تعددت تعريفات كلمة الصحافة ، وتنوعت وتشعبت ، من الناحية القانونية ، أو الأيدلوجية ، فالصحافة (بكسر الصاد ) هي جمع الأخبار ونشر المواد المتصلة بها سواء بوسائل النشر القديم ، أو الحديث ، ويسمى المشتغل بالصحافة بالصحفي ، ويقال أن أول صحيفة نشرت كانت في العام 1656 في مدينة البندقية ، وكانت تسمى غازته . وهي كلمة إيطالية ، وهي اسم العملة التي تم بها شراء أول صحيفة ورقية ، ويشترط في الصحيفة أن تنشر بشكل دوري ، ومنتظم ، وهذا من أهم شروطها . أما الذين يشتغلون بنشر الأخبار والمواد المتصلة بها فهم الصحفيون ، ومنهم المتفرغ والمحترف والمنقطع لهذه المهنة ، ومنهم الهاوي الذي يكتب ، لأنه يهوى الكتابة . تقدمت التكنلوجيا ، وبدأ مفهوم العالم القرية الواحدة ، وبدأ عصر الانترنت ، فظهرت المدونات والمنتديات ، وازداد الأمر احترافية بالصحف الاليكترونية ، واستطاعت هذه الصحف ، أن تقدم للقارئ ، ما لم تستطع أن تقدمه الصحف الورقية ، التي تقدم موادها ما بين مطرقة الرقابة وسندان الرضا ، فوجد القارئ والمتتبع سهولة متابعة الأخبار عبر الصحف الاليكترونية ، وسهل الوصول إلى المادة عبر الصحف الاليكترونية ، لدرجة أصبحت بعض المواقع والوكالات تشير إلى أن الخبر منقول من الصحيفة ( ( X الاليكترونية ، فأصبحت من المصادر المعروفة ، وعندما يضيق مقص الرقيب ، على الصحفيين الممتهنين لمهنة الصحافة ، يقوم الصحفي المحترف وصاحب الصحيفة الورقية بنشر مقاله عبر الصحف الاليكترونية لتجد كلمة تزين عنوان المقال ، وتكون بمثابة جذب للقارئ ليدفعه فضوله لمعرفة ما بداخل المقال ، لنجد يوميا وعلى صفحات الصحف الاليكترونية ، كلمة ( مُنِعَ من النشر ) . وذلك لان قانون الصحافة والمطبوعات ، لم يكن قادرا على حبس أنفاس هذه الصحف . إن مفهوم العالم القرية الواحدة ، قد فضح السياسيين وصحف السادة ، وأصبح المواطن ملم بمعظم تفاصيل أي قضية قبل نشرها من قبل الصحافة ، فمهما حاولت الصحافة الورقية المحكومة بإرضاء السادة ، ومقص الرقيب ، مهما حاولت إخفاء الحقيقة ولي ذراعها ، فلا تستطيع أن تفعل ذلك ، ونتيجة للدور المخزي للصحافة الحكومية في إخفاء كثير من الحقائق ، فأصبحت الصحافة الورقية ، مهما حاولت أن تتحلى بالحقيقة ، وعدم الكذب ، والتمسح ببلاط الحكام ، ومهما قدمت الحقائق الصادقة ، فتجد المواطن غير مصدق لما تقدم ، ولجأ المواطن إلى الصحف الاليكترونية والتي انتشرت بشكل كبير ، وأصبحت تقدم خدماتها لعامة الجمهور أينما كان ، دون تكاليف كبيرة ، ودون ميزانيات ضخمة ، فهي لا تحتاج إلى دور نشر ، ولا إلى سكرتارية تحرير ذات مخصصات وامتيازات . ولا إلى مقر للعمل . ضيقت الحكومة الخناق على الصحف الورقية ، وكان الصحفي قبل كتابة عموده اليومي ، يقوم بوضع الموازنات ، ليصل عموده إلى دور النشر ويتم نشره ، فجاءت كتابات الصحفيين ، باهتة اللون عديم الطعم والرائحة والمذاق ، ورغما عن ذلك لم تسلم كثير من الصحف من إقفال دورها ولفترات طويلة ، فمنها من كان إيقافها مؤقتا ولفترة قليلة كصحيفة التيار ، وكما تعرضت أيضا صحيفة السوداني لنفس ما تعرضت له التيار ، وقد تم إيقاف صحيفة ألوان لفترة طويلة ، وتعرضت صحيفة الميدان للإيقاف المتكرر لمدد مختلفة . كما قامت أجهزة الأمن باعتقال ومضايقة عدد من الصحفيين ، من بينهم البروفيسور محمد زين العابدين ، وأخيرا الصحفي فيصل محمد صالح استطاعت أجهزة الأمن أن تفرض سيطرتها على الصحف الورقية ، عبر عدة بوابات متعددة من بينها عبارات فضفاضة ، ومن أهمها مس كرامة الوطن ، واستطاع جهاز الأمن حبس أنفاس الصحفيين الذين يكتبون الأعمدة اليومية ، وأصبح الأمر مطمئنا إلى قدر كبير ، ويستطيع المسؤول الأمني عن الصحف أن يقدم تمامه بكل فخر وشموخ إلى رؤسائه ، ولكن فجأة طلت عليهم الصحف الاليكترونية فهي لا تستطيع أيدي الأمن الوصول إليها بسهولة ، أو في الوقت المناسب ، فكانت الفكرة وميلاد ما يسمى بالجهاد الاليكتروني ، ولقد تم إنشاء كتيبة الجهاد الاليكتروني بعد الاستعانة بخبراء من الهند في مجال الكمبيوتر ليقوموا بتدمير ، هذه المواقع التي تكتب دون حسيب ، أو رقيب فكان تدمير واحتلال موقع ( سودانيز اون لاين دوت كوم ، وموقع صحيفة الراكوبة الاليكتروني ) والكثير من الأمثلة ، وعندما قامت هذه الكتائب بتدمير هذه المواقع ، فقد زادت من شعبيتها ، وسمعها من لم تتح له الفرصة بتصفح هذه المواقع . لتقف يوم أو يومين ، أو أكثر ليرجع الموقع وقد زادت شعبية قرائه الضعف . ويعتبر جهاز التلفزيون أيضا من الأجهزة الإعلامية ذات التأثير العالي ، لدخولها إلى أي بيت دون استئذان ، لتدخل إلى غرف نومنا ومجالسنا ، وتوصل رسالتها وتخرج أو تبقى ، ومعلوم حال تلفزيوننا اليوم ، ومعظم القنوات الفضائية المماثلة والمرادفة لتلفزيون السودان ، والتي توحدت مضمونا ، بينما اختلفت المسميات ( الفضائية السودانية ، والشروق ، وغيرها من التلفزيونات التي تقدم برامج سياسية ) ، حيث لا حاجة لها هنا ، بمتابعة أجهزة الأمن ، فمعظم ( ودعني اقل ) معدي البرامج ومخرجيها ومقدميها هم من مؤيدي النظام ، والذين أمامهم خطة عمل لإدارة كل ملف كما يحلو للحكومة ، وهنا فجأة قفز إلى أذهان المعارضين فكرة إنشاء تلفزيون سوداني المعارض ، فماذا لدى الحكومة لتواجه هذا التلفزيون والذي بدأ يبشر بخارطة برامجه ، والتي كما يقول المشرفين عليه بان خارطة برامجه سوف تكون من الشارع ، وكما ذكرتُ فإننا في عصر التكنلوجيا والعالم القرية الصغيرة ، فبإمكان هذا التلفزيون تقديم مواده المصورة بكل سهولة ويسر وهو خارج السودان ، وخارج نطاق الدول العربية حيث يصعب الرقابة عليه ، وستأتي الصورة والمادة عبر الانترنت والوسائط المتعددة من قلب الأحداث بالخرطوم أو أي منطقة من داخل السودان ، فماذا أعدت حكومة السودان ، لمواجهة هذا التلفزيون والذي سيصل إلى غرف نومنا كما وصل قبله تلفزيون السودان. فهل سيقوم بإنشاء كتيبة الجهاد التلفزيوني، أم ماذا سيفعل ؟ في حرب هجليج الأخيرة اتهم وزير الخارجية على كرتي أداء الأجهزة الإعلامية ، وقال إن إعلام دولة جنوب السودان الوليدة ، كان أكثر انتشارا من إعلام دولة السودان صاحبة الخبرة والدراية والعمر الطويل في مجال الإعلام ، مما جعل دولة جنوب السودان تجني المكاسب الدبلوماسية الخارجية ، بينما خسر السودان الدول الأفريقية ، ولم يستطع أن يوصل إليها دولة جنوب السودان بأنها الدولة المعتدية . إن الإعلام الاليكتروني قد اثبت نجاحا منقطع النظير في كثير من الملفات التي تولى ذمام قيادتها ، وخاصة مسائل الفساد ، والتي أوردها بالأدلة ، وكان بإمكان حكومة السودان فتح قضايا لأي مسالة فساد تم نشرها وأثبتت الحكومة كذب الصحيفة الاليكترونية ، مما أكسب الصحف الالكترونية قوة ، وثقة القارئ الكريم ، فعلى الحكومة ، أن تبتعد عن مسائل مقص الرقيب ، وإفساح المجال للكتاب سواء بالصحف الاليكترونية أو الورقية ، واستيعاب كتاب الصحف الاليكترونية ، والاهتمام بتدريبهم خاصة وان معظمهم هواة وغير محترفين كما على كتاب الصحف جميعا والصحافة الاليكترونية على وجه الخصوص ، وضع الرقيب الأكبر وهو الله سبحانه وتعالى في جميع ما يكتبون ، يقول الله تعالى (( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) (قّ:18) كسرة على كسرة الإعلامي الفاتح جبرة : أين الدكتور الطيب أبو قناية فتح الرحمن عبد الباقي مكةالمكرمة 13/5/2012 [email protected] mailto:[email protected]