شاهد بالفيديو.. الفنانة شهد أزهري تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بنيولوك جديد وتقدم وصلة رقص مثيرة خلال حفل خاص بالسعودية على أنغام (دقستي ليه يا بليدة)    شاهد بالصورة والفيديو.. فنانة سودانية تحيي حفل غنائي ساهر ب(البجامة) وتعرض نفسها لسخرية الجمهور: (النوعية دي ثقتهم في نفسهم عالية جداً.. ياربي يكونوا هم الصاح ونحنا الغلط؟)    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تسخر من الشباب الذين يتعاطون "التمباك" وأصحاب "الكيف" يردون عليها بسخرية أقوى بقطع صورتها وهي تحاول تقليدهم في طريقة وضع "السفة"    شاهد بالصورة والفيديو.. (فضحتونا مع المصريين).. رجل سوداني يتعرض لسخرية واسعة داخل مواقع التواصل الاجتماعي بعد ظهوره داخل ركشة "توك توك" بمصر وهو يقلد نباح الكلاب    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    عيساوي: البيضة والحجر    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة إلى عادل الباز والمحكمة الجنائية الدولية .. بقلم: واصل علي
نشر في سودانيل يوم 03 - 06 - 2009

أضاع الأستاذ الباز وقتا طويلا عبر ثلاثة مقالات خصصها للرد علي في الإسهاب حول أشياء شكلت جزءا صغيرا من الذي كتبته في الجزء الأول من مقالي هذا. فلقد أوردت نقاطا محددة بالتواريخ وبالمصادر و توقعت أن يكون الرد بنفس الشاكلة حتى يسهل على القارئ متابعة النقاش. فلم يكن الأستاذ الباز بحاجة إلى إعادة تأكيد موقفه حول أن ما جرى بالنسبة لأبو قردة في لاهاي هو تمثيلية فنحن تجاوزنا هذه النقطة ولقد كان أساس مقالي هو إثبات أنها ليست كذلك ودعمت ذلك بمجموعة من الحقائق الموضوعية. ولقد كنت اعلم أيضا أن الأستاذ الباز اختار الأسلوب التهكمي للحديث حول الموضوع ولكنه أدرج بداخله معلومات ودمغها بأنها حقائق وهذا ما قمت بالتعليق عليه لتصحيحها باعتبار انه رئيس تحرير لصحيفة يومية وتقع عليه مسؤولية تجاه القراء لإيصال معلومات دقيقة فيما يكتب. في هذا المقال سارد بتفصيل أكثر لتصحيح مغالطات و مفاهيم تبدو مازالت ملتبسة عند الأستاذ الباز وأيضا لإبراز الكثير من التناقضات التي وردت في أطروحاته حول المحكمة الجنائية الدولية.
النقطة الأولى التي أريد الرد عليها هي نفيه لمسالة أن ما ذكره يندرج تحت نظرية المؤامرة و هذا تناقض غريب حيث انه زعم أن المدعي ودولا أخرى اتفقت مع أبو قردة للمثول طوعا ومنحته ضمانات بأنه لن يعتقل وانه سيبرأ في نهاية المطاف حيث أن الأدلة التي قدمت ستفي بهذا الغرض لضعفها. وقال الأستاذ الباز إن الموضوع ليس مؤامرة وإنها مسرحية كتبت جهارا نهارا يستطيع إن يتبنينها أي شخص ذو عقل. السؤال هنا هل لدى الأستاذ الباز ما يثبت بشكل قاطع أن الأمر تمثيلية أم أنها مجرد استنتاجات؟ الثابت في الأمر أن كل ما ذكره كان محض استنتاج لا سند له وهو يتحدث عن أشياء لا تتم إلا من وراء الكواليس وليس في العلن تمت بغرض إحراج الحكومة السودانية في موقفها الرافض للمحكمة وتسليم المتهمين فهي إذن عملية استوفت أركان نظرية المؤامرة وليست مسألة ظاهرة كما قال الأستاذ الباز.
وهذا يجرنا إلى سؤال هام جدا وهو ما مصلحة هذه الدول الأفريقية التي ذكرها الأستاذ الباز في الاشتراك مع المدعي في هذه المسرحية المزعومة؟ الم تكن هي نفس الدول التي قال السودان عنها أنها وقفت معه وقفة قوية في موقفه الرافض للمحكمة وان بعضها يزمع الانسحاب من اتفاقية روما احتجاجا؟ هذه الدول التي ذكرها المدعي باستثناء تشاد و دولة مقر المحكمة هولندا هي من سقط جنودها صرعى أو جرحى في هجوم حسكنيتة أو كانوا جزءا من القوة لذلك سمع المدعي أقوالهم حول ما جرى وأمدوه بما لديهم من أدلة مادية. أما بالنسبة لتشاد فكان من الطبيعي أن تتم تحقيقات مع أعضاء حركات دارفور المتواجدين هناك. إذن فالمسالة ليست مؤامرة من هذه الدول وكان تعاونها مع المحكمة أمرا طبيعيا وغني عن القول إن هذه الدول هي أعضاء في المحكمة.
ثم أن الباز نسب لأبو قردة تصريحا بأنه تلقى ضمانات من هذه الدول للمثول في لاهاي و قد قمت بالبحث عن مصدر هذه المعلومة ولكنني لم أجد أي نص منسوب له بهذا الخصوص بل بالعكس ففي حواره مع صحيفة ( الشرق الأوسط) في عددها الصادر بتاريخ 23 مايو 2009 قال بشكل واضح إن "مثوله هناك تم بقناعته الشخصية، وليس لأي جهة إقليمية أو دولية".
وواقع الأمر كما ذكرت في المقال السابق أن ليس بإمكان أي دولة أو شخص أن يعطي ضمانات فيما يختص بالمحكمة الجنائية الدولية لأن القرار يعود القضاة وهم من يقرر سير الإجراءات حتى ولو كانت ضد رغبة المدعي والأمثلة عديدة من واقع عمل المحكمة منذ العام 2003 وقد أوردت مثال توماس لوبانغا الذي أكد استقلالية القضاة عن الإدعاء على عكس ما يعتقد كثير من الناس.
ثم أن أمر المثول أو الاستدعاء وما يترتب عليه موجود في ميثاق روما وليس بدعة استحدثها المدعي ليصاب الكثيرون داخل وخارج السودان بالدهشة أن أبو قردة لم يوضع في قفص لاهاي. واجد من المهم هنا انا اشرح بشكل مبسط للقارئ ماهية أمر المثول كما ورد في ميثاق روما. هناك خياران للقضاة في المحكمة الجنائية الدولية لجلب المتهمين. أمر التوقيف هو الشائع في اغلب الحالات إلا إذا وجد القضاة مايثبت بالدليل القاطع رغبة المتهم في أن يمثل طوعا ففي هذه الحالة بإمكانهم أن يكتفوا بإصدار آمر استدعاء وهو لا ينفي صفة المتهم عن الشخص المراد حضوره ولكن يتيح له البقاء حرا بشروط معينة يفرضها القضاة وأهمها الاستجابة الفورية لكل أوامر المحكمة وأي إخلال بهذه الشروط قد تدفع القضاة لتحويل أمر المثول لأمر توقيف.
واهم شيء يجب أن أنبه إليه هو أن قرار إصدار مذكرة توقيف أو أمر مثول يعود للقضاة أولا وأخيرا. بإمكان المدعي أن يقترح الإلية ويوضح الأسباب التي تجعله يعتقد أن المتهم قد يمثل طوعا أو الأسباب التي تثبت أن المتهم لن يتعاون وبالتالي تكون الحاجة لإصدار أمر توقيف لاعتقاله أينما وجد. ولكن في نهاية المطاف فإن تقييم المدعي غير ملزم للقضاة بالمرة وسأبين ذلك بالنسبة لقضية هارون وكشيب.
في 27 فبراير 2007 قدم مدعي المحكمة الجنائية الدولية طلبا إلى قضاة الدائرة التمهيدية الأولى لإصدار أمر مثول للوزير احمد هارون و القيادي في قوات الدفاع الشعبي علي كشيب لاتهامهم بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين في دارفور. في صفحة 91 من طلب المدعي يبرر الأخير طلبه أمر مثول بدلا من أمر القبض إن الحكومة السودانية التي تقع عليها مسؤولية ضمان مثول المتهمين بموجب قرار مجلس الأمن 1593 قد تعاونت بشكل لأبأس به مع مكتبه. وذكر أيضا أن هارون بشكل شخصي قد تعاون مع لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في جرائم دارفور وكذلك اللجنة الوطنية مما يعطي الانطباع انه قد يتجاوب مع أي أمر استدعاء قد تصدره المحكمة.بالنسبة لكشيب قال المدعي في طلبه أن الحكومة السودانية أخطرت مكتبه بأن القائد الجنجويدي رهن الاعتقال وبالتالي يمكن أن يمثل أمام المحكمة طوعا لحضور الجلسات وبعدها يعود إلى سجنه في السودان.
عكف القضاة في شهري مارس وابريل 2007 على دراسة ملف القضية والأدلة واجتمعوا بالمدعي عدة مرات لطلب توضيحات محددة ومنها تأكيد مكتوب من الحكومة السودانية أن هارون وكشيب سيتعاونا مع المحكمة. وبعث المدعي في 12 ابريل 2007 برسالة للحكومة السودانية تسلمتها عن طريق سفارتها في هولندا وكشفت صحف (الرأي العام) و(الصحافة) و(الحياة) اللندنية في أواخر ابريل عن محتويات الخطاب رغم أن الأستاذ الباز قال إن الخارجية أصدرت تعليمات لسفاراتها بعدم تسلم أي مراسلات من المحكمة الجنائية الدولية. فإذا كان هذا صحيحا فكيف عرفت هذه الصحف فحوى الرسالة؟
في صحيفة (الرأي العام) بتاريخ 28 ابريل 2007 نجد خبرا نسب لمصادر مطلعة "أن المدعي العام لويس اوكامبو بعث برسالته للحكومة عبر سفارة السودان في هولندا وابلغها انه قرأ في الانترنت أن هارون ليس لديه مانع في أن يسلم نفسه إذا رأت الحكومة ذلك وأضاف انه يريد معرفة الرأي الرسمي للحكومة إذا ما قدم طلبا أو أمر تكليف بتسليم هارون وكوشيب فهل يمكن للحكومة أن تسلمهما' وذكر المصدر أن المدعي طالب الحكومة بالرد عليه في فترة لا تتجاوز الثلاثين من ابريل الجاري وقال المصدر إن الحكومة تجاهلت الرسالة ولم ترد عليها حتى امس".
وقالت الصحيفة إن الحكومة أكدت رفضها "رسالة اوكامبو وقال وزير العدل محمد على المرضى في تصريحات صحفية أمس إن الحكومة لن تسلم اى سوداني إلى المحكمة الدولية وموقفها ثابت في ذلك معللاً بأنه لا ينعقد للمحكمة الدولية اختصاص على السودان".
إذن فخيار أمر المثول لهارون وكشيب رفضته حكومة السودان لمتهميها بحجة أنها لا تعترف بالمحكمة وهذا الكلام يناقض جملة من الوقائع التي سأذكرها.
واقع الحال أن فرقا من مكتب المدعي حصلت على تأشيرات و زارت السودان خمس مرات بين عامي 2005-2007 واستجوبت أفرادا من الحكومة والجيش وسجلت أقوالهم بالصوت والصورة. وحصل مكتب المدعي على وثائق وردود مكتوبة من أجهزة الدولة السودانية استخدمت كلها في تحقيقات المحكمة مما حدا بالمدعي وعبر أربعة تقارير أن يشيد بتعاون الخرطوم. الجدير بالذكر أن زيارات مكتب المدعي الخمس للخرطوم كلها تمت بترتيب من وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية علي كرتي الذي قال في حوار مع صحيفة (الشرق الأوسط) في عددها الصادر بتاريخ 29 ديسمبر 2008 "إن تعاوننا مع لاهاي يعني أن نتخلى عن سيادتنا الوطنية"! ولعل الكثيرين لا يعلمون أن كرتي كان من أوائل المسئولين السودانيين الذين قابلوا اوكامبو عام 2006 سرا في أوروبا وحاول أن يثنيه عن المضي في تحقيقاته في جرائم دارفور. فأي تناقض هذا؟ لماذا سمحت الحكومة للمحكمة بالقيام بأنشطتها داخل السودان على مدى سنتين إذا كانت لاتعترف باختصاصها؟ وكيف قام هذا التعاون أصلا رغم أن الحكومة ملأت الدنيا صراخا حول رفضها القرار 1593 وقطعت بعدم السماح للمحكمة بالتحقيق على أراضيها؟ ونورد هنا تصريحا لمصطفى عثمان إسماعيل عندما كان وزيرا للخارجية في صحيفة (الشرق الأوسط) بتاريخ 7 ابريل 2005 يقول فيه "إذا طلب المدعي زيارة السودان غداً فلن نقول له مرحباً بك".
الحكومة وعبر تصريحات علنية لم تنكر تعاونها مع المحكمة فقد صرح الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية على الصادق لصحيفة (الرأي العام) بتاريخ 28 ابريل 2007 أن " الحكومة سبق وان تعاملت مع محكمة لاهاي وفتحت دارفور وسمحت لقضاتها بإجراء مقابلات مع المسئولين لكنها ضربت بكل ذلك عرض الحائط ولذلك فان الحكومة لن تسلم مواطنا سودانيا لمحاكمته هناك".
و العجيب أن مستشار الرئيس البشير دكتور غازي صلاح الدين عتباني انتقد موقف الحكومة في حواره مع صحيفة (الإنتباهة) في عددها الصادر بتاريخ 17 أغسطس 2008 قائلا أن القبول بالقرار 1593 "كان سذاجة" و"ما كان ينبغي أن يقبل به " في إقرار واضح وصريح من مسئول كبير في الدولة عن أن السودان لم يرفض ولاية المحكمة.
إذن فالحكومة اعترفت عمليا بالمحكمة وكان بإمكان الحكومة أن تواصل تعاونها مع المحكمة الذي توقف منتصف 2007 عبر المسار القانوني بدلا من استجداء دولا عربية وغربية فيما بعد لأعمال المادة 16 من ميثاق روما. وقد بلغ ذلك حد سماع التقريع المذل والتوبيخ كما حدث في لقاء نائب الرئيس علي عثمان طه مع وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس في سبتمبر الماضي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو يسألها في لقاء عاصف لم يدم سوى دقائق معدودة عن المطلوب لكي لا تستخدم أمريكا حق النقض ضد أي قرار لتجميد مذكرة توقيف البشير.
المهم أن المدعي عندما قدم قضيته ضد هارون وكشيب كانت الحكومة متعاونة رغم التصريحات التي كانت تطلقها والتي استشهد بها الأستاذ الباز عندما يقول إن "موقف الحكومة معلوم منذ زمن بعيد". وآخر زيارة لمكتب المدعي للخرطوم تمت في يناير 2007 أي قبل شهر من قضيته الأولى مما دفعه للاعتقاد بان التعاون سيستمر وانه بالإمكان ضمان مثول المتهمين طوعا.
ولقد توقف تعاون الحكومة مع المحكمة في يونيو 2007 عندما رفضت السفارة السودانية استلام مذكرة التوقيف لهارون وكشيب ولكن بناء على اقتراح دبلوماسيين من الجامعة العربية والحكومة المصرية لمكتب المدعي تم إرسالها للخرطوم مباشرة بالبريد المسجل وتم توثيق استلامها. ولكن الحكومة السودانية إعادتها مرة أخرى للمحكمة.
والأستاذ الباز يقول إن المحكمة كانت تهزل عندما "أمرت بمثول هارون وكشيب" ويقول إن القارئ سيدهش عندما يعلم أن هارون وكشيب لم يتسلما أمر المثول. وذكر انه استقصى الأمر من هارون شخصيا ومن السفارة السودانية في هولندا. ويتضح هنا جليا أن الأمر التبس على الأستاذ الباز لأن المحكمة لم تأمر أبدا بمثولهم بل أصدرت أمر قبض . فالمدعي طلب من القضاة إصدار أمر المثول ولكنهم رفضوا ذلك بعد أن عجز عن إثبات أن هارون وكشيب سيتعاونان حيث أن الحكومة السودانية تجاهلت خطابه كما أوضحت سابقا وهذا جواب قاطع على تساؤل الأستاذ الباز في مقاله الأول " ابوقردة على مسرح لاهاي" عندما قال " ياترى هل تمت شورة أحمد هارون وكوشيب قبل إصدار مذكرة اعتقالهما؟". الجواب هو نعم.
وأود أن أشير هنا لعدم المنطق في طرح الأستاذ الباز. ففي مقاله الأول لمح إلى أن خيار المثول منح لأبو قردة تفضيلا ولم يعط لهارون وكوشيب واعتبر هذا دليلا على انحياز المحكمة. ثم عاد وتراجع في الجزء الثالث من مقاله "تواصل مع واصل" ليقول إن طلب اوكامبو أمر مثول لهارون وكوشيب كان هزلا. إذن فلو لم يطلب اوكامبو أمر مثول لهارون وكوشيب كما في حالة أبو قردة فهو تواطؤ مع المتمردين. وعندما تبين له أن هذا الخيار أتيح لهم أصبحت المسألة هزلا وتمثيلا ففي كلا الحالتين كان الأستاذ الباز مستعدا لإدانة المحكمة. وهذه هي العقلية المشبعة بالتفسير التآمري للأحداث كما أرى.
بالنسبة لقضية البشير نفى الباز أن يكون المدعي ترك الباب مفتوحا لأمر مثول بدلا من أمر القبض وهي مغالطة صارخة أيضا.المؤسف أن الأستاذ الباز كان سيدرك هذه الحقيقة لو بذل قليلا من الجهد في قراءة طلب المدعي الموجود في موقع المحكمة. ابتداء من صفحة 110 يتحدث المدعي عن أن توقف تعاون السودان وتصريحات المسئولين لا تعطي أي مؤشر على أن البشير يمكن أن يمثل طوعا وبالتالي يجب إصدار أمر توقيف لإجباره على الحضور.
ولكن في الفقرة الأخيرة من صفحة 111 يقول المدعي أن خيار إصدار أمر المثول للبشير قد يكون ممكننا إذا ابدي الأخير استعداده لذلك ويقول انه سيخطر القضاة بأي تطور في هذا الاتجاه و أي رسالة من الحكومة السودانية تصله بهذا الخصوص قد تبرر إصدار أمر استدعاء بدل أمر القبض. إذن ببساطة شديدة المدعي ترك الباب مفتوحا أمام البشير على عكس ما يقوله الأستاذ الباز.
في قضية أبو قردة كان طلب المدعي الأصلي الذي قدمه للقضاة في 20 نوفمبر 2008 إصدار أمر توقيف. ولكن بناء على تأكيدات مكتوبة من أبو قردة انه سيتعاون مع المحكمة عدل المدعي طلبه في 23 فبراير 2009 وطلب من القضاة إصدار أمر استدعاء.
النقطة الثانية أن الأستاذ الباز يبدي استغرابا أن المدعي لم يوجه تهم (جرائم حرب) ضد المدنيين في دارفور ويستشهد بتقارير الأمم المتحدة في هذا الخصوص عن الجرائم التي ارتكبتها حركات التمرد ليبرهن بها على تحيز المدعي وعن أن مثول أبو قردة هو تمثيلية. لو رجعنا لتقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الأمن للتحقيق في جرائم دارفور عام 2004 برئاسة القاضي الإيطالي أنطونيو كاسيسي نجد في صفحة 158 خلاصة ما توصلت إليها اللجنة حول الجرائم المرتكبة ومن يقف وراءها. قالت اللجنة أن قوات الحكومة السودانية ومليشيات الجنجاويد ارتكبت جرائم حرب تشمل مهاجمة المدنيين, إبادة القرى, الاغتصاب, التعذيب , تدمير وسائل المعيشة بشكل منهجي وواسع النطاق.
فيما يخص بالمتمردين قالت اللجنة إن أفرادا من حركات التمرد ربما ارتكبوا جرائم حرب ولكنها لم تتم بشكل منهجي وواسع النطاق كما هو الحال بالنسبة للحكومة السودانية. المعروف أن ميثاق روما يلزم المدعي بالتحقيق في جرائم تستوفي معايير معينة منها جسامة الانتهاكات وعن ما إذا كانت جزءا من خطة أو سياسة عامة وهل تمت بشكل منهجي فالمحكمة لا تستطيع أن تحقق في كل الجرائم التي وقعت. إذن فاللجنة أقرت بأن الحكومة هي الطرف الذي ارتكب جرائم الحرب الأخطر التي استهدفت المدنيين وقراهم بشكل متعمد وليس المتمردين. فليس مستغربا أن هذه التهم لم توجه للمتمردين.
في اعتقادي أنه إذا كان الأستاذ الباز يريد أن يبحث عن مسرحية فهو ليس بحاجة لأن يذهب بعيدا. فلدينا قضية علي كشيب القيادي في قوات الدفاع الشعبي وسأستعرضها بالتواريخ حني يحكم القارئ بنفسه ويقارنها بقضية أبو قردة.
- في فبراير 2007 قال وزير العدل السابق محمد علي المرضي إن كشيب معتقل مع اثنين آخرين منذ 28 نوفمبر 2006 وانه قد ثبت ضلوعه في أحداث قتل وقعت في بلدة دليج بغرب دارفور عام 2003 وانه سيقدم للمحاكمة.
- في مارس 2007 تم تأجيل محاكمة كشيب للبت في الاستئنافات التي تقدم بها المتهمون والتي وفقا للمدعى العام مولانا صلاح الدين أبو زيد تم رفضها حيث أن هناك أدلة كافية للاتهام.
- في الأسبوع الثالث من مارس2007 بعث المرضي برسالة لرؤساء تحرير الصحف السودانية يخطرهم فيها بحظر النشر فيما يختص بالقضايا الجنائية التي تنظر في الجرائم المرتكبة في دارفور.
- في 1 أكتوبر2007 صرح وزير الخارجية السابق لام أكول لصحيفة (الرأي العام) من نيويورك أن كشيب تم إطلاق سراحه لعدم كفاية الأدلة.
- في 5 أكتوبر2007 نفى المرضي نبأ الإفراج عن كشيب وقال انه اجري اتصالا هاتفيا مع أكول الذي نفي له صدور هذا التصريح منه.
- في نوفمبر 2007 صرح المرضي لصحيفة (الرأي العام) أن كشيب لم يطلق سراحه أبدا ولكنه رفض الخوض في تفاصيل القضية لأنها في طور التحقيقات رغم أن الحكومة قالت سابقا انه قدم للمحاكمة!
- في ابريل 2008 صرح الملحق الإعلامي بسفارة السودان في لندن خالد المبارك لإذاعة صوت أمريكا أن كشيب تم إطلاق سراحه لعدم كفاية الأدلة.
- في يونيو 2008 صرح وزير الدولة للشباب والرياضة أمين حسن عمر لصحيفة (الأحداث) أن كشيب تم إطلاق سراحه لعدم كفاية الأدلة.
- في أكتوبر 2008 قال وزير العدل عبد الباسط سبدرات من القاهرة لوكالة اسوشيتدبرس أن كشيب رهن الاحتجاز وسيحاكم في محاكم محلية ولكنه لم يذكر التهم أو يفسر لماذا تمت تبرئته من قبل أو هل هناك أدلة جديدة تستوجب إعادة المحاكمة. ونفى أن تكون لمحاكمة كشيب في هذا الوقت علاقة بالقضية المنظورة في المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس البشير.
- في أكتوبر 2008 صرح وكيل وزارة العدل عبد الدايم زمراوي لوكالة رويترز أن كشيب كان رهن الاحتجاز "منذ مدة طويلة" وان الإدعاء جمع كل الأدلة ضده ولم يذكر لماذا صمت كل هذا الوقت عن هذه المعلومة وانتظر ليعلنها بعد قضية الرئيس البشير.
- في أكتوبر 2008 اطلعت على تقرير الحكومة السودانية بتاريخ 17 سبتمبر 2008 الذي أرسله الاتحاد الأفريقي لمجلس الأمن. يقول التقرير إن كشيب تم تسميته كمتهم وان المدعي الخاص مازال يحقق في القضية ويستجوب الشهود. ولم يذكر التقرير شيئا عن كونه رهن الاحتجاز. السؤال المهم لماذا قالت الحكومة إنها جمعت الأدلة وان كشيب سيحاكم رغم أنها مازالت تجمع الأدلة ضده لتؤسس الاتهام؟
- في ديسمبر 2008 صرح علي كرتي لصحيفة (الشرق الأوسط) في عددها الصادر بتاريخ 29 ديسمبر 2008 أن كشيب "وردت ضده اتهامات كثيرة، وشهد ضده كثيرون، رغم أن أيا منهم لم يثبت اتهامه. يذكرون اسمه دون التأكيد انه هو، إذ يشيرون في أقوالهم إلى أن كل المهاجمين كانوا ملثمين. يدعون على كشيب لكن كيف تعرفوا عليه.. إذا كان المهاجمون ملثمين..لا ندري". إذن الحكومة تعود و تناقض نفسها وتقول أن الأدلة ضد كشيب ضعيفة!
- يخرج علينا مدعي عام جرائم دارفور المستشار نمر إبراهيم بتصريح بمعدل واحد كل شهر يقول فيه أن التحقيق مازال مستمرا مع كشيب حول أحداث دليج التي برئ منها سابقا بعد مرور ما يقرب السنة على بدء التحقيقات! ولم نفهم كيف صرح سبدرات و زمراوي بأن كشيب سيحاكم إذا لم تكن هناك أدلة جاهزة ضده؟
إذن فنحن هنا أمام قضية غير واضحة المعالم تدار وكأنها محفل ماسوني! فلم نعد نعرف هل كشيب طليق السراح أم هو في السجن؟ وهل هو في الخرطوم أم في دارفور؟ وهل هناك أدلة ضده أم مازلت تجمع؟ و متى ولماذا تمت تبرئته من قبل؟ ولماذا تم التحقيق معه فقط بعد مذكرة الرئيس البشير؟ المنطق يقول إن هذا التناقض في تصريحات المسئولين في قضية كشيب هو الدلالة الواضحة على التمثيلية لإيهام المجتمع الدولي أن هناك تحقيقات تجري لتدفع الحكومة عن نفسها شبهة التراخي في محاكمة مجرمي الحرب في دارفور لإقناع المجتمع الدولي بتجميد القضية ضد الرئيس البشير.
ولعل الأستاذ الباز يذكر ما حدث عندما لمح مدعي جرائم دارفور المستشار نمر بالتحقيق مع هارون فقام الأخير وعبر تصريحاته للصحفيين في 17 مارس 2009 بشن هجوم كاسح عليه قائلا أن ذلك الموقف لا يتواءم مع توجه الدولة الرافض للمحكمة الجنائية الدولية. وجاء سبدرات وبعد شهر ليصرح لصحيفة (آخر لحظة) بتاريخ 16 ابريل 2009 ليقول أن هارون "لا يوجد اتهام تجاهه من أي جهة" ضاربا بسلطات المدعي عرض الحائط. ورغم كل ذلك يصر السودان على أن القضاء مستقل وقادر على محاكمة أي شخص وهو كلام أصبح مجرد أكليشيه يكذبه واقع الحال وما نراه بأعيننا في موضوع جرائم دارفور.
وفي 16 ابريل 2009 صرح سبدرات لصحيفة (الرأي العام) الكويتية أن رغم أن هناك جرائم حرب وقعت في دارفور ولكن نظرا للأوضاع الأمنية لن يستطيعوا ملاحقة مرتكبيها إلى أن تتيسر الظروف. وهذا الكلام يناقض زعم الحكومة عن قدرتها ورغبنها في إحقاق الحق في دارفور.
وآخر هذه المتناقضات هو تصريحات الرئيس البشير في زالنجي الشهر الماضي عندما قال بأن السلطات ستحقق مع مجرمي دارفور بعد المصالحة إذن هذا إقرار بأن ما يجري الآن باسم التحقيقات في جرائم دارفور هو ذر للرماد في الأعين وان المصالحة تسبق أي محاكمات. فإذا لم تكن كل هذه الأمور التي ذكرتها بتفاصيلها تمثيلية فما هي التمثيلية من وجهة نظر الأستاذ الباز؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.