شاهد بالصورة والفيديو.. (فضحتونا مع المصريين).. رجل سوداني يتعرض لسخرية واسعة داخل مواقع التواصل الاجتماعي بعد ظهوره داخل ركشة "توك توك" بمصر وهو يقلد نباح الكلاب    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    إذا كسب المرتزقة الفاشر يعني ذلك وضع حجر أساس دولة العطاوة    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    عيساوي: البيضة والحجر    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دارفور و تسونامي سقوط الأنظمة الإستبدادية: أفق جديد لمعالجة شاملة (3)...بقلم: أحمد ضحية
نشر في سودانيل يوم 28 - 03 - 2011

نشير هنا مرة أخرى إلى ما توصل إليه دكتور عبد الله علي إبراهيم, حول المشهد السياسي السوداني ,وتوصيفه للممارسة السياسية فيه "بنهاية السياسة" (1) وكما نرى أن الحالة السودانية , بتعقيدات السياسي فيها وتداخلاته ,وتشابكاته مع الإجتماعى . والإقتصادي والثقافي , يجعل دراسة ظاهرة الصراع في السودان , مفتوحة على كل المستويات , ما يطرح ضرورة توافر شروط داخلية , في البيئة السياسية ,تحث على السلام والوفاء بالوعود والتخلي عن لغة الإستعلاء والعنتريات. ومع ذلك بلوغ السلام هو أسهل من الحفاظ عليه , في ظل هذه التشابكات والتعقيدات ,التي تضرب بجذورها, في تاريخ تكون الدولة السودانية .
فالضغط وحده لن يحقق السلام , رغم أنه قد يدفع الأطراف المتحاربة , إلى مائدة الإجتماع , فالمجتمع الدولي له دور حيوي ومركزي , يلعبه في الحفاظ على السلام عندما يتحقق . ذلك أن قضية السلام برمتها ,لا يمكن فصلها عن واقع التحلل . وضرورة إعادة البناء الكامل لكل البلاد , إقتصاديا و إجتماعيا و سياسيا . وسيكون الأساس الإ قتصادي القادر على توصيل السلع العامة , مساندا وحاثا على وجود بيئة من الإستقرار الإجتماعي والسياسي , وعلى العكس مهما يكن نبل المثاليات , التي تخلق خلال عملية السلام , فإن الإقتصاد الضعيف سيقوضها .
ومما تقدم يتضح مثالان للمسئولية الدولية : إعادة البناء والتنمية , وقبل كل ذلك معالجة الأوضاع الإنسانية (2) وبالرغم من وجهة النظر المتشائمة , التي يعبر عنها الكثيرون , ويهاجمها القليلون , وبغض النظر عن الواقع الماثل , للوضع الراهن ( اى التعصب الديني والاثني المثير للشقاق , والحرب المتفاقمة وإنهيار القانون والنظام , وإفلاس الدولة إقتصاديا , والإضطراب الإجتماعي , وتحلل مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية ...) وبالرغم من كل ذلك ,أن الإجماع العام حول وحدة بقاء دارفور موحدة مع شمال السودان , ربما يتفكك, وبصورة درامية متسارعة, كما أوضح إستفتاء الجنوب مؤخرا.
ومع ذلك, لتستمر دارفور موحدة مع الشمال ,لن تتحقق "هذه الرغبة" في اللغة, والشعارات والوعود, التي رأينا كيف أعادت مناوي مرة أخرى,إلى جبهات القتال كما أعادت الجنوب من قبل مرارا وتكرارا ,وأنتهت به إلى تبني خيار الإنفصال, بل أن ما تبقى من السودان بأكمله – بعد أن إنفصل الجنوب – إذا إستمرت العقلية التي ظلت تحكم السودان ,منذ 1956 تفكر بذات الطريقة,فلابد أنها ستؤدي إلى كوارث جديدة غير متوقعة حتى! لذلك لابد من أفق جديد ولغة جديدة وعقلية جديدة ليبقى ما تبقى من السودان بلدا موحدا , ولو في شكل فيدرالي أو كونفدرالي .
فكل النزاعات التي جرت وتجري الآن في السودان,هي تعبير عن رفض المهمشين للهيمنة بواسطة نخب الوسط (3) وما لم تغير نخبة الوسط, الطريقة التي ظلت تفكر بها تجاه أطراف البلاد ,والتي تميل غالبا للحلول العسكرية والأمنية في مواجهة أزماتها المزمنة.. مالم تتغير هذه الطريقة في التفكير ,وتتغير معها لغة التخاطب الإستعلائية ضد المعارضين والمتظاهرين والثوار, سيكون مصير دارفور مشابه لمصير الجنوب وإن طال الزمن!.
على الرغم من الحالة التراجيدية التي تميز المشهد السوداني , في العقود الأخيرة , وحالة التحلل المتقدمة , التي تغلغلت في كل مناحي الحياة - الإجتماعية والسياسية والإقتصادية – ومع ذلك واقع الثورات التي تعتري الشعوب الآن , وتدفع بالشارع السوداني للإحتقان أكثر فأكثر , تعطي لمحة من الأمل يمكن تمييزها :كبذرة المانجو . تنبت في تحللها . وهي تشير بوضوح إلى إنهاء التحلل الراهن.. ومثل هذا التفكك , سيقود في النهاية , إلى عمل سريع . ربما يحدث دمارا الى ما هو أبعد من المليون ميل مربع . خصوصا في ربيع التحرر العربي الراهن, الذي تفجرت فيه كل إنكسارات وهزائم وغبائن التاريخ العربي بصورة غير مسبوقة, ما دفع بليبيا للخروج من كهفها السحري!
وقد تقدم المقاربة التي تؤسس نفسها في " بلد واحد " لكل ولايات عديدة , التي تقودها ممارسة ديموقراطية, قادرة على إستيعاب الواقع المتعدد للمجتمع السوداني , البديل الوحيد المجدي لحالة التحلل الراهنة , والحماية ضد إحتمال عدم الإستقرار المدمر مستقبلا (4) ..
والنقطة المهمة التي نطرحها , هي أنه لو كان للسودان أن يقسم , فليس ثمة ضمانات , ألا ينتهي هذا إلى لا شيء - حسب رهانات المناورات, الخيالية وغير الواقعية لنظام الجنرال البشير- فقد تخيب هذه الرهانات "العسكرية والأمنية" بأن يتحول السودان إلى العديد من أشباه الدول !!.. بحيث يتخطى الأمر حدود إنفصال الجنوب أو دارفور, أو الحكم الذاتي لجنوب النيل الأزرق.
(2) علاقة المركز بالأطراف :
أجد أنه من المناسب هنا إلقاء الضؤ على علاقة ( المركز ) بإقليم (دارفور ) , بالإشارة إلى وصف السيد بونا ملوال , الزعيم الجنوبي المعارض , الجبهة الاسلاموية ,بأنها قد حملت الأجندة الإسلاموية والعروبوية والجلابية ( المجربة الفاشلة ) للحكم , إلى نهايتها الدموية .
والتدخل الأميركي والأوروبي الآن , في أزمة دارفور ( بعد صمت طويل ) ,قد يوحي بأن نبوءة بونا ملوال , ممكنة التحقق , في ظروف التدويل الراهنة لا لقضية دارفور فحسب , بل لكل قضايا الهامش في السودان ,كمعادل موضوعي لثورات المهمشين في المنطقة(ليبيا,اليمن,سوريا,إلخ) ,و رغم أن التدخل الأميركي الأوروبي في دارفور,أستطاع النظام في الفترات السابقة محاصرته ,بالرضوخ للإبتزاز الغربي , يخص أجندة إنفصال الجنوب "المنتج للنفط" من جهة ,وتعاون الخرطوم مع أجهزة الإستخبارات العالمية في ملف الإرهاب , إلا أن الغليان الراهن في المنطقة, من المؤكد ستتبلور نتيجة له سياسة غربية جديدة تجاه المنطقة بأكملها, خصوصا الأجزاء المتفجرة كدارفور.
لذلك ربما أن مجريات الصراع في دارفور , ستأخذ منحى جديدا ,خصوصا إذا أخذنا بعين الإعتبار تبدلات الموقف الفرنسي والأمريكي, تجاه حالة الغليان في المنطقة ,من التحفظ إلى دعم ثورات الشعوب. وخصوصا أن أميركا وفرنسا ,تعرفان منذ وقت مبكر حقيقة أوضاع دارفور (التطهير العرقي ,الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية) , الأمر الذي غالبا ما يعجل بمعالجة الأوضاع , في حالة تصعيد الحركات المسلحة في دارفور لعملياتها ,ضد الأجهزة الأمنية والعسكرية للنظام , إلى جانب التصعيد الإعلامي من قبل الدارفوريين , مرة أخرى لمشكلة السودان في دارفور.
على الرغم من أن أميركا وقفت تتفرج بصمت لوقت طويل,بسبب إنشغالها بملف جنوب السودان وحرصها على إنفصال مرن. تخوفا من تأثيرات الصراع في دارفور , على مجريات خطتها للسلام في جنوب السودان . والتي كانت قد إستهلتها ببروتكول ميشاكوس 2002 (5)الذي ترتب عليه بعد التوقيع على إتفاق الترتيبات الأمنية , نقل الحكومة عمليات أجهزتها العسكرية والأمنية, من جنوب السودان إلى دارفور !! وبتحالف مع مليشيات الجنجويد العروبوية , إشتعل الحريق. ففر أكثر من مليوني مواطن , في الصحراء السودانية , أو عبر الحدود إلى تشاد المجاورة (6) مما أكد وقتها مدى إصرار الجبهة الإسلاموية العروبوية القوموية ( المؤتمر الوطني الحاكم ) إعادة إنتاج تجربة الصفوة الإسلاموية العروبوية , مع جنوب السودان . وتطبيقها على دارفور ...
أن حكم البشير يتيح ل " الجلابة " أكثر من غيرهم, أن يروا أنفسهم في المرايا المشروخة ذاتها . يظن بعض الجلابة,أمثال الطيب مصطفى ونافع, أنهم يستطيعون فرض إرادتهم على الحركة السياسية, وعلى كامل شعب السودان -ناقص جنوبه- ويحاولون تخويف كل معارضيهم الديموقراطيون بتطبيق الشريعة الإسلاموية.. بينما يظن جلابة آخرون بصدق مع الذات غير منكور : أنهم براء من حكم البشير , ولكن هذا الحكم في نهاية المطاف, في كلمة مقتبسة (بتصرف) من إدوارد سعيد ,هو أكفأ الأجهزة الجلابية , في تعبئة المشاعر الدينية والعرقية بين الجلابة , فالحكم مصنوع ,من قماشة الوعي الجمعي الجلابي , الذي يشتهي, تحويل هامشيته في الثغر بين العالم العربي وأفريقيا إلى مركز ذي صلف وغرور (7) كما ظلت خطابات الطيب مصطفى ونافع بل والبشير نفسه تؤكد على مدى كل السنوات الماضية!.
وبما أن علاقة المركز بالأطراف , هي علاقة تنهض في الإستغلال التاريخي والمادي , إلى جانب عملية الإسترقاق القومي , وإهدار المواطنة والبناء القهري , والبنية القمعية للدولة , وعملية التهميش الإجتماعي والسياسي والإقتصادي , وإحتكار السلطة , والهيمنة الثقافية . كل ذلك فقط في سبيل (تحويل هامشيته الإسلاموعروبوية, الى مركز إسلامي عربي مزعوم, ذي صلف وغرور!!).. بتعبير دكتور عبد الله على ابراهيم وتصرفنا في هذا التعبير..
فعلاقته بدارفور في هذا السياق,لم تكن أحسن حالا من علاقته بالأطراف الأخرى , إذ تم إستغلال دارفور, لإنجاز مشاريعه لا فيها وحدها فحسب , بل وبمساعدة منها لإنجاز هذه المشاريع, على الأطراف الأخرى! .
آمنت نخبة السلطة الإسلاموعربية , بنموذج " بوتقة " للإندماج الوطني " في طور التكوين " في السنوات عقب الإستقلال , وأعتقدت هذه النخبة , منطلقة من إحصاءات تزعم أن 70% من سكان البلاد مسلمين و39%منهم عرب , بل وتمنت أن تدخل الأقليات في النهاية , رغم حجمها الكبير نسبيا " بوتقة " العروبوية والإسلام , لتذوب في صورة نخبة الوسط. وقد أفترض أن الأحزاب التقليدية ,ستكون روافع هذا التحول السياسي .. لكن وكما رأينا فقد أقصت الأسس الاسلاموية والجهوية الضيقة للأحزاب , مشاركة العناصر غير المسلمة من الجنوب وجبال النوبة , وتبدد وهم المجتمعات ( الإثنية - الإقليمية )حتى في الشمال ,الذي أفترض اأنه مسلم , وفقا للوعي الطائفي الضيق لهذه الأحزاب, وبدأوا يطورون تشكيلاتهم الخاصة بهم , وقد تكونت عقب إيعاز من مؤتمر البجا ( الذي كونه البجا - وهم في الغالب من أتباع الطائفة الختمية ) في 12 أكتوبر 1958 , جبهة نهضة دارفور , وإتحاد عام جبال النوبة عقب أكتوبر 1964 ,في مناطق غرب السودان ( دارفور- كردفان ) التي كان أتباعها في غالبيتهم , من أتباع الأنصار المهدويين .
أن نهوض (الجهوية - الإثنية ) في الشرق والغرب وقبلها في الجنوب , هو إشارة كافية لقراءة ما يمكن أن تؤول إليه الأمور . لو كانت هناك إدارة سياسية كفؤة وسط (النخبة الإسلامو عربية ) المسيطرة , لوعت بحقيقة أن هذا التنوع السوداني ,يحمل أكثر من مجرد العروبة والإسلام (8) لكن ما حدث عمليا من قبل الإدارة الإسلاموية العروبوية الفاشلة, لمواكبة هذه التطورات أنها عمدت مباشرة ,إلى أثننة السياسة في السودان.
ومن خلال ملاحظات عامة , يمكننا التأشير على ثلاث علاقات أساسية , حكمت علاقة المركز بالأطراف , العلاقة الأولى : تتعلق بالقيم والمعاني , وهو ما يمكن تسميته بالثقافة الإسلاموعربية , وهو ما يحيلنا إليه مفهوم " البوتقة", الذي أورده دكتور شريف حرير , والتي تفترض الوجود المسبق , لقيمة معيارية يجب أن تتحرك تجاهها كل الثقافات الأخرى . ونموذج " البوتقة " لا يستبعد ظهور ثقافة سودانية , واحدة من هذا التفاعل , لكن نموذج الثقافة الإسلاموعربية , يفترض الإستيعاب في ثقافة إسلامية مؤلفة بعناية , والتي هي القيمة المطلقة والثقافة الصحيحة , التي يجب إذا كان ذلك ضروريا , حمايتها . ودفعها بتعبئة جموع المؤمنين للجهاد! .
ويبدو أن هذا هو ما حدث , عندما تمت تعبئة القوات النظامية , وقوات الدفاع الشعبي , بإستخدام الرمزية الإسلامية , لخوض الحرب في الجنوب . فما كانت تدافع عنه هذه القوات , ليس هو السودان , أو كيان سياسي ذا سيادة , وإنما العقيدة الإسلامية . كما ترى الجبهة الإسلاموية القوموية من منظورها البائس. وهذا أحرج الجبهة الإسلاموية , في تعاملها التعبوي ضد الحركات الدارفورية المسلحة, وجعلها مرتبكة حتى الآن تراوح مكانها. فالدارفوريين لسوء حظها مسلمين فعلا وليسو إسلامويين!.مشكلة الجبهة الإسلامية إذن – وهي لكل ذي بصيرة ليست مشكلة - أن المواطنة لا تتطابق مع الحدود السياسية , وإنما مع الحدود الثقافية , فالوطن – في منظورها- مفهوم معنوي فضفاض , بمعنى دار الإسلام!..
إذن لا جدال أن فكرة الثقافة / النواة وقريبتها الإجتماعية : الإثنية / النواة , قد إحتلت مواقع مركزية , في الجسم النظري , لنظرية بناء الأمة , أو التضامن القائم على الإثنية , كمكون ضروري لبناء الدولة القومية .. لكن وجود نواة / إثنية جعل على عهد الجبهة الإسلاموية العروبوية القوموية , إنعكاسا للتجارب الأوروبية في بناء الأمة , شرطا لإدراك بناء الأمة . وكانت النتيجة إنفصال الجنوب , وربما لاحقا دارفور.
كل ذلك قام على إفتراض أن الدول القومية , تعكس الإمتداد بين الإقليم الجغرافي والجماعة الإثنية المنسجمة , وبالتالي حدث التمييز بين صنع الدولة , والذي يعول علي تحويل الإقليم إلى دولة , وبين بناء الأمة , الذي قد يدل على المفهوم الغربي, لخلق المجتمع القومي المشارك .
وبالطبع تستطيع أمم قليلة جدا في عالم اليوم , بما في ذلك أمم الغرب أن تتطابق مع معيار الإقليم والجماعة الإثنية المنسجمة , وهنا تتكشف إحدى نقاط الضعف الأساسية , في نظرية بناء الأمة , ويبدو أن مقاربة الثقافة / النواة , لا تفلت نفسها بهذه الجوانب , فهي تمضي إلى خطوة أبعد , وتفرض " تاريخا مشتركا " , منتقى ..ومن صنعها . على الجماعات التي تكون الدولة , وتبدأ بناء الأمة على صورتها , ولا يزعجها الواقع على الأرض , وتفلت نوعا من حقيقة أن عددا من الثقافات, موجودا في نفس الإقليم الجغرافي .وليس من بينها واحدة أقل مشروعية من الأخرى . وهذا هو بالضبط الحال في السودان اليوم , ولهذا السبب بالذات يتم اللجؤ الى القمع المركزي, على طريقة البشيرو الطيب مصطفى وقوش ونافع, لإخماد تعدد الثقافات , وتعدد المجموعات الإثنية لدرجة إستيراد قبائل عربية من مالي وغيرها وإحلالها بديلا عن الفور والمساليت والزغاوة.إلخ ..لمصلحة ثقافات مشتركة , خلقت بإصطناع وإنتقائية! . وإستجابة المجموعات الإثنية المقموعة , هي العنف اللا مركزي . ضد بعضها البعض . وضد الدولة , والحروب الإثنية بين الفور والعرب , ليست سوى انعكاسات لعملية العنف اللامركزي هذه...
لقد آن الآوان للتفاهم مع حقائق التنوع والتعدد الإثني السوداني , خاصة وأن الدلائل تكشف إنبعاثا قومويا للسياسات الإثنية , ورغم حقيقة أن الهجرة الريفية , الحضرية (والهجرة الريفية - الريفية . وتوسع البنية التحتية للتعليم (الفاشل), والنزوح الجماعي للسكان , الناتج عن الجفاف والحروب) .. قد خلقت هذه الهجرات الفرص للتفاعلات الواسعة , عبر الحدود الثقافية ,و الإثنية .ولكن التمايزات الثقافية , بارزة الهوية الإثنية أو القبلية , كأساس للتحركات السياسية المشتركة . ظلت قوية . وتعارض الإنكار المستمر , من النخبة لفعالية هذه الهويات , رغم بروزها أيضا , مع تلاعب النخبة بنفس الهويات لمصلحتها,كما درج حزب الأمة في دارفور! وكذلك الجبهة الإسلاموية القوموية! ..
إن الخطوة الأولى نحو التوصل إلى تصالح مع حقائق التنوع السوداني- بالنسبة للنخبة -هو الإعتراف بأنه : على الرغم من أي دلالات "إزدرائية" قد تكون إكتسبتها الهوية القبلية والإثنية. فهي تشكل قاعدة للفعل السياسي .. لذلك لا يجب إقصاؤها بقسوة . ويجب إحترام تعبيرها في الحياة السياسية . وهذا يعني أيضا عدم تجريم الهوية الإثنية قانونا , طالما كانت تسعى وراء أهداف سياسية سلمية .
كما أن المقاربات الإحصائية للمجموعات ,الإثنية والثقافية بلغة الأقليات , والأكثريات . غير صالحة ,ليس من زاوية تصور ما هي الهوية الإثنية فحسب , وإنما تفتح أيضا إحتمال هيمنة مجموعات إثنية متفوقة عدديا , على المجموعات الأدنى عددا , وهذا يقود إلى إستعمار داخلي , كما تراه المحموعات المهيمن عليها , وبالتالي إلى نزاعات مسلحة أو عدم إستقرار . ولو تساوت هويات المجموعات ,من ناحية صلاحية كل واحدة منها كهوية لمجموعة معينة , فإنه يمكن السعي لتعاون حاملي هذه الهويات المختلفة , "لمصلحة المجتمع المشترك" .
وهذا سيتضمن بعض الترتيبات الإتحادية , حيث سيصبح التعاون السياسي , بين الأقسام الإجتماعية والثقافية للحكم , هو المعيار لإفتراض الصراع بينها , الذي يسم المقاربات الراهنة , ويجب التعامل مع الإنقسامات الأخرى في المجتمع , مثل الدين بنفس الطريقة . ذلك أنه يجب ألا يكون للأعداد النسبية لأتباع مختلف الأديان , أى دلالات سياسية من ناحية الوصول , إلى هياكل النفوذ السياسي في الدولة . وهذا سيتيح الفرصة لتطور أنواع أخرى من مجموعات المصالح , التي يعبر تكوينها عن هذه الإنقسامات الإنشقاقية الأساسية, لظهور تجمعات سياسية تقوم على قضايا وطنية أوسع.
ولسؤ الحظ فقد صاحبت الإنقسامات الإنشقاقية مثل : الدين والإقليم والعرق , والهوية الإثنية , في التجربة السودانية , تكوين الأحزاب السياسية , وقد عززت هذه المصاحبة , ورسخت المصالح الطائفية , التي قادت إلى إخضاع المصالح الوطنية, للمصالح الفئوية منذ الإستقلال . حتى الآن . بدلا عن أن يقود إلى تطوير سياسة حزبية , ذات قاعدة وطنية (9).
والعلاقة الثانية : التي نريد الإشارة إليها تتعلق بالدولة / السلطة , ممثلة في نخبة الوسط , وسيطرة المجموعات النيلية ( الثقافة السائدة = المركز ) وهنا لابد من التعرض للمليشيات القبلية , التي بدأت تبرز منذ إندلاع الحرب الأهلية الثانية في 1983 , والتي أدت إلى إنقسام الرأي العام , بين مؤيد للحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبى . ومؤيد لحكومة السودان .
فالبعد الحقيقي لهذه المليشيات غير معروف , ولكن من المعلوم للعامة , أن هناك مليشيات نشطت وسط القبائل ( البقارة , المسيرية والرزيقات ) في جنوب دارفور , والفور أيضا في جنوب دارفور. يضاف إليهم لاحقا المليشيات التي تعبر عن تحالف القبائل العربية " الجنجويد" ..
تعود المصادقة الحقيقية من قبل الحكومة , على بعض المليشيات إلى مذبحة القردود في عام 1985, وذلك عندما هاجمت مجموعة من الدينكا المسلحين قرى البقارة , في جنوب كردفان . لسرقتهم أبقار الدينكا . وتغاضت حينها الحكومة عن الحملات الإنتقامية , التي قام بها البقارة . والحدث الثاني الذي له أهمية وطنية كبيرة إذ يلقي بظلاله الآن على مشكلة أبيي,و هو : مذبحة الضعين في 1987 , التي وصفها بلدو وعشاري في مؤلفيهما ( مذبحة الضعين والرق في السودان) (10) كالآتي : لقد نفذت مذبحة الضعين المليشيات المسلحة , لقبيلة البقارة " الرزيقات " , التي قتلت وأحرقت حتى الموت , المئات من أفراد قبيلة الدينكا , وأخذت البعض الآخر أسرى! ..
كما وقع حدث مماثل من القتل الجماعي في عام 1989 , عندما قتلت مليشيات قبيلة رفاعة 214 شخصا من الشلك , وتسببت في نزوح أكثر من ألفي شخص , في مدينة الجبلين على النيل الابيض. وعلى نمط مذبحتى القردود والضعين التى قتل فيها 90 من الشلك الهاربين . وعندما واجهت القوات المسلحة رئيس الوزراء السيد الصادق المهدي , بوجود مليشيات قبلية , إكتفى عظمته بزعمه: أنه أخبر القوات المسلحة أن هذه القوات شبه عسكرية , وموجودة للدفاع عن الديموقراطية فحسب؟! السؤال هنا : هل يتم الدفاع عن الديموقراطية بمليشيات حزب الأمة؟!أو الجبهة الإسلاموية؟! .
وبمجيء الإنقاذ تم تقنين وجود هذه المليشيات , بواسطة قانون الدفاع الشعبي , ولتوضيح علاقة هذه المليشيات بالدولة / السلطة السودانية , سيتم بحث ثلاث أفكار متداخلة : أولا : المفاهيم التنافسية للحرب الحالية , ومدلولاتها السياسية , على الأصعدة المحلية والوطنية . وثانيا : صعود المليشيات القبلية(الجنجويد والدفاع الشعبي والأجهزة الامنية الخاصة) بإعتبارها , إمتداد لزراع الدولة القمعي , وبالتالي إضعاف إحتكار الدولة لإستخدام العنف والقهر . وثالثا : أثر كل ذلك على عملية الإندماج الوطني في السودان .
وقد بين النقاش أن المليشيات القبلية, تنفي صفتين رئيسيتين للدولة , الأولى هي : أن هذه المليشيات تجعل من أى فكرة عن كون الدولة , من عوامل التكامل في ظل المصالح الإثنية , المختلفة والمتصارعة , غير ذي جدوى , لأنها بولائها لإثنية ما ,تدرك أمنها السياسي والمادي , بشكل مستقل عن الدولة . و الثانية هي : أن لجؤ المدنيين إلى العنف , لحماية حياتهم وممتلكاتهم , يكشف عن إنعدام الثقة في مؤسسات الدولة (11)..
لذا أن إشتراك الصفوة السياسية السودانية عبر الدولة , في التطهير العرقي الذي جرى في دارفور مثير للإشمئزاز . بكل المقاييس فقد تم تحوير الأهداف السياسية للدولة , وتمت تقوية المصالح الإثنية , من أجل المحافظة على قيادة في السلطة, فشلت في كفالة المكاسب السياسية ,من خلال المؤسسات الحديثة. والعلاقة الثالثة التي تجدر الإشارة إليها , تتعلق بالجانب الإجتماعي , بمعنى العلاقات (علاقات الصراع ) بين المركز والهامش (12) ..
وهنا يلاحظ أنه بتركيز الأنظمة المتعاقبة في السودان , على إحتكارها للسلطة والثروة , وعدم إعتبارها لحقوق المواطنة المتعلقة بواجبات الدولة تجاه مواطنيها , قادت البلاد إلى هاوية صراع إثني أسفر عن وجهه, بإعلان الدولة للجهاد ضد الجنوب منذ 1989 , الأمر الذي تطور في تحالف الدولة مع القبائل العربية " مليشيات الجنجويد " في دارفور , لإزاحة السكان الأصليين عن أراضيهم . تحيى بذلك ما أندثر من حكايات النهب والسلب وذكريات الغزو والتشريد الجاهلية الأليمة , والمرتبطة بالرق والإسترقاق . بعد أن عوفي جسد المجتمعات السودانية , من علاقات مؤسسة الرق والإسترقاق , في شكله الإجتماعي والإقتصادي , وهكذا تعزز مخلفاتها النفسية والثقافية والسلوكية , التي تثقل كاهله , ولا عزاء في أنها من مخلفات الماضي .فمخلفات الماضي أشد وطأة من العرقية في ضغوط الحاضر (13) ..
لم تستطع الصفوة السياسية في السودان , إذن إدارة الأزمات الممتدة, للتعددية الدينية والعرقية ,واللغوية والثقافية المعقدة . حيث أستطاعت الأبنية الطائفية والعرقية والدينية التقليدية والأسلاموية السياسية, أن تفرض موازين قوتها ورؤاها وسياساتها على الهياكل السياسية (14) إلى جانب أن السودان, خضع إلى نمط من الثنائية في الحكم , بين مدني وعسكري . ما عبر عن سمات بنائية للسياسة السودانية .
أن وضع حقائق الإنقسامات السودانية , الفئوية في الذهن ,يحمل ضمنا نقاشا دستوريا مختلفا جذريا , سيعيد بالتالي صيغة مختلفة للدولة , مكان الشكل الموحد , الذي بشكل ما سيطرت فيه وجهة النظر الإسلامو عربية, على السياسة السودانية . وسيتطور النقاش الدستوري في الإتجاه الذي حاول ,ووردت الإشارة إليه .
لعل ضعف كل أشكال الحكم , سيعزز حتى الآن, تقدير ضرورة البحث عن إجماع على هيكل دستوري أكثر فعالية من الآن , في بلد واحد أو إثنين ( هذا بمراعاة القصور في اتفاق نيفاشا بالطبع) , وسيحول السعي إلى الإجماع كمنهج سياسي , للتوصل إلى دستور فعال في واقع التعدد السوداني , من كونه إستحقاقا , وكما يفترض الآن(بدلا عن المزايدة بتطبيق الشريعة الإسلاموية), ما يستدعى بالضرورة إصلاح النظام السياسي , بالسيطرة والقوة التي قد تقدم إسهاما كبيرا في خلق ديموقراطية مستقرة , وسيكون لهذا أيضا نتائجه , على الصيغة التي تأخذ بها الدولة .
وحيث أن معظم الإنقسامات الفلقية في السودان, تتوافق مع الإنقسامات الإقليمية , فقد يتم إستخدام الصيغة الفيدرالية , لكن الفدرالية كمجرد إسم لن توفر علاجا , كما كشف الشكل الراهن من الفدرالية, التي تطبقها الجبهة الاسلاموية القوموية العروبوية , إذ يجب أن تحد دستوريا , وتستخدم كجزء من مقاربة إتحادية , فالإسلام كما قدمته الجبهة الإسلاموية في السودان , هو قوة تقسيمية كبيرة . ليس لأنه يدعي موقفا مهيمنا , لا يسمح للعقائد الدينية الأخرى: مثل المسيحية بلوغه فحسب , بل لأنه أّستخدم ليعزز القومية السودانية الشمالية , كما لاحظ الأفندي :أن تحديد السوداني كشمالي , قد إرتبط بقوة بالعروبة بالمعنى العنصري, وغني عن البيان أن الإسلام قد أستخدم , لتعزيز التحيزات العنصرية . التي أضمرها السودانيون الشماليون عميقا ,فيما يتعلق بإفتراضات تفوق العرب.وما فعلته الجبهة الإسلاموية بنجاح :هو بلورة الهوية الشمالية العروبوية الإسلاموية , مقابل المحيط غير المسلم(الهامش) .
وإذا كان للبلاد أن تظل موحدة(أو في الحقيقة ما تبقى منها بعد أن إنفصل الجنوب), عليها تصفية وضع التعصب الديني والعنصري , الماثل . وإقامة توازن بين أقصى عروبة الشماليين , وأقصى أفريقية الجنوب , وضع المنزلة بين المنزلتين فيما يخص دارفور!وإلا فالإحتمالات أكثر قتامة مما يأمل معظمنا , ليس فقط للسودان بل لكل الإقليم (15) الذي يغلي بالثورات الشبابية الآن. ويجب أن لا ننسى التوتر الذي ظلت تعيشه تشاد ,فهو عادة بمثابة الإشارة الواضحة لمدى تأثرها بما يجري في دارفور(وليس ليبيا فحسب!) , وإمكانية إنتقاله إليها؟! .
إلى جانب كل ما أشرنا إليه , نجد أن إضطراب الحياة الحزبية , وضعف القوى السياسية(خصوصا الأمة والإتحادي بإعتبارهما : حزبين غير مبدئيين على الإطلاق!) , أسهما بشكل أو بآخر , في تفاقم مشكلة الأطراف إزاء المركز . الشاهد على هذا - والشواهد كثيرة- سياسات الإستبعاد والإقصاء والتهميش , لقوى إجتماعية ودينية ومذهبية عديدة , الأمر الذي صعد من الأزمة في دارفور, بطريقة أو أخرى! . فالثقافة السياسية السودانية, القائمة على الإستعلاء العرقي والديني والطائفي(والتي خير تعبير عنها في الوقت الحاضر:البشير نفسه ونافع والطيب مصطفى) , شكلت عائقا قيميا , وإدراكيا على نحو شبه جماعي , من الفئات الإجتماعية والعرقية والدينية الشمالية , على تبايناتها , والتي مارست بدورها إنقسامية , يعاد إنتاجها من مرحلة لأخرى , دونما مراجعات نقدية لهذه الظاهرة .
ترتب على ذلك تخبطات في الممارسة السياسية , وعلى سبيل المثال بعد سقوط نظام تمبل باى القمعي في إنجمينا , في منتصف السبعينيات . شهدت تشاد تبدلات سياسية على غاية الأهمية , فقد تعمق الصراع كثيرا , بعد تداخل عوامل خارجية , وأخرى داخلية قادت في مجملها إلى تصعيد الإحتراب على السلطة , ما بين أجنحة جبهة التحرير " فرولينات " , ثم انتهج هذا الصراع خطا قبليا حادا ما بين " القرعان " المسلمين في الشمال , والمسيحيين التشاديين في الجنوب .مثل الفئة الأولى , الرئيس السابق حسين هبري , أما جوكوني عويدي فقد مثل الطرف الآخر . وأختار نميري والقذافي , أن يجعلا من تشاد وصراع السلطة فيها , معتركا لخلافاتهما وأطماع القوى الدولية التي مثلاها . نقطة الخوف الرئيسية بين ليبيا وتشاد , وهي إقليم أوزو الغني باليورانيوم .
ماذا فعل السودان وقتها ؟ راوح بين دور الوسيط , والشريك في الصراع(كما سمح الآن لقوات التحالف الدولي بإستخدام مجاله الجوي لنصرة الثورة الليبية في الوقت الذي يقمع فيه ثوار الخرطوم ومدني وفداسي وغيرها من المدن؟!) .إذن يتصف نمط الصراعات الأفريقية , بذات الخصائص التي تنتظم معظم منظومة بلدان العالم الثالث . فالحدود السياسية موروثة عن عهود الإستعمار الأوروبي , الذي رسمها ورحل .
وهي بهذه الصفة السياسية المحضة , لا علاقة لها بالواقع الإجتماعي والإثني , حيث تهيمن الأسرة الممتدة , على الكيانات الإجتماعية , فتنداح الشعوب . والقبائل بين الحدود , تمارس أنشطتها دون إكتراث , لضوابط الدولة الحديثة (16) وهذا يفسر القلق التشادي , من إنتقال الصراع في دارفور أو ليبيا إلى داخل تشاد , بحكم القبائل المشتركة . ويبدو من الواضح مدى التعقيد الحدودي وإمكانية عبور الصراع داخل حدود دارفور أو ليبيا, إلى خارجها بإتجاه تشاد والعكس .
وكما أن " الجلابي " النخبة الإسلامو عربية" , متورط في عروبته وإمتيازاتها التاريخية والسياسية في السودان , فالجلابي متورط أيضا لأنه لا يملك فكاكا من عرقه وإمتيازاته, فحتى تلك الفئة من الجلابة , التي حسبت أنها هاجرت جسدا وفكرا إلى الضفة الجنوبية " مثلا " أو لنقل أنها هاجرت إلى القوى الجديدة الديموقراطية عموما,في الصراع السوداني, لتمهر بدمها وصوتها, شهادتها عن ميلاد " جلابي " آخر , تتعثر وتفشل في غسل بقع إمتيازاتها الثقافية وإستعلائها وإرتهانها المقيت لماضي أسلافها (17) أن ظواهر الإستعلاء في ظل تركيبة المجتمع في السودان , هي جزء من الجماعات المتخيلة - إذا شئنا إستعارة أندرسون - والمفاهيم والمذهبيات المنتمية لأساطير سياسية , ترتكز على المتخيلات العرقية والدينية والمذهبية والقومية , الخ ..
أن هذا النمط من المفاهيم والمذاهب والأساطير ,قد يرتكز على بعض الجذور التاريخية , أو في الواقع الموضوعي للسودان .. لكن تأسيس بعض الجماعات المتخيلة هويات وأبنية للقوة , هو جزء من تحديد لمجموعات من المصالح والرموز , ومن ثم تسعى صفوات إلى إنتاج القوة داخل التكوينات البشرية , العرقية أو القومية أو اللغوية أو الدينية أو المذهبية السائدة ,داخل هذه الجماعة أو تلك .
أحد أخطر نتائج الثقافة السياسية السائدة في شمال السودان , أنها ساهمت في إنتاج وتوسيع الفجوات الثقافية والإدراكية , بين اقاليم السودان المختلفة , وجغرافية التنوع والتعددية بين الجماعات التكوينية للسودان (18). وفي حوار لرئيس المجلس الانتقالي , نشر بجريدة السياسة الكويتية 4/7/1985 سئل الرجل عن الأسباب التي وقفت خلف , عدم إلغاء مجلسه لقوانين سبتمبر 1983 سيئة السمعة , التي إستند عليها نظام مايو في إنتهاكاته ضد حقوق الإنسان , وجرائمه ضد الإنسانية. فبماذا أجاب؟.أجاب رئيس المجلس الانتقالي سوار الدهب : في الواقع أن تشريعات سبتمبر 83, ضمت عددا من التشريعات , من بينها قانون الشريعة الإسلامية(الإسلاموية) , وبطبيعة الحال فان قوانين الشريعة الإسلامية(الإسلاموية) تهم كثيرا من المواطنين . ومن الحكمة أن يكون أى تصرف , بشان الشريعة الإسلامية(الإسلاموية) وقوانينها , كإعادة النظر فيها أو تعديلها من إختصاص الجمعية التاسيسية , أما بقية القوانين الأخرى , فأنها تخضع لإعادة النظر فيها - يبدو أن هناك مطلبا من كثيرون, في الأحزاب والهيئات , بإستمرار تشريعات الشريعة الإسلامية(الإسلاموية) , كما أن هناك بعض الملاحظات الأخرى من بعض الجهات . (19) وهكذا نلاحظ الذرائعية والتبرير وقصر النظر , الذي لازم الحكومات السودانية المتعاقبة , في تعاملها مع الشأن الوطني , بمختلف مستويات خطورته , دون حس بالمسئولية الوطنية , التى تعترف بواقع التعدد والتنوع الثقافي والاثني في السودان .
وقد حدث هذا برغم التراث الغني, الذي حدد بدقة هذا التنوع مؤخرا . وقد إستبعدت الحكومات دائما , الإنتماءات القبلية والإثنية , بإعتبارها لا تتماشى وآيديولوجيات بناء الأمة السائدة , التي تعود إلى الستينيات . فجعلت من العروبة والإسلام , القوة الآيديولوجية المركزية , المشكلة لعملية بناء الأمة . بسبب التطورات التاريخية الخاصة , التي وضعت النخبة الإسلاموعربية على قمة السلطة السياسية المركزية , وبسبب الإتجاهات التجانسية للظاهرة , لكن الخادعة . للعروبة والإسلام, فيما سمى بالجزء الشمالي من البلاد . وقد أبعدت الإنقسامات الإنشقاقية الأساسية , التي جعلت المجتمعات السودانية متباينة . تظهر المجموعات الإثنية الكبيرة في غرب السودان ,مثل الفور والمساليت والزغاوة والميدوب والتنجور , إختلافات ثقافية حقيقية ,لا يمكن تجاهل عما يفترض أنها تمثله " الثقافات الشمالية والنهرية الوسطي".
نواصل...
هوامش:
(1) دكتور : شريف حرير - تيرجي تفيدت "محرران " - السودان : النهضة أو الإنهيار . ترجمة: مبارك علي ومجدي النعيم . مركز الدراسات السودانية. ص : 59 .
(2 ) السابق . ص : 63.
(3) نفسه . ص :66.
(4) alkhaleej.co.ae/articlest/show-article.cfm?val=87304 (5)islamtoday.net/articles/show-articles-content.cfm?catid=76&arid=3753.
(6) عبد الله علي ابراهيم الإرهاق الخلاق . عزة للنشر والتوزيع . 2001 الخرطوم . ص : 48 .
(7) شريف حرير . السابق . ص: 50
(8) السابق . ص : 50 .
(9) يلاحظ أن عددا من الرموز المنسوبين - سواء أولئك الذين يزعمون أنهم أكاديميون , أو يتوهمون أنهم مفكرون سياسيون سواء: للعمل المدني و " القوى الحديثة " في الخرطوم ومعظمهم إعلاميون مؤثرون , فشلوا في إحداث قطيعة مع الرواسب السالبة في الثقافة السائدة . إنعكس ذلك على كتاباتهم في الصحف ومشاركاتهم في الندوات , والتي كان لها تأثير سيء – أغلب الأحيان - في تشكيل إتجاهات الرأى العام , إذ أسبغوا بطريق غير مباشر: مشروعية على السلوك الهمجي القمعي للدولة الإسلاموية في السودان تجاه مواطنيها - أو الذين يفترض أنهم مواطنون سودانيون - أعني سلوك الدولة في حصارها لسوق ليبيا ,بأم درمان وإعتقالها - تحت بطش السلاح للتجار الزغاوة وابناء الغرب بصورة عامة- وترحيل عدد كبير من مواطني دارفور إلى أماكن غير معلومة , وكل ذلك ليس إلا إتجاها لتدعيم الخط - الرامي لتفريغ الخرطوم من الحزام الاسود, الذي قيل أنه يحاصر الخرطوم – وهو الإتجاه الذي قاده حسن مكي , "بالتأصيل "النظري له , ليصبح سياسة رسمية! ..
يعنون بالحزام الأسود أبناء غرب السودان والجنوبيون والنوبة؟! . كأنهم ليسوا بمواطنين لهم حقوق المواطنة, والتنقل في انحاء البلاد مثلهم مثل الشماليين تماما, فبين ليلة وضحاها أصبح هؤلاء العبيد الغرابة حزاما اسود ,يحيط بخصر الخرطوم الجميلة! , فتئن تحت وطأته وتعلن تخوفاتها ,عبر السلوك الهمجي القمعي لآلية الجيش والأجهزة الأمنية !.. المهم هنا , أن إسباغ "المثقف" أو " الحداثوي " أو " المديني " المزعوم مشروعية على السلوك القمعي للدولة تجاه مواطنيها غير العرب , يؤكد في السودان تلاشي الدور التنويري , وسقوط الشعار الهادي الذي أطلقه المثقف سارتر : " المثقف هو الضمير الشقى لأمته " , وبالتالي إستمرار السلوك الإنتهازي, وفقا لمقاربات الشراكات الذكية . فالمثقف في الخرطوم بفعل الآليات التي تعلمها من الثقافة السائدة ( وهي آليات غير صالحة لمقاربة الحياة ) التي عجزت عن تجاوز ما يطرحه الواقع من معضلات , فضلا عن الإجابة على الأسئلة التى يطرحها الواقع . إرتكن - أى المثقف - إلى التواطؤ مع الواقع , والتقنين للعنف الذي تمارسه الدولة ,من موقعها " المثالي " ك " ذات متعالية " على التأثيرات الثقافية والإجتماعية , وخصوصا التأثيرات التي تلقيى بوطأتها الآن من الغقليم على السودان – أعني واقع ثورات المنطقة بدء بتونس وليس إنتهاء بسوريا- هذا الموقع الذي يستمد قوته من مصدر أساسي هو الثقافة الإسلاموعربية " فهي ثقافة تنظر إلى نفسها كذات متعالية " وهي ذات نظرة المثقف الخرطومي- أو المتخرطم - المأزوم " غالبا " إلى نفسه ..
إنعكس ذلك على تعاطي هذا المثقف ( الحداثوي - المدينى - المنسوب للقوى الحديثة ومؤسسات المجتمع المدني المزعومة ) مع الواقع الفعلي للتباين والتعدد الإثني والثقافي , فتمظهر عجزه هنا في إنتاج المسوغات, التي تعطي المشروعية لسلوك الحكومة تجاه الأطراف - عززت الثنائيات مثل أولاد البلد مقابل الجنوبي أو الغرباوي وأولاد البلد مقابل العبد أو النوباوي " كمصطلح سوداني" أصبح يشكل معادلا للشمالي, أو كما يقول شريف حرير " النهري" .وقد شاعت مثل هذه التعابير الإزدرائية,والمحملة بالقيمة في الثقافة السياسية الشعبية , وقد عملت على تعزيز قيمة بعض المجموعات, وإنكار القيمة الإنسانية لمجموعات أخرى .
وبينما أنتهى الإسترقاق كممارسة ,منذ وقت طويل بإلغائه . فإنه ما يزال موجودا في أذهان الناس , وما يزال يستخدم لتحقير بعض المجموعات , على أساس المنحدر الإثني أو الإقليمي . أو الجغرافي. لذلك ليست رمية طائشة عندما يكتب دكتور / منصور خالد " هناك سلسلة من الشتائم غير صالحة للنشر في الدوائر المغلقة في شمال السودان . توجه للسودانيين من غير ذوى الأصل العربي , تعكس كلها تحاملا شبه خفي " والدوائر التي يشير إليها خالد هنا , ليست سوى دوائر النخب الشمالية الحاكمة , التي كان خالد عضوا فيها ذات يوم! .
لقد أختزل التعدد الإثني في السودان, من منظور الثقافة الشمالية السائدة , التي أمسكت بالسلطة السياسية والإقتصادية في البلاد , ثقافة المثلث المتطور , الذي إفترض تمثيل كل ماهو " سوداني " وفقا لتقسيمات وقياسات تخصه وحده .
(10) شريف حرير السابق . ص : 235.
(11) ثقافات سودانية . ( كتاب غير دوري ) . المركز السوداني للثقافة والإعلام . القاهرة. العدد الخامس 1999. ص : 10.
(12) محمد إبراهيم نقد علاقات الرق في المجتمع السوداني . دار الثقافة الجديدة . القاهرة . الطبعة الأولى 1995. السابق . ص : 16.
(13) راجع الكتاب الأسود فيما يتعلق بتوزيع المناصب .
(14) شريف حرير . السابق . ص : 55 .
(15) عبد الرحمن الأمين .ساعة الصفر ." مذبحة ديموقراطية السودان الثالثة : 85- 1989" . أجندة واشنطن. السابق . ص : 24 .
(16) شريف حرير . السابق . ص : ص45.
(17) مجلة السياسة الدولية . العدد 150. اكتوبر 2002 .القاهرة. الأهرام . ص: 216.
(18) عبد الرحمن الأمين . السابق . ص: 24 .
(19) شريف حرير . السابق . ص : 45.
Ahmed M. Dhahia [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.