قوات الدعم السريع تطلق سراح اثنين من أبناء شقيقة البشير اعتقلتهم من قرية صراصر    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعايش السلمى فى ابيى ... بقلم: أ. نازك عبدالحميد هلال
نشر في سودانيل يوم 08 - 12 - 2010

تحتل منطقة ابيى الجزء الشمالي الجنوبي من ولاية جنوب كردفان بعد أن أعيد التقسيم الادارى لولاية غرب كردفان، حيث أصبحت المحافظات الشمالية تابعة لولاية شمال كردفان وتم دمج محافظة ابيى، كليك، الدبيب، السلام، لقاوة في ولاية جنوب كردفان. تتبع المنطقة جيولوجياً للسلسلة المعروفة جغرافياً بام روابة ذات الأهمية المتمثلة في توفير المياة الجوفية ، إضافة للجريان السطحي الموسمي متمثل في الرقبة الزرقا وأم بيورو وبحر العرب الذي يمثل أطولها وأكثرها جرياناً مما يجعله مصدراً رئيساً للمياه السطحية التي تعول الإنسان والحيوان في المنطقة خاصة خلال الفصل الجاف.
أزدات المنطقة أهمية بوجود حقول البترول ما أدى لوجود التنافس الامريكى على المنطقة والمنظمات الكنسية الغربية التي تسعى لتصعيد الصراع بين المسيرية والدينكا على أساس عرقي وديني بغض النظر عن ما هو المالك الحقيقي للمنطقة، إذ يعتبر البترول احد أهم أسس الصراع الحديث بين أطراف حكومة السودان "حكومة الشمال" وحكومة الجنوب من جهة ومصدر أخر للتنافس الدولي خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي ترى أيلولة السبق في اكتشاف البترول في السودان، حينما بدأت شركة شفرون الأمريكية التنقيب عن اكتشاف النفط في هذة المنطقة في منتصف السبعينات من القرن الماضي. وتحد هذة المنطقة من الناحية الشرقية بولاية الوحدة وجنوباً بولاية شمال بحر الغزال وغرباً بولاية جنوب دارفور، فتبدو المنطقة أشبة بمثلث يلمس ثلاث ولايات تحف حقول النفط في هذا الجزء من السودان. ويتبع هذا التدرج تدرج طبوغرافى وسكاني، حيث يسكن في الجزء الشمالي عدد كبير من القبائل مثل عرب المسيرية الحمر العجايرة الذين يتوغلون الى الجنوب، وقبائل المعاليا وهى مجموعة ريفية تعيش عند الأطراف الشمالية وبعض القبائل الأخرى مثل البر قو والبديرية والداجو والفلاتا ويمثل عرب المسيرية الحمر والدينكا الغالبية العظمى لسكان المنطقة .
يوجد في منطقة ابيى خليط من السكان حيث يقطن في الجزء الشمالي في منطقة المجلد والميرم والدبب قبيلة المسيرية الحمر، إذ تتكون جغرافياً من أراضى السافنا الغنية نسبياً والمستنقعات في الجنوب، وكان لهذا الموقع تأثيراً اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً على تعامل المسيرية الحمر مع معطيات موقعهم البيئي ومن هذه التأثيرات اتخاذهم أساليب بقاء مختلفة فيها الحياة الرعوية والزراعية وموقعهم المحصور بين المزارعين المستقرين في السهل الى الشمال منهم الحمر والرعاة الصرفيين في الجنوب الدينكا جعل مسالة حفاظهم على هويتهم تحدياً ثقافياً واجتماعياً. وتميزت المسيرية الحمر بأن لديهم معرفة متقدمة بالحكمة والواقعية السياسية والاجتماعية والثقافية في التعايش مع جيرانهم من الجنوب وهم الدينكا ، حيث نظمت قبيلة المسيرية بكل مرونة المعاهدات القبلية وحقوق الرعي والزراعة وفض النزاعات مع كل الكيانات القبلية التي تداخلت معها.
وتتكون قبيلة المسيريه الحمر بفرعيها الكبيرين الفلانية والعجايرة ويتوزعون في عدد من الأمارات والعموديات، فالعجايرة تشمل أمارة أولاد كامل والمزا غنة وأمارة الفيارين وأمارة أولاد عمران والفضيلة، أما الفلاتية فتشمل أمارة السلامات وأمارة الزيود وأمارة الجبارات وأمارة المنانين وأمارة سرور، بالنسبة للحمر فأن موطن حلهم وترحالهم وينقسم الى أربعة أقسام رئيسية استلهمت أسماؤها المحلية من طبيعة التربة والنبات مثل البابنوسة التي تستمد اسمها من كلمة بأبنوس التي تشير الى نوع معين من أشجار الأبنوس وتمثل المنطقة الشمالية للمسيرية الحمر، ومنطقة المجلد الواقعة بين إقليم البابنوسة في الشمال ومنطقة الجريان النهري في الجنوب، إلا أن الحشائش والإعشاب تندر مما يجعل الإقليم منطقة عبور بالنسبة للحمر، منطقة البحر تضم منطقة بحر العرب إضافة الى المناطق المجاورة لها شمالاً وجنوباً، وتمتاز المنطقة بأنها منطقة تداخل واختلاط بين الحمر والدينكا نقوك ودينكا بحر الغزال واعالى النيل.
اتسمت الزعامة القبلية للحمر خلال فترة المهدية بالانشقاق وعدم وحدة الراى والإجماع تجاه الدعوة المهدية ومتطلباتها، فنجد على الجلة احد كبار رجال الحمر قد انضم للمهدية وأصبح ملازماً للخليفة عبد اللة، بينما نجد زعامات تقليدية أخرى قد امتنعت عن مساندة الخليفة، ووجدت دعماً من زعيم النقوك آنذاك أروب الذي شجعهم على الاحتماء بمستنقعات بار الليل جنوب بحر العرب.
أما قبيلة الدينكا نقوك ينتمون إلى مجموعة القبائل النيلية، التي يعتقد أن موطنها الاصلى يقع الى الشرق من منطقة البحيرات العظمى في شرق أفريقيا من الناحية الجغرافية يحتل النيليون الإقليم الممتد على طول الشاطئ النيل الأبيض حتى خط عرض12ْ شمالاً ، وكذلك الجزء الأكبر من حوض بحر الغزال غرباً ،وهم معظمهم رعاة أبقار وتتوزع في ثلاثة أمارات وتسعة من العموديات الكبيرة منهم عمودية بنقو وعمودية أشاك وعمودية مريتق وعمودية أيبور وعمودية اشوينق وعمودية ديل وعمودية ما ينورا وعمودية أنيل ،وكل فرع ينقسم بدوره الى قسمين أو أكثر ،ولكل خشم اسمه ومرعاه ومكان أقامته، وكذلك توجهه الدفاعي والهجومي وواقع الأمر أن المؤسسة الحيوية بين الدينكا هي المجموعة العمرية التي تضم كل فرد يصل عمره الى سن المراهقة ،والنظام العمرى كما يذكر د.فرانسيس دينق هو أساسا نظام عسكري يهدف الى تنمية الشجاعة والقدرات القتالية للمحاربين الشباب، وهذا ما يجعل المجموعات العمرية للقبائل الفرعية بمثابة وحدات حربية.
يعيش الانقوك في مديرية كردفان، بينما يعيش الدينكا بشكل رئيسي في المديريات الجنوبية وجيرانهم المباشرون في الشمال هم عرب المسيرية البقارة الحمر الذين عاشوا وتفاعلوا معهم لمئات السنيين، قبل الحكم الاستعماري البريطاني والعلاقة بين الانقوك والحمر يمكن تقيسها إلى ثلاث مراحل مقارنة بمراحل العلاقات الشمالية الجنوبية، ففي المرحلة الأولى وهى، فترة ما قبل الاستعمار البريطاني تميزت العلاقة باستقلال الطرفين والعلاقات الدبلوماسية الودية، بالرغم من استمرار تجارة الرقيق، في المرحلة الثانية وهى فترة الحكم البريطاني توقفت تجارة الرقيق واتسمت بالعلاقات السلمية وخضع الطرفان لسلطة مجلس واحد، الذين خففوا من تخوف الانقوك من هيمنة الأغلبية العربية.أما المرحلة الثالثة، وهى فترة مرحلة ما بعد الاستقلال فقد تميزت بحلول السودانيين الشماليين محل الموظفين البريطانيين وضعف دور الحكومة في التوسط والتسويات، وتزايد التوجهات المركزية واتساع دائرة الصراع حول السلطة، يذكر هندرسون أن التقاء الحمر بالانقوك يرجع إلى منتصف القرن الثامن عشر، والسكان الأصليين هم الداجو والشات وتعايشوا في هذه المنطقة دون نزاعات مؤثره، والعلاقات الدبلوماسية والاحترام المتبادل بين القبيلتين نجحا في إبعاد المنطقة عن حملات الاسترقاق التي وقعت في فترة الحكم التركي والمهدي، ورافق الزعيم أروب وفد الدينكا نقوك بعض المتحمسين للمهدية من بين قيادات الحمر ليقابل المهدي ويعلن تأييده لحركته.
معظم التعايش بين الانقوك والحمر كان في واقع الأمر، مرتبطاً بالعلاقات الشخصية بين زعماء القبيلتين، وهى العلاقات التي تعكس صوراً متضاربة للنجاح والفشل في تخطى انقسام الهوية التي تفرق بين الزعماء ورعاياهم بالرغم من أن العديد من أجيال الزعماء قد أدوا أدوارهم في تلك العملية، إلا أن شخصيتي دينق ماجوك وبابونمر تمثلان الأساس في قصة علاقات الانقوك بالحمر . شهدت مناطق الدينكا، قبل إعلان البريطانيين لسياسة فصل الجنوب، درجة من الاسلمة والتعريب، نتيجة لتوفير التمازج السلمي مع الشماليين وعدم وجود خوف من الهيمنة الثقافية والسياسية مما أدى لتمازج اجتماعي واسع بين السكان الجنوبيين وجيرانهم الشماليين وأحداث درجة من التأثير الثقافى المتبادل بين الطرفين.
كانت العلاقات ودية بين القبيلتين، فدينكا نقوك كمجموعة أثنية قليلة العدد وبالتالي امتزجوا وتعايشوا مع قيبلة المسيرية.فمن المعروف بأن الدينكا ينظرون الى الأبقار نظرة مقدسة، فبعض من أفراد قبيلة الدينكا يعملون عند المسيرية في حرفة الرعي، والتعامل سابقا لم يكن بالنقد وإنما عبارة عن أبقار تدفع للراعي متفق علية مسبقا.
فهنالك كثير من التحالفات بين القبيلتين، فالمسيرية فرع العجايرة لديهم خمسة عموديات وكل عمودية لديها طرف مقابل في دينكا نقوك فالمسيرية يمتازون بثقافة عالية وذلك لوجود اللغة العربية فهي تعتبر العامل المشترك بين قبائل الجنوب مع وجود خصوصية في اللغة بالنسبة لدينكا نقوك مما أدى لوجود لغة مشتركة بين الطرفين والتأثير بين القبيلتين واضح فمثلا سلطان دينكا نقوك كان يرتدى الجبة الأنصارية والعمامة.عندما تم أنشاء مجلس ريفي المسيرية عام1954م، أصبح دينكا نقوك جزء لا يتجزأ من المسيرية، واستفاد دينكا نقوك من تواجدهم مع المسيرية لدرجة أن الزعيم بابو نمر تنازل من رئاسة المجلس الريفى لدينكا نقوك، واخذوا قسطاً من التعليم ووجدوا مناصب قيادية أفضل من الجنوب، ودليل على ذلك فقد تلقى احمد دينق مجوك تعليمة في مدرسة حنتوب الثانوية وتولى منصب نائب مأمور في محافظة ريفي المسيرية.
من الملاحظ بان منطقة ابيى تتميز بالتعايش والتمازج بين القبائل المختلفة ، فالمسيرية والدينكا وقبائل أخرى عربية يمثلو خليط من السكان متجانسين من حيث الثقافات والعادات .فنجد دينكا أنقوك أخذت من المسيرية اللغة العربية المحكية، مما جعلنا نتوقف عند كلمة ابيى والتي هي تصغير لكلمة أبى باللهجة المحلية للمسيرية، فاخذوا في التلاقح الثقافى والتعايش السلمي، أما التنوع العرقي بين عموم هذه المجموعات لم يتوقف في الإطار الثقافى والاجتماعي فحسب، بل امتد حتى شمل الجوانب الاقتصادية، فقد منحت الدينكا أراضى زراعية للمسيرية الذين استقروا في ما بعد نهر كير، أما أبناء الدينكا فاستطاعوا أن يفتحوا لهم مشاريع تجارية شمالاً في منطقة المسيرية وانتشرت التجارة بين الطرفين.
نتج من التعايش السلمي والتنوع الثقافى بين المسيرية والدينكا سياسياً واجتماعياً واستراتيجياً في بروز آليات فض النزاعات والمحاكم الأهلية التقليدية القبلية، وذهب بعض مثقفو المسيرية بتسمية بعض هذه الآليات بمجالس البرامكة ، وبخصوص المحاكم تعتبر قراريها حاسمة وعادلة للطرفين المتنازعين، بغض النظر عن موضوع النزاع، ولكن إذا ارتأى السلطان المحلى للانقوك او الناظر المحلى للمسيرية او بعض المتضررين بحق استئناف قرار المحكمة الأهلية فيحق لهم الاستئناف لعموم سلطان دينكا انقوك اوعموم سلطان المسيرية، ومن ابرز نتائج آليات فض النزاع القبلي هذه أنها قامت بإطلاق سراح سجناء أحداث 1965م- 1964م بإصدار عفو عام عن ما تسبب في القتل وخلافه من كلا الطرفين.
تعتبر منطقة ابيى بوتقة للتمازج وتفاعل ثقافي ، وان الدينكا والمسيرية ظلوا يتمازجون عنصريا وثقافيا لقرون بالرغم من مرارات التاريخ التي شهدها السودان، و ينبغي أن ينظر الى المنطقة كمنطقة تمازج مستقبلي رمزا للوحدة الوطنية وبالتالي تتطلب قدرا كافيا من الاهتمام من الحكومة المركزية. ويرى أن مواطني ابيى من الدينكا يطلبون أن يدبروا أمورهم بأنفسهم وان يشعروا بان وجودهم في كردفان ليس وسيلة للضغط عليهم وهذا يعنى أن يكون بعض الإداريين ورجال البوليس والمعلمين من أبناء المنطقة وذلك حتى لا يفهم المواطنون أن صلتهم الوحيدة بالحكم كانت عن طريق زعماء القبيلة كما اقتراح أن يتم ترفيع ابيى إلى المنطقة تابعة لمحافظة جنوب كردفان برعاية خاصة من المركز لضمان استمرارية برامج التنمية وتوفير الثقة.
نتيجة للتداخل والتجانس المتبادل بين القبيلتين فلم يقف عامل اللون او العرق في قضية التزاوج بينهم، وامتد هذا التآخي في أنماط العيش، فالقبيلتين لا اهتمام لهما بوجود البترول في المنطقة بل هنالك تطلعات لتنمية المنطقة من المتعلمين من أبناءها وذلك نسبة لارتفاع ألامية لديهم، وبالتالي يسعون لتنمية المنطقة في المجال الاقتصادي والسياسي. ولكن وجود الاتفاقيات الأخيرة وتبنى الحركة للبرتوكول خلق إشكالية التسابق نسبة لوجود الموارد الطبيعية مما أدى دافع للحركة بالتحرك نحو الشمال للسيطرة على أراضى ليست تابعة أصلا لمنطقة ابيى، وبالتالي فرص التعايش بين القبيلتين موجود إذا لم تصعد حركة تحرير السودان الوجود العسكري في المنطقة.
من الملاحظ بان مظاهر التعايش السلمي والتنوع الثقافى بين القبيلتين امتد الى ثقافة الأزياء فقد تأثر الانقوك بلبس الجلابية والطاقية وحذاء المركوب الى ما بعد نهر كير الى اعالى النيل وغرب الاستوائية الى أدغال الجنوب فلم يتوقف عند حدود ثقافات الانقوك بل امتد الى القبائل الأخرى الموجودة في المنطقة مثل دينكا بور والشلك وغيرهم بينما تأثر المسيرية في ثقافة لأزياء بارتداء طواقى النخبة التي يلبسها سلاطين الانقوك كنمط اجتماعي للتلاقح الثقافى والتعايش السلمي والتنوع العرقي بين عموم هذه المجموعات وإذا نظرنا للآلات الموسيقية الشعبية التراثية كعنوان للتعايش السلمي والتنوع الثقافى بينهما، فهنالك بعض الآلات أخذتها الانقوك من المسيرية، ومن المعلوم بان المسيرية لم يتدخلوا دينيا في معتقدات الانقوك ألا بمقدار التداخل الثقافى والتجاري والتأثير الذي جعل العديد من أبناء الانقوك يختارون الإسلام ديانة لهم عن طواعية وليس عن أكراه، وإذا كان الانقوك يعتبر بان البقر كائن مقدس ، فأن المسيرية أخذت المذهب الوسطي وهو الافتخار بالماشية، البقر خصوصاً، فعندما كانت الانقوك تطلق بعض أسماءهم على أبقارهم مثل شول ونيال ...الخ كانت المسيرية تطلق أسماء على أبقارهم مثل الحمرا وضواية والتور اب حجل وهى صفة للإنسان الشجاع، كانت هذه المباهاة البينية بينهما تدل على مدى تقدير القبيلتين للماشية عامة والبقر خاصة كمورد اقتصادي وعنوان اجتماعي.
ولقد أدى التزاوج بين المسيرية والدينكا الى توطيد روح التاخى والتعاطف بينهما حتى تجاوزت العلاقة بينهما مصطلح التعايش السلمي والتنوع الثقافى الى مصطلح أخوة المسار والمصير.فهنالك الكثير من أبناء المسيرية يتحدثون لهجة دينكا نقوك بطلاقة، وهؤلاء هم الذين استقروا تماما في بلاد الدينكا وتزاوجوا من نساء الدينكا.
من الملاحظ بان التعايش السلمي لم يتوقف في الإطار الثقافى والاجتماعي فحسب وإنما امتد الى الجوانب الاقتصادية، فالمسيرية الذين استقروا في ما بعد نهر كير وفى عمق بحر الغزال منحهم الانقوك أراضى زراعية بحكم النسب، وأبناء الانقوك الذين رحلوا شمالاً وعملوا رعاه في ضواحي بابنوسة او المجلد و الميرم فقد كانت تأتيهم نسبهم من المواشي حسب ما يلية العرف بين القبيلتين واستطاع بعض من أبناء الدينكا نقوك أن يفتحوا لهم مشاريع تجارية شمالا في بلاد المسيرية مما أدى الى انتشار التجارة بين الطرفين.
يرى الباحث أن الفكرة الأساسية وراء مقترح التعايش السلمي هو أن يخلق في أوساط المسيرية الحمر ودينكا نقوك منطقة سلام مشتركة تكون نموذجا لإعادة الإرث التاريخي والاجتماعي بين القبيلتين ،ومن ثم، يمكن تطبيقه على مناطق نزاع أخرى في السودان.و يتضح مما ذكر سابقا، بأنه هنالك إمكانية للتعايش السلمي بين المسيرية ودينكا نقوك وان على القبيلتين التجاوز عن مرارات الماضي وذلك بوضع رؤية مستقبلية.
nazik hilal [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.