السودان شهد 6 آلاف معركة.. و17 ألف مدني فقدوا حياتهم    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستاذ ايوب صديق (شايت وين)؟ .. بقلم: عبدالله مكاوي
نشر في سودانيل يوم 11 - 03 - 2021


بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
في البداية يجب التاكيد علي المكانة التي يتمتع بها الاستاذ ايوب صديق، كاحد الكفاءات الاعلامية التي احسنت تمثيل البلاد، في واحدة من اهم المنابر الاعلامية العالمية (القسم العربي بهيئة الاذاعة البريطانبة). ولهذا السبب تحديدا (الاحترام/الافتخار) كانت الدهشة كبيرة عندما اطلعت (لسوء الحظ) علي مقالته بعنوان مكانة البرهان ولجنة ازالة التمكين، وبالتتبع وجدتها علي موقع الانتباهة اون لاين (بتاريخ 27/2/2021م). ونسبة لجهلي بخلفيته السياسية، اذا كانت له خلفية سياسية اصلا، فقد اثارت هذه المقالة عدد من الاستفهامات والملاحظات نجملها في الآتي:
اولا، يمكن الاتفاق مع السيد ايوب صديق علي درجة الانضباط التي كانت تتمتع بها المؤسسة العسكرية، في القصة المعبرة التي سردها علي لسان البكباشي زاهر الساداتي. ولكن السؤال لماذا لم يمنعها هذا الانضباط، اذا كان مبدئيا ومن صلب تكوينها، من التورط في الشأن السياسي؟ وهو ما ظل يتكرر المرة تلو الاخري، رغم عواقبه الوخيمة، ليس علي مصادرة الحياة السياسية وتعطيل التجربة الديمقراطية في طور التكوين، ولكن باحداث قطيعة تامة في مسار تشكل وعي الدولة، كمؤسسات مستقلة ووظائف تخصصية من ناحية، وكمشروع وطني يستوعب التنوعات المجتمعية ويدمجها في رابطة وطنية من ناحية، وكنهضة تنموية تستثمر موارد الدولة الوفيرة من ناحية. اي احدث هذا التوغل والاحتلال العسكري للساحة السلطوية والمساحة السياسية، نوع من الازاحة لوعي الجدل (الحوار/الصراع السلمي) الذي يميز المجتمع المدني، لصالح الوعي (اللاوعي) العسكري بسماته القهرية القمعية (شئ شبيه بشرعة الغاب وقانون البقاء للاعنف). واذا كان الوعي الاول ينحو نحو بناء قدرات الانسان، وترقية القيم الانسانية، وانعكاس ذلك علي تحسين جودة الحياة. فان الوعي الاخير وبما انه وعي سيطرة في الاساس، فهو مهجس بمسالة السلطة وكيفية المحافظة عليها. والحال كذلك، جذر الخلاف مع المؤسسة العسكرية، يعود لتملكها وعي الهيمنة ونزعة التسلط وثقافة الابوة، وصولا لتماس الالوهية، بدلالة الحساسية العالية التي تحكم التعامل معها او تناول انشطتها وقادتها. اي بدل ان تكون جزء من الكل، واحد مكونات اللعبة، اصبحت هي الكل في الكل، والمتحكم في قوانين اللعبة! ويبدو من شدة تكريس هذه الوضعية (القداسة المزيفة) تحولت لثقافة لدي الكثيرين، تحوُل دون التناول الموضوعي لهذه المؤسسة، لتقييم اوضاعها واحوال منتسبيها. اي كمؤسسة قد تقترف الاخطاء، بذات القدرة علي اداء مهامها كما تتطلب وظيفتها. وان قادتها افراد عاديون تجوز في حقهم الاخطاء، بقدر امكانية قيامهم بواجبهم علي الوجه الاكمل.
وبتقييم منصف لدور هذه المؤسسة منذ الاستقلال، نجدها كانت خصم علي سلامة الدولة ورفاهة المواطنين (حارس فاشل فوق كونه شديد القسوة والعنف). خصوصا اذا نظرنا لها من زاوية عسكرتها للسلطة، التي افرزت الحركات والمليشيات المسلحة! اي السلاح كوسيلة سلطة، عوضا عن السياسة كلغة متحضرة للتعاطي مع السلطة! واذا كانت سيطرة المؤسسة العسكرية علي السلطة، شكلت خطورة علي سلامة الدولة، فان سيطرة المليشيات والحركات المسلحة، تشكل خطورة علي حياة المواطنين! وهي درجة من الانحطاط، تلخص تراكم الفشل والاخطاء والكوارث منذ الاستقلال. فهل بعد هذه المسيرة البائسة للعسكر مع السلطة، ما زال هنالك من ينظر لتلك المؤسسة، بذات التقديس والتبجيل، الذي يمنع التعرض للمؤسسة وقادتها وممارساتها؟
كل ما ذكر اعلاه، ليس ذو صلة مباشرة بمقالة ايوب صديق، ولكن التركيز علي مسالة الانضباط وتداعي ايحاءاته، وما يستشف من ايراده كنموذج او مثل، يردنا لابتذال هذه المفردة واساءة استخدمها من قبل المؤسسة العسكرية، التي لطالما بررت بها انقلاباتها علي السلطة الشرعية، وتعيير السياسيين والسياسة والمدنيين والمدنية بنقص انضباطهم/ها.
ثانيا، اذا كان القصد ان مكانة البرهان كرئيس لمجلس السيادة، هي منبع غضب السيد ايوب صديق. فراعي الضان في الخلاء يعلم كيف وصل البرهان لهذه المكانة؟ وهل هو حقا يستحقها؟ ام ان وجوده فرضه توازن القوي، الذي يعمل لصالح حملة السلاح، الذين لا يستنكفون توجيهه لصدور المواطنين العُزَّل، دون ان يطرف لهم جفن؟ وهل نحتاج التذكير بفاجعة فض الاعتصام، فقط لفرض اوضاع تروق لهم، ولخدمة داعميهم الخارجيين؟! والحال، ان البرهان وشريكه حميدتي لم يقفا مع الثورة حبا فيها او اقتناعا بشعاراتها، ولكن لدوافع مختلفة تماما، فمن جهة يطمعون في السلطة بعد ازاحة عقبة البشير، ومن جهة تشكل لهم السلطة حصانة من الملاحقات القضائية علي ماضيهم الملطخ بالجرائم، ومن جهة لقطع الطريق علي اكمال مطلوبات الثورة، التي تتعارض مع مصالح قوي داخلية شريكة (الدولة العميقة) وخارجية داعمة (محور الشر) كعدو وجودي للثورات. والدليل ان البرهان ومن خلال هذا الموقع الذي يشغله، لم يلتزم بما هو منصوص عليه دستوريا، ولكنه تعمد تجاوزه بكل عنجهية واستهتار، ليُنصب نفسه حاكم عام للسودان في محاكاة لفترة الاحتلال! ولكل ذلك، نوعية هذه النظرة للبرهان من جانب ايوب صديق، هي ما تجعله يستمرئ هذه الوضعية المختلة، التي تنذر بتمسكه بهذا المنصب الي يوم مغادرته البسيطة! اي اعادة انتاج للبشيرية ولكن بقدرات اقل وكوارث اكبر.
وما يثير الحيرة ان السيد ايوب صديق لم تزعجه كل هذه التعديات علي سلطات ليست من اختصاصه! ولم تغضبه التحية التي اداها (لقائده السيسي) التي اقضت مضجع الاجنة في ارحامها! ولم يستفزه افراط البرهان في ارسال التطمينات عن وقوفه مع الثورة ودعمه للثوار، وهو ما تكذبه حقيقة مواقفه في المحكات، واطماعه بنسج التحالفات مع اعداء الثورة، الذين يعدونه بوصوله الي الكرسي منفردا! وهي اطماع وطموحات جارفة تجعله لا يستنكف، سرد ذات خزعبلات سلفه البشير وحليفه السيسي بحلم الوالد عن رئاسته، او مغازلة الاسلامويين بصلاة الاستخارة كموجهة لتوجهات الدولة!
وكذلك لم تُثر مخاوفه اصرار البرهان علي سيطرة المؤسسة العسكرية والمليشيات والاجهزة الامنية علي مفاصل الحياة الاقتصادية، كحلقة مكملة لحلقات السيطرة الامنية والعلاقات الخارجية، لاحكام السيطرة علي السلطة، غض النظر عمن يتولي منصب رئيس الوزراء في شراكة تقاسم السلطة، خاصة اذا كان ضعيف الشخصية، وهو خيار العسكر المفضل! اي يتحول رئيس الوزراء لعمدة من دون اطيان (نموذج حمدوك). ولكن ما استفز ايوب صديق مجرد التصالح بين البرهان واعضاء لجنة ازالة التمكين، وهنا نصل لمربط الفرس!!
ثالثا، اي قارئ للمقال، يخرج بانطباع واحد غالبا، ان السيد ايوب صديق ناقم علي لجنة ازالة التمكين اشد النقمة. وهو يتواري خلف البكاء علي ضياع الانضباط، ومكانة البرهان السيادوعسكرية، لشن هجومه الحانق عليها، وكانها جردته من ممتلكاته الشخصية! وهذا بالطبع لا يعني ان اداء اللجنة او اعضاءها فوق النقد، او لا يشوب اداءهم، ككل عمل عام، احيانا الخطأ والتقصير وسوء التقدير، خصوصا وان امكانات اللجنة شحيحة وحجم الفساد مهول والتمكين يخترق كل مؤسسات الدولة، وهذا غير المضايقات والاستهداف الذي تتعرض له اللجنة واعضاءها من قبل نافذين في المكون العسكري! ولكن هنالك فارق بين رفض لجنة ازالة التمكين، كاستحقاق دستوري للفترة الانتقالية، وقبلها كمطلب ثوري يعبر عن الحسم والصرامة في تصحيح الاخطاء ومعالجة الاوضاع المعتلة، باسرع طريقة واقصر طريق، وبين نقد اخطاءها وتقصيرها وتجاوزاتها. بما يعني المحافظة علي النقاء الثوري، حتي اكمال الثورة لمطلوباتها.
المهم، هذا التحامل علي اللجنة من قبل ايوب صديق، جعله يعتقد خاطئا ان اللجنة قائمة بامر البرهان، ولذا عليها عدم التطاول عليه! وهذا ان دل علي شئ فهو يدل، علي ان السيد ايوب صديق، بعيد كل البعد عن نبض الثورة وايقاعاتها ناهيك عن تطلعاتها. وبعيدا عن تقلليه من شان اعضاء اللجنة وعلي الخصوص الدكتور مناع والاستاذ وجدي، وصح حرصه علي العدالة (كلمة الحق) التي يراد بها باطل (حل اللجنة) بادعاء تجاوزاتها القانونية و(العمل كقاض وحكم في ذات الوقت كما يفهم من رفضه). فهذا بدوره يؤكد ان الاعلامي ايوب صديق (مع افتراض حسن الظن) يجهل طبيعة نظام الانقاذ كمنظومة فساد، ولذا يستحيل التخلص منها او محاكمة فاسديها، بذات القوانين والقضاء والمحاكم، التي ترعرعت في كنفها، بل وكانت احد ادوات التستر علي الفساد من جهة، وشرعنته من جهة اخري! وفي هكذا اوضاع لا مناص من سن القوانين والآليات والوسائل الثورية، القادرة علي ارجاع الحقوق وتصحيح الاوضاع باي كيفية؟ مع وضع كافة الاحتياطات التي تمنع اخذ البرئ بذنب المجرم، او تكرس لاوضاع اكثر ظلم من عهد الانقاذ، او تسمح بتصفية حسابات شخصية او عرقية او جهوية.
رابعا، التعليق علي اداء اللجنة، سواء وصفها بالسياسية او تشهيرها بالآخر او عدم مراجعة قراراتها او ان غرضها التشفي والانتقام. فهذه آراء (نفترض وقائع) قد تختلف او تتفق حولها التعليقات وقد تثبتها او تدحضها الاثباتات. اي ما يراه السيد ايوب صديق تشهير وتشفي، قد يراه البعض اقل ما يمكن فعله تجاه من استباح البلاد لمدة ثلاثة عقود، وبطريقة لا معقب لحكمهم حرفيا، وليس مجازيا كما وصف السيد ايوب لجنة ازالة التمكين. اما ما يفوت علي السيد ايوب صديق ان عمل اللجنة سياسي في المقام الاول، وهذا ليس ما يعيبها، طالما الهدف تنقية الاجواء السياسية من فساد الانقاذ، الذي يملك امكانية اجهاض الثورة، واعادة سيرة الاستبداد من جديد. وهذا للاسف ما يحدث راهنا، وجزء اساس منه يعود للعراقيل الموضوعة امام لجنة ازالة التمكين! ولذلك اكبر ما يعاب علي هذه اللجنة، اكتفائها بمحاربة مجموعة صغيرة من الفاسدين واقل الممارسات اضرار بالبلاد، علي حساب ضرب البنية المالية والادارية والامنية، التي تقوم عليها منظومة فساد الانقاذ، ولاسباب سلف ذكرها.
خامسا، مسألة ان البرهان هو من عين لجنة ازالة التمكين، وهو مسؤول عنها امام الله ..الخ، فهذه من رواسب الايمان بحكم الفرد المطلق، التي دابت انظمة الطغاة علي تطبيع المجتمعات والافراد بها. علي عكس انظمة الحكم المدنية، التي تستهدي بالبرامج والخطط والمؤسسات والتخصصات والعمل الجماعي، في ادارة العمل العام، وخلف ذلك كله تقيم المسؤولية والرقابة والمحاسبة، كضابط لايقاع العمل وكابح ضد الانحراف. اي باختصار الحاكم مجرد فرد وليس اله او نصف اله او ظل الاله، حتي يكون قادر علي فعل كل شئ، في كل الاوقات. واذا افترضا جدلا ان هنالك طاغية عادل، وهو ما يستحيل في حقه، فالبرهان نموذج للطغاة رعاة الشرور ونشر الظلم والفساد في الارض.
سادسا، اورد السيد ايوب صديق عدد من المغالطات في معرض اثبات استخفاف اللجنة بالبرهان، لا ترفع ضغط الدم وحده، ولكنها بكل سهولة يمكن ان تقذف به في سلة الثورة المضادة!! رغم ان اللجنة ذكرت وقائع بعينها، اقترفها البرهان وحميدتي وتواطأ فيها النائب العام. وغير ذلك، ان الكافة لا يحتاجون لفضفضة اللجنة عن غضبها، حتي يعلمون، من يكبحون عجلات الثورة من الانظلاق. المهم، نجد ان السيد ايوب صديق ادعي ان للعسكر النصيب الاكبر في الثورة! واذا كان ذلك صحيحا هل هنالك من داعٍ لقيام الثورة اصلا؟! والاسوأ من ذلك انه يلوم المجلس العسكري (سماه المجلس الانتقالي) علي ازاحة المكون الاسلاموي الظاهر في المجلس (سماهم عدد من اعضاءه) بعد قسر البشير علي الاختفاء من المشهد. وهو يجهل ان هذا الضغط تم بامر الثوار، لقطع الطريق علي مسرحية ذهاب البشير الي كوبر سجينا واب نعوف ومن بعده شلة الضباط الاسلامويين الي القصر حكاما. وهو الامر الذي تضافرت مؤمرات كثيرة لاحقا، لتنفيذ ذات السيناريو، بشخوص وادوات مختلفة، كان للخارج اليد الطولي في تنفيذه (مؤامرة العسكر والحرامية/الهبوط الناعم). اي السيد ايوب جعل ما هو انتصار لضغط الثوار وكانه تصرف خاطئ (تنازل غير مستحق) من قبل العسكر!
اما الاكثر سوء من ذاك الامر السيئ، انه جعل للعسكر السلطة في تحديد كيفية حكم البلاد، سواء كانت اسلاموية ام علمانية التوجه! وهذا لعمري اضل سبيلا، لانه يكرس لفرض الوصاية الذي ثار ضده الثوار! والسؤال والحال هذه، ماذا يعني قيام الثورة اصلا للسيد ايوب صديق؟ ثم الم يتملَ جيدا في مطلب المدنية الذي اصر عليه الثوار، كهدف جوهري للثورة دونه تقديم ارواحهم مجانا؟ وكذلك يترك لذلك المجلس سلطة تحديد من يحكم سياسيون ام تكنوقراط؟ واذا صح ذلك، لماذا تمت ازاحة البشير اصلا؟
سابعا، اما حديث السيد ايوب صديق عن موضوع الدين وموقف حكومة البرهان منه، فهذا امره عجبا! فهو يحدثنا عن عدم محافظة المجلس العسكري علي خطه الاحمر، وعن الطعن في ثوابته واحلال محرماته، حتي تشعر وكان السيد ايوب صديق سلخ شبابه وامضي كهولته في مساجد كابول وليس محطات اعلام لندن! فهل هنالك مكان او مساحة او مجرد احتمال لهكذا طرح، بعد الخلط الذي مارسه الاسلامويون للدين بالسياسة، وما ترتب علي ذلك من مآسٍ يشيب لها الولدان؟ سواء علي مستوي اهدار ارواح بريئة بكل سهولة واستهتار، او دمار مادي ومعنوي طال الدولة والمجتمع او كوارث اجتاحت البيئية، او او او وصولا لضرب تماسك الدولة بقصل جزء عزيز منها. وما جعل كل هذا ممكنا، هو التمييز الديني بين المواطنين داخل نفس الدولة! بل للغرابة التمييز الذي بدأ بين المواطنين، انتهي للتمييز داخل اتباع ذات الدين! اي آلية التمييز تشتغل بصورة مستقلة، كرافعة لمصالح الراسمالية الدينية! والحال كذلك، اي كرامة لوعي ديني، يحط من قدر بشر اسوياء! كما ان الاساس في اجتماع بشر داخل اطار دولة، هو اعتبارهم مواطنين. وليس ما يعتنفه او لا يعتنقه هؤلاء المواطنون. لان هذا الاخير له حيز آخر، خارج نطاق الدولة وقوانينها ومؤسساتها. بدلالة ان العقائد سابقة علي الدولة، بل ومتجاوزة للدول ومخترقة للتاريخ، ولذلك يستحيل تاطيرها داخل دولة، وإلا فجرت الدولة، قبل ان تتفجر هي من الداخل. وعموما اقصي ما تقدمه الدولة في هذا الاطار، هو توفير الحماية لممارسة العقائد كغيرها من الانشطة الاجتماعية. اي العقيدة لا يمكن ان تكون جزء من بنية الدولة، ولكن الدولة ملزمة باحتضانها بصورة حيادية.
ثامنا، ما كان يتوقع من شخص في مكانة وتجربة الاستاذ ايوب صديق، كاعلامي مخضرم خبر العيش في بلاد الضباب، هو اتخاذ موقف من العسكر اشد صرامة، رفضا لتدخلهم في شئون السلطة والسياسة والاقتصاد. علي اعتباره تغول علي حقوق المدنيين وطبيعة الدولة المدنية. وما الشراكة الحاكمة للفترة الانتقالية، إلا شراكة قسرية فرضها العسكر عنوة متوسلين ما بين ايديهم من سلاح! ومن دون اكتراث لعواقب هذا التغول والتمدد خارج حدود الاختصاص، التي يجسدها ضياع نصف قرن من عمر الاستقلال البالغ ستة عقود! ولكن من يستطع اقناع من ليس له قابلية وقدرة علي الاقتناع؟ في هذا السياق، الثورة نوع من الاعتراض العريض علي ممانعة الاقتناع، لفتح الطريق امام البديل الديمقراطي والدولة المدنية. وهنا يستبين الدعم المدني من المساندة للعسكر، لانهما لا يجتمعان دون تناقض يشوش علي طبيعة الاشياء! اي الكدح والسعي لتاسيس الدولة والحياة المدنية، يستدعي الانتصار لشعارات الثورة من جهة، والتصدي لاطماع وطبائع العسكر من جهة. وبكلمة واضحة، البرهان ورهطه اختاروا المكان الخاطئ من التاريخ، ومن ثمَّ الانحياز لجانبهم، يمثل خيانة للثورة، قبل ان يكون ضد مصالح الدولة وحقوق المواطنين.
والخلاصة، لجنة ازالة التمكين، غض النظر عن من يشغل وظائفها، هي استحقاق ثوري ودستوري للفترة الانتقالية، بغرض قطع الطريق علي اعادة انتاج تجربة الانقاذ الكارثية. وهذا ما يستوجب تقديم كل المساعدة والنصح والنقد الايجابي لها، بما يساعدها علي انجاز اهدافها كاملة، وهنا مدار تركيز الجهد وتوجيهه، لكل حادب علي الثورة وراغب في الوصول بها لغاياتها السامية. خاصة ان ما ينقص الثورة ليس بالقليل، ومخاطر اطماع سرقتها وتجييرها تحاصرها من كل اتجاه، ووسائل وممارسات افراغ مطالبها وشعاراتها من مضامينها، تنشط علي قدم وساق. فلا يمكن ترك كل ذلك والانشغال بمحاربة لجنة ازالة التمكين، وكانها كعب اخيل الثورة، ورغم انها وللمفارقة آخر ما تبقي من عطرها الفواح؟!
اخيرا
اخشي ما اخشاه ان تنطبق علي الاستاذ الاعلامي الكبير ايوب صديق، مقولة ان تسمع بالمعيدي خيرا من تراه. لتقرأ ان تستمع لايوب صديق خيرا من ان تقرأ له.
ما بعد الاخير
معذرة للاستاذ ايوب صديق اذا كان ما ذكر بعاليه، يحمل درجة من القسوة، ولكن ما واجهته هذه الثورة من العسكر لاشد قسوة وما دفعه الثوار لابهظ ثمنا. ودمتم في رعاية الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.