المخدرات.. من الفراعنة حتى محمد صلاح!    خطف الموزة .. شاهدها 6 ملايين متابع.. سعود وكريم بطلا اللقطة العفوية خلال مباراة كأس الأمير يكشفان التفاصيل المضحكة    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    لولوة الخاطر.. قطرية تكشف زيف شعارات الغرب حول حقوق المرأة    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    مدير شرطة ولاية القضارف يجتمع بالضباط الوافدين من الولايات المتاثرة بالحرب    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    توجيه عاجل من"البرهان" لسلطة الطيران المدني    حركة المستقبل للإصلاح والتنمية: تصريح صحفي    جبريل إبراهيم: لا يمكن أن تحتل داري وتقول لي لا تحارب    برقو الرجل الصالح    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    مكي المغربي: أفهم يا إبن الجزيرة العاق!    الطالباب.. رباك سلام...القرية دفعت ثمن حادثة لم تكن طرفاً فيها..!    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    ضمن معسكره الاعدادي بالاسماعيلية..المريخ يكسب البلدية وفايد ودياً    ثنائية البديل خوسيلو تحرق بايرن ميونيخ وتعبر بريال مدريد لنهائي الأبطال    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل مصري حضره المئات.. شباب مصريون يرددون أغنية الفنان السوداني الراحل خوجلي عثمان والجمهور السوداني يشيد: (كلنا نتفق انكم غنيتوها بطريقة حلوة)    شاهد بالفيديو.. القيادية في الحرية والتغيير حنان حسن: (حصلت لي حاجات سمحة..أولاد قابلوني في أحد شوارع القاهرة وصوروني من وراء.. وانا قلت ليهم تعالوا صوروني من قدام عشان تحسوا بالانجاز)    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصيرفة الإسلامية دعوة للتفاكر والحوار الجاد ... بقلم: الهادي هباني
نشر في سودانيل يوم 30 - 03 - 2009

و بالتلي فإن هذا التحالف بين الأخوان المسلمين و الرأسمالية الإسلامية الخليجية (و الذي بدأ كأولي ثمراته حينها بتأسيس بنك دبي الإسلامي عام 1975، بنكا فيصل الإسلامي المصري و السوداني و الشركة الإسلامية للاستثمار الخليجي و بيت التمويل الكويتي عام 1978، البنك الإسلامي الأردني للاستثمار والتنمية و بنك البحرين الإسلامي عام 1979) لا يمثل تحالف إفلاطوني طوباوي قائم علي فراغ أو وحي إلهي معصوم عن الخطأ و منزه عن حدود الفهم المنطقي و قوانين الحوار و الجدل، كما لا يمكن أن يتم إستيعابه و فهمه خارج إطار جذوره و أصوله الإجتماعية و الطبقية.
كما أن إرتباط هذا التحالف بالشعارات الإسلامية لا ينفي عنه طابعه و حقيقته الطبقية مهما تميزت به تلك الشعارات من سماحة و مهما كانت درجة إنحيازها لتطلعات الشارع العربي الإسلامي و مهما علت مكانة قيادات هذا التحالف وسط جمهور العالم العربي و الإسلامي و سينتهي به المطاف حتما لتحويل هذه الشعارات إلي مطية لإستغلال الشعوب و تحقيق المصالح الطبقية الضيقة كما يحدث الآن. فقد ورد عن دكتور رفعت السعيد في مؤلف (سامح نجيب - الإخوان المسلمون رؤية اشتراكية – مركز الدراسات الإشتراكية – مارس 2006 – ص 7) ما نصه (أما استخدام الدين كأداة في الصراع الاجتماعي فإن الماركسية ترى أنه كان وارداً وممكناً بل وثورياً في المراحل الأولى للتطور الاجتماعي، وأنه مع نشوء الطبقات الاجتماعية وتبلورها ووقوفها وجهاً لوجه في معترك الصراع الطبقي فإن ادخال الدين في هذا المعترك يمكنه أن يحرف الأفكار عن المعطيات الواقعية والأرضية لهذا الصراع، بل ويمكنه أن يجعل من المقولات الدينية شعاراً أو أداة يستخدمها الحكام وبعض رجال الدين في تغييب الوعي الاجتماعي والطبقي للجماهير ومن ثم في فرض المزيد من الاستغلال والقهر عليهم).
و هذا لا ينطبق فقط علي حركة الأخوان المسلمين بل كل حركات البرجوازية الصغيرة بمختلف توجهاتها و شعاراتها إسلامية، قومية، أو إشتراكية و التي كانت دائما تعمد إلي إخفاء طابعها الطبقي و هي تخوض غمار تجربة ثورية جديدة. فقد ورد في نفس المصدر السابق ذكره – ص 7 ما نصه (ولكن ألا تلغي كافة الحركات السياسية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة ذلك المنظور الطبقي للصراع؟ ألم تقم مثلاً الحركات الثورية البرجوازية في أوروبا منذ الثورة الفرنسية بإخفاء طابعها الطبقي وراء شعارات الديمقراطية والمساواة أمام القانون وحقوق الإنسان والمواطنة؟ وألم "تلغي" حركات التحرر الوطني في العالم الثالث المنظور الطبقي وركزت شعاراتها ومضمون رؤيتها حول التحرر والاستقلال الوطني وأخفت بالتالي مضمونها الطبقي البرجوازي أو البرجوازي الصغير؟ ففي مراحل تاريخية مختلفة وفي أوساط طبقية مختلفة تتبلور تفسيرات مختلفة للنصوص الدينية. فالوضع المادي والاجتماعي لأي جماعة أو طبقة أو فئة وعلاقتها بالقوى الاجتماعية الأخرى والصراعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي ينغمسون فيها كلها تلعب أدوارها في تشكيل تفسيراتهم للنصوص الدينية وللمبادئ والأفكار التي يختارون التركيز عليها حتى وإن تشابهت الشعارات والمبادئ العامة).
و بالتالي فإن هذا التحالف في حقيقة الأمر لا يعدو عن كونه تحالف إقتصادي (طبقي) يعبر عن مصالح الأخوان المسلمين كطرف أصيل فيه و كفئة من البرجوازية الصغيرة المتتطلعة للتحول لكيان إقتصادي و سياسي كبير و مؤثر تمهيدا لوصولها للسلطة السياسية في العالمين العربي و الإسلامي، و عن مصالح الرأسمالية الإسلامية الخليجية التي تسعي لتنمية رؤؤس أموالها و فوائضها داخل دول الخليج و خارجه و الإستفادة من النهضة الإقتصادية التي كانت تشهدها المنطقة في كافة المجالات الإقتصادية و الساعية لإيجاد مكانة سياسة لها وسط دول رابطة العالم الإسلامي. و فيما يلي نورد بعض الملاحظات التي تكشف عن هذه الطبيعة الطبقية المصلحية الضيقة:
لم يكن إختيار الإستثمار في القطاع المالي بشكل عام، و الصيرفة الإسلامية بجوانبها الثلاثة الرئيسية (التمويل، الإستثمار، الخدمات المصرفية) بشكل خاص من قبل ذلك التحالف الإسلامي من بين سائر القطاعات الإقتصادية الأخري من قبيل المصادفة أو الوحي الإلهي و إنما كان نابعا عن وعي و دراسة متأنية و قناعة كاملة بأن القطاع المالي هو القطاع الأكثر رواجا و أكثر ربحية في تلك الحقبة فقد كانت فترة السبعينات تمثل فترة توسع القطاع المصرفي في السعودية و الخليج لمواكبة الزيادة في الإيرادات و المصروفات الحكومية و الحاجة إلي تمويل مشاريع التنمية الهادفة إلي النهوض بالبنيات التحتية و تطوير قطاع الصناعة مستفيدة من الفوائض غير المسبوقة التي تم تحقيقها علي إثر الطفرة التي شهدها قطاع النفط.
ففي السعودية مثلا و إذا أخذنا متوسط بيانات الفترة من 1970 إلي 1980 الواردة في (دراسة حالة عن العولمة و دور المؤسسات في القطاع المالي في المملكة العربية السعودية المعدة من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي في فبراير 2004م في صفحة 6) للإطلاع علي أوضاع البنوك في عام 1975 (التي تمثل ميلاد أول مصرف إسلامي في دبي) نلاحظ التحسن الكبير الذي شهدته المصارف التجارية حيث زادت إجمالي أصولها 17.5 ضعف من 720 مليون دولار عام 1970 إلي حوالي 13 مليار دولار عام 1975 ، و زادت الودائع 21 ضعف من 426 مليون دولار إلي 9 مليار دولار خلال نفس الفترة.
كما أن زيادة السيولة في المملكة العربية السعودية خلال تلك الفترة عن حجم الطلب علي الإئتمان المحلي قد أدي إلي مضاعفة الأصول الأجنبية لدي المصارف التجارية بمتوسط 31.5% خلال الفترة من عام 1972 إلي عام 1980 مما أدي إلي تعزيز الإرتباط بين القطاع المصرفي السعودي و القطاعات المصرفية العالمية و إدي بالتالي إلي تشجيع الإستثمارات خارج المملكة و توظيف تلك الفوائض النفطية في الأسواق العربية و العالمية. (راجع دراسة حالة عن العولمة و دور المؤسسات في القطاع المالي في المملكة العربية السعودية – مصدر سبق ذكره – صفحة 6).
و في الإمارات زاد الناتج المحلي الإجمالي من 39.6 مليار درهم عام 1975 إلي حوالي 102 مليار درهم عام 1985 أي بمعدل نمو 15.7% سنويا و هي المرحلة التي شهدت نموا و إزدهارا غير مسبوق في كل القطاعات الإقتصادية مدفوعة بطفرة النفط بما في ذلك القطاع المالي بشكل عام و المصارف بشكل خاص لتلبية الإحتياجات التمويلية و الإستثمارية لتلك القطاعات و لإستقطاب الفوائض النقدية الحكومية و غير الحكومية و إعادة توظيفها. (راجع دكتور محمد سعد عميرة - مجلة التعاون الإقتصادي بين الدول الإسلامية – إقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة الإنجازات المحققة و التطلعات المستقبلية – صفحات 4،5).
بروز العديد من قيادات الأخوان المسلمين اللذين وصفهم وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز كما هو منشور (في موقع الجزيرة نت في مقال بقلم غراهام فولر) بما نصه (إن الإخوان كانوا من أوائل قوى الإسلام السياسي التي دخلت إلى المملكة عندما فر العديد من عناصر الإخوان من الاعتقال في مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قادمين إلى المملكة العربية السعودية) كرجال أعمال بارزين خلال الحقبة "التلمسانية" نسبة إلي عمر التلمساني (الذي تبوأ قيادة الأخوان المسلمين بعد وفاة حسن الهضيبي عام 1973 و هي الفترة التي بدأت فيها سياسة الإنفتاح الإقتصادي) و إمتلاكهم لشركات ضخمة مستفيدين من الثروات التي راكموها خلال فترة تواجدهم بالسعودية و فوائض النفط الخليجي التي جلبوها من خلال تحالفهم مع الرأسمالية الخليجية مثل شركة الشريف للبلاستيك، شركة المسرة للمقاولات، و مودرن موتورز، و غيرها من شركات توظيف الأموال الإسلامية التي ظهرت خلال حقبة الثمانينات مدفوعة بإنخفاض أسعار الفائدة بالجهاز المصرفى، وإرتفاع أسعار الذهب، وركود السوق العقارى، طارحة نفسها كبديل لنظام الفوائد البنكية و تمكنت بتسترها تحت عباءة الدين و الأرباح الإسلامية من إجتذاب السواد الأعظم من رؤوس الأموال المتوسطة والصغيرة والمدخرات نظير عوائد مبالغ فيها تجاوزت أحياناً ال 3% شهرياً أو 36% سنويا، وكان من أشهر تلك الشركات (الريان، السعد، الشريف، الهدى مصر، بدر، الهلال) و اعتمدت تلك الشركات على المضاربة في البورصات العالمية وأسواق الذهب و الصرف ببذخ و العيش فى ترف (و ارتبط بعضها، بتهم الإتجار في المخدرات و تبييض الأموال و دعم الإرهاب، و بأسماء قيادات و كيانات إسلامية نافذة في باكستان و أفغانستان و الخليج كما أثبتت التحقيقات خلال حقبتي الثمانينات و التسعينات) وسرعان ما انهارت وأخذت معها مدخرات الملايين من جماهير الكادحين و لا زالت بعض السجون المصرية و الخليجية تستضيف كثير من قيادات تلك الشركات التي إرتبطت منذ نشأتها برأس المال الإسلامي الخليجي).
و قد كانت تلك الفترة إيذانا بتحول حركة الأخوان المسلمين لكيان و كارتل إقتصادي كبير يهتم بمضاعفة و مراكمة ثرواته و ثروات قياداته و مؤيديه أكثر من كونها حركة سياسية معنية بالدعوة الإسلامية و باتت تستغل منابرها الإعلامية بشكل أساسي للترويج لفكرها الإقتصادي و لمؤسساتها و مؤسسات أبرز قياداتها.
و قد كان لتأسيس الشركة الإسلامية للنشر و التوزيع علي يد صالح عشماوي خلال فترة السبعينات و التي ترأس عمر التلمساني مجلس إدارتها دور كبير في ذلك و الذي تجلي بوضوح في طبيعة الإعلانات التي كانت تصدر عن تلك المجلة. فكما ورد في دراسة ل (جيل كيبل بعنوان "النبي والفرعون") عن دور الإعلانات في تلك المجلة و ما أورده من أنه (من بين حوالي مئة وثمانين صفحة من الإعلانات الملونة في مجلة الدعوة، اشترى 49 صفحة مقاولون وشركات عقارية و52 صفحة اشترتها شركات لإنتاج الكيماويات والبلاستيك و20 صفحة لمستوردي السيارات و12 صفحة لبنوك إسلامية وشركات استثمار". ثم يشير إلى أن حوالي نصف الإعلانات كانت لثلاثة شركات هي الشريف للبلاستيك وشركة مسرة للمقاولات ومودرن موترز وإلى أن "هذه الشركات الثلاثة كان يمتلكها إخوان مسلمون كونوا ثرواتهم في المملكة العربية السعودية خلال الأعوام الثلاثين السابقة واستثمروها بشكل مكثف في مصر منذ عام 1975، خاصة في قطاعات الاستيراد والبضائع الاستهلاكية). (راجع: سامي نجيب – الأخوان المسلمين رؤية إشتراكية – مركز الدراسات الإشتراكية – صفحات 35،36).
الصراعات التي كانت تتم داخل أروقة الجمعيات العمومية و مجالس إدارات المصارف الإسلامية التي تم تأسيسها خلال حقبة السبعينات و التي كانت تزخر بعضوية العديد من قيادات حركة الأخوان المسلمين تعتبر أيضا من الظواهر التي تكشف الطبيعة الطبقية المصلحية الضيقة التي تمثل الأساس و القاعدة التي قامت عليها تلك المصارف. و كمثال علي ذلك تلك الصراعات التي كانت تحدث في الجمعية العمومية لبنك فيصل الإسلامي المصري حول إختيار مجلس الإدارة (الذي كان مشكلا في فترة تأسيسه من الأمير محمد الفيصل كرئيس و بعض القيادات النافذة في حركة الأخوان المسلمين أمثال الدكتور يوسف القرضاوي، الدكتور عبد العزيز حجازي نائب رئيس المجلس، الدكتور توفيق الشاوي، الحاج حلمي عبد المجيد، الدكتور عمر عبد الرحمن عزام، الأستاذ حيدر بن محمد بن لادن، والأستاذ كمال عبد العزيز المحامي، والأستاذ أحمد ثابت عويضة، الدكتور أحمد محمد عبد العزيز النجار، والأستاذ علي حمدي و غيرهم) فقد ورد في مذكرات الدكتور يوسف القرضاوي تحت العنوان الجانبي (عضوية مجلس إدارة بنك فيصل) ما نصه (ومن ذكريات بنك فيصل ما كان يحدث في اجتماع الجمعية كل عام، من صراع على مقاعد المجلس، فقد كان هناك فئة لها مجموعة كبيرة من أسهم البنك من آل عزام ومن يلوذ بهم، وكانوا على خلاف مع الأمير محمد على ما بينهم من قرابة، وكانوا كل سنة يثيرون غبارا ودخانا في جلسة الجمعية العامة، ويقدمون الأسئلة المحرجة، ويرفعون درجة التوتر إلى أقصاها، ويزداد هذا ويتضاعف كل ثلاث سنوات، حين يكون هناك انتخاب مجلس جديد، فتراهم يرسلون إلى كل مساهم خطابات مطولة، فيها اتهامات وانتقادات، وربما شتائم لمجلس الإدارة، ولإدارة البنك. وعند عقد الجمعية، يتكتلون في القاعة، ويبدءون المشاغبة، ويدفعون بعض الناس معهم ليقوموا بذلك.. ونظل أحيانا معظم الليل في هذا الجو الخانق المؤلم من الصراع.. ثم ينتهي الأمر دائما بفوز مجموعة الأمير محمد، لأنها تملك معظم أسهم البنك! وهم يعلمون ذلك تماما، ولكنهم يقولون: العيار الذي لا يصيب يترك دويا).
كما أن المصارف الإسلامية التي تم تأسيسها في منتصف السبعينات قد ركزت فقط علي التمويل الإستهلاكي للأفراد و المؤسسات و علي المنتجات الإسلامية التي تتميز بأرباح مضمونة و ذات مخاطر منخفضة متمثلة في صيغة المرابحة بإعتبارها عقد بيع تنتقل فيه مخاطر الأصل محل التمويل فورا إلي العميل عند التعاقد و ابتعدت عن التمويل بصيغة المشاركة التي يتم فيها اقتسام الربح و الخسارة مع العميل و كذلك صيغة المضاربة التي يتحمل فيها المصرف لوحده الخسارة باعتباره صاحب رأس المال ما لم يثبت تقصير أو إهمال العميل المضارب و بالتالي فهي نأت بنفسها عن تطبيق المبدأ الشرعي الغنم بالغرم أو الخراج بالضمان في سبيل تحقيق أرباح بأقل مخاطر ممكنة.
بل و أنه و مع تزايد حجم السيولة بدرجة أعلي من حجم الإئتمان المحلي المطلوب كما أسلفنا في دول الخليج خلال حقبة السبعينات و ما أدي إليه من إنخفاض في سعر الفائدة علي الإئتمان و منافسة حادة في سوق التمويل الإستهلاكي إبتكرت البنوك صيغة المساومة الإسلامية و التي أصبحت تطبق علي نطاق واسع كبديل للمرابحة بالذات علي السلع التي يتم شراءها من الداخل و ذلك لتجاوز أهم الضوابط الشرعية للمرابحة المتمثل في ضرورة أن يكون سعر الأصل محل التمويل و الربح الذي يفرضه المصرف فوق ذلك السعر معلوما للعميل.
و بالتالي تمكنت المصارف الإسلامية من تحقيق أرباح طائلة بموجب صيغة المساومة التي لا يشترط فيها معرفة العميل لسعر الأصل أو ربح المصرف حيث أتيحت لها فرصة الحصول علي نسب أرباح إضافية بجانب أرباحها علي التمويل من الموردين ممثلة في شكل خصومات تصل في بعض الأحيان إلي 30% بالذات في الحملات الترويجية التي يتعاقد فيها المصرف مع المورد علي شراء مخزون كبير من منتجاته و قد كان لبيت التمويل الكويتي السبق في هذا المجال.
و هكذا فإن الأصول الطبقية للقوي التي قادت الصيرفة الإسلامية منذ ميلادها في حقبة السبعينات و رغبة هذه القوي في تحقيق مصالحها الإقتصادية و تعظيم ثرواتها هو الذي حكم تطور التجربة برمتها و أكسبها طابعها المرن القادر علي تجاوز أهم المحكات الشرعية التي تعيق تطورها و قدرتها علي التكييف الشرعي للمنتجات التي تقدمها البنوك التقليدية و التي تشكل بالنسبة لها منافسا رئيسيا و قويا و هو ما كان و لا يزال ينتقده عدد مقدر من علماء الإسلام اللذين لم تربطهم علاقات تنظيمية بحركة الأخوان المسلمين و كذلك من بعض قيادات الأخوان المسلمين الذين قادوا التجربة و أرسوا قواعدها أمثال الشيخ صالح كامل الذي نختم حديثنا في هذه الحلقة بأن نقتبس للقارئ الكريم جزء من حديثه الهام (في المحاضرة التي قدمها في بنك التنمية الإسلامي بمناسبة منحه جائزة البنك و الخاص بنقد التجربة التي كان من أكبر صناعها و قادتها بإعتباره من كبار العاملين في مجال المصرفية الإسلامية والمؤثرين فيها والعارفين بأوضاعها وتطور مسيرتها) الذي سجل فيه الشهادة التالية (إنَّنا عندما نرفع شعار تطبيق الإسلام في المعاملات المصرفية نكون قد ألقينا على عاتقنا التزاماً بأنْ ننهضَ بمقتضيات ذلك الشعار، وأن لا نَهِنَ ولا نضعف... وأن لا نركنَ للتبريرات والحيل والرخص... ومن المهمِّ في هذا الصدد أن تبدو الفوارق واضحة ملموسة بين ثمرة تطبيق النظام المصرفي الإسلامي وبين نتائج العمل المصرفي الربوي... إننا وبكل ثقة واطمئناناً إلى المصادر السماوية لمنهجنا الاقتصادي بشرنا الناس بأن آثار تطبيق الاقتصاد الإسلامي على الأمة ينعكس في قيادتها نحو التنمية الاقتصادية، وإيجاد القيمة المضافة، وزيادة المصادر... وتشغيل العاطل... وتأهيل العاجز... ولكن إذا ما تمادينا في تقليد المصارف التقليدية... وآثرنا سلامة توظيف أموالنا فسوف تغيب في التطبيق مميزات العمل المصرفي الإسلامي وتضييق الفوارق بينه وبين النشاط المصرفي التقليدي، وبذلك نكون قد خُنَّا أمانة الاستخلاف...
أقول لكم بكل الصدق والتجرُّد... إنَّنا لم نكتفِ باختيار اسم البنك فقط، ولكن أخذنا كذلك مفهومه الأساسي... وبالتالي لم نستطع أن نوجد لمؤسساتنا المالية مفهوماً ونمطاً يتجاوز مسألة الوساطة المالية، والذي حصل أنَّ الصيغ الاستثمارية المفضَّلة لدى البنوك الإسلامية أصبحت هجيناً بين القرض والاستثمار، وهو هجين يحمل معظم سمات القرض الربوي وعيوب النظام الرأسمالي الغربي، ويعجز عن إبراز معالم الاستثمار الإسلامي المبني على المخاطرة وعلى الاستثمار الحقيقي، ولا يعترف بضمان رأس المال أو عائده. ومما يدلُّ على عمق المسألة واستمراريتها أنَّ الهياكل التنظيمية لبنوكنا والتي استقيناها من البنوك التقليدية لا تعير اهتماماً لإدارة الاستثمار لا في حجمها ولا في تخصُّصاتها، بحيث تستوعب جميع ضروب النشاط الاقتصادي المنتج. واكتفينا بجهاز صغير، وجهَّزنا أوراقنا بما يتلاءم وطبيعة عملياتنا الروتينية شديدة الشبه بالدورات المستندية للأنظمة الربوية. والنتيجة التي وصلنا إليها... أنَّنا لم نتقدَّم في إبراز الخصائص الأساسية للعمل المصرفي... الإسلامي والمعالم المميِّزة له... ولم تنجاوز واقع وتأثيرات النظام المصرفي الربوي.
إنَّ النتيجة المنطقية لذلك الاتجاه الخاطئ هو تكريس التمويل تجاه الموسرين وذوي الملاءة من الذين يملكون الضمانات بأنواعها، وجعلنا المستثمر وحده يتحمَّل مخاطر الاستثمار ولا يشاركه فيها المصرف، ولم نراع في تمويل العميل الجدوى الاقتصادية لمشروعه، بل اكتفينا بالتأكد من قوة الضمانات. ولم نهتم إذا كان التمويل يسبب آثاراً تضخُّمية أم لا، أم أنه يربك نظام الأولويات والضروريات أم لا. وهكذا دون أن ندري أفرغنا العمل المصرفي من مضامينه الحيوي وأهدافه الاستثمارية. إن جوهر وثمرة تحريم الربا وقيام البنوك الإسلامية تكمن في عدمِ الركون إلى العائد المحدَّد المضمون... إنَّ النقيض للربا ... هو أن يتحمَّل طرفا العملية المخاطرةَ واقتسامَ الربحِ والخسارةِ غُنماً وغُرماً. وهذا هو العدل الذي يميِّز صيغ المشاركة عن الإقراض الربوي... إنَّ عدم التركيز على قاعدة الغنم بالغرم من الناحية النظرية وإغفالها بالكامل في معظم عمليات المصارف الإسلامية والتوسع في استخدام الصيغ مضمونة رأس المال والعائد جعل العامة في حيرةٍ. ومن هذه الثغرة تمكَّن المتشكِّكون من ... فتح المجال واسعاً لاستخدام العديد من الحججِ المنطقيةِ ظاهراً لتبرير وتحليل الفوائد المصرفية. وأعتقد جازماً أنَّنا لو استمررنا في هذا الاتجاه فستفقد البنوك الإسلامية الأساس النظري والعملي لقيامها واستمرارها.
هناك بلا شك آفاقٌ رحبة لنشاط البنوك الإسلامية... واتجاه موارد مالية كبيرة نحو ميدان العمل المصرفي الإسلامي ممَّا يتطلَّب استعداداً فنياًّ متكاملاً لاستيعاب هذه الموارد وطمأنة أصحابها على السلامة الشرعية لتلك الاستثمارات. وسوف يؤدي التفريط ... إلى ... إحباط الجماهير التي رأت في المصارف الإسلامية مخرجاً شرعياً واستثماراً ناجحاً.
من الأمور الشديدة الأهمية أن تسعى البنوك الإسلامية لاستكمال إطارها الشرعي وصيانته... وألاَّ تفرط في حرمته... وأن تستند الفتاوى إلى الأصل وليس الاستثناء، وإلى العزائم وليس الرخص).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.