الجيش ينفذ عمليات إنزال جوي للإمدادات العسكرية بالفاشر    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكثر من ربع قرن لتجربة الانقاذ .. بقلم: بروفسير مختار أحمد مصطفى
نشر في سودانيل يوم 19 - 07 - 2017


بسم الله الرحمن الرحيم
إن مرور أكثر من ربع قرن على تجربة الإنقاذ فترة كافية لتقييمها و الحكم عليها بموضوعية و نزاهة، خاصة ومعظم قادتها على قيد الحياة. وهذا ما تمليه علينا المسؤولية الوطنية. ففي بداية الإنقاذ، وحماس الجبهة الإسلامية على أشده، أعلنت حكومة الانقاذ المشروع الحضاري بالبدء في بناء الدولة الإسلامية. و بالطبع ليس إعلان المشروع الحضاري غاية في حد ذاتها، و لكن من المفترض أن تكون نتائج تطبيقه وانعكاستها على حياة الغالبية العظمى من الشعب السوداني هي الهدف من هذا المشروع. علماً بان الشعب السوداني ولد و تربى على قيم ومقاصد الإسلام الحنيف عبر إنتماءته للطوائف والطرق الصوفية المتجذرة في ربوع السودان. وبدلاً من ان تضع الدولة هذه الغاية نصب عينها اتخذت القررات التي أدت لرفع أسعار السلع الأستهلاكية الضرورية، في وقت ظلت فيه رواتب العمال وصغار الموظفين محلك سر.
و في بداية حكم الأنقاذ وفي الوقت الذي رفعت فيه الشعارات الإسلامية الكبيرة أتخذت من السياسات ما يمتهن ويهدر كرامة وآدمية الإنسان شأنها في ذلك شأن حكومتي مايو و 17 نوفمبر، حيث ان كسر شوكة المعارضة بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية هو نهج اتبعته كل الحكومات العسكرية. هذا بالرغم من أنه يتعارض مع منهج الاسلام الذي يدعو بالحكمة و الموعظة الحسنة و يعمل على إعلاء شأن الإنسان وتحريره من كل أشكال الإضطهاد.. ولكم في رسول الله أسوة حسنة. وبعد إبرام إتفاقية نيفاشا بدأت مرحلة التحول الديمقراطي الأمر الذي استوجب تعديل منهج التصدي للمعارضة، فقد أصبحت الدولة تلجأ لوسائل الإضطهاد الناعم مثل الإهمال والتهميش و التخطي والمراقبة والاستفزاز وغير ذلك. ولقد نجحت سياسات القمع والزجر الخشن والناعم في تحييد معظم المثقفين والفنيين والتقنيين وجعلتهم ينكمشون و يتخذون موقفاً سلبياً من سياسات الدولة. و اضطروا أن يتركوا الحكومة تفكر لهم، لأن الحكومة لا ترغب أن يشاركها في ذلك أحد من الشعب غير الموالي و لا حتى كل الموالين. وأدى هذا التخريب النفسي للشعب السوداني إلى الرضوخ أو البيات و تقبل سياسات الدولة بخيرها وشرها دون معارضة فعلية. مثلاً لم يجد كل من تخريب مشروع الجزيرة ... تمكين أعضاء الحزب في دواوين الحكومة أو قطاعها الخاص بالحق والباطل... اهمال الخبرة السودانية....نقل القطن المحور وراثياً رغم معارضة الكثير من علماء هيئة البحوث الزراعية...وهلمجرا، معارضة مؤثرة.
و مع الإنقاذ ظهرت أشكال مختلفة لتمكين الاسلاميين إقتصادياً و اجتماعياً في الدولة حيث برزت البنوك الإسلامية والشركات الإسلامية والمتاجرة بأراضي الدولة وتوزيع الأراضي للمحاسيب.. و أهدرت أموال بعض المساهمين في بعض هذه الشركات والبنوك. ومكِنت الانقاذ عضوية الحزب الحاكم في أروقة الدولة و ووهبتهم من الامتيازات وصلت إلى حد الترف والبذخ مثل إمتلاك بعض الوزراء ثلاث عربات. وتم تكوين حكومات اتحادية مترهلة لا تتناسب مع ححجم وامكانات الدولة، حيث كونت الأخيرة من سبعين وزيراً ووزير دولة هذا غير عدد وزراء حكومات الولايات نتيجة للترضيات والمحاصصة. وكل هذا يتم في دولة يفوق فيها حد الفقر 46% وفق التقارير الرسمية. كما انتشرت المحسوبية والجهوية والفساد والتجاوزات في مختلف قطاعات الدولة لدرجة اشتكى منها بعض الوزراء لأنها أثرت على أداء وزاراتهم. وظهرت أثار الثراء غير المشروع لدى الموالين لا يسمح دخلهم بشراء العمارات والأراضي التي سجلت بأسمائهم او أسماء أحد أفراد الأسرة. واصبح استغلال النفوذ هو القاعدة وليس الاستثناء و اصبحت الرشوة عائقاً لنجاح سياسات الاستثمار كما أعلن وزير الاستثمار شاكياً . أما الإعتداء على المال العام فقد أصبح بنداً يعلنه المراجع العام راتباً في كل رأس سنة مالية معلناً عجز الدولة في معالجته. و اتخذ استغلال النفوذ على مستوى الدولة او الأفراد أشكالاً متعددة نذكر منها على سبيل المثال: تمكين أعضاء الحزب في قطاعات الدولة المختلفة، هدر أموال الدولة بطرق شرعية أو غير شرعية مثل ارتفاع حوافز غير مبررة وغير معقولة نظير حضور اجتماعات تقع من صميم أعمال الأشخاص المحفزين، حوافز سفر وفود كبيرة لحضور بعض المؤتمرات دون مبرر كاف و لا حتى مشاركة فعلية في المؤتمر الذ تداعوا له، و صرف حوافز للوزراء بعد اعفائهم وبعد إعادة تعينهم، و إجازت صرف عملات صعبة بالسعر الرسمي لبعض العاملين الموالين للسفر للعلاج دون أن يتم ذلك، و لشركات الأدوية الوهمية، و صرف عربات لمن لا يستحقها. و لقد ذكر في أحد لقاءته انه لن يكون هنالك تمكين بعد ذلك اللقاء.
وبعد نجاح الدولة في استخراج البترول بالتعاون مع الصين، بدلاً من إنفراج الوضع الاقتصادى ورفاه المجتمع ظل الحال كما هو عليه، بل على ما أذكر، والكل فَرِح باستخراج البترول، ارتفعت أسعار مشتقات البترول ، و ترتب على ذلك ارتفاع تكلفة المواصلات و أسعار بعض السلع الاستهلاكية. وهل ذاق الشعب السوداني لهذا الإنجاز الكبير أي طعم؟ بل ضاع هباء مع جنوب السودان نتيجة لسياسات الدولة الخرقاء.. فمن أكبر أخطاء الإنقاذ حرب الجنوب و إتفاقية نيفاشاء. حيث استنزفت الحرب موارد البلاد الاقتصادية والبشرية باستشهاد خيرة الشباب السوداني الذين ضحوا بأنفسهم فداء في سبيل إقامة شرع الله والدولة الإسلامية (رحمة الله عليهم) ومن نجا منهم لا شك يدرك نتائج حرب الجنوب، و ما آل لدولة الإسلام من توهان وفشل وفساد. و في توهانها بين استراجيتها الفاشلة وضغط الغرب و جهلها بالسياسة وعزمها على الاستمرار في الحكم بالحق والباطل وقعت على إتفاقية غير متوازنة و ظالمة لشعبي شمال و جنوب السودان، حيث مكنت الحكومة الجبهة الشعبية وحدها من حكم الجنوب و من المشاركة في حكم الشمال..عجبي!!، ووافقت على تنظيم إستفتاء في 2010 حول الوحدة من عدمها. وكانت تحلم بأن الشعب الذي ينتمي للجنوب سيختار الوحدة بالرغم من أنها تركته تحت رحمة حكومة الحركة التي لا ترحم ولا يحتوي قاموسها على كلمة رحمة أو عدالة.. ففي سبيل الحصول على خيار الانفصال لجأت حكومة الحركة لكل الطرق الشرعية وغير الشرعية.. وجاءت النتيجة كما حددت الحركة وهي الإنفصال.. وظلت بعض القضايا "شوكة حوت" في حلق حكومة المؤتمر الوطني مثل ترسيم الحدود وأبيي ، ومياه النيل، تحديد قسمة البترول، والديون، والمراعي المشتركة... والغريب والعجيب في الأمر أن دكتور قرنق عرض على حكومة الأنقاذ الحكم الفدرالي إلا أنها رفضت هذا المقترح ووافقت على مقترح مشار الذي كان يدعو للانفصال.
و استمرت حكومة المؤتمر الوطني تلعب بمقدرات الشعب السوداني. حيث كوَّنت الحكومة مفوضية الأحزاب التي فتحت الباب على مصراعية ليتم تكوين الأحزاب فوقياً، أحزاب بلا تاريخ وبلا ذاكرة. و التاريخ ينبؤنا بأن الطبيعي أن تنبع الأحزاب من قاعدة المجتمع ونتيحة لضرورة حتمية للتاريخ، وتنمو وتتطور عبر التاريخ بمشاركاتها ونضالها في كتابة تاريخ الأمة مثل حزب الأمة وحزب الوطني الأتحادي والحزب الشيوعي وربما حزب البعث. إلى ذلك تم ، بين عشية وضحاها، إنشاء ثمانين حزباً شكلت ملعباً خصباً للمؤتمر الوطني لتنفيذ سياسات فرق تسد وكسب الوقت تمديداً لعمر حكومة الانقاذ. وأثبتت التجربة أن هذه الأحزاب الفوقية غير مبررة تاريخياً وأيدولوجياً.
حالياً يعيش السودان في أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية مؤشراتها واضحة للمجتمع وضوح الشمس لأنها تؤثر سلباً على معيشته، وصحته وتعليم أبنائه وبناته وإيجاد أعمال لهم بعد الإنتهاء من المراحل الدراسية. و يمكن لأي فرد في المجتمع التأكد بنفسه من وجود هذه الأزمات إذا أدرك و قيم مؤشراتها. حيث تتضمن مؤشرات الأزمة السياسية، هيمنة حزب المؤتمر الوطني، و كثرة الأحزاب بلا مبرر أيديولوجي أو إستراتيجي، و غياب النهج الديموقراطي في أروقة الأحزاب، و انعدام حرية التعبير والتجمع والتظاهر السلمي للشعب عامة و للأحزاب المعترف بها خاصة، ووجود حركات إنفصالية مسلحة مع كثرتها، و هيمنة الحزب الحاكم على المجلس الوطني مما شجع الحكومة على تجاهل قراراته، وهيمنة الحزب الحاكم على وسائل الإعلام و خضوع الصحافة للمراقبة، و تشظي الأحزاب، وعدم الإلتزام بسيادة الدستور والقانون، و الإعتداء على المال العام، وتمكين أعضاء الحزب الحاكم في كل قطاعات الدولة المؤثرة. و تشمل مؤشرات الأزمة الإقتصادية غلاء المعيشة مع ضعف مرتبات العمال و صغار الموظفين، و النسبة العالية للذين يعيشون تحت خط الفقر، و ضعف رواتب المعلمين ومشقة الحصول عليها على ضعفها في الأقاليم، والفساد الإقتصادي، و وعدم الإلتزام في التعيين بمعياري الكفاءة و درجة التأهيل للوظيفة. و هجرة العقول والأطباء خاصة. كما تتضمن المؤشرات الاجتماعية، سوء البنيات التحتية والتاهيل الطبي العام للمستشفيات العامة في الولايات، وعدم توفر الأدوية بأسعار ممكنة لذوي الدخل المحدود، و عدم توفر العلاج لشرائح المجتمع الفقيرة، وارتفاع نسبة البطالة وسط الخريجين، وتردي بيئة مدارس مرحلة الأساس (البنيات التحتية) ومستوى تأهيلها، وعدم توفر الإمداد المائي والكهربائي في الولايات المختلفة بمستوى مقبول. وفي الواقع يمكن للقاريء أن يضيف المزيد من المؤشرات.
و بتقييم هذة المؤشرات يصل المرء للاسباب الحقيقة للأزمة التي يعيش فيها السودان. والحل في ذهني أيضاً واضح وضوح الشمس. فقط علينا أن نلقي نظرة للدول في العالم التي لا تعيش في مثل أزمة السودان. فقد أكدت الدراسات والأبحاث العلمية توفر الاستقرار السياسي و الاقتصادي والاجتماعي و توفر حقوق الإنسان و من ثم نجاح خطط التنمية المستدامة في الدول التي تنتهج النظام الديمقراطي الليبرالي. وبالرغم من أن هذا النظام لم يصل مرحلة الكمال، فالكمال لله، إلا بداخله مرتكزات تجعله أفضل النظم السياسية في العالم. فالتاريخ لم يحدثنا عن انقلاب عسكري، أو تمكين أعضاء الحزب الحاكم، أو تفشي القبلية، أوالمحسوبية أو العرقية، أو الفساد بأنواعه أو عدم الالتزام بحقوق الإنسان، أو حدوث انقلابات عسكرية أو مناصرة الأمن لحزب حكومة معينة في الدول التي تطبق النظام الديمقراطي الليبرالي.
وما هو موقف الجماعة الإسلامية من كل هذه السياسات الخاطئة التي في اعتقادي وغيري كثيرين، أضرت بالدعوة لإنشاء دولة إسلامية. ذلك لأن الغالبية العظمى للشعب السوداني بسطاء ونسبة كبيرة منهم أميون ولذلك لا يفرقون بين المبدأ والتطبيق. و لذلك قد تتحول معارضتهم لحكومة المؤتمر الوطني إلى معارضتهم لإقامة دولة إسلامية في السودان. وإصرار المؤتمر الوطني على نجاح التجربة لا مبرر له سوى المصلحة الحزبية و الشخصية وأفقدتهم نسبة كبيرة من التأييد الذي تمتعت به التجربة في مرحلة التنظير ورفع الشعارات الأسلامية والوعود بالخير والرفاه تحت مظلة الدولة الإسلامية. نعم لقد نشبت صراعات داخلية داخل الجبهة و حدثت انقساملت غير أنها لم تكن بسبب فشل السياسات أو الأخطاء الرئيسة مثل حرب الجنوب أو اتفاقية نيفاشا أو التمكين أو تدمير مشروع الجزيرة أو الفساد، ولكنها بسبب مصالح شخصية وزعامات لا تفيد البلد من قريب أو بعيد.
والسودان الآن وبعد مرور ستين عاماً مازال يحلم بالاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، ومازال هذا الحلم بعيد المنال. وفي اعتقادي يمكن تحقيق هذا الحلم إذا توفرت ثلاثة مقومات رئيسية:
أولاً: لا بد من وضع دستور ديموقراطي ليبرالي دائم للبلاد يأخذ في الإعتبار الأرث الحضاري للسودان حيث لا يجوز أن يحتوي على بنود تتعارض مع الاسلام الوسطي مع الاعتراف بحرية الأديان واحترام الآخر على كل المستويات. فالعدالة الاجتماعية والسماحة من صميم التعاليم الإسلامية. غير أن الحركات الإسلامية المتطرفة نشرت ثقافة العنف وتكفير المجتمعات المسلمة وأضرت بالاسلام. إن الانتخابات هي الآلية الديموقراطية الوحيدة لإختيار الحكومة. إلى ذلك يجب أن يحتوي الدستور على قانون يؤمن على قيام انتخابات عادلة و نزيهة وشفافة. ولتحقيق ذلك لا بد من إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات لإشراك الأحزاب العريقة الأربعة، وإزالة كل القوانين المقيدة لحرية التعبير والتجمع والتظاهر خاصة للأحزاب المعترف بها، وإزالة كل ثغرات لوائح الانتخابات التي نتجت عنها تجاوزات إنتخابات 2010.
ثانياً:ً لا بد من نشر ثقافة الديمقراطية: مفاهيمها الفكرية ونظمها ومنهجها في المجتمع وتباين تطبيقاتها في الدول المختلفة. فالإرث الإسلامي وطن نهج السمع والطاعة للحاكم، و كان هذا النهج سليماً و لا غبار علية في دولة الإسلام الأولى، دولة رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما كانت الحاكمية لله عزّ وجل و كان محمدا صلى الله علية وسلم نبياً رسولا يحكم بالوحي الإلآهي. و من بعده حكم الخلفاء الراشدين والخليفة الخامس على نهج رسول الله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. فالحياة وتعقيداتها في عالم اليوم تختلف عن عالم الأمس البعيد، قبل أربعة عشر قرناً. نهج السمع والطاعة قد يصلح في الطرق الصوفية بإختيار المُريد، ولكنه لا يصلح في قيادة حزب ناهيك عن دولة. إلى ذلك لا بد من إشاعة الديمقراطية على كل مستويات الدولة، فهي صمام الأمان لإرساء العدالة وتحقيق مقاصد الديموقراطية من تنمية مستدامة في كل القطاعات. وبالرغم من أن إشاعة الديمقراطية هي واحدة من المهام الأساسية للأحزاب في تربية عضويتها و تعزيز السلوك والنهج الديمقراطي في أروقتها، إلا أن الممارسة الديمقراطية القويمة تكاد تكون غائبة ليس في أحزاب السودان وحدها بل في أحزاب دول العالم الثالث المتخلف. و الدليل على ذلك في السودان إنقسام الأحزاب العريقة، و إنشاء أحزاب كثيرة لا مبرر لوجودها من حيث الآيدولوجية و الإستراتيجية. لقد مر على استقلال السودان ستون عاماً وما زال الحال في حاله ولم تتاح للديمقراطية فرصة النمو، و لذلك مازال السودان دولة ثالثة رغم عظم وتنوع موارده. لقد ورد تفسير هذه المعضلة في كتيب الأستاذ عبد العزيز الصاوي "الديمقراطية المستحيلة": ("لا ديمقراطية بلا ديمقراطيين و لايمقراطيين بلا إستناريين"، ومن ثم لا بد من البداية باصلاح تعليمي واصلاح المجتمع المدني). وهذه مقولة سليمة فالإستنارة مهمة ومتطلب أساسي لنمو مجتمع ديمقراطي، غير أنها يجب أن تتم عبر نضال سلمي تعزيزاً للممارسة الديمقراطية، حيث لأ يمكن أن تترسخ وتستوعب مفاهيم الديمقراطية وتعقيداتها إلا عبر الممارسة الفعلية. إلى ذلك يجب أن تصاحب عملية التحول الديمقراطي عملية الإستنارة والتوعية بمفاهيمها ومداخلها ولاينفع الفصل بين العمليتين. هذا الاستنتاج أورته في كتيبي: " الديمقراطية الممكنة". يعتمد نجاح إشاعة ونشر الديمقراطية على عدة عوامل من أهمها: سماح الدولة بالتجمع و بالنضال السلمي تعزيزاً لمرحلة التحول الديمقراطي الحالية، و تربية الأحزاب لعضويتها لقبول الرأي الآخر والإعتماد على الحوار والجدال والإقناع والإقتناع وليس على الطعن والقتل، و السماح لمنظمات المجتمع المدني بنشر ثقافة النظم الديمقراطي.
ثالثاً: يجب أن تمنع القوات النظامية من ممارسة السياسة أو الإنتماء السياسي أو الإنتخاب أو الترشيح، حيث أنهم حماة البلاد والحافظون لأمنها وكرامتها تحت أي حكومة مهما كان لون سياستها. القوات النظامية بطبيعتها ووظيفتها ومنهجها قومية و ليست حزبية.. ويجب أن تظل كذلك. هل سمعتم بانقلاب في أوربا أو أمريكا أو أي بلد متطور؟. حيث إن رسالة القوات المسلحة الأصلية هي حماية الوطن والمواطنين عامة من الاعتداء عليه أرضاً أو جواً أو بحراً. إلى ذلك لا بد من دعمها وتقويتها لرصد وصد العدوان على مقدرات البلاد. و لا تدخل السياسة في دائرة اختصاصه و يجب ان لا ينشغل بها ويهمل مهمته الأصلية. إلى ذلك لا تجوز لأي حكومة تسيس الجيش وتستقوى به. فالجيش مؤسسة قومية ولن تنهض أمة يتفرغ جيشها للعمل السياسي و يترك سماءه وبحره وأرضه مستباحة للعدو. و القوات النظامية كلها هي صمام أمان الدول و تحت مظلتها تستقر الشعوب وتعيش في أمن وأمان. و إن تسيس الجيش هو عمل يؤدي لعدم استقرار الدولة وفشلها.
7 يوليو 2017
بروفسير / مختار احمد مصطفى فضل
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.