أبو مازن يمارس ضرباً من الهاريكيري بالذهاب إلى الأممالمتحدة. الرئيس الفلسطيني يضع مصيره السياسي بين سيفي الداخل والخارج. النجاة من الاثنين معاً في وقت واحد يشكل ضرباً من المستحيل. عباس ذهب إلى نيويورك ووراءه جبهة فلسطينية غير موحدة وليست مستنفرة بما يكفي لتأمين سلامته ضد سيف الخارج. الرجل لا يملك بين يديه ما يجعله واثقاً من كسب الرهان داخل القاعة الأممية. ربما تبدو أوراق الرهان أكثر عدداً أمام عباس لكن جبهة الرفض في وجهه أقوى نفوذاً وتأثيراً. هذه معادلة تفتح الأفق أمام رياح المساومة على مغامرة عباس. ما من قضية شغلت المنظمة الدولية طوال سني عمرها الستة والستين كما هي القضية الفلسطينية. الفلسطينيون لم يربحوا شيئاً من هذا الانشغال. خطوة أبي مازن لن تكسر حاجز الخيبة. نجاح مغامرة عباس يكتب انتصاراً تاريخياً. الهزيمة في مقابل الانتصار الاستثنائي لن تكون قاصرة على إسرائيل. النجاح الاستثنائي لن يحدث اختراقاً تاريخياً فقط بل يحدث تغييراً جغرافياً كذلك. ذلك كسب سياسي لن يسمح حلفاء إسرائيل للفلسطينيين بقطفه. ممارسة الهاريكيري تصبح أكثر تراجيدية إذا انكسر أبو مازن تحت ضغوط اللحظة الأخيرة في نيويورك. مغامرة عباس تحدث حراكاً محموماً على المسرح الدبلوماسي الدولي حالياً. الجبهة الفلسطينية الداخلية تتطلب حراكاً أكثر. الفصائل الفلسطينية لم تبد إجماعاً صلباً لتأمين ظهر عباس. الشارع الفلسطيني في حالة استرخاء بعيداً عن موازاة مغامرة أبي مازن كأنما يراهن البعض على إخفاق المغامرة أكثر من نجاحها. في ضوء الحراك الدبلوماسي المحموم يبدو انتزاع عضوية المنظمة الدولية لايزال أمنية فلسطينية عصية. أياً جاءت مكاسب عباس من نيويورك فإن فصائل عدة وحماس خاصة لن تستقبله بالورود. مغامرة عباس تضع الشعب الفلسطيني بأسره على حافة المجهول. الرد الإسرائيلي يأتي أكثر قسوة من المتوقع في حالتي إخفاق عباس أو نجاحه. ربما اعتمد عباس في رهاناته على الربيع العربي اذ هبت رياح قومية إبانه على المنطقة. أبو مازن سيكتشف حتما خطل تعجله في حساب الحقل والبيدر. براعم الربيع العربي واكمامه لمَّا تتفتح بعد ومن ثم تصبح الحسابات على الحصاد السياسي بعيد المدى أقرب إلى التمني من العقل. في المقابل يعود نتانياهو في الحالتين أكثر تصميماً على الجنوح أبعد لجهة تصعيد أشكال العنف ضد كل ما هو فلسطيني من البشر والشجر والحجر. بما أن أوباما يأمل هو الآخر في البقاء ولاية ثانية داخل البيت الأبيض من المؤكد أن تغمض الإدارة الأميركية عينيها عن كل العنف الإسرائيلي. ممارسة الهاريكيري الانتحار بالسيف على طريقة الفرسان اليابانيين من قبل عباس تأتي في الأصل من لجوئه إلى المنظمة الدولية بغية دفع شعبه وقضيته ومفاوضاته خارج الإحباط والجمود. للأمم المتحدة باع طويل في مراكمة ذلك الإحباط والجمود طوال نحو سبعة عقود. قطار الدولة الفلسطينية عبر العديد من محطات الفشل على خط المنظمة الدولية. ربما يغادر الفلسطينيون القطار والخط بعد مغامرة عباس إلى غير رجعة. قد لا يكون ذلك خياراً فلسطينياً لكنه مسار اضطراري.