حينما يجيء ذلك الإعلان القميء الساذج (لا بديل للسكة حديد إلا السكة حديد) أضحك ملء شدقيّ. وأتساءل من هي الفئة المستهدفة من هذا الإعلان؟ هل ضلّ هذا الإعلان طريقه؟ و لمن يفترض أن يوجّه هذا الإعلان؟ هل هو موجه لنا نحن المشاهدين باعتبارنا الفئة المستهدفة من الإعلان؟أم أن هناك خطأ ما؟. إذ نحن نعرف و كل من لديه بصر و بصيرة يعرف و يدرك أنه لا بديل للسكة حديد إلا السكة حديد.ثم ماذا نستفيد نحن من الإعلان و ماذا تفيدنا الشعارات؟ إذ أننا نحن في حاجة للأعمال و ليس الشعارات.،كفانا هتافا و تهريجاً. للتاريخ بدأ تدمير السكة حديد في عهد نميري حيث كانت السكة حديد بعبعا يخيف الديكتاتورية العسكرية في ذلك الوقت. إلا أن ذلك التدمير كان تدميرا يسيرا فحاول ذلك النظام جهد رأيه و فكره و مخططاته للقضاء على السكة حديد. و لكن يبدو أن ذلك النظام رغم ظلمه و بطشه كان أكثر رحمة و أكثر مراعاة للواجبات و الالتزامات الوطنية و الاجتماعية فلم يدمر السكة حديد تدميراً كلياً و لا قضى عليها قضاءً مبرماً.و قد يرجع ذلك لقليل رحمة كان يملكها منعته من التضحية بأكبر أساطيل النقل في الوطن و بأكبر مؤسسة اجتماعية ترعى الأسر و أبناء الوطن و بأكبر مؤسسات الخدمة العامة.نعم تراجع ذلك النظام و إرعوى من أن يرتكب فعلا تندم عليه الأجيال.و لم يرعوي من جاء بعده من أبناء هذا الوطن. ففي غفلة من الزمان قام من كان حاكما للشمالية في أول عهد الإنقاذ (رغم أنه و هو الذي يحمل إجازة في القانون، و كان يمثل المعارضة و متحدثا باسم الشعب في جمعيته التأسيسية في عهد الديمقراطية الأخيرة ) أقول قام بأكبر عملية تشريد تحدث لمؤسسة في تاريخ السودان وحيث قام مأمورا و منفذ و متنفّذا بعملية اغتيال بدم بارد لمستقبل لآلاف الأسر و انتهاك لحلم أبناء زغب يحلمون بالزاد و التعليم فحرمهم ذلك المسئول (الشاب) من كل ذلك و شرد آلاف الأسر و حرمهم من رواتبهم لأكثر من ثلاثة سنوات.و تعرضوا لرياح الظلم و البطش و التشريد سنين عددا و شكوا لله و رفعوا مظلمتهم و كظموا الغيظ و توسدوا الضيم و سكتوا و لكنهم لم ينسوا و عين الله لم تنم. و ظن الممسكون بالأمر أنهم قد نجحوا في مسعاهم و أنهم قد ظفروا بما كانوا يحلمون. و كانو إذ بالسياط يلهبون إنما كانوا يلهبون بالسياط ظهر الوطن،و حينما كانوا إلى الشوارع يشردون إنما كانوا يشردون ذوي الخبرة والكفاءات الوطنية، و كانوا إذ يغمدون حراب بطشهم إنما كانوا يغمدونها في حلق الوطن. و مرت الأيام و الشهور و السنين و بعد انجلاء المعركة جاءوا و جئنا لكي نعد موتانا و و نسعف جرحانا، إذ فما وجدنا إذ وجدنا إلا موتى لنا قتلهم إخوان لهم في الوطن.و ما وجدوا هم إذ وجدوا إلا جثة تمتد بطول الوطن و ما هالهم إلا أشلاء و جراح تمتد بعرض الوطن.و أحصينا خسائرنا فكانت فوق الحصر و العدد. و أحصوا مكاسبهم فكانت أشلاء و جماجم و بضع عظام لمؤسسة كانت عظيمة تملأ أدخنة قاطراتها سماء البلاد و تطرب صافراتها سمع الآفاق و الجن في الفلوات. في كل أقطار الدنيا و حتى البلاد النامية تقوم السكة حديد بأدوار إستراتيجية كبيرة في تنمية تلك البلدان و في نقل صادراتها ووارداتها و في نقل الركاب. و السكة حديد في معظم أنحاء الدنيا مؤسسات خدمية عامة لا ينتظر منها أن تدر الربح .و يمكنها لو أرادوا أن تحقق الأرباح و المكاسب.أما الحال في بلادنا فهو يسير في الاتجاه المعاكس .حيث في بلدي يضن بالمال على دعم المشروعات العامة و النافعة و المفيدة و يشيح وجه الدولة عما ينفع الناس و يضمد جراحهم و يمسح أحزانهم. كانت السكة حديد أنشودة في فم الجميع و أما رءوما تحمل في حضنها أبناء الوطن و كانت خدماتها متاحة للجميع و كانت أسعارها في متناول الفقير و المسكين.كانت السكة حديد توفر الوظائف للآلاف الاسر و تحي المناطق المقفرة و تصل المناطق البعيدة و تربط أطراف الوطن بأنحائه و تضخ في شرايين الوطن ملايين الدولارات و توفر الري و الشبع لخزينتها التي أغنت الأيدي المتلصصة و ما أغنت الذمم و لا الضمائر الخربة. فمن سينقل الصادرات و المنتجات التي نبشر الناس بإنتاجها؟ إن لم تكن السكة حديد، فمن تكون؟و من سينقل المواد الخام و المدخلات؟ إن لم تكن السكة حديد، فمن تكون؟و من سينقل المواطنين إلى أرجاء الوطن البعيدة في سهولة و يسر؟ إن لم تكن السكة حديد، فمن تكون إذن؟ نسأل الله أن يقيّض للسكة حديد من يزيل عثرتها و يعيد إليها شبابها و نضارتها و يعود بها أفضل مما كانت و أجود مما نأمل و أقوى مما نحلم. محمد عبد الله محمد الحسين-الدوحة mohammad alhussien [[email protected]]