هل يمكن الوثوق بالذكاء الاصطناعي؟.. بحث يكشف قدرات مقلقة في الخداع    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    سألت كل الكان معاك…قالو من ديك ما ظهر!!!    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أنشيلوتي: فينيسيوس قريب من الكرة الذهبية    حمّور زيادة يكتب: ما يتبقّى للسودانيين بعد الحرب    هجوم مليشيا التمرد الجمعة علي مدينة الفاشر يحمل الرقم 50 .. نعم 50 هجوماً فاشلاً منذ بداية تمردهم في دارفور    عاصفة شمسية "شديدة" تضرب الأرض    مخرجو السينما المصرية    «زيارة غالية وخطوة عزيزة».. انتصار السيسي تستقبل حرم سلطان عُمان وترحب بها على أرض مصر – صور    تدني مستوى الحوار العام    هل ينقل "الميثاق الوطني" قوى السودان من الخصومة إلى الاتفاق؟    د. ياسر يوسف إبراهيم يكتب: امنحوا الحرب فرصة في السودان    كلام مريم ما مفاجئ لناس متابعين الحاصل داخل حزب الأمة وفي قحت وتقدم وغيرهم    الأمن، وقانون جهاز المخابرات العامة    مرة اخري لأبناء البطانة بالمليشيا: أرفعوا ايديكم    تأخير مباراة صقور الجديان وجنوب السودان    الكابتن الهادي آدم في تصريحات مثيرة...هذه أبرز الصعوبات التي ستواجه الأحمر في تمهيدي الأبطال    شاهد بالصورة.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بأزياء قصيرة ومثيرة من إحدى شوارع القاهرة والجمهور يطلق عليها لقب (كيم كارداشيان) السودان    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مناهضة العنصرية .. واجبات فى عمق مشروع التحرر الاجتماعي في السودان. بقلم: عصام على عبدالحليم
نشر في سودانيل يوم 12 - 04 - 2012


[email protected]
توطئة :
اوردت الاخبار تعرض سكان الحى الغربى "الكمبو" فى قرية محمد زين بمشروع الجزيرة لهجوم ضارى من قبل بعض السكان ، بقيادة رئيس واعضاء اللجنة الشعبية للقرية . خرج الموكب من الجامع قاصدا الحى فاحرقوه ؛ وقالوا للضحايا لقد جاء وقت ذهابكم الى بلدكم دارفور . مزيد من التفاصيل هنا
http://sudanyiat.net/news.php?action=show&id=5192
. ( Racialization) والعرقنة (Racism )والعنصرية (Race )تفرق الورقة بين "العرق"
"فالعرق" كمفهوم يقوم على معايير بايولجية لتصنيف و لتوزيع (او موضعة) الافراد داخل مجموعات مختلفة ، هو مفهوم ايديولوجى مخروب تماما كما حكم مشروع الجينوم ، الذى اكد اشتراك الناس فى اكثر من 99.99% من الحمض النووى . وما تبقى ( اى 0.01% تقريبا) تتولى 15% منها تحديد تلك الصفات الجسدية كاللون ونوع الشعر ..الخ ، لذلك استخدمه بين مزدوجتين لتاكيده كممارسة اجتماعية غير علمية ولكنها حية بالرغم من ذلك .
تُربط فيها الاهمية الاجتماعية للمجموعة اما العرقنة فهى عملية تمثّلية الانسانية بخائص بيولوجية (كلون البشرة مثلا) جاعلة منها مجموعة متميزة ، تبنى علاقاتها الاجتماعية على هذا الاساس .
اما العنصرية فهى بنية اجتماعية مخترعة ، قامت على الظهور التاريخى لفكرة "العرق " ، ولكنها ترد فى هذه الورقة باعتبارها بنية قائمة داخل علاقات الاقتصاد والسياسة والايديولوجيا بدلا من قيامها بين "الاعراق" . فهى عندى نمط من الابعاد والتحقير والاخضاع والاستغلال ، لايمكن فهمه بالاتكاء على ظاهرة "العرق" او الاثنية وحدها . فالتحليل للظاهرة لابد ان يمر بعمليات تتداخل مع التقسيم الطبقى للمجتمع وعمليات جهاز الدولة وعمليات الهوية والاختلاف يترتب عليها اختراع احكام قيمية بصدد المجموعات الانسانية.
ساتناول الاثنية فى هذة الورقة باعتبارها حالة خاصة من العنصرية . هناك اتفاق عام على ان الاثنية هى من منتجات تحول الخطاب المركزى الاروبى عن استخدام مفهوم القبيلة ككيان اجتماعى ، مخترع ، يدخل مجموعات من السكان فى وحدات ادارية يتم تعريفها اثنيا ، لتحبسهم فى ثنائية الزعيم-الرعية التى انتجها الاستعمار فى ممارسة الحكم غير المباشر المعروفة . و فى حدود معرفتى المتواضعة ، يبدو لى ان الدرس العلمى السودانى لم يتوفر على جهد كاف لدراسة الاثنية فى السودان . فهى فى ظاهر الامر معروفة ، نراها ونشير اليها ، فيمكن تحديدها –وبسهولة – بعرب وزرقة . ولاشك ان الموضوعة اعقد من ذلك . ويكمن التعقيد فى تعدد مكوناتها من مجموعة هويات جمعية ( تضم اللغة ، الثقافة ، الدين ، نظام القرابة ، الاصل والاب المؤسس ..الخ) تتفاوت فى الاهمية والتأثير حسب المحتوى العام ومسيرة التاريخ .
يتراوح معنى الاثنية بين الحدين : فقد يشير الى اقلية تتواجد ضمن فسيح الشعب ؛ وقد تعنى الامة ( او القومية مما يزيد فى مستوى التعقيد) . او قد تضم الاثنين عندما يتسع مدى البلد ليضم اقواما . والمعنى وما يشير اليه قد يغرق فى التعقيد فى مستوى اخر ، فقد تعنى الاثنية القبيلة ( والقبيلة قد تضم قبائل تسمى افخاذا ) وقد يعنى اقليما يضم مجموعة تاريخية تضم عددا من القبائل كالبجا او النوبا مثلا . وقد يتم استخدامها الى جانب القبيلة كمرادف "للعرق" و تتشابك الاثنية مع القومية والدولة ؛ فما هى الاثنية/القبيلة فى البلد ؟ وما هو نطاقها ؟ وهل هى حقيقة اصلية اساسية منسجمة ومستمرة ام هى ايديولوجيا ام ميثولوجيا ، ام بنية تاريخية متحركة باسباب الحياة والصراع ، سوى الصراع باسباب السياسة او باسباب الموارد او بغيرها ، يسهم فى انتاجها واعادة انتاجها وتعريفها واعادة تعريفها؟ واين هى الحدود الفاصلة بين اثنية/قبيلة واخرى ، بين تفسيرات من هم داخلها ومن هم خارجها ؟ وغيرها من الاسئلة تنتظر النظر العلمى فى تطوره ، لنوهل فعلا سياسيا قائما على المعارف الاوثق.
الايديولوجيا التى تمنح الالوان قبحا :
"العبد" هو الشخص "الاسود" او " الازرق" ( "بالاستفادة" من - او بالاشارة الى - الاوصاف الاثنية المتداولة فى الصراع فى دارفور بين عرب وزرقة ) ، وهو تحديد - فى اختراعه – مخالف/ مقابل لتصور اثنى اخر- مخترع كذلك- يسمى ب "العربى" أو "ود البلد" او " الاصيفر " .. الخ ، تستمر اوصافه لتحدد نقاءه وخلوه من " العِرق " . فى الممارسة تكفى المنطقة الجغرافية او القبيلة او الملامح الجسدية لتشييد هذا النموذج المخترع "لود البلد"/"بنت البلد" و"للازرق" . والممارسة فى عمقها هى استثمار لعلاقات اقتصادية ، اجتماعية وثقافية ولذاكرة تاريخية ، يتم تركيبها فى بنية – مشحونة بالقوة - تنتج نوعا من التمايز والترتيب للجماعات الانسانية بين الرفعة والوضاعة . 'يودع هذا التمايز - وتلك التراتبية - فى الايديولجيا واللغة ليمثل دوافع وبعضاً من المراجع لحركة الوعى الاجتماعى والمؤسسات الاجتماعية ، شعبية ورسمية ، بما فيها جهاز الدولة . والدولة الحالية تأهبت و زعمت " مشروعا حضاريا " ، فجندت – فيما جندت - المليشيات لقتل ملايين السودانين فى الجنوب يتواتر وصفهم ب "العبيد" والكفار ، فانفصل ؛ وسلحوا الجنجويد لقتل مئات الالاف فى دارفور يتواتر وصفهم "بالزرقة" ، ومانفكوا . وشّر "المشروع الحضارى" عنصريته ابتداءا من رئيسه السفاح البشير فوصف - على لسان المجرم الترابى على الحاج ب "الفرخ " وحتى ضياء الدين الطيب – رئيس اللجنة الشعبية بقرية محمد زين - حيث خاطب عبد الرحيم هارون صارخا: " يا لاجئ .. ياعب " ونصحه بالرجوع الى بلده دارفور ، ثم اعتدى عليه واستمر العنف العنصرى يختار ما يشاء من جرائمه ، فطعنوا والده بالسونكى واحرقوا ما رغبوا من بيوت الحى .
الاقتصاد ( او عندما يقال "عبيد " فى مشروع الجزيرة وغيره) : العنصرية و
لانحتاج الى كثير عناء للربط المباشر بين الاقتصاد والممارسة العنصرية سوى فى حدود التجربة العامة او فى حد تجربتنا السودانية . فالتجربة العامة انتظمت بقاع العالم وصاحبت تطور البنية الرأسمالية فى اروبا التى خصّت فيها افريقيا بالنصيب الباهظ من الاستعمار . يرصد اريك وليامز فى كتابه " الراسمالية والرق " حركة توسع الرأسمالية الاروبية الى خارجها ، كما يرصد الصراع بين الدول الاروبية على مناطق النفوذ والذى انفجر ابتداءا بين اسبانيا والبرتغال على البلاد الشاسعة فى امريكا الجنوبية ؛ والبرتغال وبريطانيا على البلاد الشاسعة فى القارة الافريقية . صّرح ملك فرنسا " ان الشمس تشرق لى كما تشرق لهم " وكان يشير الى كل اولائك الملوك والذين انضمت لهم هولندا والدنمارك تطالب بنصيبها من ضوء الشمس ، تلك الشمس الوسيعة البسّامة التى غذت حقول القطن والتبغ وقصب السكر فى العالم الجديد . (وليامز ، السابق ص 3-4 ) .
حررت الراسمالية اقنان اروبا العجوز من عبودية الاقطاع ، واتاحت لهم الاسواق ، يمارسون " حريتهم !" فى بيع قوى عملهم . وقد شجّعت حكوماتها اغتراب فقراء مجتمعاتها وخريجى السجون الى مستعمرات الكاريبى ( وغيرها) ، ذهبوا اليها تحت عقودات صارمة ومقيدة ( بين 3 الى 7 سنين) تمنع عملهم خارج مزارع الرأسمالى صاحب العقد باى حال من الاحوال الا بعد انتهاء العقد . وقد كان للعقد اسما مثيرا ، فقد حددته الاوراق الرسمية ب " عقد الخدمة " واصبح العامل مستخدما ( او خادما) ! ويوضح هذا بجلاء نوع الظروف الحياتية والعملية التى خبرها هؤلاء . يكفى ان نعرف ان هروبهم كان يزيد فى مدة العقد بسنتين او اكثر ، اما اذا تكررت محاولات الهرب فيكون نصيبهم الوشم (او الوسم) تماما كما توسم الابقار والخيول (وليامز ، السابق ص 10 ) .
لقد لعب المستخدمون ( او الخدم) الى جانب الارقاء من المواطنين الاصليين دورا كبيرا فى التراكم البدائى ، والذى مول التوسع الصناعى الاروبى ، فسألت الصناعات و الاسواق : هل من مزيد ؟ وقد حدد تصاعد الطلب العام للسلع والخدمات الصناعية ، الى جانب ارتفاع تكاليف اعادة الانتاج المتوسعة ، الانتقال الى تأمين العمالة من خلال استرقاق الافارقة المتوسع . كان عدد الافارقة فى الكاريبى فى منتصف القرن السابع عشر حوالى المائتين ليبلغ عدة ملايين قبل نهاية القرن (قدر العدد الكلى ب 12 مليون افريقى فى مدى القرون الاربعة التى مورست فيها تجارة الرقيق ، ٌرحّل 4 مليون منهم خلال البحر الاحمر ، هذا الى جانب الملايين التى وصلها نحبها قبل وصولها الاسواق – انظر ويكيبيديا "تجارة الرقيق عبر الاطلنطى ") .
يقول وليامز " لقد تم تحديد الرق فى الكاريبى وبشكل ضيق عندما ربط بالزنوج . وحرّفت ظاهرة اقتصادية بالاساس لتصبح ظاهرة عنصرية . الرق لم يولد من العنصرية ، بل ان العنصرية هى التى ولدت من الاسترقاق " ( السابق ص 7) . يحدد توم كيفر ارتباط العنصرية بالرق عندما تطورت العبودية لتصبح مرتبطة بالزنوج حصرا ، بسبب من ديناميات الصراع الطبقى ، حيث قادت الانتفاضات المتكررة للعمال الزراعيين ( الخدم الاروبين والرقيق الافريقى) طبقة الملاك الزراعيين الى ابتداع استراتيجيات التقسيم "العرقى" (بين الاروبين والافارقة ) . وفّررت العنصرية طرائق مفيدة لتفسير وتبرير انظمة قهر الافارقة والاخرين من ضحايا الامبريالية الاروبية فى نفس الوقت الذى تتيح فيه مد امتيازات خاصة لجزء من القوى العاملة وذلك بضمهم داخل فئة الرجل الابيض .
http://www.newsocialist.org/magazine/39/article03.html
وبالرغم عن هذا الارتباط الجدلى بين العرق/العنصرية والطبقة فى التجربة المذكورة ، الا أنه ارتباط لايكون تلقائيا - حتى ولو ظهر كذلك فى بعض ملامح تجربتنا السودانية وفى تجربة الاخرين - ولكنه ارتباط تتحدّد ملامحه بسياق نمط الانتاج واستراتيجيات القوى المهيمنة ؛ ويتجلى تحديده بنوع المنهج التحليلى المستخدم للكشف عنه . ان ادماج "العرق" والاثنية كمقولات ومفاهيم مكونة فى بنية التحليل الطبقي – والاستراجيات التى تستند عليه – تعلى من جدلية التحليل الطبقى وتنقذه من "التخفيضية " والابتذال . ف"العرق " والاثنية كمقولات ومفاهيم مكونة وبنائية لذلك التحليل المقصود . وهما موجودان ضمن بنية علاقات اجتماعية متشابكة ، تحظى باستقلال نسبى ، لا يتحدد مباشرة - وبشكل ميكانيكى - بالبنية الاقتصادية . لعب – ولازال – "العرق" و الاضطهاد العنصرى دورا فى رسم معالم التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية ودينامياتها والوعى المنبثق منها واشكال التعبير عن هذا الوعى فى الخطابات والسياسات المختلفة . هدف جزءٌ منها الى الاحتفاظ بالسيادة الاقتصادية مرتبطة بسمو اثنى ( "عرقى" ، ثقافى ودينى) يعيد انتاجها ويعمل على سيادتها .
تقتطف هيمانى بانرجى من نص ماركس : " في جميع الحالات الممكنة لوجود المجتمع يوجد نوع محدد من الانتاج يفرض غلبته على بقية الانواع الاخرى ، تحدد علاقاته مستوى ومدى تأثير علاقات الانتاج الاخرى ، يعمم ضوءه ليغرق كل الالوان الاخرى ويغير خصائصها . انه اثير ذو صفات خاصة يحدد الثقل النوعى لكل موجود متحقق فى نطاقه " .
تقول بانرجى فى ورقتها "انطلاقا من ماركس : تاملات فى الطبقة والعرق " : " لو اننا اعتبرنا "العرق" كمجموعة لماحة ومعبرة من العلاقات الاجتماعية فى مجال العلاقات التاريخية والاقتصادية ، ولو اعتبرنا الطبقة كتجمع واشتباك علاقات اجتماعية قائمة على الملكية وذات ممارسات دالة ، يغدو من السهل رؤية تداخلهما المرتبط . ومن هذا المدخل يمكن ان نقول ان مفهوم "العرق" الحديث هو الثقافة الاجتماعية للراسمالية الاستعمارية والامبريالية . " العرق " بالتالى هو اجتماع من خطابات الاستعمار والرق مغروزة بشكل حاسم فى المنظومة الرأسمالية فى تجلياتها المختلفة عبر الزمن . "العرق" – كما يقف الان – لايمكن التعبير عنه منفصلا عن " الطبقة " تماما كما لايمكن فصل اللبن عن القهوة بعد مزجهما ، او فصل الجسد عن الوعى فى الشخص الحى . هذا الترابط ، هذه العلاقة التكوينية ، صحيحة تماما كما هو صحيح وجود ممارسة الاحتياز على فائض القيمة فى البنية الراسمالية ، تماما كما هى ممارسة فطرية على مستوى الحياة الاجتماعية . ان المساهمة فى النشاط الاقتصادى ، قيمة العمل ، الحقوق والمساهمة فى الحياة السياسية والاجتماعية ، والتهميش او الاعتبار الثقافى ، كلها اجزاء من التشكيلة الاجتماعية الكلية " .
http://findarticles.com/p/articles/mi_hb3427/is_4_32/ai_n29239276/?tag=content;col1
جون سولوموس فى ورقته المنشورة فى كتاب ( يمكن ترجمة عنوانه الى ) " نظريات علاقات الرق والاثنية " يقتطف روبرت مايلز : " ثنائية زائفة تلك التى تربط العرق والطبقة ، وبدلا عنها اقترح : ان اعادة انتاج العلاقات الطبقية يتضمن رسم الحدود الطبقية الداخلية والخارجية وذلك بعمليات اقتصادية ، سياسية وايديولوجية . الممارسة العنصرية هى احد العمليات السياسية والايديولوجية المركزية فى المجتمعات الرأسمالية المعاصرة . ولكن ذلك – فى ذاته – لايلغى اثار علاقات الانتاج . وعليه فان جماع السود فى بريطانيا لايمكن تناول تحليلهم وبشكل مناسب خارج (او فى مقابلة ل ) العلاقات الطبقية . بل ان العملية التى تحددهم كعنصر ورد فعلهم عليها ( عمليتان سياسة وايديولوجية) تحدثان دائما ضمن محتوى بنية وتاريخ محددان . وهى نفسها تلك البنية التى توفر فيها علاقات الانتاج الاجتماعية الاطار الضرورى والابتدائى الذى تكون فيها للعنصرية اثارها " (سولوموس ، السابق ص 100) .
تعتبر البنية الراسمالية الارقاء كنوع من مدخلات الانتاج ، تُخفّض انسانيتهم وتشيؤهم الى رأسمال ثابت – مثلهم ومثل العصّارة ( وجملها) او الساقية ( وبقرها) ؛ مقابل راس المال المتغيّر ( قوة العمل المأجور) . فحسب كارك ماركس فان المال الذى يُنفق فى الحصول عليهم يلعب دور رأس المال الثابت وحتى مماتهم ، فيجرى تجديدهم عن طرق تلك التجارة وذلك الصيد البغيض . بنمو البنية الراسمالية فى التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية فى السودان ، نما سوق العمل المأجور . واحتاجت مشاريع السكة حديد وبناء الخزانات وتشييد البنى التحتية للمشاريع الزراعية للعمالة . ولم يكن اندفاع الارقاء المتحررين انذاك كبيرا كما هو متوقع ؛ وقد فسرت عقلية الموظف الاستعمارى الامر باعتباره كسل مطبوع فى الرقيق السودانى . اما محمد ابراهيم نقد فقد فسر ذلك فى سياق منتقد للعقلية الامبريالية : " غريب ان يبدى التقرير دهشته من اختلال توازن العرض والطلب لليد العاملة وتكدس الارقاء بعشرات الالاف فى المدن الاقليمية وعزوفهم عن العمل فى الزراعة ، وله اسوة وموعظة فى تجربة انجلترا وتاريخها الاقتصادى ابان الثورة الصناعية (...) ونزوح الفلاحين للمدن وانتشار ظاهرة التشرد والتسول ومع ذلك لم تنخفض اجور العمال رغم فائض العرض من اليد العاملة فى تلك الفترة الباكرة لنشؤ السوق الراسمالى لرأس المال ولليد العاملة . كان لنواميس وقوانين العرض والطلب فى سوق العمل اثرها ، لكن سوق العمل لم تولد جاهزة (...) لتستقبل الفعل الكامل لتلك النواميس . فما بالك بسوق عمل فى مستعمرة بعيدة بمراحل واحقاب عن الثورة الصناعية ونموها الرأسمالى شائه مخنوق! (...) والارقاء الذين توافدوا على المدن بحثا عن عمل (...) مازالوا فى حالة انتقال وضياع وتمزق ، ماعادوا ارقاء ، قانونا ، ولكنهم لم يصبحوا احرارا يمتلكون وسائل كسب معاشهم ، ولا هم بعمال بعد ولكنهم تحولوا بالممارسة والمران والانضباط (...) الى عمال قامت على اكتافهم مرافق الانتاج والخدمات والصيانة ، نواة الطبقة العاملة السودانية ... (محمد ابراهيم نقد ،"علاقات الرق فى المجتمع السودانى النشأة- السمات –الاضمحلال توثيق وتعليق" (القاهرة ، دار الثقافة الجديدة ، 1995 ، ص 168-169 ) .
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.