مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    ماذا بعد انتخاب رئيس تشاد؟    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضايا ومنازعات امدرمانيه -5- .. بقلم: شوقي بدري
نشر في سودانيل يوم 16 - 03 - 2011

في حي العباسية فوق و شمال ميدان الربيع مباشرةً سكنا لفترة . و كان الحي يحوي كل الوان الطيف والمجتمع السوداني . كنا نمثل اغلب القبائل السودانية . و لم يكن قديما في امدرمان , من المهم من اين اتيت و من أي قبيلة . و كان طرح الانسان و تصرفاته , و تعامله مع الاخرين هو الذي يحدد العلاقة .
الشخص الوحيد الذي في ذلك المربوع و الذي لم يكن سودانياً بالمنشأ كان هو جارنا اليمني علي بن علي . و كان يميزه هو لونه الفاتح . و كان متزوج من سودانية . و كان جارنا عبر الحائط من الجهة الشمالية و كان له كنتين كبير يديره اثنين من اليمنيين احدهم احمد و الاخر عرف بزغلول . و زغلول لم يكن اسمه زغلول بل كسب هذا الاسم في امدرمان . و صار حتى العم علي بن علي و بقية اليمنيين ينادونه بزغلول . وكان لعلى بن على دكان صغير آخر فى شمال قبه الشيخ دفع الله الغرقان فى مدخل ميدان البوسته .
زغلول دخل في اشتباك مع احد اهل العباسية . فقال له ابن العباسية ، و يبدو انه كان مصقوعاً ( امشي كدا عامل زي سعد زغلول ) . و زغلول كان يقول و الله لو كنت اعرف الراجل حا يعمل لي مشكلة قدر كدا , صرت حتى في البلد اعرف بزغلول . لما دخلت معه في مشادة .
أحد الاخوة الذي ربطتنا به صداقة امدرمان ، صار احد اشقائنا , و صار من سكان المنزل , و لا تزال صلتنا و احساسنا نحوه بأنه شقيقنا لم تنقطع . وامتد هذا الشعور نحو اسرته واشقائه. كان يكثر الجلوس مع احمد و زغلول . و كان يشاركهم حتى في غربلة العيش . و كانا لا يطيقان غيابه . و كانا ينادونه للسمر معهم في المساء ، عندما يقل الزبائن . صديقنا كان صاحب مزاج كتح , و صقعي . و كان بعد ان ينصقع , يحكي لهم القصص و النكات . و يضحك الاثنان من قلبيهما . و الصديق كان طالباً في السنة النهائية و من المتوقع ان يدخل الجامعة . و كان والده الذى يعمل فى الجنوب يرسل له مبلغاً محترماً . و لكن لم يكن يذهب كثيراً الى المدرسة . و صار من اعلام امدرمان , و أحد ظرفاء امدرمان . وهو الآن شخص متدين ومحبوب ومعتدل .
و عندما قرر ان يرجع الى اهله , اكتشفنا انه كان عنده حساب و جرورة عند أحمد اليمني , و كذلك عند زعلول . و لم يكن احداً من الاثنين يعرف ان صديقنا يجر منه السجائر و الحلاوة و الطحنية للتحبيس بعد السجارة . و الفول و العيش و الجبنة للعشاء . و في بعض الاحيان يكن الموضوع ريال أو عشرين قرش لأغراض اخرى .
عندما اختفى صديقنا اكتشفنا انه كان عنده ديون عند فضل الساتر, ست القام زوت , و حوا كلاب ست العسلية . و لكن الجميع كانوا يكنون شعورا طيبا نحو صديقنا . و كنت احسب أن اليمنين سيغضبون أو يطالبون اهلي بدفع الحساب . و هذا لما كان يشاع عن تقتير اليمنين و حبهم للمال . و لكن الاثنان كانا يقولان ان ما يوجعهم اكثر ليس فقدان المال , و لكن انقطاع صلتهم و سفر الاخ الذي كان انيسهم . و كانوا يكنون له كل الحب . و قاما بتمزيق ورقة الحساب . و كانا يحاولان ان يتسقطا اخبار صديقنا و يسألون عنه عن ود حقيقي .
فضل الساتر التي كانت جارتنا من الناحية الشمالية الغربية , كانت تتواجد في منزلنا يومياً . و تبدأ كل جملها بكلمة ( أجييييييييي ) . و كانت تعيش لوحدها . و اشتهرت بجودة الصنف . و لفترة وجيزة رحل في ذلك المربع تاجر معروف . و تضايق من الذين يطرقون باب فضل الساتر للشراء في الليل . و من الممكن أن بعض الزوار قد طرقوا باب التاجر بالخطأ . فقام التاجر بتهديد فضل الساتر بأنه يسيطردها من الحي . فأكتفت بأن قالت له ( السكر الناس سو ليهو كشك في الجنينة ) و كانت تقصد احد كبار الضباط في حكومة عبود و كان مديراً لمؤسسة حكومية , و كانت له حديقة و كان كبار رجال الدولة يترددون على داره.
و اضافت فضل الساتر .( و انتوا قزازكم الليل كلو يتطاقش , و لا انتوا عشان حقكم من ارونتي ) و كانت تقصد الارمني المشهور في امدرمان و صاحب اكبر بقالة و متجر للخمور . و أسمه الحقيقي يارافنت مارقوسيان . و متجره في الركن الشمالي الغربي للجامع الكبير . و واصلت فضل الساتر قائلة ( سعادة القاضي و المفتش ما جيراني , انا بخش بيتهم كل يوم . مافي يوم سمعوني كلمة فارغة ) . و كانت تقصد والدي رحمة الله عليه ابراهيم بدري الذي كان أول مفتش اداري سوداني عندما كانت هذه الوظيفة حكرا على البريطانيين . و محمد صالح عبد اللطيف زوج اختي و كان يشاركنا السكن .
و كانت فضل الساتر تدخل المنزل في اي وقت تشاء كأنها احد سكان المنزل كعادة اهل امدرمان قديما . ليست هنالك حواجز أو ما يفصل الناس . و بعد فترة تحسنت علاقة فضل الساتر مع التاجر بعد أن احس بأهمية فضل الساتر و أهتمام أهل الحي بها .
صديقة فضل الساتر و رفيقتها كانت أم سعيد . و كانا لا يفترقان . و يتواجدان دائما في حوش فضل الساتر . و لكن فجأة انتعشت الخالة أم سعيد . و يبدو أنها نقشت سر الصنعة من فضل الساتر . و صارت منافسة و ان لم تكن على نفس مستواها . و أم سعيد كانت تستأجر الغرفة في حوش العم محمد خير الكبير الذي ضم مجموعة من البشر . و تزوج ابنها سعيد و هو طباخ عوازيم من السيدة فاطمة مسمار النص . و هي سيدة فاتحة اللون , تمتاز بالجمال , و تمتاز بالأدب و لطف المعشر . و كان معروفاً بأنها تمتعت بسمعة عاصفة في بداية حياتها . و كانت تأتي الى منزلنا بأستمرار . و هي من النوع الذي يتدخل فيما لا يعنيه و لا ترفع صوتها ابداً .
و في أحد الايام وجدت فضل الساتر ام سعيد في منزلنا و فنجان القهوة في يدها . فقالت لها بما عرف في امدرمان بنظام جر شكل ( مالك بقيتي ما بتجيني) فقالت ام سعيد بأستخفاف ( أجي اسوي عندك شنو) . فقالت فضل الساتر ( تسوي عندي شنو ؟ تلوجي زي ما كنتي بتلوجي زمان ) . و اللواجة حسب كلام اهل امدرمان هي الاكل بشراهة أو بكميات كبيرة . و لا تزال اختي نظيفة متعها الله بالصحة تقول لنا عندما تهيئ الغداء ( تعالوا يا أولاد لوجوا زي ما قالت فضل الساتر ) .
لفترة صارت فضل الساتر و أم سعيد في حالة ردحي و مشاكسات . و أم سعيد لم تكن في مستوى فضل الساتر في رص الكلام و السجع و الصوت العالي . فأكتفت الخالة ام سعيد بأن سعت كلبة و اطلقت عليها اسم ( ما يقولوا ). كانت الكلبة الوحيدة التي لم اسمعها تنبح . و كان البعض يعلق عليها بأنها ماكلة مشك . و المشك هو ما يتبقى بعد تصفية المريسة . و يعطى عادة للأغنام , و يساعد هذا في در اللبن . و لكن الغنم بيكون مدومس بأستمرار .
في امدرمان كانت هنالك كلاب يحملون اسماء لتغيظ الاخرين . خاصة بين الضرات . مثل ما هامينا , و اللقا نسا , و الخوة فلوس . و لكن شكلة فضل الساتر و ام سعيد انتهت بمصالحة و تدخل أهل الحي و خاصة والدتي و اصلحت بينهما . من العادة ان يقوم الناس المعروفين بالجرورة من ستات العرقي او في بيوت المريسة و يدفع الناس في نهاية الشهر كالعادة . حتى بعض بائعات الهوى كان لهم زبائن يدفعون في نهاية الشهر . و أحد نساء امدرمان و ست العرقي , اختفى احد زبائنها . و لم يدفع المعلوم . و صار يشتري من مطار اخر . أو ما عرف في أمدرمان ببنوك الدم . فذهبت له في الصباح بعد ان انعشت سكرة الليل بنصية صباحية . فبدأ في المغالطة و أنه عرف بأنها تضيف السيكران في العرقي . و أكثر من ترديد ( اذا كان ) . فقالت له ( انا عرقي مافيهو سيكران , و لو داير تقول لي اذا كان انا حا اقول ليك لو كان و اذا انت جان انا بخور لبان و كان انت الخرطوم انا امدرمان ادفع يا سجمان و لا ....) . فدفع الرجل صاغراً و عادت العلاقة . نساء هذا الحى كانوا اكثر من بكى ابى ، ويبكون ويقولون الليله وين يا جار الهنا .
منزل العم محمد خير كان ما يقال عليه في امدرمان حوش بقر . و هذه هي الحيشان التي يستأجر منها الانسان غرفة أو جزء من الغرفة . و أكبر حوش بقر كان بالقرب من منزل الاميرالاي عبد الله خليل رئيس وزراء السودان بعد الازهري . و هذا الحوش كان يخص ود شايه جد الاستاذ عبد الرحمن مختار و شقيقه حسن مختار . و الذي كان امام الجزيرة ابا. و في هذا المنزل نشأ عبد الرحمن مختار و حسن مختار و خيلانهم . و لكن ابنه و خال عبد الرحمن مختار قام ببيع المنزل . فأشتراه الجبلاب و صار اكبر مركز لنسيج الفراد في امدرمان . و بعد الجبلاب صار المنزل حوش بقر . و يسكنه مجموعة ضخمة من البشر . و كان مركزاً لشرب المريسة و الخمور البلدية . و كان هذا اشهر حوش بقر في امدرمان .
العم محمد خير و زوجته زهرة بضم الزاء , كان يجلس كل اليوم امام منزله على طاولة صغيرة . و هذا على بعد اقل من مترين من شباك مطبخنا الكبير . و كان يتناول كل وجباته و مشروبه امام الدار . و عندما يسترخي في كرسيه الوثير كان العراقي يرتفع قليلا و تظهر سرته كبالون صغير و هو لا يهتم . و العم محمد خير كان يحب أكل القطط . و كان ينصب لها الفخاخ في رأس المنزل . و الفخ عبارة عن صندوق خشبي بباب ينقفل عندما يدخل القط لأخذ قطعة اللحم المعلقة داخل الصندوق . فيضع العم محمد خير فتحة الصندوق داخل جوال و يقوم بقفل الجوال و يضرب بالقط الارض أو الحائط , و تكون عملية المزة قد أكتملت .
كثير من أهل العباسية كانوا يربون الحمام . لزيادة دخل الاسرة . و البعض كان يقول ساخراً ( انحن بنبيع الحمام عشان نشتري الويكة ) و يضيف ( عشان نحن ما بنحب اكل الحمام ) . وأهل الابراج كانوا لا يحبون القطط و الذين يربون القطط . و كان اصحاب الابراج ينصبون الفخاخ للقطط . و تجد القطط طريقها داخل شوال كهدية معتبرة للعم محمد خير . و في بعض الاحيان يأتي من يختفي كديسه غاضباً الى محمد خير . و تكون هنالك شمطة , و محمد خير ينكر كالعادة . وقد ينتهى الامر بالشتائم والتهديد .
أحد سكان حي الامراء كانت عنده قطة مدللة و اصيبت بوعكة . فأتى بها الى صديقه الدكتور سلمان بدري الطبيب البيطري لعلاجها . و الرجل حفيد الخليفة عبد الله التعايشي و بعد أن تعافت القطة اختفت . فغضب الرجل غضباً شديداً لان ابنائه متعلقون بالقطة و قال لسلمان بدري ( كيف امسكك كديستي و تقول لي شردت ) فقال له سلمان بدري بمساخة الرباطاب ( ياخي كديستك شردت , انت جدك العندو الجيوش خلى سلاطين شرد تقول لي كديستك شردت ) . و هذا الأمر ردده ناس امدرمان و حدثت قطيعة لفترة بين الرجلين بسبب الكديسة . و لكن العادة في امدرمان يتصافى الناس بعد فترة .
علي عليليبة كان جزار كيري . و جزار الكيري طبعا يذبح خارج السلخانة . و هذا ممنوع حسب القانون . و بالرغم من انه هناك كان جزارا في وسط ميدان الربيع , من الجانب الشمالي , و هو الجار المباشر للأستاذ المحامي فاروق ابو عيسى . الا ان اغلب اهل الحي كانوا يشترون من علي عليليبة . خاصة و أن جارته حوه كلاب كانت اشهر بائعة عسلية في الجمهورية . و بت أحمد اشهر بائعة عرقي في السودان . و هي من فريق عمايا شرق ميدان الربيع . و هنالك منازل كثيرة في العباسية بما عرف ببنوك الدم . حيث يذهب لشرب المريسة يوميا ً . و هؤلاء يحتاجون للشواء و الكمونية و ام فتفت وام مالبينه . لحلل القطر قام . و كان علي عليليبة يرتب لنا كيلويين من لحم الضان يومياً . و كان يندر أن يعطي اللحم لأختي نظيفة عن طريق الشباك بدون ان تقرعة أو تعنفه بسبب العظام أو الشحم . و في بعض الاحيان بدون سبب وجيه . و كان يتقبل كلامها بطيبة خاطر . بالرغم انه اشتهر بحدة الطبع و الشدة . و لكن قديماً كان الرجال لا يتطاولون على النساء في امدرمان .
بينما انا اتناول العشاء في حوش المنزل , سمعت اصواتاً تعلو . ففتحت باب الزقاق , و شاهدت اشتباك بين علي عليليبة و الدابي . ثم تراجع الدابي و هو يحمل عصا في شبه هرولة . و سمعت علي عليليبة يقول له ( انا عارف لما القاك براك بتجري ). فأنتهرتني والدتي و طالبتني بالدخول . و هي تقول ( انت ما بتخلي المشاكل , ما كفاية كم مرة جايبنك من الحراسات بشكلك ). بعد فترة ذهبت لكي اسهر مع صديقي الميكانيكي الحداد و الفنان الزين قبور رحمة الله عليه . ويفصلنا زقاق ضيق . و كنا نجتمع في منزلهم باستمرار . و يضم دارهم العامرة كثيراً من الفنانين و العازفين . ثم اتى فتحي شقيق الزين الذي كان قوياً و باطشاً و يعرف باللبخ . تشبهاً باللبخ فتوة امدرمان وكان يمارس النهب والقتل وانتهى به الامر الى المشنقه . و قال انه قد شاهد علي عليليبة امام شركة النور . و هذا ما عرف فيما بعد بالادارة المركزية . و كان هنالك ينام الترماج و البصات . علي عليليبة قد ذكر له بأنه قد طعن الدابي و انه ذاهب ليسلم نفسه للبوليس . و حكيت لهم انا ما شاهدته . و بعد فترة سمعنا صوت عربة تدخل الزقاق الضيق . و هذا ما لم يحدث ابداً من قبل . و كان هذا ، كومر البوليس . الذي أتى لأخذ علي عليليبة . و الذي كان يواجه تهمة القتل . و كان القاضي هو جاره محمد صالح عبد اللطيف قاضي جناية امدرمان .
لأن الدابي قد اتى لمنزل علي عليليبه في الليل و كان مسلحاً بعصا , و ان علي عليليبة قد طعنه بالسكين طعنة واحدة . الحقيقة هي كانت عملية شرط بواسطة الكذلك وهى سكين الجزار الحاده . و علي عليليبة جزار متمرس . فقد غير محمد صالح عبد اللطيف التهمة الى القتل العمد . و ليس القتل العمد مع سبق الاصرار و الترصد . و العقوبة لا تزيد 12 الى 14 سنة سجن . و لكن لا تصل الى الاعدام . و أخبرني محمد صالح قائلاً صحبك على الليلة ممكن ينوم مرتاح . فأخبرت اهل الحي خاصة اهل علي عليليبة و اصدقائة ففرح البعض , و تأسف البعض لموت الدابي . و حكم على علي عليليبة بي 12 سنة سجن .
بعد ذهاب علي عليليبة الى السجن . سكنت في منزله الخالة كلتوم . و كان لها ابن وحيد اسمه ابراهيم و هو شيطان لا يشق له غبار . و في السبعينيات كان هنالك مطعم في الطابق الارضي في بارك هوتيل وسط كوبنهاجن و كنت احب الذهاب اليه . و في احد الايام دخلت ذلك المطعم . و كانت الخالة كلتوم تجلس في ذلك المطعم و بجانبها فتاة اوربية جميلة و ترتدي ملابس انيقة . و قبل ان افيق من دهشتي ظهر ابنها ابراهيم . و الذي لا يزال يسكن معنا في السويد في الشاطئ الغربي . و هو من مواليد الفاشر . و كانت الفتاة الاوربية زوجته ايفا . و كانت الخالة كلتوم في طريقها الى المطار راجعة الى السودان . بعد اجازة في زيارة ابنها . و كانت تلك من ألطف المقابلات في العالم . فآخر شخص كنت اتوقع ان اراه في كوبنهاجن هو الخاله كلتوم من العباسية فوق .
جار الخاله كلتوم كان نجاراً . يتمتع بشخصية غير عادية و عرف بالعباسية بعيسى بن مريم . و من سكان منزله كان يسكن شاب صغير السن من خارج امدرمان . صار فيما بعد من كبار الفنانين . و صار يزور سيده مطلقة في منزلها . فنصحه احد اصدقائه قائلاً ( ياخي ناس امدرمان ديل كان خلوك في حالك ما ت ضيقها . و مافي لزوم توقف عربتك قدام البيت و تتضرع و تعاين للناس بدون ما تسلم و تخش ) . و كان يقول له ( انا مافي زول مالي عيني و انا و انا ... و ناس امدرمان ديل ما بهموني ) . و في احد الايام طرق الباب ولد صغير و قال للفنان الجماعة ديل عايزين يتكلموا معاك . فدخل الفنان بسرعة في عربته و ادار المحرك , و برغم من ان الاربعة لساتك كان بدون هواء الا انه انطلق بها بسرعة . و بعد فترة اتته رسالة ( ياخي المرة دي مرة في الحلة , و نحن قلنا امكن سعدها جاها . اسي لو انت عايز تجيها بي أدب نحن ما عندنا مشكلة . وقف عربتك بعيد و تعال داخل ) . و الدرس الامدرماني كان لو الناس خلوك ما تضيقها .
فى ايام نميرى وعنترياته الغير مدروسه ، حاول ان يحل مشاكل الغلاء بالبنونيه . ففرض اسعار لم تكن معقوله وكان الامر عباره عن توجيه كل اللوم للتجار. كأن قام بجوله بطياره هليكوبتر حول العاصمه وفرض سعر محدد لكل الخراف قبل عيد الاضحى . ولكن الناس فى امدرمان رفضوا شراء تلك الخراف بالرغم من وجود البوليس ومحاوله فرض الاسعار . وكانوا يقولون الضحيه لا تصح الا برضاء البائع والمشترى .
ومن منزلنا الحالى فى جوار قبه الشيخ دفع الله الغرقان كانت اختى نضيفه تذهب لشراء اللحمه من الجزار الاخ صباحى ، وعندما مدت نضيفه يدها بالفلوس لصباحى ابرز احدهم بطاقه . وطلب من صباحى ان يتبعه للمركز لانه قد باع باقل من التسعيره . فتصدت اختى كعادة اهل امدرمان لرجل البوليس قائله ، انت مالك باع لى بالتسعيره فسأل رجل البوليس اها التسعيره كم ؟ . فقالت نضيفه القروش دى قروش قديمه انا اديتها ليهو انحنا بنشترى بالجروره وبندفع بعدين انت دخلك شنو . فقال رجل البوليس متأسفاً الناس ديل حراميه وانحنا عاوزين نساعدكم وانتو ما دايرين تتساعدو . اكثر شئ يكرهه اهل امدرمان قديماً هو تدخل البوليس فى امورهم الخاصه . فصباحى يمت بالصله لآل الشيخ دفع الله الغرقان . ويجلس معه كثيراً الرجل الامدرمانى الاصيل الاخ محمد ود الشيخ دفع الله رحمه الله عليه . وشقيقه عبد الرحمن بمثابه الشقيق لاخوتى الصغار . وهؤلاء ابناء شقيقة الشخصيه الاسطوريه موسى ناصر المشهور بود نفاش .
فى الثمانينات قلت مداعباً عبد الرحمن ود الشيخ فى منزلنا عندما كان يشتكى من خدمات المنزل ويحتد فى الكلام مع شقيقاتى ( انت يا عبد الرحمن ده بيتكم ؟ ) . فقال لى آى ده بيتنا كل الحله دى اراضينا . المستشفى دى جدى دفعها للخواجات عشان يبنوا المستشفى الارساليه ويعالجوا الناس . وكلكم جدى لماكم وباع ليكم الارض المتر بمليم . عندكم كلام . فقلت له كلام شنو بعد ده نحن ضيوف ومفروض نكون مؤدبين .
الضابط المشهور ب ( زعوط ) كان زميلاً للدكتور محمد محجوب عثمان فى الجيش السودانى واشتهر بحب الحياة والمرح . تعرض لطعن . وحاول البوليس واهله ان يعرفوا اسم الجانى ، وكان يقول لهم انا ما راجل بسوط لكن حأقوم وحاخد بتارى . ومات مأسوفاً على شبابه بدون ان يفصح عن اسم قاتله . هذا كان يحدث كثيراً فى امدرمان لا يسمح الناس للبوليس للتدخل فى حياتهم .
الاخ الاصغر طارق هباش يتصل بى من ايرلندا فى بعض الاحيان ويتذكر الحى . ويتذكر منزلنا عندما كان من الزوار الدائمين . ويذكر لى سهوله التواصل قديماً وكيف كان يدخل فى مشاحنات مع شقيقاتى عندما لا تنفذ طلباتى . وكثيراً ما كان يقول لى ان علاقه الايرلنديين متشعبه ومتداخله وتذكره فى بعض الاحيان بعلاقات اهل امدرمان .
التحية ع. س شوقي بدري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.