أثناء عملي في جامعة الإمارت العربية المتحدة تعاقدت معي صحيفة "الاتحاد"في ابوظبي ان أكتب مقالا كل أسبوع في الصفحة الأخيرة المسماة "واحة الاتحاد" وكان من المشاركين في مقالات هذه الصفحة الدكتور نجيب الكيلاني"رحمه الله"وكان الهم الملازم كلما انتهيت من مقال هو ماذا أكتب في هذا الاسبوع؟ وخطرت لي خاطرة لماذا لانكتب عن أساتذتنا ومن كان لهم تأثير في حياتنا وهم على قيد الحياة بدلا من الكتابة عنهم بعد رحيلهم عن دنيانا ونفذت الفكرة بالكتابة عن شخصيتين كان لهما أثر كبير في حياتي أولهما الأستاذ "عبد الله أحمد ناجي"نظر مدرسة بورتسودان الثانوية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي وثانيهما الدكتورة "سهير القلماوي"الأديبة والناقدة المصرية المعروفة التي أشرفت علي رسسالتيّ في مرحلتي الماجستير والدكتوراة في آداب جامعة القاهرة في مصر "رحمهما الله"وقد دفعني تأثير المقالين عليهما وفرحمهما أن اشجع الكتّاب على أن يكتبوا عن الأشخاص الذين تركوا بصماتهم على حياتهم قبل ان يموتوا مع الدعوة لهم بطول الأجل ودوام الصحة. المقدمة ضرورية لأن الشخصية الصحابية الثانية التي أكتب عنها اليوم تتحرج مما يقال عنها طبيعة وورعا وتواضعا وحياء لأن شيمته الحياء. اذا كان في افرد الحركة الاسلامية المخلصين من نشهد له بأنه يعيش وعاش حياة اشبه بحياة الصحابة وورعهم وزهدهم فهو الشيخ "صادق عبد الله عبد الماجد"الذي نحسب أن اسمه مطابق لطبيعته وسلوكه الذي عرف به طوال حياته. بعض الاشخاص يجسّدون اسماءهم في حياتهم وبعضهم تكون أسماؤهم من صفات الأضداد والشيخ صادق ممن يمكن ان نجعل اسم والده وجده من صفاته فنحسبه عابدا لله الماجد وقد يسمي حسنا ما ليس بالحسن واسامة من كان جبانا وهكذا. والشيخ صادق من الشخصيات القليلة في الحركة الاسلامية الذين يجمع الناس على صلاحهم وورعهم وأخلاقهم واستقامتهم على أمر الله ومنهج رسول الله "صلى الله عليه وسلم" واخلاصهم وثباتهم على المبادئ التي عاشوا لها والقيم التي بشروا بها والاهداف التي جاهدوا فيها طوال حياتهم دون تلون أو تقاعس أو مساومة أو تغيير للجلود والوجوه والاشكال والألوان . معرفتي للشيخ صادق ترجع الى أيام أن كنا في المرحلة الثانوية في مدينة بورتسودان حيث كانت تصلنا مجلة من مصر باسم "السودان الحديث"يرأس تحريرها الاستاذ"جمال الدين السنهوري"ونائب الرئيس هو الاستاذ "صادق عبد الله "الذي كان –حسبب علمي –طالبا في كلية الحقوق في مصر ثم تطورت هذه العلاقة على المستوى الشخصي عندما كنا نزور الشيخ في منزلهم في أم درمان قرب "الدومة "المشهورة حيث كان قبلة لشباب الاخوان المسلمين واعضائه حيث كنا نعجب بهذه الشخصية البسيطة القوية الباسمة المتواضعة التي تعلمنا منها حسن الاستماع قبل احسان الكلام وادب الحديث ومهارة التعبير وتنظيم الأفكار وبخاصة عندماأصبح الشيخ رئيسا لتحرير صحف الاخوان المسلمين باختلاف مسمياتها واطوارها. كان اعجابنا باسلوب شيخنا أننا كنا نحفظ مقاطع من مقالاته ولازلت أحفظ له قطعة من مقال مر عليه أكثر من ثلاثين عاما اويزيد ومناسبة ذلك المقال هو اسقاط حزبي الأمة برعاية السيد "عبد الرحمن المهدي"والحزب الاتحادي برعاية السيد"علي المرغني"-رحمهما الله وغفر لهما-لموضوع الدستور الاسلامي حيث كتب شيخنا غاضبا لله حزينا كالكثيرين من الشعب السوداني حتى الانصار والختمية قال"والسيدان –يالله منهما- وهما يستدبران الدنيا ويستقبلان الآخرة يشهدان مصرع الاسلام على يد ممثليهم في لجنة الدستور" إن مقالات الشيخ ليست مقالات سياسية فحسب بل هي رسائل أدبية راقية تستحق أن تجمع وتنظم وتنشر كوثائق سياسية وتحف ادبية ونماذج اسلوبية يحتاجها جيل الشباب وبخاصة من يعملون في الصحافة والاعلام عامة. تابعت الشيخ أيام عمله في صحيفة المدينةالمنورة في المملكة العربية السعودية حيث كنت أشارك فيها بالكتابة وبالناسبة فإن الاستاذ "عبد الباري عطوان" ممن بدأوا حياتهم الصحفية في هذه الصحيفة وبدأانطلاقته منها. أكثر ما يميز أسلوب الشيخ هو الدقة في التعبير والسلامة في اللغة والجمالية في الاسلوب و البساطة في التناول وآخر ماأذكر له أن مقدم برنامج "زيارة خاصة" في قناة الجزيرة عندما قابله ذكر له أن الشيخ "حسن الترابي"نفى أنه كان في في تنظيم الاخوان المسلمين فكانت كلمات الشيخ دقيقة وبليغة لم يهاجم او ينفي أويتهم بل قال "إن كان قال ماقد قلت فقد كذب" ولم يزد على ذلك شيئا. عرف الشيخ عند الناس جميعا بعفة اللسان وطهارة اليد ونقاء السريرة وحسن الظن بالناس وتوقير الكبير واحترام الصغير كما يعرف الناس كيف يعيش في بيته وما في البيت من متاع ومايقدم من ماكول ومشروب. الشخصية الوحيدة التي يمكن ان يلتف الناس حولها لإعادة الحياة للحركة الاسلامية الموؤودة واعادة الثقة التي فقدها الناس في الإسلاميين ومشروعهم الحضاري المزعوم هو شخصية الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية.