بسم الله الرحمن الرحيم عندما يضج الشارع السياسي ويضيق زرعاً بالحكومات العسكرية منها والديمقراطية تتدخل القوات المسلحة لحسم الأمر لصالح عهد جديد ثورة كانت أو انقلاب . وليس أدل علي ذلك من انقلاب نوفمبر بقيادة الفريق/ ابراهيم عبود والذي كان القائد العام للجيش السوداني حينها بناء علي رغبة الحكومة الديموقراطية الحاكمة بعد ان اشتد الخلاف بين قادتها فيما بينهم . ثم ياتي انقلاب 25مايو 1969 بقيادة العقيد/ جعفر نميري بسند من قوي سياسية معارضة متمثلة في قوى اليسار بعد ان تعزر استمرار الحكومة المنتخبة وطرد النواب الشيوعيون من البرلمان فكان التغيير بثورة مايو ولكون الدولة السودانية مازلت تحتفظ علي بقدر من مهنيتها وتوزيع سلطاتها بين الخدمة العسكرية والخدمة المدنية لم يلبث نميري طويلاً حتى تم تعيين قائد عام للقوات المسلحة . لتقوم القوات المسلحة باداء دورها ومواجهة تحدياتها المتمثل حينها في حرب الجنوب وتفرغ قائد الثورة لمهامه السياسية والتنفيذية برئاسة الدولة ويقيوم القائد العام بمتابعة مهامه من تدريب وطوير قدرات القوات المسلحة حسب ما يكفله له القانون . وعندما ثار الشعب السوداني ضد نظام مايو في ابريل 1985م استلم القائد العام حينها الفريق/عبد الرحمن سوار الذهب السلطة لفترة انتقالية واعادها للشعب بانتخابات ديمقراطية في 1986م . لتستمر الدورة الخبيثة ويستلم العميد/ عمر البشير السلطة في يونيو1989م . وفي كل هذه المراحل استمر تقليد القوات المسلحة بتسمية قائدها العام لانه اهم منصب فيها وهو يمثل قمة الهرم وينسق بين الجهاز التنفيذي والسياسي للدولة ويكون ولاء افراد القوات المسلحة لقائدهم العام حسب ما تفرضه عليهم العقيدة العسكرية وعندما جاءت لجنة تقصي الحقائق في احداث دارفور حسب تفويض مجلس الأمن الدولي كان من الاشياء التي استبين حولها مهام القائد العام للقوات المسلحة واصدار تعليمات الحرب وفي تقديري أن الجمع بين المنصبين هو من اسباب اتهام المحكمة الجنائية الدولية للمشير البشير بجرائم الحرب في دارفور . علي كل ٍ. ظل البشير محتفظاً بمنصبه كقائد عام للقوات المسلحة منذ استيلائه للسلطة مما أتاح له الاتصال المباشر بالجنود والضباط علما ً أنه لم يكن القائد العام حين استيلائه للسلطة بل كان القائد العام حينها الفريق/فتحي أحمدعلي. وفشلت محاولات الدكتور الترابي في احالته للمعاش .فكونه القائد العام للقوات المسلحة وهو اعلى منصب تنفيذي مباشر للقوات المسلحة جعله محط ولاء الضباط والجنود وبلقاءاته المتكرره بهم بصفته القائد العام جعله شخصية كارزمية وملهمه ومناط الدعم والحماية فهو رمز الجيش السوداني . هذا الوضع استفاد منه البشير في اقصاء الدكتور الترابي وحسم به الخلاف بينهم 1999/12/12 م لصالحه واستمر في الحكم عشر سنين قادمات ليخلو له الجو بدون منازع علي الصعيدين السياسي بانفراده بالحكم واستمراره قائدا ًللقوات المسلحة . ولكن تقلبات السياسة اجبرت المشير البشير رئيس الجمهوري باحالة المشير البشير القائد العام للقوات المسلحة للمعاش وتسوية كافة حقوقه بحسب قانون القوات المسلحة . استحقاقاً لمطلوبات الفترة الجديدة بمقتدى اتفاقية نيفاشا والترشح لفترة رئاسية أخرى . ولو كسب الترابي شيء من هذه الانتخابات التي خاضها رغم تحزيرات الحلفاء من الاحزاب المعارضة ومناصريه من قيادات حزبه لكسب احالة المشير البشير للمعاش .وبناء حاجز نفسي بينه والقوات المسلحة هذه الوضعية استوعبها الرئيس البشير فنظم احتفالاً ضخماً بفوزه دعا اليه منسوبي القوات المسلحة ومعاشييها لاظهار الفرحة بفوز البشير وتاييده. هذا التاييد الذي كان من منطلق مهني وواجب الزمالة ولكن مالم يسطع اخفائه البشير هو كونه فاز بالرئاسة مرشحاً عن المؤتمر الوطني وبالقطع ليس كل القوات المسلحة تناصر المؤتمر الوطني ففيها ذوو الخلفيات الطائفية والعقائدية ومن يجنح نحو القبيلة شأنها والمجتمع السوداني وان تجاوزنا كل ذلك بالتأكيد فيها من يدين بالولاء للحركة الاسلامية وشيخها الترابي. فالرئيس المنتخب البشير (نسخة ما بعد الانتخابات ) رئيس مدني ضابط سابق بالقوات المسلحة يمثل حزب سياسي وهو ماغفل عنه سياسيوه وهم يهمون بتاكيد فوزه بانتخابات مشكوك فيها وهذا في ظني أكبر خطر يواجه البشير من المحكمة الجنائية الدولية. فان أبقي الوضع على ماهو عليه فهذا مدعاة لتململ القوات والجنود فلا يعقل ان تكون هناك قوات ذات تنظيم عالي ومحترمة وبغير قائد عام فليس كل من تولي التغيير القيادي في القوات المسلحة كان قائدا عام فهذا يحفز اي من الضباط المغامرين لاستغلال هذا الفراغ واستيلاء علي مقاليد الأمور فيها فيدخل البلد في دوامة الفوضى لن تبقي ولن تذر .أما اذا تم تعيين أحد الضباط قائدا عاماً فهذا يوسع الحاجز النفسي بين البشير والقوات المسلحة وان تم تعيين أحد رفقي الدرب والسلاح (عبد الرحيم محمد حسين وبكري حسن صالح) وهم من بقي من أعضاء مجلس قيادة الثورة ولهذا السبب لم يتم ترشيح أي منهما في الانتخابات الأخيرة حتي لايكون البشير مضطراً لاحالتهما للمعاش فيفقد آخر سهام مجلس قيادة الثورة الذي ترشح منه العميد/ صلاح كرار والعميد/ محمد الأمين خليفة منافسينً لقائمة المشير البشير.أقول ان تم تعيين أي منهما قائدا عاما للقوات المسلحة تدين له مقاليد الأمور فيها ومن يضمن عدم تزحزح ولائهما للبشير ومعلوما ً لهما أن البشير ليس هو من صنع الانقاذ بل (من ذهب للسجن حبيساً) فالسلطة التي فرقت بين الشيخ وحواره ليس مأموناً أن تفرق بين رفقاء الدرب والسلاح . في حال ان واجه من عين منهما قائدا عاماً ضغوطاً تخيره بين سلطته والقوات المسلحة وبين قائده والفناء من أجله ولهم في ذلك عبرا من التاريخ كثيرة في المحيط الدولي والاقليمي بل والمحلي مثل سوار الذهب ونميري أو البشير نفسه وفتحي أحمدعلي.أما اذا تم تعيين أي من هو غيرهم فهذا الشر كله للرئيس البشير. فالبشير باحالته للمعاش وفوزه في الانتخابات وضع نفسه في اصعب مطب سياسي يحتاج لذوي الخبرة والولاء الخالص لايجاد مخرج سريع وسلس في ظل تعقيدات الترتيبات الأمنية التي أوجدت ثلاث جيوش ففراغ منصب القائد العام للقوات المسلحة يضعها في ورطة وهي زيادة علي مهامها في حفظ الوطن وسلامته مطلوب منها التنسيق مع مايوازيها من قوات داخلية( القوات المشتركة والجيش الشعبي) وخارجية (قوات اليونا ميد ) وبالتاكيد لن يكون المشير معاش عمر البشير هو القائد العام. وبهذا يكون فقد المؤتمر الوطني السند الذي يقف عنده بقيادة البشير للقوات المسلحة ويرأسه في حين واحد. مما يوزع ولاء أفراد القوات المسلحة بين المنظومات السياسية والقبيلة في الدولة مما يجعلها اكثر مهنية فلا تستطيع مناصرة رئيسه صراحة كما تفعل سابقاً . والا سوف توصف بأنها قوات المؤتمر الوطني فتفقد قوميتها وتصبح عرضة للتصفية في اول تغيير كما حدث للجيش العراقي بعد سقوط صدام حسين .وهذا جعل الفريق الهادي عبد الله والي نهرالنيل المنتخب يعقد مؤتمراً صحفيا في قيادة سلاح المدفعية بعطبرة بزيه الرسمي لتأكيد ان القوات المسلحة تسنده وهو لم يأتي للولاية علي ظهر دبابة وانما بأصوات الناخبين . ونخلص بهذا ان فراغ منصب القائد العام خلل يهدد مهنية وكفاءة القوات المسلحة وتعيين قائد عام خطر يهدد سلطة الرئيس البشير وحكومة المؤتمر الوطني وان كان بعد اربع سنين دأبا. فلننظر ما تسفر عنه الايام. م.اسماعبل فرج الله - عطبرة 12/5/2010م Ismael Fragallah [[email protected]]