بوتقة الانصهار فشلت فبرزت النزعات الإثنية السودان هو بلد السود على مر التاريخ تقرير: جعفر خضر نظم منتدى شروق الثقافي فعاليته رقم 334 تحت عنوان " قضايا الهوية والصراع الثقافي في السودان" التي تحدث فيها الدكتور محمد جلال هاشم ، وذلك ظهر السبت الماضي (7/7/2018) بقاعة عدن بالقضارف . قال السكرتير الثقافي للمنتدى حسن محمد أحمد شاشوك أن محاضرة الكاتب والمفكر محمد جلال هاشم تأتي ضمن اهتمام المنتدى بموضوع الهوية فقد سبق أن قدم المنتدى العديد من الفعاليات في سياقات ذات صلة ، فقد قدم المنتدى من قبل فعالية تحت عنوان "محمد عبدالحي:الهوية والأبعاد الصوفية" ، وأخرى عنوانها "سؤال الهوية" ، وثالثة تحت عنوان "خطاب الهامش وسؤال الهوية" ، ورابعة اندرجت في سلسلة الطريق إلى وحدة السودان الطوعية جاءت تحت عنوان "الفن والهوية" . بدأ الدكتور محمد جلال هاشم محاضرته قائلا أن سؤال الهوية يتضمن جانب خطر وجانب بنّاء ، وأكّد أن الهوية اختراع إنساني ، ولكن بالرغم من أنها صنعة إنسانية لابد من أسس واقعية لها ، وأضاف أن علم أنثروبولوجيا الهوية يفيد بأنه لا بد من مركز لأي هوية . وتنشأ أزمة الهوية على حد قوله عندما لا يعترف مركز الهوية بهويتك ولا يعترف بها الآخر ، وقال توجد أزمة في السودان إذ أن الهوية المتبناة غير معترف بها من مركز الهوية في الجزيرة العربية وغير معترف بها من الآخر . ويسود الآن في السودان الخطابان العروبي والإفريقي . وأضاف هاشم أن السودانيين لا يعرفون بعضهم ، ولا يتم التعرف على السودانيين إلا في مرحلة الدراسات العليا في العلوم الإنسانية ، وقال لو أن الفولكلور كان يُدرّس من المرحلة الابتدائية لما حدث انفصال الجنوب . وأقرّ الدكتور محمد جلال هاشم بأنه لا يملك حلولا ، وإنما يستند إلى منهج التحليل الثقافي ، ونوّه إلى عدم وجود منهج إنساني صمداني ، ونبّه إلى أن الإبداع ليس في المنظور وإنما في تشغيله ، وأكّد أنه لا يمكن دحض المنظور ، وأضاف أن الرؤية لا تملك الحالة . وعرّف هاشم الثقافة بأنها مجمل أنشطة المجتمع المادية وغير المادية ، وأن الصراع الثقافي متعدد الأقطاب ، وزاد: أن الصراع الثقافي صراع جدلي لا ينتهي بمنتصر لذلك يسعي كل محرك للسيطرة علي بقية المحركات ومن ثم توجيه الثقافة وجهته، إلا أن بقية محركات الصراع الثقافي تتضافر لإعادة التوازن ، ووصف محمد جلال الصراع بأنه جميل بعكس القتال . وأفاد هاشم أن الدولة الوطنية الحديثة وُلدت في مؤتمر وستفاليا 1648 وأن الدولة الوطنية علمانية من ناحية بنيوية وتبعا لذلك ظهر مفهوم الشعب ، وأن الدولة الوطنية في السودان لم تنشأ كنتاج لتطور طبيعي وإنما أوجدها الاستعمار ، وأن الحروب والفشل الماثل في السودان هو مخاض ميلاد الدولة . وعرّف الدكتور محمد جلال هاشم الايديولوجيا بأنها التصورات التي من خلالها تؤكد مجموعة تفردها والتبريرات التي تقدمها لنفسها ، فالايديولوجيا تُزيّف الوعي بينما الفكر يحقق الاستنارة . وشدد هاشم على أن المشكلة ليست في الثقافة العربية في السودان وليست في الإسلام ، وإنما المشكلة في الايدولوجيا الاسلاموعروبية . وقال أن البان أفريكان قدمت حلا بالتحرر من الايديولوجيا إذ أن "التحرير" مفهوم أساسي في البان أفريكان . ووصف هاشم السودان بأنه دولة عربفونية على غرار الفرانكفونية . إن الإنسان نوع واحد وأن العرق وهم أيديولوجي وفقا ل هاشم إذ أنه لا يوجد عرق وإنما توجد سلالة ، وأوضح أن الإنسان الأروبي أصلا أسود وقد تغير لونه بعوامل المناخ . وزاد أن مصطلح القبيلة أيضا وهم أيديولوجي وأن المجموعات الثقافية لا تدان ، وأكد أن الحزام السوداني على امتداد القارة الأفريقية يعاني من مشكلة الهوية وأن السودان مؤهل لأن يكون قائدا لكل المنطقة إذا ما نجح في حل مشكلة الهوية . وأن الحل يكمن في التقاء السودانوعروبية والسودانوأفريقانية في المنطقة الوسطى واستشراف آفاق الدولة السودانية القومية، متجاوزين بذلك واقع الدولة السودانية المركزية . هذا وقد ابتدر النقاش الأستاذ عبد اللطيف عوض الضو قائلا أن الواقع بلغ درجة عالية من التعقيد ، وأن الاتفاق الأيديولوجي والمنهجي من الصعوبة بمكان ، ولكن من الممكن الاتفاق على برنامج وطني ، وأضاف كنا نعيش في السودان مع بعضنا البعض على ما يرام ولكن بعد نظام الإنقاذ حدثت الاختلالات ، ووصف الضو الصراع الثقافي بأنه مزعوم ، وأوضح أن القضية الأساسية تتمثل في نهب ثروات الشعب السوداني . ومن ناحيته وصف الأستاذ مصعب عبد الله منهج التحليل الثقافي بأنه سطحي ، وقال أن الصراع الثقافي هو شكل من أشكال الصراع الطبقي . وقال الأستاذ وجدي خليفة أن الصراع الثقافي وهم ، وأن الهوية قضية فكرية تمثل هروبا من المأزق السياسي . وأكد جعفر خضر (كاتب هذا التقرير) أن كل الحكومات الوطنية المتعاقبة ظلت تكرس للثقافة العربية والإسلامية عبر التعليم والإعلام وتهضم لغات وثقافات الآخرين ، وبمثل ما ظلت حكومة الخرطوم تصم المتمردين عليها بالعنصرية ، فإن الحركات المتمردة ظلت تستخدم مصطلحات الإسلاموعربية والهامش والمركز استخداما أيدولوجيا للتعبئة بدليل أن هذه الحركات بدون استثناء ليس لديها وثيقة واحدة مكتوبة بلغة أخرى بخلاف اللغتين العربية والانجليزية . وقال الأستاذ فؤاد إدريس أن طرح الدكتور محمد جلال هاشم من خلال المحاضرة أبان أنه لا يضمر عداء للثقافة العربية عكس الشائع عنه ، ودلل إدريس على رحابة الثقافة العربية بالمكانة التي احتازها عنترة بن شداد . ونسب الأستاذ حامد علي خضر "السودانوية" إلى أحمد الطيب زين العابدين واعتبرها مخرجا ، وتساءل حول أفضلية تسمية السودان ب "سنار" ، وتساءل الأستاذ طارق داؤود عن تاريخ الصراع الثقافي . ومن جهته قال الدكتور محمد جلال هاشم أن أسلوب دحض الرؤية غير مفيد والأفضل أن تحترمها وتناقشها وإذا لم تحترمها فالأفضل أن تتجاهلها ، وقال أن وصف الصراع الثقافي بالوهم يضع قائله في مواجهة مع مؤسسات أكاديمية . وقال هاشم أنه يحترم الماركسية وأكّد أنه استفاد منها رغم أنه لم يكن اشتراكيا في يوم من الأيام ، ووصفها بالمنهج الإنساني ، وقال لا يوجد فكر غير مرتبط بالدين وجد حظا من التطبيق خلاف الماركسية . وأبان هاشم قبل الإنقاذ لم يكن هنالك وعي بالهوية الإثنية بسبب بوتقة الانصهار التي تعمل على استيعاب الجميع في الثقافة الاسلاموعربية والتي حين فشلت برزت النزعات الإثنية . وقال أن السودان هو بلد السود على مر التاريخ ، وفصّل قائلا أن كرمة وكوش وأثيوبيا ونوباتيا والسلطنة الزرقاء كلها تعني السود . وأن الصراع الثقافي بدأ منذ بداية التاريخ ، وأن دولة اللاهوية التي يدعو لها الأستاذ محمد جمال الدين ما حصلت في التاريخ ولن تحدث . وقال أن مثال "عنترة" في الجاهلية و"بلال" في الإسلام لا يدلان على السماحة بل على العكس فقد عانى كلاهما أيما معاناة . وأوضح أن مصطلح "السودانوية" سابق لكتابات أحمد الطيب زين العابدين وأن الذي نحت المصطلح نور الدين ساتي . انتهت الفعالية ولم ينته النقاش الذي استمر إلى حين وسيستمر، ونبه هاشم أن كتبه هي التي تعبر عن أفكاره وليس قول القائلين .