتوطيد الصداقة والاخوه القائمة بيننا). أما بالنسبة للنظرة الدبلوماسية لوزير الخارجية التشادي آنذاك السيد/ محمد صالح النضيف، فهو يرى ان(النهج الذى يحكم السياسة الخارجية التشادية مع كل دول الجوار جاء وفقاً المبادئ التى أرساها الاخ/ الرئيس ادريس ديبى)، شارحاً توجهات حكومته ومبادئ السياسة الخارجية لتشاد تجاه دول المنطقة, وهنا يقصد وزير الخارجية التشادي سياسة الانفتاح والتعاون المشترك مع دول الجوار، وياتى السودان ضمن هذه الأولوية، وإذا كان التعاون مبني على أسس صحيحة لابد أن تسخر عوامل التاريخ والجغرافيا لتحقيق الاستقرار والتنمية فى البلدين, وقد تطرق وزير العلاقات السودانية الاسبق الدكتور/ مصطفى عثمان إسماعيل(ان الواقع يفرض ضروري التعاون بين البلدين لخلق فرص للتنمية وتحويل مناطق الافرازات الامنية السالبة الى المناطق آمنة لتبادل المصالح المشتركة بين دول المنطقة)، وهو يعني بذلك المناطق الحدودية التي أنطلقت منها شرارة الحرب في دارفور, وهي اشارة منه بان قضية دارفور ومنذ اندلاع الحرب يجب ان تحل عبر الحوار والتفاوض دارفور، وهو الطريق الصحيحة التي تفضي الى سلام دائم، وبنظر د.اسماعيل وهو يخاطب نظيره التشادي، انه لن تحقق التنمية فى دولة منعزلة عن محيطها الاقليمى، وعليه، فان السودان بإمكاناته يمثل معيناُ إقليمياُ للتخطيط وتنفيذ برامج التنمية عبر المدخل الجماعى لدول المنطقة, لان التنمية بمفهوم الدكتور/ مصطفى ليست شأناً وطنياً فحسب, بل إنما اضحت جزءاً لا يتجزء من الشئون الاقليمية والعالمية, واذا ما اخذنا الاتجاه العالمي الجديد لتخطى معضلات التنمية، فإن العوامل الإقليمية والدولية تدعم هذا المنطق، وبكل صراحة، وعلى الرغم من ان التطور السلس الذي صاحب العلاقات التشادية السودانية منذ البداية، إلا أن المشكلة الأمنية في الحدود بين البلدين تخطت كل الأطر العادية للتعاون السياسي وقيدته تقييداً كاملاً بحيث أضحت الأزمة بين البلدين أكثر التطورات خطورة في مطلع الالفية الثالثة, لان هذه الحدود تنشط عبرها حركة بشرية دؤوبة وتنقل كثيف للأفراد, ولذا وبالنظرة السياسية المحضة للبلدين فان الأمر يتطلب مراقبة دقيقة لعزل عناصر غير مرغوب فيها ومنها قطاع الطرق والجريمة العابرة للحدود والكف عن دعم المعارضات المسلحة على طرفي الحدود, وهذا القضية بالذات أقلقت الرئيس دبيي قُبيل اتفاق ابشى3/9/2003م، بأن تطورات تفاقم الأوضاع الأمنية بدارفور يشكل خطراُ يهدد نظامه، فقد وصف الموقف قائلاً(هنالك فرص للتنمية يجب خلقها ولا يمكن قبول الفوضى)، وجاء ذلك في حديث توجه به الى الرئيس البشير عقب انتهاء قمة الفاشر قبل الغارة التي نفذتها مجموعة متمردة من دارفور على مطارالفاشرعام2003م،بأيام قليلة، وكان موقف الرئيس ديبي في قمة ابريل 2003م بالفاشر كانت عاطفيا لا يمثل موقفا سياسيا محددا قال:(اننى مع البشير، وقلبي مع البشير)، ويبدوان البشير قدر ظروف تلك العاطفة في إشارة بقوله(ان الاخ / الرئيس دبى مرتبط وجدانياً بالسودان)، وتلك الإشارة تدل الى الروابط الاجتماعية بين تشاد والسودان. ويشار هنا الى ان السودان هو البلد الوحيد المجاور لتشاد, والذى لم يحدث ان دخل معه فى نزاع مسلح, وهذا شئ يعيه التشاديون والسودانيون على حد سواء, وعلى الرغم من أن ديبي أعلن الحرب على صديقه البشير رغم العواطف الجياشة(أنا مع البشير وقلبي مع البشير)، وهي عبارة تنم عن مجاملة سياسية ولا تعبر عن تعهد سياسي قاطع يمكن ان يبنى عليه موقفاً ثابت من شانه ان يوقف الحرب في دارفور. ويكمن وصف شكل العلاقات التي كانت قائمة بين تشاد والسودان بانها تأثيراً كبيراً باحداث اقليم دارفور، وشهدت منزلقا خطيراً، بحيث أضحت السمة الغالبة فيها هي العداء والتعبئة الإعلامية والعسكرية، ومن جملة هذه الأحداث استعملت فيها حرب الوكالة بين البلدين عن الحركات المسلحة التشادية(مواليه للبشير)والسودانية(مواليه لديبي) وهذا يقودنا الوراء قليلا لتأكيد الاستقطاب السكاني والقبلي من عبر الحدود سياسيا واجتماعيا،وبذلك دخلت الحدود التشادية السودانية في نظام توتر مسلح واقتتال بين الفريقين، وبالتالي ظلت عمليات الاتهام تتوسع دارئرتها في كل يوم بين انجمينا والخرطوم،وقد وصف الحالة العقيد القذافي بأن(الازمة التشادية السودانية محيرة، رغم اننا بذلنا جهوداً كبيرة للتهدئة والسلام)، فعلاً إنها قضية محيرة للجميع في المنطقة، لاسيما ان الرئيسيين ديبي والبشير يعتبران النموذج من القادة اللذين يرتبطان بعلاقة خاصة أضافت للإقليم استقرارا لم يشهدها منذ فترة طويلة، وبهذا الشكل فإن التوتر التشادي السوداني أضحى مشكلة إقليمية كبيرة في المنطقة رغم الوساطة المتعددة التي قامت بها دول عربية وافريقية، ولم يسبق للدولتين ان شهدت توتراً من هذا القبيل تأزمت خلالها طبيعة العلاقات السياسية ووصلت مرحلة يرثى لها في المنطقة(محاصره انجمينا والهجوم على مدينة أم درمان).
وفي أحداث التوتر بين انجمينا والخرطوم، كان بنظر دبى ان السودان هو احد عناصر عدم الاستقرار في بلاده تشاد، حيث قال(السودان يكذب و هو الذي يزعزع امن واستقرار تشاد)، هذا بعد ان تكشفت حقائق ثابتة على الارض بان حكومة ديبي كانت تقدم الدعم للمتمردين في دارفور نكاية للخرطوم وإدارة الأزمة رداً لتلك المتاعب التي يواجهها من جهة السودان، ووصف ديبي ذاك الوضع لأحد الصحفيين الغربيين ضاربا مثلاً افريقياً مفاده(اذا توسطت بين طرفي نزاع عليك ان تضع عصاك الى جانبك خشية من ردة فعل احد الطرفين تجاهك).
وفي الأخير، يكمن القول ان التطلعات بين تشاد والسودان الكبيرة بحق، وهى تطلعات شعوب أبعد بينها الاستعمار، كما انها ايضاً تطلعات شعوب تبحث عن مكان لها بين باقي الأمم العالم للبحث عن مراقي التقدم وآفاق التنمية وتحقيق قدر ما من الرخاء والعيش الكريم, ولان تلك الطموحات كبيرة، فلابد ان الذين يعملون لتحقيقها ان يكونون قادة كبار يجب ان يتحلوا بالصبر والمثابرة وليس إعلان التوتر وحشد القوات على الحدود وتهديد أمن المواطنين العادي في البلدين.
وبهذا، فإن القضايا بين تشاد والسودان ستظل شائكة ومؤثرة حالما ينشب خلاف ولم يتم تلافيه واحتوائه ثنائياً، ويتطلب جهدا إضافيا مخلصا لمعالجه الضرر الذي لحق بكافه مستويات العلاقة بين البلدين وان علاج هذه القضايا لابد من ان تجد العناية الكافية لمعالجتها ضمن الإطار الطبيعي والموضوعي، وبنظري، إن إنصاف الحلول او الحل بالوصفة الامنيه(القوات المشتركة في حدود البلدين) سيكون أكبر ترجمه للهواجس السابقة كما ذكرت وهي عوامل يمكنها ان امن واستقرار الشعبين، وأي جهد لترميم العلاقات ان لم يكن صادقا يمكن أن تتسبب مره أخري في إحداث كوارث أكثر خطورة في المنطقة، وفي ظل قيادة سياسية تتسم ممارساتها بالتقليدية وتنقصها القدرة على كيفية التعامل مع الأوضاع الحرجة وتفتقد الي تدبير الأمور بنظرة ثاقبة وواقعية لقراءة الخارطة الجيوسياسية في المنطقة، وإذا كانت النظرة تقليديه في معالجه الموقف فانه طبيعي جدا ان القيادات في البلدين لا تدرك حجم الخطر والتطورات المترتبة عليه إقليمياً ودولياً، وهو ما يجعلها ان تفقد المنطق السياسي السليم والوعي الإستراتيجي الشامل لتقييم الاوضاع في تشاد والسودان, وبذلك تصبح تلك في حقيقتها مؤثرات سياسية تفوق خيال أي سياسي ذو نظرة كلاسيكية لميزان الأمور، خاصة وان تلك الأحداث في المنطقة بكافة خلفياتها الإقليمية والدولية هي التي ساهمت في لعَب دور رئيسي خلف الكواليس لتحرك كل تلك القضايا وتؤججها بعمق في تشاد والسودان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.