للمثقفين، والمهنيين، والنظاميين، والمفكرين، والأكاديميين، والإعلاميين، السودانيين لا سيما: الأساتذة، والأطباء، والقضاة، والمهندسين، والمحاميين، والزراعيين، والاقتصاديين، وكافة كوادر الخدمة، المدنية، والمستثمرين في القطاع الخاص. وضباط القوات النظامية. في القوات المسلحة، والشرطة، والسجون، والأمن، والأخوة والأخوات في المهجر. 28/3/2010م أخواني، وأخواتي وأبنائي، وبناتي. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد- لقد نلتم من التعليم واكتسبتم من التجارب وعقدتم من العلاقات ما يلقي على عاتقكم مسئولية وطنية جسيمة لا سيما في هذه المرحلة التي يمر بها الوطن في أخطر عمليتين: الانتخابات للتحول الديمقراطي، وتقرير المصير للوحدة الطوعية أو الجوار الأخوي. 1. المناخ الذي تجري فيه الانتخابات الحالية ملغوم: الحزب الحاكم –المؤتمر الوطني- أحيط بظروف جعلته يحول العملية الانتخابية من تداول سلمي للسلطة، إلى استفتاء حول مصير رئيسه وهدفه الفوز في الانتخابات والحصانة من الملاحقة الجنائية الدولية. أو الخسارة فالوقوع في براثينها. لذلك لم يدخر جهدا بما في ذلك تسخير إمكانات الدولة المالية، والإعلامية، والاتصالاتية، والمواصلاتية، والدبلوماسية للفوز في الانتخابات. ولكن فوزه في الانتخابات، حتى إذا كان مبرأ من عيوب هذه الأساليب الفاسدة لن يحقق مقاصده لأن الاتهامات الجنائية الدولية لا تسقط بالتقادم ولا تبطلها أية حصانة. 2. منذ عام 1948م وعبر عدد من المواثيق والمعاهدات تطورت الشرعية الدولية لحقوق الإنسان في حالة السلم. إلى جانب ذلك تطور القانون الدولي الإنساني الهادف لتقييد حق أطراف النزاع في اختيار أساليب وسائل القتال ومساءلة من يتجاوزها. مشروعات القانون الدولي الإنساني بلغت ذروتها عام 1949م عندما أبرمت اتفاقيات جنيف الأربع لحماية ضحايا الحروب. هدف هذه الاتفاقيات هو حماية المدنيين في ظروف النزاعات المسلحة الدولية، والنزاعات المسلحة بين الدول، والنزاعات الداخلية. هذه الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات التزمت بها الدول. ولكن لم تتخذ بموجبها تشريعات وافية، ولم تنفذ مقاصدها. بل شهد العالم منذ 1945م سفك دماء 170مليون نفس وأفلت الجناة من العقوبة. لذلك نشأت الحاجة لقانون دولي جنائي وآلية قضائية لتطبيقه منعا للإفلات من العقوبة. انطلقت الدراسة في هذا الصدد على الصعيد الدولي منذ عام 1992م فأدت الدراسة إلى صياغة ميثاق روما في 1998م. وبموجب هذا الميثاق صوت لصالح إنشاء المحكمة الجنائية وأيد قانونها 120 دولة في 17/7/1998م وكان السودان من بين الدول الموقعة على تكوين المحكمة وطريقة تكوينها. وامتنعت عن التصويت 21دولة وعارضت 7 دول. وبعد مصادقة 60 دولة أصبح ميثاق روما معاهدة دولية نافذة منذ 10/4/2002م. وبموجب هذا التطور في القانون الدولي الإنساني أنشأت المحكمة الجنائية الدولية وصادق عليها حتى الآن 110دولة. وفي ديسمبر 2004م قدم نشطاء مروجون للمحكمة الجنائية للسودان وفي ندوة مفتوحة في دار اتحاد المحاميين في الخرطوم أعلن وزير العدل- على محمد عثمان يس- أنه طلب من مجلس الوزراء السوداني المصادقة على المحكمة الجنائية الدولية. هذا تطور في القانون الدولي الإنساني أوجبته ظروف العدالة وعدم الإفلات من العقوبة لا يستهدف نظاما بعينه بل ينشد العدالة وعدم الإفلات من العقوبة. 3. إن وقوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور أمر متفق عليه وموثق: ففي يونيو 2004م زرت ومعي وفد من حزب الأمة دارفور. وزرنا الفاشر، ونيالا، والجنينة. واجتمعنا بمناديب المحليات، وبالقادة القبليين، وبمجالس شورى الفور، والمساليت، والزغاوة. وزرنا معسكرات نازحين الفاشر(أبو شوك)، وفي ضواحي الجنينة، وفي ضواحي نيالا (كلمى)، ولدى عودتنا للعاصمة عقدنا مؤتمرا صحافيا ذكرنا فيه ما وقفنا عليه من وقوع جرائم حرب (مثلا قصف قرى مدنية وحرقها)، وجرائم ضد الإنسانية (مثلا اغتصاب نساء) وطالبنا بتكوين لجنة محايدة للتحقيق ومحاسبة الجناة وإنصاف الضحايا. وقلنا إنه ما لم يحدث ذلك فإن الأممالمتحدة بموجب مواثيقها الملزمة سوف تتحرك في هذا الاتجاه. وفي سبتمبر 2004م بحث مجلس الأمن الدولي مسألة جرائم دارفور. وانتدب بعثة عالية التكوين برئاسة القاضي أنطونيو كاسيسه. هذه اللجنة زارت دارفور بصورة أشبه بخطانا ووصلت لرؤية مماثلة: أي وقوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور. وأوصت البعثة أن يقدم الجناة للمحكمة الجنائية الدولية. تداول مجلس الأمن هذا التقرير. وفي مارس 2005م اتخذ قراره رقم 1593 الذي أحال مرتكبي جرائم دارفور للمحكمة الجنائية الدولية. الحكومة السودانية كونت لجنة برئاسة السيد دفع الله الحاج يوسف للتحقيق في أحداث دارفور. هذه اللجنة قدمت تقريرها في يناير 2005م مؤكدة وقوع جرائم حرب في دارفور ومطالبة بالتحري والمساءلة. 4. الحكومة السودانية لم تتحرك بالجدية الكافية لمساءلة الجناة، وهي على أية حال مسئولة عن إثارة الشك في نزاهة القضاء السوداني لأنها منذ الانقلاب في يونيو 1989م سطت على استقلال القضاء: ففي 20/9/1989م طرد مجلس قيادة الثورة 57 قاضيا واستقال عشرون احتجاجا على هذا الإجراء. وفي نوفمبر 1989م أحيل 67 قضايا من الخدمة للصالح العام. وكثير من القضاة الأكفاء أعيروا بخطوة لإبعادهم. لذلك جاء في تقرير البعثة الدولية للتحري في أحداث دارفور الآتي: "نظام القضاء السوداني غير قادر على معالجة الحالة في دارفور. وغير راغب في ذلك. وقد اضعف هذا النظام كثيرا خلال العقد الماضي وكان من شأن القوانين المقيدة التي تمنح السلطات التنفيذية صلاحيات واسعة أن قوضت فعالية السلطات القضائية. كذلك فإن القوانين السودانية تمنح المسئولين السودانيين حصانة حماية لهم مما يفعلونه أثناء أداء واجباتهم الرسمية. كما أن القوانين السودانية لا تجرم جرائم الحرب المذكورة". 5. تعامل النظام السوداني مع القرار الدولي الهام 1593 منذ صدوره في مارس 2005م بطريقة اللامبالاة ثم الرفض. ولم يتخذ خطوات جادة في طريق التحري ومعاقبة الجناة. وعندما طلب مدعي المحكمة العام أوكامبو للعدالة في يوليو 2007م اثنين من مواطني السودان تصرف النظام بانفعال حاد وصار التعامل بين المحكمة والحكومة مساجلات حادة وعقيمة إلى أن قررت المحكمة طلب رأس الدولة السوداني للعدالة في مارس 2009م. هذا الطلب من شأنه، حتى إذا لم ينفذ، أن يشل حركة رأس الدولة السوداني. لم يتمكن من حضور مؤتمرات دولية هامة مثل المؤتمر الإسلامي في اسطنبول في 9 نوفمبر 2009م ومؤتمر البيئة في كوبنهاجن في 7 ديسمبر 2009م ووقف التعامل بين السودان والاتحاد الأوربي بموجب اتفاقية كوتنو. والدول الأعضاء المصادقة على المحكمة الجنائية الدولية تبلغ 110 منها ثلاثون في أفريقيا. الأمر ليس شأنا محصورا في المحكمة فالقرار 1593 قرار مجلس أمن والسودان عضو في نظام الأممالمتحدة لا يستطيع أن يتعامل مع الأممالمتحدة متجاهلا قرارات مجلس الأمن. بعض الناس يحتجون بموقف إسرائيل التي تتحدى القرارات الدولية دون أن تدفع ثمنا. هذا الوضع الشاذ مستمر لأن أمريكا وهي دائمة العضوية في مجلس الأمن تحمي إسرائيل ولكن هذا الباطل إلى زوال وقد بدأ تراجع إفلات إسرائيل من العقوبة. أما مقولة أن هناك من يستهدف النظام السوداني فصحيحة ولكنه استهداف يستغل منافذ حقيقية. المهم هو أن هناك جرائم قد ارتكبت في دارفور. إذا انتخب السيد عمر حسن أحمد البشير رئيسا فإن هذا لن يحميه من الملاحقة الجنائية وسوف يعرض الدولة السودانية لشلل مدمر لا سيما والدولة السودانية وهي عضو في نظام الأممالمتحدة سوف تتأثر سلبا بذلك. كما أن للسودان مصالح كبيرة في المجال الدولي سوف يحول هذا الشلل من تحركه نحوها مثلا: الاستفادة من الاستعداد الدولي لإعفاء ديون الدول الأكثر فقرا وأكثر مديونية. الدين السوداني الخارجي يبلغ 34 مليار دولار. الاستفادة من أهداف الألفية الثمانية في محاربة الجوع، والفقر، والأمية والأمراض، وغيرها. الاستفادة من مبدأ العدالة البيئية الذي أوجب على الدول الغنية الملوثة للبيئة تعويض الدول الفقيرة المتأثرة سلبا بالاحتباس الحراري. تصوير المحكمة الجنائية الدولية كأنها مجرد منبر للتآمر ضد نظام السودان. وأن جرائم دارفور وهمية مغالطات ساذجة ولن تغني عن الحق شيئا. 6. ربما ظن بعض الناس أن انتخاب السيد ياسر عرمان مرشح الحركة الشعبية يمثل بديلا مناسبا. ولكن الديمقراطية ليست مجرد عدد أصوات. نعم لأغلبية الأصوات أهميتها ولكن ديمقراطية عدد الأصوات وحدها لا تجدي إذ لا بد من التوازن. لا يمكن للحركة الشعبية أن تحكم الجنوب والشمال معا وأن يكون حاكم السودان مرؤوسا لرئيس الجنوب. إن انتخاب السيد ياسر عرمان إذا حدث مدعاة لعصيان واضطراب في الشمال وأية قراءة أخرى للأوضاع غير واقعية واستهتار بالأمن القومي السوداني. 7. إن أي رئيس آخر ينتخب من صفوف المعارضة الحالية سوف يجد نفسه في صدام مع مؤسسات الدولة الحالية المسيسة بصورة كبيرة لصالح المؤتمر الوطني. فما العمل؟ في إطار حوارنا مع المؤتمر الوطني ذكرنا لهم حقيقة أن انتخاب السيد عمر حسن أحمد البشير لن يحميه وسوف يعرض السودان لضرر بالغ. لذلك الأفضل أن نتفق على مرشح قومي تدعمه القوى السياسية الرئيسية ويلتزم ببرنامج قومي لمواجهة المخاطر الهامة التي تواجه البلاد في الأربع سنوات القادمة ويكون حكومة قومية من الأحزاب حسب أدائها الانتخابي التشريعي. هذا المرشح يستطيع أن يطمئن المؤتمر الوطني أن التحول الديمقراطي لن يكون جراحيا وأن يطمئن الحركة الشعبية على حماية حقوقها المشروعة. وأن يطمئن القوى السياسية الأخرى على جدية التحول لديمقراطي. ولكن الأطراف المعنية لم تستجب لهذا الرأي. وبعد هذا العزوف أقدمت على قبول التشريح لرئاسة الجمهورية وأعتقد أنني استطيع: أن أبرم اتفاق جنتلمان مع المؤتمر الوطني بأن التحول الديمقراطي سيكون حكيما لا جراحيا. أن أبرم اتفاق جنتلمان مع الحركة الشعبية لتحسين فرص الوحدة العادلة. وللاستعداد ببروتوكول جديد لإقامة علاقة أخوية خاصة بين دولتي السودان في حالة الانفصال نتيجة لاستفتاء تقرير المصير في 2011م. أن أحل أزمة دارفور بما يحفظ دارفور بوابة غربية للسودان ويحقق مطالب أهله المشروعة. وأن أقدم معادلة يقبلها مجلس الأمن تحقق العدالة في دارفور ولا تهز استقرار البلاد. أن أتعامل مع الالتزام بالمرجعية الإسلامية بالصورة التي تؤكد كفالة الإسلام للحرية، والعدالة، والرحمة، والتسامح والدولة المدنية. أن أعقد مؤتمرا اقتصاديا قوميا للاتفاق على تشخيص الحالة الاقتصادية الراهنة ووضع برنامج للبناء الاقتصادي. أن أدعو لمؤتمر أمن إقليمي يضم السودان وجيرانه لإبرام اتفاقية أمن وتعاون تنموي. أن يقوم السودان بدور دولي كعضو فاعل في المجالات العربية، والأفريقية، والإسلامية، والدولية. هذا خيار لإخراج السودان من رئاسة تقود حتما لزعزعة موقف البلاد الدولي. أو رئاسة تقود حتما لاضطراب الأمن القومي السوداني. وهناك خيار آخر وهو تأجيل الانتخابات الحالية حتى شهر نوفمبر القادم. للاتفاق على مرشح قومي على نحو ما اقترحنا سابقا وأنا مستعد لذلك وفي يدي قائمة قصيرة من ثلاث أشخاص يمكن الاتفاق على أحدهم هذان هما الخياران لإنقاذ السودان من اندفاع مدمر نحو الهاوية. انتم كمواطنين يهمكم مصير الوطن مع هذا معنيون بالتفاعل مع الموقف والمشاركة الفاعلة بكل الوسائل المتاحة لتحقيق سلامة الوطن وإلا صرنا كالتي سعت لحتفها بظلفها. وبالله التوفيق أخوكم