بسم الله الرحمن الرحيم غدَرْتَ يا مَوْتُ كم أفنَيتَ من عدَد * بمَنْ أصَبْتَ وكم أسكَتَّ من لجَبِ يَظُنّ أنّ فُؤادي غَيرُ مُلْتَهِبٍ * وَأنّ دَمْعَ جُفُوني غَيرُ مُنسكِبِ فى الخرطوم فى يوم 31 أغسطس الماضى والوقت ينسرب هادئاً نحو المغيب تجمعت حشود غفيرة من مختلف الإتجاهات تتدثر بحلة من الحزن والألم الدفين ، وهى تنتحب بعيون دامعة وقلوب نازفة وأفئدة جريحة لتودع أحد أبنائها البررة وتوسد جسده الطاهر تراب وطنه الذى أحبه ونذر نفسه لفدائه مكافحاً ومنافحاً يصدح بقول الحق والحقيقة وبين جنبيه إيمان عميق بالمبادىء السامية والقيم الرفيعة التى تعلى من شأن الإنسان وكرامته ، وهو دور ظل ينهض به عظماء الأمة عبر الزمان . هكذا كان الحال يوم وداعه والكل يعزى بعضه بعضاً فى فقيد الوطن الذى لا يعوض ففقيدنا عبر جسر الحياة الى ضفة الخلود تاركاً إسماً لامعاً وذكراً مشرفاً وسجلاً حافلاً بالمواقف والتضحيات التى تنحنى أمامها هامات الرجال إعزازاً وتقديراً فبرحيله إنطوت صفحة ناصعة من العلم والمعرفة وخبا نجم سطع فى سماء السودان كرمز وطنى غيورعلى الحق ، وبذهابه ضعفت مدرسة الإعتدال والوسطية التى كانت نهجاً يميز مساره السياسى بعيداً عن الإنغلاق والتطرف والغلو . يتساءلون: أبالسلالِ قضيت، أم * بالقلبِ، أَم هل مُتَّ بالسَّرَطان؟ الله يَشهد أَنّ موتَك بالحِجا * والجدِّ والإقدامِ والعِرفان حينما تكون النازلة أكبر والفقد جسيم تتسع مساحات الحزن وتضيق مفردات المعانى ويعجز البيان عن التعبير فغيابه خسارة وطنية عظيمة الرجل قمة شماء من الرجال المخلصين لوطنهم فى تجر ونكران ذات وتجلى ذلك فى أفعاله وممارساته ونشاطاته التى جسدت معانى الوطنية والتزامه جانب الحقيقة هذا وقد كلفه ذلك أثماناً وتضحيات باهظة وبرغم ذلك لم تلن قناته ولم ينكسر عوده . دَعَتْهُ نفسه فَلَبّاهَا إلى المَجْدِ وَالعُلَى * وَقد خالَفَ النّاسُ النّفوسَ الدّوَاعيَا فأصْبَحَ فَوْقَ العالَمِينَ يَرَوْنَهُ * وَإنْ كانَ يُدْنِيهِ التّكَرُّمُ نَائِيَا
كان أكثر الناس إصغاء لدقات قلب الوطن مستجيباً لندائه لا متحزباً ولا متزمتاً فى إيجابية تسعى لتقدم الوطن وإرتقائه الإجتماعى وصولاً لأكرم المقاصد وأنبل الغايات فى مجتمع سودان ينعم بالديمقراطية والعدالة والمساواة وسيادة حكم القانون . كان صدره مسكوناً بحقوق الإنسان وكان هو فارس ذلك الميدان ويداه دوماً تفيضان بندى المحبة والخير للوطن وأهله فالرجل واسع الإدراك ورائد من رواد الفكر والإعتدال ولسانه يردد (( جادلهم بالتى هى أحسن )) إذ كان يفاوض ويحاور ويختلف ويتفق دون عنف أو تطرف أو جنوح وكان طموحه الإنسانى بقدر مداركه رؤاه الثاقبة . شخصياً على المدى الذى عرفته فيه لمست فى الرجل صفاءً فى النفس وسلامة فى الطوية وعزيمة فى الشكيمة يبادل الناس وداً بود وإعزازاً بإعزاز ويعد فقده الكبير خسارة جسيمة لأهل الإعتدال وسيفقده ويفقده الكثيرون الذين يضيق المجال بذكرهم ولكن سيبقى طيب ذكراه الحميدة خالدة فى سجل تاريخ الكرام كمنارة سامقة تشع القاً ونوراً فى أفئدة كل من عرفوه كل ما بزغ فجر من ضياء أو أضاءت نجوم الليل للسارى . فى أعوامه الأخيرة إشتدت عليه وطئة المرض ولكن ظل صابراً ممسكاً بزمام التوكل واليقين فى شجاعة وثبات قهر به قسوة المرض اللعين ، قد تبدى ذلك فى وجهه الطلق الصبوح الذى تشرق منه إبتسامة مضيئة بالبشاشة والحبور على الدوام فى وجه زائريه . في ذِمَّةِ اللَهِ الكَريمِ وَبِرِّهِ * ما ضَمَّ مِن عُرفٍ وَمِن إِحسانِ وَمَشى جَلالُ المَوتِ وَهوَ حَقيقَةٌ * وَجَلالُكَ المَصدوقُ يَلتَقِيان وَالخُلدُ في الدُنيا وَلَيسَ بِهَيِّنٍ * عُليا المَراتِبِ لَم تُتَح لِجَبانِ فَلَو أَنَّ رُسلَ اللَهِ قَد جَبَنوا لَما * ماتوا عَلى دينٍ مِنَ الأَديانِ اللهم يا كريم العطاء ويا جزيل الوفاء إن عبدك أمين جاءك يسعى طالباً مغفرتك وعفوك ورضاك يرجو رحمتك ويخشى عزابك وأنت القائل فى محكم تنزيلك ((نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)). اللهم إن كان محسناً فذد فى إحسانه وإن كان مسيئاً فتجاوزعن سيئاته اللهم لا تفتنا بعد ولا تحرمنا أجره وأنزل بركتك وعافيتك فى زوجه وأبناءه وإخوانه وأصدقاءه وأحشرنا جميعاً فى زمرة الأخيار . وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . حسن تاج السر على عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.