لا أخفي عليكم أنني ترددت طويلا قبل أن ابدأ في تقليب صفحات هذا الملف الحارق ،الذي تحس بلهيبه تكاد تحرق اصابعك بالضبط كما تشوي (موية النار) وجوه الضحايا ومبعث قلقي ان يصبح تسليط الاضواء على الجريمة اقصرطريق يسلكه ذوي الاحقاد الدفينة وضعفاء النفوس ويتحذونه وسيلة سهلة للانتقام، لكنني آثرت في نهاية الامرأن اتغلب على قلقي وابدأ في الحديث عن الجريمة التي اطلت برأسها فيما يشبه الظاهرة في الأونة الاخيرة بدافع التركيزعلى لفت انظارالجميع وقرع المزيد من اجراس التنبيه لخطورة الأمر ، خاصة لوعلمنا ان عقوبة الجاني في مثل هذه الجرائم ضعيفة سواء كانت بدنية اومالية وتكاد تكون غيررادعة ، فعلى سبيل المثال الضحية اذا اصاب الحامض الحارق عينها فالجاني لاتعدوأن يكون جزائه نصف الدية اي (15,000) جنيه مع سنوات قليلة يقضيها بالسجن ، وسؤالنا هل تكفي العقوبة لتغطي تكلفة العلاج فقط ناهيك عن الآلام التي لا توصف النفسية منها والبدنية، وكما تعلمون ان العقوبة شرعت في الاصل لتشفي صدرالمجني عليه عند القصاص من غريمه فهل تكفي تلك العقوبة لتشفي صدورالضحايا. قصة الضحية الاولى فجأة انتبهت على صوت طرقات على الباب ، اسرعت نحوه وهي تردد (منو ( اجابها بصوت خفيض لايكاد يسمع انا فلان عرفته بحكم عمله مع والده،ولم تكن تعلم وقتها أن (فلانا) هذا جاء يحمل بها من صنوف العذاب الوانا وماكادت الصبية تفتح جزء يسيرمن الباب، حتى شعرت بلهيب النيران يشتعل على وجهها، واجزاء من جسدها ولتسقط ابتهال ابو روف تتلوى على الارض وهي تطلق صرخات عالية مدوية توقظ الشخص النائم من سابع نومة، وهي تتلوى على الارض كانت تغطي وجهها بكفيها في محاولة يائسة لاخماد جذوة النارالتي اشتعلت فالشقي الذي فتحت له ابتهال الباب دلق على وجهها مادة حارقة شديدة الاشتعال (موية نار( (ليحرق وجهها الجميل ويحيله الى كومة من اللحم المشوي، لتبدأ رحلة علاج امتدت لاكثرمن سبعة سنوات ولازالت مستمرة حتى الآن، رحلة امتدت من الخرطوم حتى الولاياتالمتحدةالامريكية . ووبعد رحلة طويلة في ردهات المحاكم طوت محكمة جنايات الخرطوم شرق ملف القضية الاسبوع الماضي ، عندما اصدرالقاضي سيد احمد البدري حكمه بسجن المدان الاول عصام الدين عبدالرحمن (3) سنوات و المدان الثالث ايمن محجوب (ابن شقيقة المدان الاول) بالسجن عامان بالاضافة لغرامة مالية (مليار) جنيه كتعويض للضحية . مآسي جديدة وتوالى بعدها سقوط الضحايا،، سناء، عايدة ، زينب وغيرهن حتى وصلنا الى جبرة مربع (18) حيث احرق رجل زوجته وابنتيه بأن دلق عليهم جردلا من المادة الحارقة في عملية انتقامية قل مثيلها في مجتمعنا والغريب أن الرجل كما اظهرت التحريات انتظر خروج اطفاله الصغارالى المدرسة حيث انشغل بتلاوة القرآن تحت شجرة ظليلة داخل منزله قبل أن يعمد الى احضارالمادة الحارقة التي اشتراها قبل وقت غيرقصيرمن ارتكابه الجريمة ويبدأ في سكبها على جسد زوجته وابنته المادة الحارقة طالت ابنته الاخرى كما طالته شخصيا. ذات الاب انتباته نوبة من البكاء الحارعند ادلائه باعترافاته بارتكابه الجريمة في مواجهة اقرب الناس اليه. وبالأمس رحلت الزوجة متأثرة بجراح روحها وبدنها تاركة الدنيا بما فيها. العقوبة لاتكفي العقوبة هل تعادل الجريمة سؤال توجهنا به الى الخبيرالقانوني نبيل اديب الذي أكد بأن جريمة الحرق بموية النارتندرج ضمن جرائم الاذى الجسيم واحيانا الى القتل العمد هذا لوتصادف سكب الماء في مكان من شأنه احداث الوفاة وعموما جرائم العنف عقوبتها الاساسية القصاص لكن في مثل هذه الجرائم يصبح القصاص فيها صعبا للغاية بحيث لاتستطيع أن تضمن أن يأتي جبرالضررالجسدي بمقدارما احدثه الجاني بالمجني عليه . ويقول اديب في حديثه معي :انا اعتقد أنه آن الاوان لتدخل (المشرع) لتشديد العقوبة خاصة فيما يتعلق بتقديرالاثرالنفسي . حيث أن تكلفة العلاج تفوق احيانا اضعاف قيمة الغرامة التي تفرض على الجناة يرى اديب أن القاعدة الفقهية تشيرالى أن العقوبة هي ايلام مقصود مقابل الجريمة ويتناسب معها. واذا لم اضع الاعتبارلماذكرت أكون قطعا قد قصرت في العقاب. تساؤلات حائرة ثمة تساؤلات حيرى تحتاج لاجابة منا أنا، انت ، هم ، نحن ، عفونا كلنا لماذا بدأت هذه الجريمة تطل برأسها في السنوات الاخيرة هل هنالك خلل اجتماعي ام خطأ في التنشئة اوالتربية الاسرية هل للتباين الاجتماعي وازدياد معدلات الفقروالبطالة دورفي ظهورها؟ هل بدأت الفضائيات تفرض اسلوبها على طريقة حياتنا لدرجة أن أصبحنا نقلد بلاوعي مانرآه فيها في كل شئ حتى كيف ننتقم من بعضنا البعض؟ ثم كيف سنسيطرعلي هذه الجريمة وتجفيف منابعها ومواردها حتى لاتصبح (موية النار) اداة طيعة وسهلة في ايدي الحاقدين والمسوسين ينالون بها من خصومهم . ثم ماهوالخلل النفسي الذي يدفع الشخص لارتكاب هذا النوع من الانتقام البشع وتخيل أن يهزك ابوك اوشخص عزيزعليك من نومك فلا تكاد تفتح عينيك حتى تنصب عليها شواظ من الناراوغريمك الذي اختلفت معه يقف لك في ركن مظلم وينتظرك حتى تخرج ليصب على جسدك شوبا من حميم بيده اوبيد شخص مأجورلافرق فالنتيجة واحدة أننا فيما يبدونعيش ثمة ازمة في مجتمعنا. المرضى والمنتقمون الدكتورة فتحية عمراستاذة علم النفس بجامعة الجزيرة تشيرالى أن الجناة في مثل هذا الجرائم ينقسمون الى نوعين الاول شخص مريض يعتقد اشياء خطأ ويعتبرأنها صحيحة وهذا المرض يسمى ب(الضلالات). اما النوع الآخرفدافعه الانتقام نتيجة لحالة الكره التي يشعربها ضد الشخص الذي يريد الانتقام منه رجلا كان ام امرأة وهذه الشخصية يطلق عليها في علم النفس (الشخصية ضد المجتمعية) وهي للآسف موجودة بكثرة وسط المجتمع. وهذا الشخص يقوم بالتخطيط لجريمته بهدوء ويمكن أن يستأجراويوعزلشخص آخربتنفيذها ليهرب من العقاب كما في جرى مع احدى الضحايا عندما اوهم زوجها اخيها بأنها تعاني من مرض نفسي وطلب منه أن يدلق عليها الحامض حتى تشفى منه . الفضائيات مسؤولة وتؤكد الدكتورة فتحية في افاداته لي أن الجرح النفسي الذي يصيب الضحية يكون غائرا ويصعب شفائه خاصة اذا كان الجرم مرتكبا من اقرب الناس اليه فيمكن أن تؤدي الى عقد نفسية مثل فقدان الثقة في الآخرين والعزلة والهروب من مواجهة الناس. بالتأكيد لانستطيع أن نعفي وسائل الاعلام بصورة عامة والفضائيات بصورة خاصة من المسؤولية خاصة لواخذنا في الاعتبارمدى تأثيرالثقافة الابصارية على المتلقي الذي نادرا ماينتبه الى العظة اوالعبرة من افلام الجريمة اوالعنف باعتبارأن الجريمة لاتفيد والصحف احيانا تشارك في هذا الجانب بعدم إبرازالمعلومات الكافية فتجد الخط الرئيسي (المانشيت) بالبنط العريض (رجل يحرق زوجته ) واما التفاصيل فتجدها في خبرصغيرلايسمن ولايغني من جوع . خالد فتحى [[email protected]]