فات الاوان لانقاذ السودان بسبب غياب العمق الاستراتيجى ماذا تريد امريكا والغرب ؟ سؤال طرحته قبل عشرين عاما ولم يحفل به احد تناولت فى الحلقة الاولى لماذا وكيف اصبح ما حققه الجنوب استقلالا وليس انفصالا وشتان ما يترتب على طرد الاستعمار وما يخلفه من اثارمقارنة بما يخلفه لو كان انفصال . كما قلت فى خاتمة الحلقة جاء الان دور المناطق المهمشة كما اطلقت عليها امريكاهذا التعبير فى مطلع التسعينات قبل ان يعرف السودان اى مشكلة فى اى منطقة غير الجنوب والتى يشكل تحريرها المتبقى من القرار الامريكى لتحرير السودان لان قرارتقرير المصير الذى تبنته امريكا انفاذا لقرار تحرير السودان لم يكن وقفا على الجنوب وانما تضمن المناطق المهمشة والتى لم تعرف ايا منها فى ذلك الوقت اى تمرد واقتتال وكان من الواضح ان امريكا تعرف ما تحسه هذه المناطق من الغبن والتهميش مما يساعد على استغلالهاو تفجير الاوضاع فيها وهذا ما نجحت فيه امريكا بالفعل لهذا فان الدور الان لتحرير هذه المناطق من الاستعمار العربى كما تفتضى الخطة المعلنة لتقسيم السودان وتمذيقه والتى تسير بنجاح تام بسبب جهل ومساعدة القوى السياسية. وتاكيدا لهذ الوضع لابد ان نتعمق فى نص القرار الذى اصدرته لجنة الشئون الافريقية فى الكونجرس الامريكى والذى ينص على (ان تعمل الحكومة الامريكية على تحرير السودان من الاستعمار العربى) هكذا كان نص القرار حسب ما ورد وقتها فى الصحف؟ القرار اذن لا يتحدث عن تحرير الجنوب من استعمار الشمال وانما تحرير السودان من الاستعمار العربى لتتكشف بهذا حقيقة النوايا الامريكية وكيف ان المخطط شامل ولا يقف على الجنوب وحده لهذا فهو ليس الا الخطوة الاولى لتنفيذ مخطط تحرير السودان من الاستعمار العربى(وافهموها بقى). . هكذا كا ن القرار ولابد ان يستوقفكم هنا انه يتحدث عن تحرير السودان وليس الجنوب وحده كما انه لم يتحدث عن تحريره من الشمال وانما من الاستعمار العربى مما يعنى ان السودان نفسه تعرض لغزو عربى لهذا لابد من تحريره منه . لهذا فان من يعيش منكم فى وهم بأن هذا الملف انتهى بتحرر الجنوب من شمال السودان عليه ان يعيد النظر فى رؤيته فالملف (يادوبك) دخل حيز التنفيذ وان هذه هى البداية (والجاى اصعب )ما لم تدرك القوى السياسية كيف تجهض ما تبقى من مخطط وبلا شك ان هذا لن يتحقق بالترويج للحرب والقوة لان تحرير الجنوب ليس الا مرحلة اولى تمهيدية وهامة لتنفيذ المخطط الذى عبر عنه القرار الامريكى والذى جاء الاعلان عن حق تقرير المصير لتنفيذه من واشنطون ولم يصدر من جوبا او الخرطوم وانما جاءفى بيان توحيد فصيلى الحركة الشعبية الذى رتبت له امريكا من خلف(التجمع الوطنى) فى الندوة المزعومة التى لم تنعقد عندما فوجئ قادة التجمع وهم فى واشنطون بأن لجنة الشئون الافريقية فى الكونجرس التى خدعتهم بالدعو للندوة المزعومة وأعلنت فى بيان مفاجئ لهم ان فصيلى الحركة الشعبية من مجموعة الدكتور قرنق والمنشقين عنه بقيادة الدكتور مشار اى الحركة بشقيها التزمتا بالمطالبة بحق تقرير المصير ليس للحنوب الذى يمثلونه وحده وانما تضمن الحق المناطق المهمشة التى لم يسميها القرار ولم يكن هنالك اى تصنيف لها لعدم وجود اى تمرد فى اى منطقة غير الجنوب عند صدور الاعلان. ولعل ما يثير العجب هنا رهان منسوبى الحكومة ان امريكا عليها الان ان ترفع العقوبات عن السودان مما يؤكد قصر النظرفامريكا لن ترفع اى عقوبة حتى تحقق المخطط كاملا فكيف تلقى بسلاح الضغط.وقدجربت فاعليته فى نيفاشا. ومنعا لمغالطات القوى السياسية حاكمة ومعارضة انعش ذاكرة قيادة التجمع بانها كيف استفبلت صدمة بيان امريكا باسم فصيلى الحركة حول تقرير المصيروكيف بادرت هذه القيادات بان كالت الاتهام للدكتور قرنق بخيانة ميثاق التجمع الذى يحمل توقيعه وعنوان عضويته فيه والذى يؤمن على ىسودان موحد يقوم على دولة المواطنة وارشيف الصحف التى تصدر فىى القاهرةولندن يوثق لبيانات هذه القيادات فى صحيفة الوفد المصرية والشرق الاوسط من لندن وبصفة خاصة صحيفة الخرطوم التى كانت تصدر من القاهرة فى ذلك الوقت. تسابقت بيانات التجمع باسمه بالادانة ثم ببيانات فردية لكل قيادات الاحزاب المكونة للتجمع والتى اجمعت على ادانة قرنق واتهامه بالخيانة الوطنية والغريب ليس بينها من ادان امريكا مهندس ومصمم الاعلان.وانما اقتصرت بياناتهم على ادانة الحركة(عينهم فى الفيل تهربوا وطعنوا فى الضل)والسبب معروف. ولا زلت اواصل انعاش ذاكرة هذه القيادات وهى لاتزال نفسها فى مواقعها القيادية اليوم بان مواقفها تهاوت بعد ان التقت الدكتور قرنق حيث قدم لها تفسيرا لموقفه بانه تغرض لضغوط وتهديد من امريكا بسحب الدعم عنه لو انه لم ينصاع للمطالبة بحق تقرير المصير وانه لخوفه من ان تنقلب امريكا عليه وتدعم الانقاذ لتصفية الحركة لم يكم امامه غير الرضوخ على ان يعمل من اجل ان يقود الاستفتاء للوحدة وشرح لهم كيف انتهى اللقاء بالاعلان الذى صدر عن حق تقرير المصير \ وعلى ضوء توضيح قرنق توالت احداث غريبة تساقط فيها قادة التجمع الواحد تلو الاخرلخوفهم من نفس التهديد الذى تعرض له قرنق ويومها غاب الوطن وعلت الرغبة فى الوصول للسلطة باى ثمن فكان المبادر الاول حزب الامة بقيادة زعيمه الصادق شخصيا عندما صدر بيان مشترك بينه والدكتور قرنق يعترف فيه بحق الجنوب فى تقرير المصير عقب مفاوضات سرية بينه وقرنق ليصدر على ضوء ذلك بيان من قيادات التجمع باتهام الصادق بالخروج عن الميثاق وبالخيانة الوطنية التى سبق ان اتهموا بها قرنق وشاركهم الصادق فى الاتهام ولم تمض الا فترة قصيرة الا وكان التجمع كله يوافق على نفس الحق فى 95 مؤتمر القضايا المصيرية وليعدل ميثاقه من الوحدة القائمة على دولة المواطنة للاعتراف بحق تقرير المصير وينتقل بمقره لاسمرا بعد ان لم تعد مصر المأوى المناسب لمن قبل بتقسيم السودان تحت الاعتقاد بان اسمرا ستفتح اراضيها للعمل المسلح وتدعم التجمع حتى اسقاطالنظام وجاء الواقع ليؤكد ان الذى تلقى الدعم هو الدكتور قرنق والحركة.وبقى التجمع فى دور الكمبارس فى العمل المسلح.بعد ان فقد بموافقته عل تقرير المصير ان يمثل الراى المناهض لتقسيم السودان بعد ان احيل لمواقع المتفرجين. عندها جاءدورنظام الانقاذ والذى ما كانت لتنطلى عليه اللعبة التى راهن عليها التجمع فى دعم امريكا له لاسقاط النظام فسارعت حكومة الانقاذ لتقول لامريكا اذا كان امركم يتعلق بحق تقرير المصيرفنحن ايضا ملتزمون به نحن كنا اسيق منه فى بون لولا مواجهة المعارضة لنا ووقعوا نفس الاقرار مع جبهة انقاذ الجنوب من الداخل بعد ان اطمأنوا ان التجمع لم يعد يملك استغلال اعترافهم لمناهضة النظام .ثم كانت النهاية المنطقية حيث غلبت امريكا مصلحتها فى دعم وبقاء نظام الانقاذ مع الحرص على وضعه موضع التهديد والخوف لان سياساته وتوجهاته تساعد على انجاح المهمة لهذا قفلت ملف التجمع و سعت لمحاصرة النظام ليبقى مهددا بالعقوبات الاقتصادية ودعم الارهاب بالرغم من طرده لبن لادن والمؤتمر الشعبى كما لاحقته بقرار المحكمة الجنائية حتى تضيق الخناق عليه لتقديم المزيند من التنازلات لانجاح المخطط وقد فعل حيث غيبت امريكا التجمع والمعارضة بعد ان شلت قدرتها ودفعت بها للرصيف ولم يتبقى فيها الا تهافت القيادات على المواقع الشخصية الرسمية فى عضوية المجلس الوطنى ولجانه والوزارات الاتحادية والولائية لتلعب دور الكمبارس بامتياز وهونفس الدور الذى تسعى اليه حتى اليوم. هذه هى الوقائع التى تؤكد ما اشرت له فى الحلقة السابقة والذى يوضح كيف ان امريكا عرفت كيف توظف الصراع السياسى بين طرفى الحكومة والمعارضة والذى لم يكن من اجل الوطن وانما من اجل السلطة .يؤكد هذا انه طوال فترة الصراع لم تشهد الساحة ادانة لامريكا من الجانبين بل ظل كلاهما يغازل امريكا الا من بعض المناوشات غير الجادة ولكن بعد ان وقع المحظور ونفذ القدر وباتت خطة التقسبم تاتى اؤكلها كما ارادتها امريكا فالتقى التجمع والانقاذ لاول مرة فى اتهام امريكا باستهداف وحدة السودان ولكن بعد ايه فلقد فات. الاوان لانقاذ السودان من مخطط التقسيم تحت مظلة تحريره من الاستعمار العربى الذى قررته امريكا بعلم المعارضة والانقاذ منذ عام 92 ولكنها شهوة السلطة والسبب فى ذلك غياب العمق الاستراتيجى فى فهم الظروف التى تحيط بالسودان وماهية المطامع حوله والسيناريو الذى قاربت نهايته بحيث لايكون للسلطة بريق يتصارعوا فيه. وقبل ان اتناول غياب الفكر الاستراتيجى عن القوى السياسية او من يعلم منهم حقيقة الموقف الا ان حب السلطة يعلو على الوطن لابد ان احكى واقعة هامة. كانت القاهرة طوال فترة التجمع والمعارضة تنتظم فيها لقاءات كل جمعة واذكر انه فى واحدة من هذه اللقاءات وكنت حضورااستضاف المنتدى دكتور سودانى قادم من امريكا فى طريقه للسودان لقضاء الاجازةوتحدث للمنتدى منبها لخطورة الموقف الامريكى حيث حكى بعضمة لسانه وهو استاذ فى الجامعات الامريكية انه كان حضورا فى محاضرة قدمها بروفيسر امريكى بجامعة بوسطن فى مطلع التسعينات عنوانها(افريقيا فى خمسين عاما) وان المخاضر قدم فى هذه المحاضرة خارطة لافريقيا اختفى عنها السودان مما اثار غضبه حسب حديثه وانه اعترض على المحاضر الا ان المحاضر نهره بحدة وقال له(اسكت)هذه الخرطة مصدرها السي اى ايه مما اجبره على مغادرة القاعة. اذن هذا هو المستقبل الذى تبشر به امريكا السودان بعد ان تكتمل عملية تحريره من الاستعمار العربى. اعود الان لموضوع الفكر الاستراتيجى الغائب او المغيب عمدا لمن يعرف لانك لن تنجح فى مواجهة اى خصم اذا لم تدرك مصالحه الاسترايجية التى تحركه ونحن امام استراتيجية معادية متعددة الوجوه ومختلفة الظروف فما هى: هذا هو موضوع الحلقة القادمة والاخيرة حتى نقف على الاجابة على السؤال: ماهى مصلحة امريكا ودول الغرب فى السودان ولماذا يريدون تقسيمه ولا اقول اسرائل فاسرائل هى اداة امريكا والغرب فى المنطقة. alnoman hassan [[email protected]]