Sudan in Turmoil: Hassan al-Turabi and the Islamic State بقلم: بيتر وودوارد ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي عرض كتاب: هياج عظيم في السودان: حسن الترابي والدولة الإسلامية. 1989 – 2003م" Sudan in Turmoil: Hassan al-Turabi and the Islamic State بقلم: بيتر وودوارد ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي تقدمة: قام بروفيسور بيتر وودوارد (بروفيسور العلوم السياسية بجامعة ريدنق، والمتخصص في الشئون السودانية، والذي عمل في السودان بين عامي1966 – 1967م كمدرس للغة الإنجليزية بمدرسة كوستي الثانوية، ثم محاضرا بجامعة الخرطوم حتى عام 1971م) بعرض لكتاب " هياج عظيم في السودان: حسن الترابي والدولة الإسلامية. 1989 – 2003م" لمؤلفيه ج ميلارد بير وروبرت او كولنز، والذي نشرته هذا العام (2010م) دار ماركوس فينير بوبس في بيرستون بالولاياتالمتحدة الأميريكية. نشر هذا العرض (والذي نترجمه بتصرف) في العدد الثاني والأربعين من المجلة البريطانية "دراسات السودان" والتي صدرت في يوليو 2010م. عندما حان أوان تقاعد روبرت (بوب) كولنز رسميا من عمله كبروفيسور في جامعة سانتا باربرا بكالفورينا، حكى لي أنه "لا ينتوي أن يقضي وقته في جز العشب". وبالفعل، لم يقم بوب بقطع العشب في ما أقبل من سنوات، ولم يدع العشب ينمو تحت قدميه، بل مضى يبحث ويكتب ويدرس حتى أيامه الأخيرة. شاركه في تأليف هذا الكتاب مساعده الوفي ج ميلارد بير، والذي اشترك معه من قبل في عدد من المهام البحثية، وعمل في عدد من مشاريع الإغاثة في السودان. يعتبر هذا الكتاب متابعة لكتاب ضخم سابق للمؤلفين عن الترابي، هو كتاب "السودان الثوري" والذي صدر في عام 2003م عن دار بيرل بهولندا. والكتاب الحالي نسخة مصغرة ذات غلاف ورقي من ذلك الكتاب الضخم، مما يجعله في متناول عدد أكبر من القراء، وبه - بالإضافة لذلك - فصل جديد يتناول اتفاق السلام الشامل والذي تم التوقيع عليه في عام 2005م. دأب الترابي ومنذ بداية 1989م لتتويج سعيه القديم الذي بدأه بإنشاء حزب "الأخوان المسلمون" و"الجبهة الإسلامية القومية". لم تكن للجبهة الإسلامية القومية شعبية واسعة، إذ لم تحرز نصرا سياسيا كبيراً في آخر انتخابات في عهد الديمقراطية عام 1986م، قبل الانقلاب الإسلاموي في 1989م. كان نجاح خطته الإستراتيجية في تولي أمر الدولة بانقلاب ناجح هو مصدر عجب كبير. وبنظرة إلي ما جرى في السنوات السابقة، نجد أن تخطيط الجبهة لذلك الانقلاب كان قد بدأ مع بداية عملية المصالحة الوطنية في عام 1977م، بيد أن ذلك التخطيط العريض والمحكم مر دون ملاحظة أو مراقبة. لقد خلق ذلك التخطيط دولة سرية داخل الدولة خلال سنوات الثمانينات، وبلغ من السرية قدرا عظيما نجح معه في خداع حتى الحكومة المصرية، والتي سارعت بالاعتراف مبكرا بالنظام الجديد، ثم عادت فندمت على فعلتها بعد أن استبانت لها حقيقة ذلك النظام. يجب أن أسجل هنا أن هنالك من المسئولين المصريين ممن لم يخدعوا بطبيعة النظام الجديد في السودان. اتصل بي وزير مصري سابق صباح يوم الانقلاب محذرا. ظللت ممنوعا من الدخول للسودان طوال سنوات حكم الترابي باعتباري "خطرا على النظام الإسلامي". ظل التاريخ الذي يرويه بوب دوما منصبا على البحث التاريخي الرصين المكتوب بقوة وجزالة تجعل نصوصه وحوادثه تمر أمام أنظار القراء حية تسعى، ولم يكن من النوع الذي يركز على الأفكار السياسية والأيدلوجية. لم يشذ بوب عن هذه القاعدة في كتابه الجديد. يستعرض الكتاب في فصليه الأول والثاني ما قام به النظام من محاولات (ناجحة) لتثبيت أقدامه في الداخل والخارج. شملت الإجراءات الداخلية الأمن، وقمع أكبر عدد ممكن من المعارضين المحتملين، وبناء قوة للدفاع الشعبي. تلك كانت هي بداية عهد من القمع السياسي لم تشهد البلاد مثيلا له منذ استقلالها. خارجيا بدأ النظام في إقامة علاقات مع أنظمة مريبة وجماعات مشبوهة وشخصيات مطلوبة أمنيا (على الأقل من وجهة النظر الغربية) من نوع أسامة بن لادن وكارلوس الثعلب. بدأت ملامح المشروع الإسلامي في الظهور تحت تأثير الترابي القوي في سنوات التسعينات. ولقد خصص الكتاب معظم صفحاته لرصد دور الترابي في صنع أحداث تلك الفترة. على المستوى الداخلي كان إصدار دستور إسلامي جديد، والمحاولة المفرطة الطموح لإعادة تشكيل فكر الناس وأسلمة الحياة في كل المناحي هو أحد ركائز وإنجازات ذلك العهد. كانت عملية "أسلمة الاقتصاد" بوجه خاص، ومحاولة سحق الحركة الشعبية في الجنوب من أهم معالم تلك الفترة. على المستوى العالمي برز الترابي كسفير متجول للحركة الإسلامية العالمية، يخطب أمام مجلس العموم بلندن والكونجرس بواشنطن معلنا عن نهاية"الدولة القطرية". وسعى الرجل في جعل الخرطوم عاصمة للعالم الإسلامي الراديكالي المتطرف، وعين كأمين عام للمؤتمر الإسلامي العربي. كان المصدر الأساس لكل ما ذكرنا الثقة المفرطة للرجل في نفسه، وإيمانه بأن نظرته الكلية للإسلام ومستقبله تبرر كل وسيلة. نلمح في ما يلي من فصول الكتاب بداية النهاية. يزعم كثير من الناس أن نهاية عهد الرجل بدأت مع محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا في عام 1995م. انتقل السودان من بعد تلك الحادثة من حالة كونه معزولا إلى حالة كونه مهددا لجيرانه الذين يرون (ومن خلفهم الولاياتالمتحدة) في توجهاته الإسلامية "المتطرفة" خطرا عليهم، فزادوا من دعمهم للحركة الشعبية. في ذات الوقت ظهر عنصر إغراء جديد لكثير من رجال النظام هو المال، فلقد زادت الثروة بعد موافقة الصين في الدخول في عمليات استخراج البترول (بعد إبعاد الشركات الغربية عنها). بدأ البترول السوداني في التدفق في عام 1999م، وفي ذات العام بدأ الترابي في تحدي البشير من موقعه الجديد كرئيس للبرلمان، وما لبث بعدها أن وجد نفسه معزولا ثم سجينا من بعد ذلك (ظل الترابي في حالة دائمة من الدخول والخروج من السجن لعقود، وقال لي ذات مرة أنه لا يجد فرصة للقراءة إلا حين يجد نفسه سجينا!). يعتقد المؤلفان أن هذه هي نهاية الترابي بالفعل. بيد أني أرى أن هذه ليست نتيجة محسومة بعد. عندما يخرج الترابي من السجن سرعان ما ينغمس في السياسة، بل إنه قاد حزبه (المؤتمر الشعبي) في انتخابات عام 2010م. تشير كل الدلائل إلى أن الجنوبيين سيصوتون لصالح الانفصال في يناير 2011م، ولاشك أن كثيرا من المؤرخين سيشيرون في المستقبل للترابي كأحد الذين ساهموا في تقسيم السودان بحدوده المعروفة منذ 1956م (بل قبل ذلك. المترجم). سيفتح ذلك أيضا الباب لما يعرف اليوم بالسودان الشمالي، ويؤكد عقيدة المؤتمر الشعبي الإيديلوجية القائمة على الطبيعة الإسلامية للبلاد. إن حدث هذا فسيصبح الترابي بلا منافس في الحركة الإسلامية، وقد يعود أقوى مما كان عليه في عام 1990م. بيد أن كل ذلك سيكون على النطاق المحلي، ولن يتعداه للعالم الخارجي كما كان عليه الحال في تسعينات القرن الماضي. يختم الكتاب بكلمة رثاء في ذكرى بوب كولنز بقلم واحد من طلابه العددين هو د/ أحمد سكينجا، والذي غدا أكاديميا مستقلا نابها. لا ريب أن هنالك عددا كبيرا من الطلاب ممن نهلوا من علم ودراسات وفكر بوب. سيذكره الكثيرون ممن عرفوه جيدا، وسيذكره كذلك كل من استفادوا من كتبه دون أن يحظوا بتلك المعرفة. نقلا عن الأحداث badreldin ali [[email protected]]