التقيت الصديق د. صدقى كبلو بدار عزة للنشر والتوزيع - وهي دار تذخر بالكتب النادرة ويعج مكتب صاحبها ومديرها نور الهدى بوجوه بعض الكتاب والأدباء والمفكرين الذين تفرقت بهم السبل - بعد فراق تجاوز حدود العقدين من الزمان كان فيها كلانا يضرب وهاد الغربة أو الهجرة بعيداً عن ربوع البلاد التي جمعتنا ذات يوم تحت تعريشة إخاء حميم وزمالة نضال قديم، وقبل هذا وذاك افتتان بسحر الكلمة المموسقة شعرا0ً فهو عابد ينحني إجلالاً لكل بديع ويحفظ في ذاكرته جميل القول لكل مبدعي الزمان الجميل منذ الستينات والسبعينات التي تميزت ببزوغ نجم مدرسة الغابة والصحراء وما تلاها من ثراء شعري وشعراء تفردوا في طرائق البوح وأدوات التعبير0 لم يتردد أي منّا في معرفة الآخر رغم الخطوط التي رسمها الزمان بفرشاته على ملامحنا، وربما كان للتواصل عبر الأسافير دوره في تقريب الشقة وخلق الترابط من حين لآخر بين البعض، لكنه ليس بديلاَ عن اللقاء اليومي والتفاكر المرئي0 وكعادة الذين ربطتني بهم تلك السنوات الماضية قبل أن تباعد بيننا سنوات أخر، يكون التساؤل الأول دائماً عن جديدي في ساحة الشعر التي قدمت فيها نفسي أولاً لساحة التلقي، قبل أن تسرقني ثرثرة التناول والتداخل الحياتي لعقود عبر زوايا يوميات (الأيام) ونافذة (الأسبوع) ومفكرات (الخرطوم) ويوميات (آخر لحظة) فصارت لي ملاذاً ومتنفساً0 الشعر يا صديقي كما قال محمد عبد الحي، رزق من الله، أو هو عار ربة زنت كما قال النور عثمان أبكر لهما الرحمة، وهو ممارسة تتباين عند بوابتها المقولات بين كل شاعر وآخر وإن اتفقوا على المفضيات، فقد يكون الشعر عطاءاً يتنزل عفو الخاطر بزي الحاضر لينسكب كالماء الزلال في جوف المتلقي الفطن وقد يكون ترياقاً أو بلسماً لشفاء الذات من جور الزمان وحرقة التجارب أو نزفاً داخلياً يتبدى إبداعاً على السطح0 في هذا المقام أجد نفسي منساقاً وراء قول الشاعر صلاح عبد الصبور : (معذرة يا صحبتي لم تثمر الأشجار هذا العام / فجئتكم بأردأ الطعام/ ولست باخلا وإنما فقيرة خزائني/ مقفرة حقول حنطتني/ والشمعة الوحيدة التي وجدتها في جيب معطفي/ أوقدتها لكم)0 فها هي قصيدتي (تضاريس المدى) التي أحسب أن صدقي كبلو، وقد عاد لمهجره، لم يطلع عليها وهي ليست الشمعة الوحيدة عسى أن تكون (تصبيرة) لأخريات: ضاءَتْ رؤاكَ على تضاريسِ المدى وهجاً يشع سنا وسامته اختيالاً وانسيابْ فتفتقت هممُ التسامي والرحابْ ها إنني أعدو، ألوذُ بمقلتيكَ توسلاً أن يرتوي كَلَفي وتغمرني بفوحِ نداكَ أوديةُ العُبابْ لهفي على هذا السموقَ المستطابْ، لو استريحَ على جدائله ضموراً وانسكاب ها قد تسلّقَ ضوءُ عيني سُلّماتَ التوقِ، ما وهَنْتْ قوايَ من الصعابْ أرنو إلى تعريشة اللقيا بصدرِ غمامةٍ حبلى مراتعُها الشعابْ فأسوحُ تنتعلُ الخطي مني بساطَ الريحِ، ينشدُ شوقُها الترحابْ بشراكَ يا وجعَ السنينِ و يا ارتحالَ العمرِ لو سفري يحطَّ رحالَه شُرَفْ التقبلِ 00 لا تباريح الإيابْ كانت رؤى الوطرِ المهيضِ ونأمةُ الملتاعِ تجثو في مرافئ الغيبِ مثقلةَ الهمومْ دوني جدارُ البينِ ينهضُ برزخاً صَلِفَ التخومْ هذي يدي مَدّتْ حبالَ وصالها كسفائنٍ ترنو لمرتكزِ الوصولْ وتمنطقتْ لغةَ السماحةِ والتضرّعِ والنحولْ، فألاً تدثّرَ بالمني ورغائبَ مقصدي المأمولْ الآنَ ما بيني وبين مداكَ تعلو همهماتُ القولِ، تستبقَ الأفولْ الآنَ لي شَرفُ الدخولِ إلى مدائنكَ الرِغابْ فهناك في العرصاتِ ما يدعو، يُزيلُ غشاوةَ غابرٍ ورؤى إكتئابْ0 Salah Yousif [[email protected]]