نعم الربيع العربي تأخر في الوصول إلى بلادنا الحبيبة و تأخر كثيراً جداً , عندما يموت ملايين البشر في الجنوب و مثلهم في دارفور و جبال النوية و الأنقسنا و عندما يُعصر المواطن السوداني حتي تنطبق عليه أضلاعه و هو يمشي على ظاهر الأرض لا راقداً تحتها و عندما يلاحقه منكر و نكير عذاباً مستعجلاً قبل دخوله القبر و عندما يقطع المواطن السوداني وجباته الثلاث إلى إثنتين ثم إلى واحدة ربما "كانت فولاً أو عدساً أو كسرة و أم رقيقة" , و عندما يخاطبه رئيسه وهو ملوحاً بالعصا رمز التأديب في خطبه و عندما يطالبه وزير ماليته بأن يعود إلى "عواسة الكسرة" وكأن الشعب السوداني له غير الكسرة هذه, و عندما يخرج إليه صغار قيادي الوطني في قوافل كأنها للأباطرة , و عندما يشرب المواطن السوداني الشاي المر بعد لم يبق من السكر ما يكفيه في البلاد , و عندما يمنع المواطن السوداني من التظاهر و إبداء الرأي و حتى من التجوال ليلاً و عندما و عندما و عندما , بعد كل هذ و ذاك ما يزال المواطن السوداني بلا حراك يُحسب له أنه مع الأحياء قي هذا العالم. لم و لن يكون هناك ربيعاً لا عربياً و لا قريشياً و إليكم هذه الأسباب: 1: السودان ليس ذلك البلد العربي الذي يعيش في أذهان الناس؛ هذا البلد لا يصح إلا أن يكون "سوداناً" لا غير, هوية و توجهاً و إن كان بعض بنيه يحن في وجدانه للتقرب إلى الكيان العربي المليئ بالسكون و الركون إلى الحاكم ظالماً كان أم عادلاً ملكاً أم رئيساً , و من يريد أن يثبت العكس عليه أن يتتبع تاريخ العالم العربي الفقير في الثورات المسلحة و حركات التمرد, الشعب العربي تركيبته مختلفه ليس ذلكم الشعب الذي يبادر إلى الجنوح إلى التمرد و الإحتجاج المسلح هل يعقل أن تخلو الجزيرة العربية كلها و الشام من حركة تمرد واحدة "إذا أخرجنا حزب الله خارج المعادلة" و جماعة "الحوثي " باليمن ؟ هل يعقل أن تخلو هذه المناطق كلها من جماعة بحجم "جيش الرب" اليوغندي؟ 2: هذه الثورات التي إجتاحت تونس و مصر و ثورة "مشاه الناتو" في ليبيا كلها ما كان لها أن تنجح لولا دخول الغرب على الخط بممارسة التهديد و الوعيد و تحديداً لقادة مصر و تونس و بالتدخل المباشر في ليبيا قتالاً فعلياً , أ لم يقل الخليفة عمرو بن العاص عن مصر (أرضها من ذهب و نساءها لعب ورجالها مع من غلب)!!! 3: الشعب السوداني شعب لم تخمد فيه روح الثورة و لم يخرس فيه صوت إعلاء الحق و قد عاش السودان على مدى عمره ثائراً و رافضاً و محتجاً سلماً أم حرباً ومن ثوراته لا تكاد تحصيها كلها ؛ من أين تبدأ ؟ أ من ثورة بعانخي من أجل الخيل؟ أم أيام عجوبة في سنار أم ثورة السلطان تيراب من دارفور إلى ديار الجعليين؟ أم الثورة المهدية أم ثورة اللواء الأبيض أم ثورة ود حبوبة أم ثورة أبوجميزة أو ثورة الفكي سنين أم ثورة السحيني أم ثورة مادبو؟ أم ثورة الجزيرة أبا؟ أم ثورات الجنوب التي أدت إلى إنفصاله؟ وماذا عن الإنقلابات الناجحة منها و الفاشلة ؟ وماذا عن ثورات دارفور و الشرق و جبال النوبة و غيرها؟ هذه الثورات المؤكدة تفوق ثورات الجزيرة العربية و الشام وشمال إفريقيا منذ حروب داحس و الغبراء إن جاز لنا أن نسميها "ثورة" إلى ثورة اليمن الملتهبة هذه الأيام , تفوقها عدداً و عدة و بالتالي فنحن في السودان نستحق تسمية "بلاد الثورات المائة" و لا أعلم من يعلمنا أن نثور في محيط بلادنا الثائرة!!! 3: النظام السوداني عكس الأنظمة العربية الأخرى التي إستنفذت أغراضها بالنسبة للغرب؛ القذافي سلم أسلحته المتطورة إلى الغرب من غير مقابل , صدام حسين كان بلا أسنان يعض بها , الرئيس المصري لابد من إزاحته لإفساح المجال أمام البرادعي لقيادة مصر نحو تصادم مع إيران , التونسي لم يكن إلا وجع رأس بالنسبة لساركوزي الساعي لتبييض وجهه مع برلمان بلاده الباحث عن تخفيف الضغط على ممارسة نشطاء تونس السياسيين و لكن أباليس الإنقاذ تمسكت بهم أميركا و الغرب لإنفاذ إتفاقية السلام الشامل التي أفضت إلى إنفصال الجنوب ولكنهم ممسكون بأوراق أخرى كثيرة تجعل الغرب يتمسك بهم إلى إلى هذه اللحظة ؛ النظام السوداني يعرف كيف يلعب أوراقه فهو لا يحرقها كلها و عندما ظنً العالم أن الغرب سيغير سياساته تجاه الحكومة بعد إنفصال الجنوب إذا بأبالسة المؤتمر الوطني يخرجون أوراقاً أخرى : يقومون بإستدراج الإسلاميين الذاهبين إلى الجهاد في أفغانستان و العراق و يسلمونهم إلى أميركا و يرسلون باقات الورد لإسرائيل عبر وسطاء آخرين تقرباً إليها كي ترض عنهم واشنطن كما إنهم يحاربون الإسلاميين في الصومال عبر وقوفهم مع الشيخ شريف شيخ أحمد لإرضاء أميركا , ثم أتت خبطتهم الكبرى حين إعترفو بثوار "مشاه الناتو" في أول أسبوع ثم فتحو الأجواء السودانية للطيران الأميركي و الفرنسي و أكبر خبطاتهم هي تحريك المعارضة التشادية لإحتلال الكفرة و بعض المدن القريبة من تشاد و النيجر!!!! لقد خدمتهم الأحداث في ليبيا كثيراً حيث أنهم تخلصوا من القذافي الذي صعد من لهجته تجاهم أواخر العام الفائت كي يسترد منهم 3بلايين من الدولارات سلفها إياهم عداً و نقداً. 4: قادة الأحزاب التقليدية "الديناصورات" شأنهم شأن "ديناصورات" الإنقاذ الخالدون و الذين لا يستقيلون من عجز في إدارة البلاد و لا يذهبون إلى المعارك فيموتون أو يصابو ولا يعرف الإختطاف إليهم سبيلاً و هم فوق كل ذلك بمأمن من المحاكم الجنائية الدولية , قادة الأحزاب التقليدية يدعون إلى تغيير الأمور في البلاد و لكن ليس عبر الإنتفاضة الشعبية أو الحملات العسكرية لأن الزمن تغير و جميعهم يفتقدون السند لدى الكوادر الشابة في هذا العصر ولأنهم يستمدون قوتهم من أنصارهم و محبيهم الكبار في السن و لأن الجيل الجديد جيل الفيسبوك و التويتر لا يتواصل مع هؤلاء؛ إنهم جيل العولمة و الحداثة و التقدم و الإيمان المطلق بمبادئ ديمقراطية الغرب!!! ترى كم من هذا الجيل يلبس الجلباب الأنصاري و يحمل حربة على كتفه وهو يتجول في الشوارع!!!!! هذا جيل التغيير ليس جيل التقدم إلى الوراء ذلك الذي يروج له خال الرئيس , الجيل المتأصل المحافظ على الجلباب و المسافر على الخيل و الجمال و العائد إلى قول الشعر في سوق عكاظ!!! إنه جيل المنتديات و الإنفتاح لا جيل معلقات الشعر الجاهلية أو حروب البسوس و التفاخر بأمجاد الآباء . هؤلاء الساسة القدام يخافون أن يفقدوا مكانتاتهم لو تغيير النظام لأنهم خارج المعادلة و كذللك عدم جاهزية هؤلاء لو ما سقط النظام إذ أن حملة السلاح الآن في أطراف البلاد هم الأقرب للوصول إلى سدة الحكم على أنقاض الإنقاذ ... وبئس الإنقاذ. 5: رغم إيماني الشديد بوحدة الشعوب السودانية إلا أنني أتلمس نوع من الجفوة الإقليمية و الجهوية في البلاد ؛ أولاد البحر يتخوفون من القادمين الجدد المحتملين و لا أدرى على أي أساس !!! و أبناء دارفور وهم أقرب هذه الكتل الآن للوصول إلى النظام أعيتهم سًبل الوحدة أو الإلتفاف حول "القائد" أو "الإمام" أو "الرفيق" وهم رغم علمهم بضعف هذا النظام إلا أن بعضهم يحاور النظام أكثر مما يتحاور مع رفقاء الدرب و السلاح!!! ولذا ستطول معاناة الذين هم بالمعسكرات و بتشاد و على أبناء دارفور أن يتذكروا أنه لن يخسروا أكثر مما خسروه؛ الناس معظمها إما في المعسكرات أو في دول الجوار لاجئاً أو في المدن الكبيرة , لم تتوقف معارك دارفور و لكن لم يبق الكثير ليحرق أو يقتل أكثر مما سبق. 6: كل دول السودان المجاورة عدا مصر و ليبيا تغيرت بالحديد و النار ولنبدأ من تشاد و إفريقيا الوسطى و يوغندا و الكنغو (خرجتا الآن من الجوار) وأرتريا و الحبشة و السودان الأقرب إلى هذه الدول حيث أن التغيير القادم في السودان لا يعقل إلا أن يكون عسكرياً دموياً وربما يساعد تدهور الإقتصاد في السودان على تخلي بعض الإنتفاعيين عن نظام الحكم إذا ما قلت الأموال التي يتلقونها جراء تثبيتهم للنظام فالآن يكاد النفط يكفي السوق المحليه و تكاد صادرات الزراعة أن تصل صفراً و الثروة الحيواني التي تبخرت فجأة!!!! 7: دهاء الإنقاذيين الذين لا تهبط طائرة مسؤول قادم من زيارة خارجية إلا و يصعد عليها مسؤول آخر في زيارة خارجية أخرى من أوربا إلى أميركا و دول إفريقية قوية و إلى الصين حيث يكاد الرئيس البشير يزورها كل شهر و إلى ماليزيا و الهند ؛ هؤلاء يتحركون في السودان بالدبابات و الطائرات الحربية و و لكنهم يتحركون في الخارج بأوراقهم الرابحة ؛ في الغرب يخوفون الناس من المد الإسلامي القادم إلى إفريقيا لو سقط النظام على يد أنصار "الشيخ" و في العالم العربي يصورون كل هذه الثورات و الإحتجاجات المسلحة على إنها تستهدف "الوجود العربي" في السودان و على أنها مؤامرة على "توجه البلاد الحضاري الإسلامي" و كذلك يصورون أنفسهم على أنهم بوابة العالم العربي التي يمكن أن تأتي منها الرياح على مصالح العرب !!!المياه . 8: لعب الإنقاذيين بورقة العرق و الجهة و القبيلة حتى أنهم يكادون "يقبلنون" كل شيئ , الإنقاذيون زرعوا الأوهام في عقول الناس و زينوا لبعضهم أن هناك قبائل تستهدف قبائل و أخرى تتربص بأخرى و أن و أن و قد أفلحوا في ذلك و الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها. هذه بعض الأسباب التي زادت عمر هذه الحكومة و التي ربما يزداد عمرها و لكن الأمل في الله كبير أن تجتمع هذه الأمة على خيارين : إما إسقاط النظام و إما إسقاط النظام!!!