شاهد بالفيديو.. الفنانة رؤى محمد نعيم تعلن خطوبتها من ناشط شهير وتظهر معه في بث مباشر تابعه الآلاف    شيرين عبد الوهاب : النهاردة أنا صوت الكويت    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    السودان وتشاد.. كيف عكرت الحرب صفو العلاقات بين الخرطوم ونجامينا؟    الحرس الثوري الإيراني "يخترق" خط الاستواء    فيتش تعدل نظرتها المستقبلية لمصر    عالم فلك يفجّر مفاجأة عن الكائنات الفضائية    تمندل المليشيا بطلبة العلم    السيد القائد العام … أبا محمد    اتصال حميدتي (الافتراضى) بالوزير السعودي أثبت لي مجددا وفاته أو (عجزه التام الغامض)    ((كل تأخيرة فيها خير))    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    والى الخرطوم ينعى نجل رئيس مجلس السيادة    قبل قمة الأحد.. كلوب يتحدث عن تطورات مشكلته مع صلاح    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    وفاة محمد عبدالفتاح البرهان نجل القائد العام للجيش السوداني    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمات الإندماج الوطنى فى القارة الأفريقية .. بقلم: عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
نشر في سودانيل يوم 22 - 05 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤون القارة الأفريقية ومتخصص فى شؤون القرن الأفريقى
بسم الله الرحمن الرحيم
أزمات الإندماج الوطنى فى القارة الأفريقية
الصراعات السياسية والحروب الأهلية فى دول منطقة القرن الأفريقى أنموذجاً
مقدمة:
قبل دخول المحتل الأوربى للقارة الأفريقية فى القرن الثامن عشر, كانت المجموعات السكانية الأفريقية القبلية والإثنية تتحرك بحرية تامة وتتفاعل مع بعضها البعض, إما تفاعلاً صراعياً تنتج عنه حروب تقود فى النهاية لصهر الجماعات المتصارعة فيما بينها, أو تفاعلاً تعاونياً يعمل على صهر الجماعات القبلية والإثنية المتعاونة فيما بينها فى بوتقة واحدة, وقد كان للعوامل المناخية دوراً فى حركة المجموعات السكانية, التى كانت تتحرك إما بحثاً عن مناطق تتوافر فيها المياه والأراضى الصالحة للزراعة, أو تتوافر فيها المياه والحشائش الصالحة لرعى ماشيتهم وأغنامهم, وقد شكل التنافس بين هذه المجموعات السكانية الأفريقية حول الموارد الطبيعية نوعاً من الإندماج الطبيعى بين المجموعات السكانية التى تقطن القارة الأفريقية, ولكن هذا الإندماج الطبيعى بين المجتمعات السكانية الأفريقية إنقطع بدخول المحتل الأوربى للقارة الأفريقية, نتيجة لقيامه بتقسيم القارة الأفريقية لدول ذات طبيعة قومية حسب ما إقتضت مصالحه فى ذلك الزمان, فقام بوضع الحدود السياسية بين الدول مقسماً المجموعات السكانية الأفريقية ذات الأصول الواحدة بين دولتين أو أكثر, وقد ساهم تقسيم المحتل للدول الأفريقية دون مراعاة لأوضاع ومصالح القبائل والإثنيات, عبر تقسيمها بين دولتين أو أكثر, وتفضيل بعض المجموعات القبلية والإثنية على المجموعات القبلية والإثنية الأخرى, على تأجيج حدة الصراعات والحروب الأهلية فى القارة الأفريقية, ولعل ما يحدث الآن فى منطقة القرن الأفريقى من صراعات وحروب أهلية يعطى مثالاً لأزمة الإندماج الوطنى التى تعانى منها القارة الأفريقية.
مفهوم الاندماج الوطنى ( Social National Integration ):
مفهوم الاندماج الوطنى يقصد به خلق فرص وحقوق متساوية لكل المكونات الإجتماعية داخل الدولة الواحدة, لتكون هذه المكونات الإجتماعية اكثر اندماجاً فيما بينها, وبالتالى يعلو الولاء القومى بينها على الولاء الإثنى والقبلى, وتعنى كلمة إندماج التكامل الطوعى بين المكونات الإجتماعية المختلفة داخل الدولة الواحدة, والإندماج الوطنى مفهوم يسعى لادارة التنوع والتعدد الثقافى, وتوجيه التباين الإثنى والدينى واللغوى القائم فى المجتمع, ليسهم فى بناء وحدة وطنية قائمة على التنوع, ويهدف الإندماج الوطنى لتحقيق المساواة بين مكونات المجتمع فى داخل الدولة الواحدة, عبر تلبية إحتياجاتهم وطموحاتهم الآنية والمستقبلية, وعليه يحمل مفهوم الإندماج الوطنى فى طياته توجهات فكرية تحاول أن تجد حلاً للكثير من المشاكل الإجتماعية المعقدة, كالنزاعات والصراعات الإثنية, التى تهدد وحدة الدول, وتعمل على تعطيل قدرات الحكومات الوطنية من الإيفاء بمتطلبات شعوبها .
أزمة الإندماج الوطنى فى منطقة القرن الأفريقى:
بعد خروج المحتل الأوربى من منطقة القرن الأفريقى, واجهت المنطقة العديد من الإشكاليات والأزمات المزمنة, التى لازال بعضها مستمراً حتى الآن, وقد تشكلت هذه الصراعات نتيجة للأوضاع الهشة التى خلفها المحتل الأوربى فى المنطقة, وما تلاها من تدخلات خارجية فى فترة الحرب الباردة (1945 م – 1991 م), وفترة الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية, التى سيطرت فيها الولايات المتحدة الأمريكية على مجريات الأوضاع الدولية بعد سقوط الإتحاد السوفيتى فى بدايات التسعينيات من القرن الماضى, وعليه عانت دول منطقة القرن الأفريقى من العديد من الحروب والصراعات الأهلية نتيجة للصراع حول الموارد والسلطة وعدم قدرة الدولة فى منطقة القرن الأفريقى فى تحقيق الإندماج الوطنى بين الإثنيات والقبائل المكونة للدولة, مما خلق نوعاً من التنافس الحاد بين هذه المكونات القبلية والإثنية, قاد لإنفجار موجة من الحروب الأهلية والنزاع حول السلطة فى منطقة القرن الأفريقى, وقد أدى إنتشار أزمة الإندماج الوطنى إلى إننتشار ظاهرة الحروب والنزاعات الأهلية فى منطقة القرن الأفريقى, فتأثرت بها كل دول القرن الأفريقى, إبتداءاً من يوغندا والسودان والصومال وأثيوبيا وجيبوتى وكينيا إلى دولة جنوب السودان حديثة التكوين, ولتتبع أزمة الإندماج الوطنى فى منطقة القرن الأفريقى ينبغى التعرض للأوضاع الداخلية فى كل دول القرن الأفريقى عبر وصف مسيرة وتطور الأحداث الداخلية فيها, لنتبصر من خلال قراءة الأحداث عن مدى تأثر أو عدم تأثر منطقة القرن الأفريقى بالصراعات والحروب الداخلية التى تنتج من أزمة التعايش بين المكونات القبلية والإثنية التى تعيش داخل الدول المكونة لمنظومة القرن الأفريقى, وبالتالى يبقى التعرض للأوضاع الداخلية لكل دول القرن الأفريقى هو المعيار لقياس تفشى أزمة الإندماج الوطنى فى منطقة القرن الأفريقى, وعليه لأغراض التحليل, من الواجب التعرض للأوضاع داخل دول القرن الأفريقى بالتفصيل على النحو التالى:
السودان:
على المستوى الداخلى شهد السودان قبل أن ينال إستقلاله من الإستعمار الإنكليزى فى الأول من يناير من العام 1956 م إندلاع التمرد الأول فى جنوب السودان فى العام 1955 م, ضد الحكومة المركزية فى الخرطوم نتيجة لعدم قدرة النخبة الحاكمة فى تلك الفترة على تلبية مطالب أبناء جنوب السودان وطموحاتهم, كما شهد السودان عدم إستقرار سياسى نتيجة للتنافس الحاد للإستحواذ على السلطة بين الحزبين الكبيرين فى السودان, حزب الأمة والحزب الإتحادى الديمقراطى, مما أدى إلى حدوث إنقلاب عسكرى بقيادة الرئيس الأسبق للسودان الراحل الفريق عبود, وإستمرت الحرب خلال فترة الرئيس عبود (نوفمبر 1958 م إكتوبر 1964 م) بين الحكومة المركزية وقوات الأنانيا وزاد إيقاع الحرب ضراوة من جهة كما زادت حدة عدم الإستقرار السياسى من جهة أخرى, نتيجة لتصاعد الرفض للنظام العسكرى, ونتيجة لتصاعد حدة الرفض السياسى لنظام عبود سقط النظام على إثر ثورة إكتوبر 1964 م, وقامت فى السودان حكومة ديمقراطية ثانية تشكلت من الحزبين الكبيرين وتحالفات لأحزاب أخرى, كان أبرز مظاهرها أن الأحزاب المكونة لها تعانى من عدة إختلافات داخلية كما كانت تعانى من أزمة عدم الثقة بينها, مما عجل بإنقلاب آخر على السلطة فى السودان بقيادة الرئيس الأسبق الراحل المشير جعفر محمد نميرى, الذى بدأ مسيرته فى الحكم بتوجه إشتراكى سرعان ما تغير نحو الغرب بعد إنقلاب الراحل الرائد هاشم العطا الذى أراد تصحيح مسار ثورة 25 مايو وضبط إتجاهها الإشتراكى, ويعكس هذا مدى إستمرار أزمة الحكم فى السودان, وبالرغم من حدة المشاكل السياسية التى قابلت نظام الرئيس الراحل المشير جعفر نميرى لكنه إستطاع أن يضع حداً للحرب الدائرة فى الجنوب عبر التوقيع على إتفاقية أديس أبابا 1972 م, والتى بعدها حدث إستقرار نسبى فى السودان نتيجة لتوقف الحرب الأهلية, ولكن هذا الإستقرار لم يدم طويلاً حيث قامت العديد من المحاولات لإسقاط نظام النميرى منها حركة يوليو 1976 م بقيادة محمد نور سعد نتيجة لتحالف حزب الأمة والإتحادى والأخوان المسلمين فيما يسمى بالجبهة الوطنية المدعومة من قبل ليبيا وأثيوبيا, ونتيجة للمصالحة الوطنية فيما بعد تصالحت الأحزاب التى شكلت الجبهة الوطنية مع نظام نميرى, بيد أن تقسيم حكومة نميرى الجنوب إلى ثلاثة أقاليم إعتبرته نخبة من أبناء الجنوب أنه إنتهاك لإتفاقية أديس أبابا, مما عجل بتمرد قاده العقيد جون قرن ضد الحكومة المركزية فى العام 1983 م, ومن بعده ساءت الأوضاع السياسية نتيجة للإختلاف حول قوانين الشريعة الإسلامية التى أصدرتها حكومة الرئيس الراحل المشير نميرى فى سبتمبر من العام 1983 م, ونتيجة لإشتعال الحرب الأهلية فى جنوب السودان, وتصاعد حدة المظاهرات ضد نظام الرئيس نميرى, قامت ثورة أبريل 1985 م التى أطاحت بالرئيس الأسبق الراحل المشير جعفر نميرى, وأتت بحكومة دميقراطية ثالثة فشلت فى حل أزمات البلاد الأمنية والإقتصادية والسياسية, بالإضافة لفشلها فى تحقيق التوافق بين الأحزاب المكونة لها من أجل التوافق على برنامج وطنى يحل أزمات البلاد المعقدة, فتفشت الأزمات الإقتصادية وزادت حدة عنف التمرد المسلح بواسطة الحركة الشعبية, ونتيجة لعدم قدرة النظام الديمقراطى لحل أزمات البلاد المعقدة, أمسكت القوات المسلحة على السلطة فى الثلاثين من يونيو 1989 م بقيادة الرئيس الحالى للسودان المشير عمر حسن أحمد البشير الذى شكل حكومة ذات توجهات إسلامية قادت البلاد حتى الآن, بالرغم من المفاصلات والخلافات التى حدثت داخلها, ولكن إشتعال حدة التمرد وتحالف القوى المعارضة للنظام ساعد فى عدم إستقرار السودان, وبالرغم من محاولات البحث عن تسوية سلمية للصراع فى الجنوب إشتعلت الحرب الأهلية فى إقليم دارفور السودانى قبل أن يتم حسم الحرب الأهلية فى جنوب السودان بإتفاق نيفاشا فى العام 2005 م, كما تم التوافق على حلول بين النظام الحاكم فى السودان والجماعات المعارضة الأخرى فى البلاد عبر إتفاقية الشرق مع مؤتمر البجة وتنظيم الأسود الحرة, وإتفاق القاهرة مع التجمع الوطنى المعارض, بينما لم تشفع هذه المحاولات لإحلال السلام من وضع حد للإستقرار السياسى فى السودان فإنفصل الجنوب عن وطنه الأم فى التاسع من يوليو من العام 2011 م, وإنفجر صراع داخلى آخر فى منطقتى جبال النوبة والنيل الأزرق عقب إنفصال جنوب السودان مباشرة بقيادة عناصر الحركة الشعبية لشمال السودان, كما أن سخونة الأجواء السياسية الداخلية تشير إلى تعقد الموقف السياسى الراهن داخل السودان بالتزامن مع المحاولات المتكررة لشد أطرافه من قبل الفواعل الإقليمية والدولية.
من الملاحظ أن الأوضاع السياسية فى السودان منذ الإستقلال وحتى الآن يشوبها عدم الإستقرار نتيجة للحروب الأهلية الناتجة من عدم إتفاق الأطراف السودانية على كيفية وضع خطة إستراتيجية لبناء السودان والأمة السودانية والإتفاق على دستور يرضى مطالب كل السودانيين بمختلف أعراقهم ودياناتهم, وربما شكلت السياسات الإقصائية المتمثلة فى عدم رضا كل طرف بالآخر ونزوعه للسيطرة على الحكم بمفرده دون مشاركة الآخرين سمة رئيسية من سمات أزمات السودان المتعاقبة, فمصالح الأطراف السودانية المتنافسة على الحكم مقدمة على المصلحة الوطنية لكيان الدولة السودانية ومصلحة الشعوب التى تسكن إقليم الدولة, مما ساهم فى تآكل الدولة وإشعال الحروب فى مناطقها الطرفية نتيجة لمحاولات أطراف الصراع فى السودان لتصفية حساباتهم عبر العمل المسلح تحت مظلة صراع الهامش والمركز وذلك للوصول للسلطة, ومن ثم أصبح هنالك غياب للحوار بين الأطراف السودانية لوضع حد للصراعات السياسية بينهما من أجل تأسيس دولة سودانية وبناء أمة موحدة يكون الولاء للدولة فيها فوق كل الولائات الأخرى, وتضع أسس لبناء حياة أفضل للأجيال المتعاقبة, إن أزمة الثقة بين الأطراف السودانية قد عمق من أزمة الإندماج الوطنى فى السودان وخلق أزمات بنيوية وثقافية وإجتماعية وسياسية وأمنية وعسكرية يزيد إتساعها يوماً بعد يوم وتنتقل من جيل إلى جيل.
أثيوبيا:
على المستوى الداخلى نجد أن أثيوبيا قد نشأة تحت إسم الحبشة, وكانت عبارة عن ممالك صغيرة على رأسها ملوك يخضعون بدورهم لسلطة الأمبراطور الذى يقود الأمبراطورية الحبشية والتى كان مقر حكمها فى فى منطقة أكسم ذات الحضارة القديمة فى مناطق التقراى ثم إنتقل إلى مناطق الأمهرا فى قندر وشوا ومن ثم إلى أديس أبابا، وتاريخ أثيوبيا القديم كان ملىء بالحروب بين أجزاءها بسبب التنافس بين حكامها على السلطة ولكثرة الإثنيات التى تتشكل منها بلاد الحبشة، وقد قامت أثيوبيا الحالية في عهد الملك كاسا (تيودور الثالث) فى عام 1855 م الذى نصب نفسه إمبراطوراً على إثيوبيا فى منطقة قندر فى إقليم الأمهرا الحالى، وقد خلف تيودور الثالث على الحكم الأمبراطور يوهانس (يوحنا الرابع) عام 1869 م, وقتل يوحنا الرابع فى المتمة فى حربه ضد الدولة المهدية، وقد خلفه فى الحكم الأمبراطور الأثيوبى منليك الثانى فى العام 1883 م, وقد ضم الأمبراطور منليك الثانى مناطق كثيرة إلى إثيوبيا منها منطقة اوغادين الصومالية عام 1887 م, ومنطقتى المتمة وبنى شنغول السودانيتين, وقد تولى الأمبراطورية بعد وفاة منليك الثانى الأمبراطور هيلى سلاسى عام 1930 م, ويعتبر الأمبراطور هيلا سلاسى مؤسس أثيوبيا الحديثة وقد حكم البلاد لمدة أربعين عاماً مخضعاً كل الإثنيات الأثيوبية الأخرى تحت ثقافة عرق الأمهرا الذى ينحدر منه, وقد عانت أثيوبيا فى عهده من عدم الإستقرار السياسى نتيجة لتململ العرقيات والإثنيات الأخرى, فتكونت جبهات عديدة للتحرر فى أثيوبيا منها جبهة التحرير الأرترية (EPLF) وجبهة تحرير التقراى التى إنبثقت من تنظيم الجمعية التقدمية لدولة التقراى فى عام 1966-1967 م والتى تعتبر النواة الأولى للمقاومة التقراوية (TPLF), كما إنبثقت فيما بعد جبهة تحرير الأوغادين (Jabhadda Wadaniga Xoreynta Ogaadeenya) وجبهة تحرير الأرامو (OLF), وقد قامت محاولة إنقلابية لإقصائه من الحكم, وفى عام 1974 م تمكنت مجموعة من الضباط الأثيوبين من السيطرة على مقاليد الحكم فى أثيوبيا بقيادة تفرى بانتى واتناقو أبانى وأمان عندوم ومنغستو هيلى مريم، وتنافست تلك المجموعة فيما بينها على السلطة والنفوذ, وقد تمكن منغستو هيلى مريم من حسم الصراع وأصبح رئيساً لأثيوبيا منذ عام 1975 م، وتحت رئاسة منغستو هايلى مريم تحولت أثيوبيا من الحكم الأمبراطورى إلى الحكم العسكرى الذى إعتنق الأيدلوجيا الإشتراكية كمنهج وإسلوب عمل لمدة خمسة عشر عاماً عانت منها الدولة الأثيوبية من كثرة حركات التحرر الوطنى والصراعات السياسية الداخلية, أدت إلى تفاقم أزمة الأندماج الوطنى فى الداخل الأثيوبى, ونتيجة لتفاقم حدة الحرب الأهلية تمكنت جبهة تحرير أرتريا (EPLF) من الوصول إلى أسمرا والإستيلاء على السلطة فى كامل أرتريا, وجبهة تحرير التقراى (TPLF) من الوصل إلى أديس وتمكنها من الاستيلاء على السلطة فى كل أثيوبيا عبر ثورة مسلحة فى عام 1991 م, وتشكلت حكومة جديدة فى أثيوبيا بقيادة إئتلاف مكون من أربعة تنظيمات إثيوبية أطلق عليه إسم الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا (EPRDF) أقواها تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير تقراى (TPLF), وهى تعتبر من أقوى فصائل الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية إلى الآن, وقد أعدت الحكومة الانتقالية الدستور الأثيوبى الجديد الذى إعتمد الفيدرالية واللامركزية كنظام للحكم فى أثيوبيا, كما قسم الأقاليم الأثيوبية على أسس إثنية لتفادى أزمة العرقيات والإثنيات فى مسألة الحكم، واجيزت فى أثيوبيا قوانين الانتخابات والأحزاب والصحافة والمطبوعات، وأجريت أول إنتخابات فى أثيوبيا بعد سيطرة الثوار للحكم فى أثيوبيا بقيادة رئيس الوزراء الحالى السيد ملس زيناوى فى عام 1995 م، وقد إمتنعت المعارضة الأثيوبية من خوض الإنتخابات واصفة الحكومة الأثيوبية الثورية بوضع عراقيل أمام نشاطاتها, ونتيجة لمقاطعة الأحزاب الأثيوبية المعارضة للإنتخابات فاز الإئتلاف الحاكم بالانتخابات واسندت رئاسة الوزراء للسيد ملس زيناوي رئيس (الجبهة الشعبية لتحرير تقراي) , ورئاسة البلاد للسيد قيدادا ذوى الإصول الأورمية, ولكن رغم إجراء هذه الإنتخابات لا زالت هنالك حالة من الإحتقان السياسى فى أثيوبيا أدت فى مجملها إلى عدم إستقرار الجبهة الداخلية فى أثيوبيا, وفى عام 2000 م أجريت جولة من الإنتخابات الثانية فى جمهورية أثيوبيا الإتحادية ، وقد شاركت فى هذه الإنتخابات بعض التنظيمات المعارضة للنظام الأثيوبى (الجبهة الثورية لشعوب أثيوبيا)، وشارك فى هذه الإنتخابات حوالى خمسين حزباً, وفاز فى هذه الإنتخابات ائتلاف الحزب الحاكم بعدد 481 مقعداً من مقاعد البرلمان الأثيوبى, وإختار الحزب الحاكم السيد ملس زيناوي رئيساً للوزراء لمدة خمس سنوات أخرى، وقد حصلت الأحزاب المعارضة الأخرى على 12 مقعداً برلمانياً فقط, والجدير بالذكر أن انتخابات 2000 م جرت فى أعقاب إنتهاء الجولة الثانية من الحرب الأثيوبية الأرترية والذى حققت فيه إثيوبيا نوعاً من الإنتصار على جاراتها أرتريا كان له أثراً كبيراً على فوز الحزب الحاكم فى الإنتخابات, وبعد إنتخابات 2000 م ظهرت إختلافات فى داخل الائتلاف الحاكم الأثيوبى, إنشقت بموجبه القوى السياسية المكونة للائتلاف الحاكم وخرجت مجموعات من قياداتها التاريخية منها نتيجة لتباين رؤاهم حول نتائج الحرب الارترية الإثيوبية والإصلاحات السياسية الداخلية, أما المعارضة السياسية فهى أيضاً قد عانت من هزات عنيفة من جراء خسارتها فى الإنتخابات, وبينما لازال الوضع السياسى الداخلى مضطربأ, عانت الدولة الأثيوبية من تزايد حدة المقاومة فى أقاليم الأوغادين والأرومو والبنى شنغول بالإضافة لزيادة حدة المعارضة الأمهرية السياسية, وبعد إنتهاء مدة الخمس سنوات أجريت جولة الإنتخابات الثالثة فى أثيوبيا عام 2005 م, والتى جاءت فى ظروف توقفت فيها الحرب بين البلدين وتحقق فيها نوعاً من الإستقرار الداخلى, وقد فاز أيضاً بإنتخابات هذه المرحلة تحالف الجبهة الثورية لشعوب أثيوبيا ونصب السيد ملس زيناوى أيضاً رئيساً لوزراء البلاد لفترة خمسة سنوات أخرى, وقد إندلعت أعمال عنف قوية إثر إعلان نتيجة الإنتخابات مما أدى إلى مقتل العشرات من المتظاهرين ونشؤ حالة من الإحتقان فى الشارع الأثيوبى, وذلك نتيجة لعدم إعتراف المعارضة بنتائج الإنتخابات, وربما جاءت نتائج إنتخابات العام 2010 م والتى فازبها أيضاً الإئتلاف الحاكم لتؤكد سيطرته على السلطة والنفوذ فى الدولة الأثيوبية, بالرغم من الإنشقاقات المتكررة فى صفوف الجناح الأقوى (الجبهة الشعبية لتحرير التقراى) والتى أدت أخيراً لإحالة حوالى 360 قائداً عسكرياً والعديد من الدبلوماسيين والحكوميين المواليين للحزب.
ويتضح من ما تم التعرض إليه أن الأوضاع الداخلية السياسية منذ نشأة الدولة الأثيوبية تعانى من عدم الإستقرار, وأن إنتشار الحروب الأهلية كان نتاجاً لأزمة الإندماج الوطنى التى تعانى منها أثيوبيا نتيجة للتعدد الإثنى الهائل التى تضمه الدولة الأثيوبية, بيد أن محاولة قومية الأمهرا المستمرة لتذويب الإثنيات الأخرى تحت قيم ثقافتها عبر القهر أضر بالعلاقات الإثنية الإثنية وساهم فى توليد كم هائل من الحركات المسلحة التى تنشد الإنفصال تارة وتغيير نظام الحكم تارة أخرى, بينما ساهم توسع الدولة الأثيوبية بضم أقاليم من مناطق أخرى مختلفة عنها فى تكوينها العرقى وهويتها الثقافية والدينية وقيمها وأعرافها, فى زيادة رقعة التململات الإثنية ونشؤ الحركات الإنفصالية بدعوى أنها لم تكن جزءاً أصيلاً من الدولة الأثيوبية الحالية, بل تم ضم مناطقها قهراً للدولة الأثيوبية, بينما يظل التنافس الإثنى العرقى بين أقلية قومية التقراى المسيطرة حالياً وقومية الأمهرا التى تأمل فى إعادة سيطرتها على مجرى الأمور فى أثيوبيا وقومية الأروموا ذات الأغلبية السكانية, يرمى بثقله على مجريات الأحداث فى الساحة السياسية الأثيوبية.
أرتريا:
من خلال تتبع الأحداث على المستوى الداخلى, نجد أن فى سبتمبر من العام 1991 م قد شهدت أرتريا حدثاً هاماً تمثل فى دخول قوات الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا بقيادة الرئيس الأرترى الحالى السيد أسياسى أفورقى أسمرا وأعلنت تحرير أرتريا من الإحتلال الأثيوبى, وقد سيطرت الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا على مقاليد الحكم فى كل أرتريا بعد دحر القوات الأثيوبية التابعة لنظام الرئيس منقستو هايلى مريم, وبعد فترة إنتقالية تم عقد الإستفتاء الخاص بإنفصال أرتريا عن أثيوبيا والذى نالت بموجبه أرتريا إستقلالها فى عام 1993 م, وشكلت الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا الحكومة الأرترية وتولت مقاليد الحكم فى البلاد بعد أن غيرت إسمها للجبهة الشعبية للحرية والعدالة منذ ذلك الوقت, آخذة بنظام الحزب الواحد فى تسيير أمور البلاد, وقامت الدولة الوليدة بالإسراع بالإعتراف بالقوميات المكونة للدولة وإستيعاب قدراتها فى سبيل نهضة الدولة, وبالرغم توحد الجبهة الداخلية عقب الإستقلال وعدم بروز أجسام مضادة غير جبهة تحرير أرتريا وجماعة الجهاد الإسلامى الأرترى, إلا ان سعى أرتريا كدولة وليدة لترسيم حدودها الدولية جلب إليها العديد من المشاكل الداخلية التى أسهمت فى توليد ضائقة إقتصادية تضررت منه جميع فئات المجتمع الأرترى, بينما مثل الرئيس أسياسى أفورقى قائد الجبهة الشعبية للحرية والعدالة الشخصية الكارزمية التى إنتزعت إستقلال أرتريا من الدولة الأثيوبية, والشخصية الأرترية الوحيدة القادرة على إدارة أرتريا حتى الآن, وربما نستطيع أن نقول أنه لم تظهر ملامح شخصية قيادية أرترية أخرى فى الأفق لها قدرات بنفس قدرات الرئيس الأرترى الحالى على المستوى الداخلى, ولا قوة سياسية فعالة تسهم فى إحداث تغيرات فى الداخل الأرترى, وحتى الأصوات التى تعالت داخل أرتريا ونادت بالإصلاح السياسى للنظام كانت من داخل الجبهة الشعبية للحرية والعدالة, وقد تعامل النظام الأرترى مع عضويته التى تكتلت من أجل الإصلاح بقيادة حامد حمد وآخرين بقوة وعنف أدى إلى عزلهم من الحزب الحاكم وإعتقالهم وموت بعضهم فى داخل المعتقلات مما ولد مرارات فى الداخل الأرترى فى صفوف الموالين لهم, إنسحب عليه توليد كيانات معارضة للنظام الأرترى, ونتيجة لحروب الدولة الأرترية مع اليمن والسودان وأثيوبيا وجيبوتى, لقيت الجماعات الأرترية المعارضة الدعم من هذه الدول وخاصة من أثيوبيا بعد إندلاع الصراع الأثيوبى الأرترى (1998 – 2000 م) مما أثر على مجمل الأوضاع السياسية فى الداخل الأرترى, وبالرغم من وقوف قوات الدفاع الأرترية أمام الهجوم الأثيوبى الواسع على أرتريا فى عام 2000 م, إلا أن أرتريا خرجت من هذه الحرب منهكة إقتصادياً وعسكرياً مما إنعكس سلباً الأداء السياسى والإقتصادى للدولة, وبالرغم من محاولات الحزب الحاكم من زيادة تماسك الجبهة الداخلية إلا أن مظاهر الهروب الجماعى من الخدمة الإلزامية (القلقلوت) أصبح ظاهرة تهدد الكيان الأرترى, نتيجة لعبور المئات من منتسبى الخدمة الإلزامية إلى السودان يومياً, بينما شكل تسلل المواطنين الأرترين إتجاه السودان ومنها إلى الدول الأوربية ظاهرة أسهمت فى تفشى تجارة البشر بين الحدود الأرترية السودانية, بينما شكلت التظيمات الأرترية المعارضة والتى إتخذت من أثيوبيا مقراً لها نوعاً من التهديد للنظام الأرترى وخاصة بعد إجتماع التنظيمات المعارضة الأرترية الأخير فى أثيوبيا فى آواخر العام 2011 م, والذى حدد برنامجاً زمنياً من أجل إسقاط النظام الأرترى لا يتعدى فترة الثلاثة سنوات, وبينما بقى النظام الأرترى ماسكاً بالسلطة, والمعارضة الأرترية تخطط لإسقاط النظام, تشهد البلاد بعض التململات العرقية والسياسية نتيجة للضائقة الإقتصادية الخانقة التى تسببت فيها الحروب, وعزل أرتريا من قبل الولايات المتحدة وفرض عقوبات على قادتها لعدم إمتثال أرتريا للشروط الأمريكية, وبالتالى تعيش أرتريا ظروفاً غير طبيعية ربما تتغلب عليها القيادة الأرترية التى إكتسبت خبرة طويلة فى نضالها ضد أثيوبيا فى كيفية التغلب على شح الموارد والعيش بالحد الأدنى, وربما تواجه تملل إجتماعى نتيجة للضغوط الإقتصادية الهائلة التى يتعرض لها النظام, مما قد يفقد الدولة توازنها ويغير من مجريات الأوضاع الداخلية.
ويتضح من خلال التعرض للأحداث الداخلية لأرتريا, أن أرتريا منذ خمسينات القرن الماضى تعانى من عدم إستقرار داخلى نتيجة للمقاومة السياسية للشعب الأرترى ضد النظام الأثيوبى الأمبراطورى بقيادة "هيلا سلاسى", مروراً بتشكل حركة التحرير الأرترية بقيادة "حامد عواتى" فى ستينات القرن الماضى والصراع المسلح بين جبهة التحرير الأرترية والجبهة الشعبية فى سبعينات وثمانينات القرن الماضى, وبالرغم من وصول الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا للحكم بعد تحريرها للبلاد من الإحتلال الأثيوبى, إلا أن أزمات الدولة الأرترية تصاعدت من جراء الحروب التى خاضتها الدولة الأرترية لتشكيل حدودها, مما شكل لها تهديدات على بقائها, وتوترات سياسية داخلية, وقيام تنظيمات مسلحة معارضة, وعزلة دولية تدعم الضغط لإسقاط النظام لعدم توافقه معها, بينما تشكل الأزمة الإقتصادية الناتجة من الحروب, تحدياً للدولة الأرترية, مفرزة العديد من الإشكاليات السياسية والمطالبات بالإصلاح السياسى, بالإضافة للتململات الإثنية المطالبة بإصلاحات هيكلية على مستوى الدولة, لتضمن لها تمثيل يعبر عن مصالحها, مما يشكل ضغطا على النظام الأرترى الذى يتخذ من نظام الحزب الواحد نموذجاً لحكمه.
الصومال:
على المستوى الداخلى الصومالى, نجد أن الحرب الأهلية فى الصومال لازالت تشتعل بين مكونات المجتمع الداخلى منذ سقوط نظام الجنرال سياد برى عام 1991 م, وقد أصبحت الصومال نموذجا للدولة الفاشلة نتيجة لتفكك الدولة وغياب السلطة المركزية, وإندلعت فى الصومال حالة من الاقتتال الداخلى بلغ أشده الآن بين الحكومة الإنتقالية وحركة شباب المجاهدين المناوئة لها, ولم يحدث تغيير ملحوظ فى الوضع الداخلى فى الصومال بعد اتفاق جيبوتى, بالرغم من مشاركة جناح شيخ شريف فى الحكومة الإنتقالية الصومالية بعد أن كان فى خانة المعارضة المناوئة للحكومة الإنتقالية, نتيجة للتدخل الأثيوبى فى الصومال فى العام 2006 م, وبرز فى الساحة الصومالية نتيجة للتدخل الأثيوبى فى الصومال تنظيم شباب المجاهدين الذى ملأ الفراق الذى شكله إنسحاب المحاكم الإسلامية, وقد حاول تنظيم شباب المجاهدين إلى تجميع الصوماليين حوله مستخدماً الخطاب الدينى وليس القبلى, وبرز تنظيم شباب المجاهدين عند عودة الحكومة الإنتقالية التى شكلت عقب مؤتمر المصالحة فى جيبوتي إلى مقديشو, وقد أعطى ظهور تنظيم شباب المجاهدين نوعاً من الدعم الخارجى لحكومة الشيخ شريف شيخ أحمد، وبالرغم من عدم وجود رفض داخلى للشيخ شريف وحكومته، ظهر على الحكومة عدم التجانس وقيامها على أسس قبلية دون مراعاة إستيعاب أصحاب الخبرة السياسية والكفاءات فى تشكيلتها، كما أنها وقفت عاجزة عن تشكيل رؤية إستراتيجية لقيادة الصومال للخروج به من أزمته الداخلية التى يعيشها منذ إنهيار نظام سياد برى فى الصومال, وقد أدى استنجاد الحكومة الصومالية الإنتقالية بدول الجوار ومن بينها أثيوبيا, حينما اشتد ضغط حركة شباب المجاهدين على الحكومة الإنتقالية, إلى جعل الحكومة الإنتقالية الصومالية, أن تفقد شرعيتها في أعين الكثير من الصوماليين, نتيجة للتوغل الإثيوبي المستمر للحدود الصومالية, واحتلالها لمناطق متاخمة لها لمطاردة مليشيات الشباب, وعدم تنديد الحكومة الإنتقالية بتلك التدخلات أفقدها الكثير من المصداقية التي كانت تحظى بها لدى الكثير من الصوماليين, وقد شكلت الاتفاقية التى وقعتها الحكومة الإنتقالية مع إقليم بونت لاند, بُعداً آخر فى الصراع الداخلى الصومالى, بحكم أنها مثلت فى تصور العديد من القوى الصومالية الفاعلة أنها اتفاقية بين بلدين مستقلين, وليست بين حكومة وإدارة إقليمية يفترض أنها تحت سيطرتها, وتشمل هذه الإتفاقية تنازلاً سيادياً واضحاً قد يمهد لإنفصال بونت لاند فى القريب العاجل, أما المعارضة المسلحة التى تقودها حركة شباب المجاهدين فهى لست أفضل من الحكومة الإنتقالية فى نظر الشعب، بل إنهم يفتقدون أي تعاطف مع الشعب نتيجة لإحتكامهم للسلاح ورفضهم الحوار مع الحكومة الإنتقالية التى لم ترفض التفاوض معهم, بينما يمثل حكمهم المسبق على الحكومة الإنتقالية بانها حكومة عميلة وتكفيرهم لها ومن يتعاون معها, حاجزاً منيعاً أمام عملية تحقيق السلام فى الصومال, وهذا التعنت والتطرف من قبل شباب المجاهدين ربما جعل بعض الصوماليين يأخذون موقف رافض واضح من حركة شباب المجاهدين وتصرفاتها داخل المناطق التى تسيطر عليها, مما جعل التأييد لموقف الحركة فى السابق نتيجة لمواقفهم ضد أمراء الحرب في أيام المحاكم الإسلامية وإحلال السلام ينحسر تدريجياً, وبالرغم من الدعم العسكرى التى وجدته الحكومة الإنتقالية فى الصومال إلا أنها لم تتمكن من حسم الأوضاع بصورة تمكنها من وقف هجمات حركة شباب المجاهدين, وتفتقد الحكومة الإنتقالية لجيش محترف قوى يحفظ كيان الدولة الصومالية ويعيد الأمور إلى نصابها، وتعتمد الحكومة الإنتقالية الصومالية على مليشيات يسيطر على قيادتها أمراء حرب سابقين يفتقدون إلى التنسيق فيما بينهم أو الثقة بين بعضهم البعض, وهذا ما يفسر عدم احتفاظهم بالمناطق التي يسيطرون عليها من حركة شباب المجاهدين, أوتلك التى تسلمها لهم القوات الأفريقية لحفظ السلام, وهنالك عدد من المليشيات المسلحة التى تقف مع الحكومة الإنتقالية فى حربها ضد جماعة شباب المجاهدين, وهى تكونت قبل وجود الحكومة الإنتقالية فى الصومال فى مناطق الوسط الصومالى ومن أشهرها قوات أهل السنة والجماعة, وهى تدافع عن مناطقها من هجمات شباب المجاهدين, وتستفيد الحكومة منهم لإعترافهم بشرعيتها بالرغم من عدم وجود إدارة عسكرية تشرف على نشاطاتهم المسلحة, وقد استعادت الحكومة الإنتقالية بواسطة جماعة أهل السنة مناطق كبيرة من الوسط الصومالى، كما إستعادت سيطرتها على مناطق عديدة كانت تحت سيطرة شباب المجاهدين والحزب الإسلامى مثل بلدة بلدوين الإستراتيجية, بيد أن هنالك عديد من الدول أعلنت إستعداها لتدريب الجيش الصومالى من أجل دعم كفاءته العسكرية, ولكن غياب الرؤية الإستراتيجية لم تمكن الحكومة الإنتقالية من الاستفادة من هذه العروض لتأهييل جيشها, ولذلك إعتمدت الحكومة الإنتقالية الصومالية على القوات الأفريقية لحفظ السلام (AMISOM) فى المحافظة على الوسط الصومالى, وعلى قوات مليشيا اهل السنة والجماعة لحماية المناطق الحدودية المحاذية لأثيوبيا, أما المسلحون المعارضون بقيادة شباب المجاهدين فهم يعتمدون على ما لديهم من سلاح وآليات عسكرية , أما الذخائر فهم يشترونها من السوق المحلى بواسطة عملاء لهم، وتشير العديد من المعلومات أن تنظيم شباب المجاهدين قد بدأ يعانى من نقص فى الأسلحة ومعدات القتال والذخائر والإمداد الغذائى خاصة بعد دعم قوات الإتحاد الأفريقى ودخول القوات الكينية مؤخراً للجنوب الصومالى بدعم من الإتحاد الأفريقى والدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية, ونتيجة لهذا التضييق تراجعت قواتهم العسكرية فى العاصمة مغديشو والمحافظات الأخرى, وأصبحت مليشيات القبائل تتعرض لهم بعد أن كانت تعمل لهم ألف حساب.
ومن قراءة ما تم عرضه من أوضاع عن الصومال يمكن القول بأن حسم المعركة لصالح طرف واحد صعب في هذه المرحلة, إلا إذا تغيرت المعادلة بحيث يصبح أحد الطرفين أقوى عسكريا وأكثر تنظيما وهو ما يحث الآن على أرض الواقع حالياً, عن طريق تغيير موازين القوى الموجودة فى الداخل الصومالى, والذى يعتمد على الدعم الذى تتلقاه الحكومة الإنتقالية من الاتحاد الأفريقى والولايات المتحدة, وتزامن ذلك مع إرسال قوات لتعزيز دور قوات الإتحاد الأفريقى فى الصومال من نيجيريا وجيبوتى, كما شكل إنتشار المجاعة فى الصومال وما أفرزته من مشاهد تؤنب الضمير الإنسانى, تحرك أفريقى ودولى لمحاولة حسم الصراع فى الصومال, ولا يمكن توقع نتائج ما يحدث من صدام عسكرى من قبل قوات الحوكومة الإنتقالية والمليشات الموالية لها وقوات حفظ السلام الأفريقية, ضد حركة شباب المجاهدين, ولكن من المتوقع أنها سوف تسفر عن المزيد من الدمار والنزوح والقتل بين المواطنين الصوماليين, فى ظل غياب الحوار المباشر وغير المباشر بين الطرفين.
كينيا:
على صعيد التفاعلات على المستوى الداخلى, إستقلت كينيا من قبضة حكم الإحتلال البريطانى فى الثانى عشر من ديسمبر من العام 1963 م, وأصبحت كينيا منذ العام 1969 من الناحية الواقعية يحكمها نظام الحزب الواحد وهو حزب الإتحاد الوطنى الكينى (Kanu) (Kenya African National Union) بزعامة الرئيس الكينى الأسبق الراحل جومو كينياتا أول رئيس للجمهورية الكينية بعد رحيل الإحتلال البريطانى والذى يتنمى إلى عرقية الكيكويو التى تعتبر من أحد أكبر العرقيات فى كينيا حيث تمثل حوالى 22% من سكان كينيا, فى عام 1978 م توفى الرئيس جومو كينياتا وخلفه على سدة الحكم الرئيس الكينى الأسبق دانيال أرآب موى التى أصبحت كينيا فى عهده تأخذ بنظام الحزب الواحد (Single Party System) من الناحية القانونية حيث رفضت الجمعية الوطنية الكينية فى عام 1983 م بعدم تشكيل أحزاب سياسية أخرى بخلاف الحزب الحاكم, وفى ديسمبر من العام 1991 م تعرض الرئيس الكينى الأسبق دانيال أرآب مو (Daniel Arab Moi) للعديد من الضغوط الداخلية والخارجية أدت لإستجابته بقيام تعددية حزبية فى كينيا, وأجريت أول إنتخابات ديمقراطية رئاسية وبرلمانية فى كينيا فى ديسمبر من العام 1992 م, حصل حزب كانو فى هذه الإنتخابات على مائة مقعد فى البرلمان الكينى من جملة 202 مقعد, بينما فاز مرشح حزب كانو الرئيس دانيال أرآب موى بالإنتخابات الرئاسية متقدماً على سبعة مرشحين آخرين لأحزاب أخرى, وفى 29 ديسمبر 1997 م عقدت فى كينيا الإنتخابات البرلمانية والرئاسية الثانية والتى جرت العادة حسب نص الدستور أن تقام الإنتخابات كل خمس سنوات وأن تكون فترة الرئيس محددة بفترتين إنتخابيتين, إتسمت إنتخابات ديسمبر 1997 م بأنها جرت بصورة جيدة حيث فاز فى هذه الإنتخابات الرئيس الكينى الأسبق دانيال أرآب موى للمرة الثانية متقدماً على منافسيه الرئيسيين رايلا أودينقا (Raila Odinga) ومواى كيباكى (Mwai Kibaki) وأثنى عشر مرشح رئاسى آخر, بينما حصل حزب كانو (KANU) على مائة وسبعة معقداً من مقاعد البرلمان البالغ عددها 224 مقعداً, وفى السابع والعشرون من ديسمبر 2002 م تم إجراء الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية الثالثة فى كينيا, وفى هذه الإنتخابات فاز السيد مواى كيباكى مرشح إئتلاف قوز قزح (National Rainbow Coalition NARC) متقدما على أربعة مرشحاً رئاسياً من بينهم مرشح حزب كانو (KANU) حيث حصل مواى كيباكى على 62% من جملة الأصوات, كما حاز فى هذه الإنتخابات إئتلاف قوس قزح على 125 مقعدا برلمانياً بينما تحصل حزب كانو على 64 مقعداً برلمانياً, وبالتالى تولى السيد كيباكى منصب رئيس كينيا إعتباراً من 31 ديسمبر 2002 م خلفاً للرئيس دانيال أرآب موى, وشكل كيباكى حكومة وحدة وطنية مثلت الجماعات العرقية المختلفة فى كينيا, وفيها تم تعيين خمسة وزراء لكل من جماعتى الكيكويو واللوهيا, وأربعة وزراء من اللو, ووزيرين لكل من الكالنجيين والكامبا والمجيكندا والماساى, ووزير واحد لكل من الإمبو والصوماليين, قبل إنعقاد إنتخابات 2002 م الكينية شهدت الساحة السياسية الكينية العديد من التغيرات المهمة كان أهمها توجه العديد من القوى المعارضة لتوحيد صفوفها, حيث إتحد الحزب الديمقراطى (Democratic Party) بقيادة مواى كيباكى (Mwai Kibaki) وحزب فورد كينيا والحزب الوطنى الكينى وشكلوا ما يعرف بالتحالف الوطنى من أجل التغيير (National Alliance for Change NAC), وفى نفس الوقت ظهرت إنشقاقات فى حزب كانو (KANU) الحاكم نتيجة لترشيح الرئيس الأسبق لكينيا دانيال أرآب موى لإبن الزعيم الراحل الرئيس الكينى الأسبق جومو كينياتا السيد أوهورد كينياتا ليكون مرشح الحزب للرئاسة الكينية خلفاً له, عليه إنشق قسم من حزب كانو (KANU) أطلق على نفسه إئتلاف قوس قزح (Rainbow Coalition) الذى شكل حزباً سياسياً فيما بعد أطلق عليه إسم الحزب الديمقراطى اليبرالى (Liberal Democratic Party LDP) بقيادة رايلا أودينقا, ووقع فيما بعد كل من الحزب الديمقراطى الليبرالى (LDP) بقيادة رايلا أودينقا والتحالف الوطنى الكينى (NAK) فى نوفمبر من العام 2002 م مذكرة تفاهم تم عبرها إنشاء إئتلاف أطلق عليه إسم إئتلاف قوس قزح الوطنى (National Rainbow Coalition NARC), وضم هذا الإئتلاف فى عضويته أكثر من 15 حزب سياسى كينى, وتم إختيار السيد مواى كيباكى مرشح الإئتلاف للإنتخابات الرئاسية, حيث فاز كيباكى بالرئاسة الكينية وأحرز إئتلاف قوس قزح الوطنى (NARC) 125 مقعداً برلمانياً, ولكن سرعان ما طفت إلى السطح خلافات بين الإئتلاف الحاكم بعد فترة قصيرة من مزاولة الحكومة الجديدة أعمالها, حيث طالبت مجموعة من الحزب الديمقراطى اليبرالى بأن يعامل حزبهم كشريك فى الحكومة مع التحالف الوطنى الكينى, وإنشاء منصب رئيس وزراء وتعيين أودينقا فى هذا المنصب, كما إتهمت هذه المجموعة الرئيس مواى كيباكى بخيانة بنود الإتفاق المبرم بينهم, وفى نوفمبر تم رفض مشروع الدستور الجديد فى إستفتاء حوله, وفى أواخر العام 2005 م إنسحب بعض أعضاء الإئتلاف الحاكم مكونين حركة سياسية جديدة بقيادة رايلا أودينقا أطلقوا عليها إسم الحركة الديمقراطية البرتقالية (Orange Democratic Movement ODM), وفى يونيو من 2005 م تم الإعلان رسمياً عن إنشاء حزب سياسى جديد اطلق عليه إسم نارك كينيا (NARK-KENYA), وقد أدى تأسيس هذا الحزب فى إحداث تغيير كبير فى الواقع السياسى الكينى, وفى سبتمبر من العام 2007 م أعلن الرئيس الكينى مواى كيباكى عن تشكيل إئتلاف جديد تمثل فى إنشاء حزب الوحدة الوطنية (Party of NATIONAL Unity PNU), الذى ضم كل من حزب كانو ونارك كينيا وفورد كينيا وفورد بيبول والحزب الديمقراطى, وقد أحدثت الإئتلافات والإنشقاقات التى حدثت قبل وبعد إنتخابات ديسمبر 2002 م الكينية, إلى إحداث تغيرات كبير فى المشهد السياسى الكينى, وتمهيداً لإجراء إنتخابات ديسمبر 2007 م الرئاسية والبرلمانية فى كينيا قام الرئيس مواى كيباكى (Mwai Kibaki) بحل الهيئة البرلمانية فى 23 إكتوبر من العام 2007 م, وتنافس على منصب الرئاسة فى هذه الإنتخابات بجانب الرئيس مواى كيباكى مرشح حزب الوحدة الوطنية (PNU) ثمانية مرشحين آخرين كان أشدهم منافسة للرئيس مواى كيباكى السيد رايلا أودينقا مرشح الحركة الديمقراطية البرتقالية (ODM), وبدأت مراسم التصويت فى 27 من ديسمبر من العام 2007 م, حيث قامت لجنة الإنتخابات الكينية (The Electoral Commission of Kenya) بنشر عدد 245 ألف فرد مدرب يتبعون لإشرافها لتغطية عدد 27555 مركز إنتخابى للإقتراع, تم تسجيل عدد 14.2 مليون ناخب أى ما يساوى 82% من عدد الأفراد المؤهلين للتصويت, وفى يوم 28 ديسمبر أظهرت النتائج الجزئية للإنتخابات الرئاسية الكينية تقدم مرشح الحزب الديمقراطى البرتقالى (NARC-KENYA) السيد رايلا أودينقا بعدد 1.862.537 صوتاً مقابل 1.179.271 صوتاً للرئيس كيباكى, بعدها أعلنت اللجنة الإنتخابية أن إعلان النتائج يمكن أن يتأخر, الشىء الذى أدى إلى وقوع أعمال عنف من قبل المعارضة فى يوم 29 ديسمبر من العام 2007 م إحتجاجاً على عملية تأخير النتائج وخوفاً من تزويرها, ولكن فى يوم 30 ديسمبر 2007 م, أعلنت لجنة الإنتخابات الكينية (The Electoral Commission of Kenya) عن فوز مرشح حزب الوحدة الوطنية (PNU) الرئيس مواى كيباكى بحصوله على عدد 4.578.034 صوتاً مقابل 4.352.860 صوتاً للسيد رايلا أودينقا بفارق من الأصوات بلغ 231.788 صوتاً, أما نتيجة الإنتخابات البرلمانية فقد حصل فيها حزب الحركة الديمقراطية البرتقالية (NARK-KENYA) برئاسة السيد رايلا أودينقا على 99 مقعداً, بينما حصل حزب الوحدة الوطنية (PNU) برئاسة كيباكى على 43 مقعداً, فى أعقاب إعلان رئيس اللجنة الكينية الإنتخابية السيد صامويل كينوتو (Samuel M Kivuitu) نتيجة الإنتخابات وفوز مرشح حزب الوحدة الوطنية الكينى مواى كيباكى بفترة رئاسية جديدة, تعقدت الأوضاع فى الساحة السياسية الكينية, ورفض السيد رايلا أودينقا النتيجة الإنتخابية, ودعا الرئيس كيباكى للإعتراف بالهزيمة, كما إتهم الرئيس كيباكى وحزبه بالتزوير والعبث بنتيجة الإنتخابات, ودعا فيما بعد أودينقا أنصاره للتظاهر ضد النتيجة, وتصاعدت وتيرة العنف وإندلعت على خلفيتها أزمة بين الحكومة والمعارضة حيث هدد قائد الشرطة الكينية بإعتقال مرشح الحزب الديمقراطى البرتقالى رايلا أودينقا فى حال قيام أنصاره بأى مظاهرة, عليه نتيجة لأزمة الثقة بين الطرفين إندلعت موجة من العنف الخطيرة فى العاصمة الكينية نيروبى وكيسومو ونيفاشا والدوريت, أدت هذه الموجة من العنف إلى قتل أكثر من 1000 شخص من بينهم برلمانيان يتبعون للمعارضة ونزوح حوالى 30000 ألف شخص, وحرق ونهب أكثر من 208 منزل ومتجر, ولم تهدأ الأحوال فى كينيا إلا فى يوم 4 يناير 2007 م, حيث طلب المتحدث بإسم المعارضة السيد وليم روتو (William Roto) من أنصاره العودة إلى منازلهم وإلغاء المسيرة المليونية التى دعت إليها المعارضة, وتم وصف الصراع التى شهدته كينيا عقب إعلان نتائج هذه الإنتخابات من قبل العديد من المراقبين إنه صراع عرقى بين جماعة الكيكويو التى ينتمى إليها الرئيس كيباكى, وجماعة الليو والكالنجيين التى ينتمى إليها معظم أنصار المعارضة, وكان الكيكويو مستهدفين من قبل أنصار المعارضة بينما إستهدفت الشرطة الليو والكالنجيين, بينما وصفت منظمات المجتمع المدنى العنف بأنه ناتج من خوف المعارضة من رجوع البلاد إلى نظام الحزب الواحد, بينما يرى آخرين أن الصراع نتج من أبعاد إقتصادية تمثل فى الصراع بين الطبقات الغنية والفقيرة, وقد نجح الأمين الأسبق للأمم المتحدة السيد كوفى عنان فى الجمع بين كيباكى ورايلا أودينقا فى الربع الثانى من يناير 2008 م, حيث وافقت كل من الحكومة والمعارضة من تشكيل إطار سياسى (Political Framework) من أجل وقف أعمال العنف أطلق عليه إسم الحوار الوطنى للمصالحة, الذى يهدف إلى تحقيق السلام والعدل والمساواة فى كينيا, وفى نهاية شهر فبراير من العام 2008 م توصلت حكومة كيباكى والمعارضة بقيادة رايلا أودينقا إلى إتفاق لتقاسم السلطة أطلق عليه قانون الإتفاق والمصالحة الوطنية (National Accord and Reconciliation Act).
ويتضح من ما تم وصفه من أوضاع فى الداخل الكينى أنه بالرغم من تحول نظام الحكم وتخليه عن نظام الحزب الواحد, إلا أن أزمة التحول الديمقراطى والإنتخابات التى حدثت فى إنتخابات كينيا الرئاسية والبرلمانية فى ديسمبر 2007 م, تعبر بوضوح عن أزمات التحول الديمقراطى التى تعانى منها كينيا, حيث هنالك إختلاف كبير فى الرؤى بين دعاة التغيير والآخرين الذين يرفضونه ويحبذون بقاء الأمور على ما هى عليه, إنعكس هذا الإختلاف فى الرؤى فى صعوبة إجراء عمليات التحول الديمقراطى فى كينيا, كما أدى إلى صعوبة ضبط إنفعالات المتنافسين على السلطة عبر الطريقة الإنتخابية, وقد ولدت تلك الإنفعالات بين المتنافسين أحداث عنف أصبح من الصعب السيطرة عليه فى كثير من الأحيان, نتيجة لأخذها الطابع القبلى والإثنى والذى يشير إلى حقيقة مهمة وهى أن هنالك أزمة إندماج وطنى فى كينيا بالإضافة لعدم التوافق والرضا بين أطراف المعادلة السياسية فى كينيا.
أوغندا:
تقع جمهورية أوغندا فى الجزء الشرقى من وسط القارة الأفريقية فى منطقة البحيرات الأفريقية العظمى, وتحدها كل من كينيا وتنزانيا ورواندا والكنغو الديمقراطية وجنوب السودان, وتبلغ مساحتها حوالى 243.400 كلم مربع، ويبلغ تعداد سكانها حوالى 28 مليون نسمة, وقد عانت الدولة الأوغندية منذ إستقلالها عام 1962 م من الإحتلال البريطانى من الصراعات الداخلية, نتيجة لسياسات الإستعمار البريطانى الذى وضع الجنوب الأوغندى فى مواجهة الشمال الأوغندى حتى يتمكن من السيطرة على البلاد, كما ساهمت سياسات النخب الأوغندية الحاكمة منذ الإستغلال فى إذكاء الصراعات القبلية وخاصة بين الشمال والجنوب الأوغندى, بالإضافة لقيام العديد من الحركات المتمردة ومحاولاتها للوصول إلى السلطة عن طريق الإنقلابات العسكرية منذ عهد الجنرال عيدى أمين حتى عهد الرئيس الحالى يورى موسيفينى من أجل السيطرة على مقاليد الحكم والحصول على القوة السياسية, وبدعوى رفع الظلم وإسترجاع الحقوق, وبوصول الرئيس الحالى لأوغندا السيد يورى موسيفينى إلى السلطة فى 26 يناير من سنة 1986 م عن طريق القوة العسكرية عبر جيش المقاومة الوطنية, ظهرت العديد من حركات التمرد التى وصل عددها إلى أكثر من 22 حركة مسلحة, تتركز أغلبها فى الشمال الأوغندى بالأخص فى إقليم الأشولى مناهضة لنظام الرئيس موسيفينى, حيث تم بعد سيطرة قوات جيش المقاومة الوطنية بقيادة موسيفينى على مقاليد الحكم فى أوغندا, إلغاء إتفاقية عام 1985 الموقعة فى نيروبى بين الجنرال تيتو أوكيليو(Tito Okeleo) من الشمال وموسيفينى من أجل تقاسم السلطة والثروة, كما قامت حركة المقاومة الوطنية الأوغندية برئاسة الرئيس موسيفينى بتصفية جميع الشماليين من الخدمة المدنية والعسكرية, والضغط على العناصر الشمالية فى إقليم الأشولى, وتحميل كل الشماليين تاريخ الإعتداءات فى أوغندا, الشىء الذى أدى إلى خوف الشماليين ونزوحهم عن العاصمة كمبالا بمجرد دخول قوات جيش المقاومة الوطنية اليوغندية بقيادة موسيفينى لها, وقد أدى إنتشار الخوف بين الشماليين من قيام قوات جيش المقاومة الوطنية الأوغندية من الإنتقام منهم, هذه الأجواء المشحونة بعدم الثقة أدت لظهور حركة المقاومة الأوغندية الديمقراطية المسلحة (UPDR) التى جمعت صفوفها فى المناطق الجنوبية المتاخمة للحدود الأوغندية مع السودان, حيث إنضم لصفوفها كل أفراد القوات النظامية الذين تم رفتهم من قبل حركة المقاومة الوطنية, بالإضافة لكل أبناء الشمال الذين لم يتم توظيفهم فى الدولة اليوغندية, وقد لقيت حركة المقاومة الديمقراطية الأوغندية المسلحة كل الدعم من المجتمع فى الشمال اليوغندى, ولكن كانت نجاحاتها على المستوى الميدانى محدودة للغاية, وفى يوليو من عام 1987 إستجاب معظم أعضائها للعفو الصادر من حركة المقاومة الوطنية الحاكمة, مما دفع أطراف النزاع فى أوغندا حركة المقاومة الوطنية (NRM) والحركة الديمقراطية الأوغندية المسلحة (UPDR) إلى توقيع إتفاق قولو (Golo) فى يونيو1988 م, الذى بمومجبه تم إستيعاب أكثر ألفين من عناصر الحركة الأوغندية الديمقراطية المسلحة فى القوات النظامية المسلحة, ولكن لم ينتهى الصراع بنهاية هذا الإتفاق حيث تكونت فى الشمال اليوغندى حركة الروح الإلهية (HSM) بقيادة ألييس أما لاكوينى (l'akwanee) التى أعلنت إن أهدافها تتمثل فى مقاومة نظام موسيفينى, وتحرير الشمال اليوغندى وتنقية مجتمع الأشولى, حيث تعتقد لاكوينى (l'akwanee) أنها رسول روحى, ولكن حركة الروح الإلهية بالرغم من دعم المجتمع الشمالى لها وإنتصاراتها العديدة على الجيش اليوغندى, إلا أن الجيش اليوغندى تغلب عليها ودحر قواتها فى نوفمبر 1987, ولكن بعد دحر لاكوينى (l'akwanee) قام والدها سيفيرنو لوكيا (Severio Lokeya) بمواصلة الكفاح ضد نظام موسيفينى, ولكنه لم يفلح فى كسب دعم المواطنيين, مما أدى ذلك لحل الحركة, لقد أدى دحر هذه الحركات من قبل حركة المقاومة الوطنية الحاكمة (NRM) بقيادة موسيفينى, إلى خلق فراغ فى القوة المعارضة فى الشمال اليوغندى الذى سرعان ما تم ملئه بواسطة جوزيف كونى (Joseph Kony ), الذى كان يعمل أستاذا وواعظا دينيا, كما أنه كان فى السابق ينتمى إلى قوات حركة المقاومة الديمقراطية المسلحة (UPDR) التى وقعت إتفاق قولو (Golo Pease Accord) مع حركة المقاومة الوطنية (NRM), وقد إدعى كونى أيضا أنه رسول روحى على هدى تقاليد لاكوينى (l'akwanee), وجوزيف كونى لم يقبل بإتفاق قولو (Golo Pease Accord) الموقع فى العام 1988 م, الشى الذى دفعه إلى تكوين حركة المقاومة الأوغندية الديمقراطية المسيحية المسلحة (UPDCR), التى تغير إسمها فيما بعد إلى جيش المقاومة المسيحى (CRA) ومن ثم فى عام 1991 م, تغير إسمه إلى جيش الرب للمقاومة (LRA), وقد لقى كونى بعض الدعم من مجتمع الشمال الذى يعيش فى حالة حرب منذ إستيلاء حركة المقاومة الوطنية على الحكم, ولكن العديد من الإتهامات وجهت إلى كونى حيث إتهم بحرق القرى وإختطاف الأطفال لتجنيدهم بالجيش وإختطاف النساء لتزويجهم لأفراد الجيش وكثير من الإتهامات الأخرى, ولكن لا تزال حركته موحدة تحت قيادته سياسيا وعسكريا وروحيا, عليه تبنت الحكومة اليوغندية فكرة الحل العسكرى لإخماد نشاط حركة جيش الرب اليوغندى المعارض فإتسعت دائرة الحرب فى الشمال اليوغندى بين قوات جيش الرب (LRA) والقوات الحكومية اليوغندية (NRA), مما أدى لزيادة معاناة أهل الإقليم الشمالى الذين أصبحوا ضحية هذا النزاع المستمر, ولكن حملات الحكومة العسكرية فشلت بإستمرار فى تحقيق نصر حاسم على قوات جيش الرب (LRA), عموما إعتمدت الحكومة اليوغندية إستراتيجية الحل العسكرى, وقامت بتجهيز حملات عسكرية ضد حيش الرب لحل النزاع القائم كحل وحيد لهزم التمرد فى الشمال اليوغندى, ولكن لم يحقق الحل العسكرى الهدف المطلوب منه, بل أنه خلق أوضاع كارثية فى الشمال اليوغندى, ولكن كانت هنالك عدة محاوالات لوضع حد للحرب الأهلية اليوغندية وإيجاد فرص للسلام لتهدئة الأوضاع فى الشمال اليوغندى, حيث قام السيد بيتى بيكومى (Pity Pecomi) وزير تهدئة الأوضاع فى الشمال اليوغندى فى عام 1993 م, بقيادة مفاوضات مع جيش الرب (LRA) المعارض ولكن توقفت المفاوضات نتيجة لإعلان الرئيس اليوغندى موسيفينى شرط إستسلام قوات جيش الرب المعارض, الشىء الذى رفضته قيادة جيش الرب المعارض, كما قام مركز كارتر (Carter Center) وطائفة سان ديغو من روما (San Diego Rome) وقيادة الأشولى الدينية (Asholei Religious Leader) بمادرة سلام للتوسط بين طرفى النزاع اليوغندى وإنهاء الحرب الأهلية الدائرة فى يوغندا, ولكن باءت هذه المحاولة أيضا بالفشل نتيجة لعامل عدم توفر الثقة بين طرفى النزاع, عليه قامت الحكومة اليوغندية بشن هجوم واسع النطاق على قوات جيش الرب فى العام 2002 م, أطلقت عليه إسم القبضة الحديدية (Iron Fist), أجبرت قوات جيش الرب للإنسحاب نحو الأراضى الكنغولية وإقليم تيسو (Teso) فى الشمال اليوغندى, ولكن هذه العملية سببت جراح عميقة فى مجتمع النازحين فى الشمال اليوغندى الذين عانوا أيضا فى عام 1996 م من تطبيق الحكومة لسياسة القرى المحمية, التى إتبعت سياسة أخذ المواطنين من قراهم بالقوة للإقامة فى معسكرات لعزلهم من الإندماج والتعاطى مع قوات جيش الرب للمقاومة, عليه بحلول عام 2004 م, كان هنالك حوالى 1.7 مليون من أبناء الإقليم الشمالى أى حوالى 80% من سكان الشمال اليوغندى تم ترحيلهم للإقامة فى هذه المعسكرات المقفولة التى لا تتوفر فيها أى مقومات للحياة الكريمة, فإنتشرت المجاعات وإنعدمت بالكاد الخدمات الصحية فإنتشر مرض الإيدز لإنتشار الدعارة, حيث سببت كل هذه الظروف مجتمعة جراح عميقة وغبن إجتماعى فى إنسان الشمال اليوغندى, والجدير بالذكر أن هنالك بعض التقارير الواردة من منظمات تعمل فى مجال حقوق الإنسان فى عام 2005 م أوضحت أن هنالك 1000 شخص يموتون فى الشمال اليوغندى كل إسبوع نتيجة للأوضاع المعيشية والصحية السيئة وسياسة العزل والتهميش التى إتبعتها حكومة الرئيس موسيفينى, وأن هذه الأوضاع أدت إلى زيادة حدة العداء بين الحكومة اليوغندية وأبناء الشمال اليوغندى, حيث إعتبروا أن الحكومة اليوغندية تحاول أن تقتالهم عن قصد وعمد, كما أن بعض مثقفى الشمال اليوغندى يعتبرون أن الرئيس اليوغندى يورى موسيفينى يتنفع سياسيا من هذه الحرب الأهلية والإستمرار فى سياسة النزوح لإجهاض ظهور أى قوة معارضة منافسة فاعلة فى الشمال اليوغندى, وأيضا نجد فى الجانب المقابل أن جيش الرب (LRA) لم يستطيع حتى الآن أن يصبح الممثل الشرعى لتمثيل مظالم أهل الشمال اليوغندى, حيث كشفت بعض التقارير أن جيش الرب يقوم أيضا ببعض عمليات الخطف والإرهاب فى الشمال اليوغندى ولكن من الملاحظ أنه بالرغم من إنخفاض شعبية جيش الرب إلا أن قادته إستطاعوا تعزيز قدراته وجعله صامدا حتى الآن نتيجة لعدة عوامل منها طبيعة المنطقة وتضاريسها والحدود المفتوحة مع دول الجوار أتاحت له حرية الحركة الجغرافية, وإعتماده على إسلوب حرب العصابات فى حربه مع النظام الحاكم فى يوغندا, وأخيرا أن جيش الرب قد إستفاد من التنافس الإقليمى بين دول المنطقة حيث إستفاد فى الفترة بين عامى 1990 و 1994 من تدفق كميات هائلة من العتاد الحربى والأسلحة للإقليم, ويوحى الموقف الأوغندى الداعم لإنفصال جنوب السودان بأن الرئيس موسيفينى يسعى لخلق تحالف مع دولة الجنوب الوليدة من أجل تحقيق مكاسب سياسية له عبر محاصرة الشمال اليوغندى وقطع خطوط الإمداد والتواصل بينه وبين قواعد إنطلاقه فى الحدود المشتركة بين السودان والكنغو, وبالتالى فقدان الدعم اللوجستى لحركات المقاومة فى الشمال الأوغندى, وبالتالى العمل على تحقيق حسم الحرب الأهلية فى الشمال اليوغندى نهائيا, وبالرغم من سعى حكومة جنوب السودان (GOSS) المستمر لدعم قدراتها العسكرية بصورة مستمرة عبر الدعم القادم لها من أمريكا وأوغندا وبعض دول المنطقة الأخرى, إلا إن قوات جيش الرب لا زالت تعمل من داخل أراضى دولة جنوب السودان ضد الحكومة الأوغندية مشكلة مناخا من عدم الإستقرار للحكومة اليوغندية, وفى العام 2005 تسارعت الأحداث فى المنطقة نتيجة لإصدار محكمة العدل الدولية لقرار يفضى بالقبض على جوزيف كونى وقادته بإرتكاب جرائم حرب وتصنيف جيش الرب بأنه حركة إرهابية, الشىء الذى أدى إلى تعسر قيام مفاوضات بين طرفى النزاع اليوغندى لإحلال السلام فى الجارة يوغندا, فإنسحبت معظم قوات جيش الرب إلى داخل جمهورية الكنغو الديمقراطية والبعض الآخر إلى إتجاه الحدود السودانية الأوغندية, بيد أن نتيجة لتأثر حكومة جنوب السودان من الصراع الدائر بين جيش الرب والحكومة الأوغندية وإنتقال هذا الصراع لداخل جنوب السودان, قامت حكومة جنوب السودان بالتوسط بين طرفى النزاع اليوغندى فى العام 2006 م, إلا أن رفض الحكومة اليوغندية لشروط حركة جيش الرب للمقاومة أدى إلى عدم توقيع إتفاق نهائى ووأد المفاوضات بين الطرفين, كما قامت محاولة أخرى لإنهاء النزاع فى عام أبريل 2008 م, إلا أن عدم الثقة بين الطرفين أدى لفشل المفاوضات الشىء الذى جعل جوزف كونى (Joseph Kony) زعيم جيش الرب (LRA) يسعى لتسبيت اقدام قواته فى جمهورية الكنغو الديمقراطية (DRC) وفى الحدود بين دولة جنوب السودان وجمهورية الكنغو, حيث قام جيش الرب فى سبتمبر من العام 2008 بإطلاق مقاتليه لزعزعة الإستقرار فى يوغندا, عبر أكبر عملية له تشهدها المنطقة وتواصل ضغطه على الحكومة اليوغندية, مما أدى إلى قيام الحكومة اليوغندية بشن هجوم معاكس إستهدف جيش الرب فى الشمال اليوغندى وفى داخل الأراضى الكنغولية, مما سبب العديد من الإنتهاكات على المجتمع فى تلك المنطقة, ولكن هذه الحملة فشلت نتيجة لقدرة جيش الرب على المراوغة والمناورة ونتيجة لضعف التخطيط للحملة العسكرية من جانب القيادة اليوغندية.
من السرد المفصل لهذه الأحداث أعلاه, لا نستطيع أن نقول غير أن الحرب الأهلية فى أوغندا لا زالت مستعرة وترمى بظلالها السالبة على المجتمع فى الشمال اليوغندى, الذى إرتفعت حدت عدواته وغبنه نحو الحكومة اليوغندية, واصبح رافدا لأى حركة مقاومة ضد النظام اليوغندى, كما أن هذه الحرب الأهلية إمتدت تأثيراتها للداخل السودانى, نتيجة للتداخل القبلى والتنافس الإقليمى بين دول المنطقة, الشىء الذى أدى لإنتقال أرض المعركة بين طرفى الحرب الأهلية فى يوغندا إلى داخل دولة جنوب السودان وأراضى الكنغو الديمقراطية, الشىء الذى زاد من تعقيد الأزمة وفتح ابواب المنطقة للمزيد من الصراعات المستقبلية.
جيبوتى:
تقع جمهورية جيبوتي ما بين خطوط 11° و 14° 12° بشمال خط العرض و 30° 39° و 41° شرق خط الطول, يحدها من الشمال ومن الغرب ومن الجنوب الغربي إثيوبيا، ومن الجنوب الشرقي الصومال ومن الشرق خليج عدن, وتبلغ مساحتها حوالى 23.000 كيلومتر مربعا, وتتميز بمناخ حار ورطب على الساحل ومناخ صحراوى جاف في الداخل, وتنقسم جيبوتي إلى مجموعتين عرقيتين رئيسيتين همّا قومية العفر والعيسى الصومالية, أما بقية السكان فهم من الفرنسيين الإيطاليين والعرب والأثيوبيين, وعلى الصعيد الداخلى هنالك تنافس بين قومية العفار وقبيلة العيسى كاد أن يتسبب فى حرب أهلية فى بدايات العام 1990 م, وعلى الرغم من أن اللغة الرسميه هي الفرنسية إلا أن اللغه الصومالية هي المنتشرة انتشارا واسعا, تليها لغة عفار بينما هنالك عدداً مقدراً من الجيبوتيين يتحدث العربية, ويسكن معظم الجيبوتيين بالمدن نتيجة للطبيعة القاحلة للأراضى الجيبوتية الأخرى, وتعتبر جيبوتى العاصمة منطقة تجمع سكانى لأغلب مواطنى دولة جيبوتي, وهي المدينة الأكبر وتتشكل غالبية سكانها من الطبقة الوسطى, ودولة جيبوتي هي جمهورية شبه رئاسية ذات سلطة تنفيذية تتمثل فى الحكومة وسلطة تشريعية يمثلها البرلمان, وتتكون السلطة التنفيذية في جيبوتي من رئيس الدولة الذي يتم انتخابه في استفتاء شعبي مباشر وذلك لفترة رئاسية تبلغ ست سنوات، ويقوم رئيس الجمهورية بتعيين رئيس الوزراء، كما تضم السلطة التنفيذية مجلس الوزراء, أما السلطة التشريعية فتضم مجلس واحد هو مجلس النواب ويتكون من 65 عضو وفترة عضويتهم خمس سنوات, وتتشكل السلطة القضائية فى جيبوتى من المحكمة العليا وهى أعلى سلطة قضائية في البلاد, كما يوجد فى جيبوتى عدد من الأحزاب السياسية منها , وحزب التجديد الديموقراطي والحزب الوطنى الديموقراطى، كما يوجد عدد من جماعات الضغط السياسي.
تعانى الدولة فى جيبوتى من شح فى الموارد وعدم القدرة على الإيفاء بمتطلبات مواطنيها الأساسية, بالإضافة للنزاع الحاد على السلطة بين العيسى و العفر, وبالرغم من الموقع الجيبولتيكى المهم لجيبوتى, إلا إنها لا تزال تعتمد فى إقتصادياتها على تجارة الترانزيت لأثيوبيا, وتأجير القواعد العسكرية لكل من فرنسا وأمريكا, والموانى الحرة التابعة لإدارة هيئة دبى للمناطق الحرة, وربما تشكل أزمة الإندماج الوطنى بين العفر والعيسى, بعداً آخر فى تنامى الصراع والتنافس على السلطة بين العفر والعيسى فى المستقبل, إن لم يتم حل أزمة التوافق على تقسيم السلطة والثروة بصورة ترضى طموحات كل أطراف المعادلة السياسية فى الجيبوتى.
جنوب السودان:
على المستوى الداخلى, نجد أن الإحتلال البريطانى قد لعب دوراً كبيراً فى تأزيم الأوضاع بجنوب السودان, وجعل منه منطقة مقفولة غير قابلة للدخول إليها إلا بتصريح من المحتل البريطانى, مما أضعف من فرص الإندماج الوطنى بين الشمال والجنوب, وبالرغم من مكافحة أبناء الجنوب للإحتلال البريطانى إلا أنه عندما إستقل السودان عن بريطانيا, ظهرت العديد من المشاكل بين جنوب السودان والشمال السودانى, نجمت من الفوارق التى نشأت من تطبيق قانون المناطق المقفولة, وزاد تعقيد الأزمة بين الشمال والجنوب, عدم مراعاة النخبة الشمالية لتمثيل الجنوب وتعيين أبناء الجنوب فى وظائف الدولة, مما سبب التمرد الأول فى الفترة من العام 1955 م إلى العام 1972 م, وبينما حققت إتفاقية أديس أبابا فى عام 1972 م إستقراراً فى جنوب السودان نتيجة للحكم الذاتى الذى منح لأبناء الجنوب لإدارته, شكل تقسيم الجنوب لأقاليم ثلاثة وتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية فى ظل حكم الرئيس السودانى الأسبق الراحل المشير جعفر نميرى, بداية لتمرد آخر ضد الحكومة المركزية فى الخرطوم بقيادة الراحل العقيد جون قرن, وإستمرت الحرب الأهلية فى السودان بقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى أن توصلت حكومة الإنقاذ السودانية لتسوية سلمية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM) عبر اتفاقية نيفاشا للسلام (CPA) الموقعة فى 2005 م, التى ألزمت شريكى الإتفاقية المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية لتحرير السودان ببذل كل الجهد لتعزيز خيار الوحدة، وخلال الفترة الإنتقالية التى أجريت فيها الإنتخابات والإستفتاء الذى أدى إلى إنفصال جنوب السودان عن وطنه الأم فى جمهورية السودان, شهد جنوب السودان العديد من الصراعات القبلية, حيث تحدثت بعض التقارير الغربية أن تصاعد أعمال العنف العرقى أسفر عن مقتل أكثر من 2500 وتشريد 350 ألفاً عام 2009، وفقا لتقرير أصدرته منظمات دولية تعمل في مجال الإغاثة وباحثين أجانب أجروا دراسات ميدانية فى جنوب السودان, خلف الصراع الذى وضع قبائل جنوبية في مواجهة بعضها البعض استياء عاما في جنوب السودان الذى يعانى من نزاعات تقليدية على الأرض والمرعى, ففى الفترة من 5-13 مارس 2009 قتل ما لايقل 453 شخصا معظمهم من النساء والأطفال في هجمات شنتها مجموعات من قبائل النوير على 17 قرية من جماعة المورلى العرقية في جونقلى، وتقول إن هذه الهجمات جاءت انتقاما لغارات شنتها جماعة المورلى على قرى وقطعان الماشية التي تمتلكها قبائل النوير في 18 يناير من نفس العام , وفى 19 أبريل 2009 قتل 177 شخص على الأقل في هجمات على 16 قرية لقبيلة النوير شنها مقاتلون من جماعة المورلى ردا على أحداث مارس , وفى 12 يونيو 2009 هاجمت قبيلة جيكاني نوير وهى جماعة فرعية من قبائل النوير بواخر محملة بمساعدات غذائية تابعة للأمم المتحدة في نهر السوباط مرسلة للمناطق التي تسكنها قبيلة لو نوير فى ولاية جونقلى مما أسفر عن مقتل 40 من عناصر الحركة الشعبية وطاقم السفينة, وفى 2 أغسطس 2009 هاجمت جماعة المورلى قرية صيد تابعة لقبيلة لو نوير قرب بلدة أكوبو بولاية جونقلي، مما أسفر عن مقتل 185 شخصا وجنود من الحركة الشعبية كانوا يحرسون المخيم, وفى 28 أغسطس 2009 هاجم نحو 800 شخص من قبيلة لو نوير قرية ورنيول التي تسكنها قبيلة دينكا بور في ولاية جونقلى حيث أسفر هذا الهجوم عن مقتل 38 وإصابة 76 آخرين , وفى 20 سبتمبر 2009 هاجمت مجموعة كبيرة من مقاتلى جماعة لو نوير قرية دوك بايديت التي تسكنها قبيلة دينكا هول في جونقلى حيث أسفر هذا الهجوم عن مقتل أكثر من 100 شخص, وفى الفترة من 3-5 أكتوبر 2009 قتل ما لايقل عن 23 شخصا على الأقل وأصيب 21 آخرون في غارات متبادلة على الماشية بين قبيلتى المندراى ودينكا بور, وفى الفترة من15-16 نوفمبر نصب مسلحون كمينا لسيارة تقل وزير الزراعة في حكومة الجنوب سامسون كواجي، مما أسفر عن إصابة الأخير ومقتل خمسة من مرافقيه , وفي نفس الفترة، قتل سبعة على الأقل خلال هجوم شنه مقاتلون من قبيلة المندارى على جماعة دينكا عالياب المنافسة لها في مقاطعة قوقريال , وفى 31 ديسمبر 2009 قتل 17 شخصا حيث نصب مدنيون مسلحون كمينا لجنود من الحركة الشعبية كانوا يحاولون نزع سلاح القبائل إثر قتال عنيف دار بين الطرفين , وفى 2 يناير 2010 هاجم رجال من قبائل النوير رعاة ماشية من قبيلة الدينكا في منطقة التونج واستولوا على نحو خمسة آلاف رأس من الماشية بعد صدامات عنيفة خلفت 130 قتيلا و54 جريحا على الأقل في صفوف الطرفين, هذا بالإضافة للإنقسامات داخل الحركة الشعبية نفسها حيث كون د.لام أكول حزب الحركة الشعبية جناح التغيير الديمقراطى والتى نالت الكثير من الإنتقادات والعداء من جانب الحركة الشعبية , كما قام الفريق جون أطور بقيادة تمرد على الحركة الشعبية على خلفية إتهامه للحركة الشعبية بأنها زورت الإنتخابات التى يقول انه فاز فيها لصالح منافسه من الحركة الشعبية , وقدأعلنت حكومة الجنوب عن قتل أطور أخيراً فى ديسمبر من العام 2011 م, كما أعلن المتمردون التابعين له عن تعيين (جونثان) قائداً لحركتهم وعن عزمهم لمواصلة التمرد ضد حكومة الجنوب, فى لكل تلك الأسباب مجتمعة يرى كل الباحثون فى شأن جنوب السودان أن الجنوب غير مستقر نتيجة لإتساع رقعة التمرد على حكومة الجنوب وإندلاع الحرب القبلية من جديد فى منطقة, وقال مسؤول الامم المتحدة فى جنوب السودان أنه هنالك حرب قبلية فى ولاية جنوقلى إندلعت فى بدايات شهر يناير من العام 2012 م, حذر من أن 60000 شخص كانوا في حاجة ماسة للمساعدات, وقالت هيلدا جونسون الممثل الخاص للامم المتحدة لجنوب السودان أن هنالك تقارير عن مقتل أكثر من 3000 شخصاً فى الفترة من نهايات ديسمبر 2011 م وبداية يناير من العام 2012 م عندما هاجم آلاف من شباب النوير المسلحين المورلى فى منطقة البيبور في ولاية جنوقلى, مما قاد لتدهور حاد فى الأوضاع الإنسانية ونقص الغذاء خاصة فى منطقة جونقلى وأعالى النيل.
ومن سرد الأحداث أعلاه نجد أن دولة جنوب السودان ولدت للوجود وهى تعانى من أزمة إندماج وطنى حادة بين مكوناتها الإثنية أدى لإنتشار الحروب القبلية, وتعانى أيضاً من إنقسام حاد بين أطراف المعادلة السياسية, وتدهوراً فى البنية التحتية والإقتصاد مما يجعل مستقبل دولة جنوب السودان الوليدة أكثر ضبابية, نتيجة لوجود خلل بنيوى فى ولادة وتأسيس الدولة فى جنوب السودان, الذى ربما قد يعرض الدولة للإنهيار إن لم يتم تدارك تلك الإشكاليات المزمنة التى تعانى منها.
إفرازات أزمة الإندماج الوطنى فى منطقة القرن الأفريقى:
إن أزمة الإندماج الوطنى دائماً ما تؤدى إلى إشتعال الحروب الأهلية (أنظر الجدول أدناه), التى بدورها تفرز نتائج سالبة فى الدول التى تشتعل فيها, ومن الإفرازات السالبة التى أنتجتها الحروب الأهلية الناتجة من أزمة الإندماج الوطنى, شل قدرة الحكومات الوطنية من إنجاز المهام الوطنية التى تقع على عاتقها, وربما تقود فى فترات لاحقة إلى إنهيار الحكومات الوطنية إذا إستمرت إلى أمد طويل, بينما تقود الحروب الأهلية الناتجة من أزمات الإندماج الوطنى, إلى تدمير الإقتصاديات الوطنية للدول التى تشتعل فيها هذه الحروب, حيث توجه أغلبية ميزانية الدول للجهد العسكرى, ويتم إستنزاف البلاد تحت ضغوط تمويل القوات النظامية لمجابهة تلك الحروب, وبالتالى تزيد معاناة المواطنين نتيجة لشح الدخل, فتزيد معدلات الفقر وسط المجموعات السكانية التى تسكن البلاد, بينما تسفر الحروب عن تدمير البنية التحتية وقطاعات البلاد الإقتصادية المنتجة الأخرى, مما يساعد على إنتشار العطالة وتشريد خبرات البلاد وتدمير القوى العاملة الوطنية المدربة, ومن الإفرازات السالبة للحروب الناتجة من أزمات الإندماج الوطنى تزايد حالات اللجوء من الدول منشأ الصراعات إلى الدول المجاورة, الذى ربما يسهم فى نقل عدوى الحروب والصراعات لهذه الدول, وعندما تستمر الحروب الأهلية الناتجة عن أزمات الإندماج الوطنى لفترات طويلة تتعمق المررات الإجتماعية بين المكونات السكانية للدولة, ويحدث خلل فى البناء الإجتماعى المكون للدولة مما يسهم فى إحداث إضطراب فى مجموعة القيم والمبادىء, وإنتشار الظواهر السالبة نتيجة لإنحسار منظومة القيم الأخلاقية, إذن الحروب الأهلية الناتجة من أزمات الإندماج الوطنى تعتبر أحد مهددات الأمن والإستقرار فى منطقة القرن الأفريقى, والمناطق المحيطة بها نتيجة لما تفرزه من نتائج سالبة تضر بدول المنطقة.
جدول يبين الصراعات الداخلية في دول القرن الافريقى
المصدر الباحث بالإستعانة بالآتى:
د. عبدالوهاب الطيب ورقة حول الدين وقضايا الجوار والإنتماء: دراسة في جدلية الصراع والتعايش الديني في القرن الأفريقى وجواره العربي, المركز العربى, الدوحة, 27 – 28 نوفمبر 2011 م.
كيفية التغلب على أزمة الإندماج الوطنى فى منطقة القرن الأفريقى:
بما أن أزمات الإندماج الوطنى تعتبر من المهددات الرئيسية للأمن الوطنى لكل الدول المكونة لمنطقة القرن الأفريقى, وربما شاهدنا كيف عكست الورقة من خلال إستعراضها وقراءاتها للأحداث فى دول منطقة القرن الأفريقى, أن كل دول منطقة القرن الأفريقى تعانى من صراعات وحروب داخلية تعكس حجم أزمات الإندماج الوطنى داخلها, يبقى من الأجدى أن تتلمس الورقة تصور كيف يمكن أن تواجه الدول المكونة لمنطقة القرن الأفريقى وبقية الدول الأفريقية ظاهرة إنتشار ظاهرة الحروب الأهلية الناتجة من أزمة الإندماج الوطنى, وعليه فإن وضع سياسات داخلية فاعلة للتغلب على أزمات الإندماج الوطنى داخل دول القرن الأفريقى وبقية الدول الأفريقية الأخرى ربما يساهم وضع حد لهذه المعضلة الأمنية التى تعانى منها شعوب منطقة القرن الأفريقى التى تذخر بكم هائل من التعدد الإثنى, الذى عادة ما يسهم فى إشعال وتعقيد أزمات الإندماج الوطنى داخل دول منطقة القرن الأفريقى, وبالتالى تقترح الورقة بعض التوصيات التى ترى من شأنها أن تساعد فى حل قضية الإندماج الوطنى داخل دول القارة الأفريقية, منها العمل على إدخال تغييرات دستورية تعترف بحقوق الأقليات العرقية والإثنية داخل الدول المكونة لمنطقة القرن الأفريقى, وتطبيق مبدأ الفيدرالية لإتاحة الفرصة للمكونات العرقية والإثنية داخل أقطار منطقة القرن الأفريقى لحكم نفسها والتعبير عن آرائها, فى ظل وجود نظام إنتخابى يسمح بتمثيل جميع الجماعات السكانية المنضوية داخل منظومة الدولة, مع الوضع فى الإعتبار أن الإهتمام بالتعدد الثقافى يساعد فى تعزيز أطر التسامح الإجتماعى بين الإثنيات المختلفة الى تعيش فى إطار الدولة الواحدة, بينما يشكل إنتعاش الإقتصاد, وزيادة معدلات النمو الإقتصادى, والتوزيع العادل للثروة بين جميع المكونات الإجتماعية المكونة للدولة, أحد أنجع السبل لمقاومة أزمة الإندماج الوطنى.
الخاتمة:
إنتشار ظاهرة الحروب الأهلية فى منطقة القرن الأفريقى, نتج من تفاقم أزمة الإندماج الوطنى فى داخل الدول المكونة لمنطقة القرن الأفريقى, إما بسبب عدم قدرة الأنظمة الحاكمة على التعامل مع أزمة الإندماج الوطنى, أو نتيجة لتحيز الأنظمة الحاكمة لإثنية معينة على حساب الإثنيات والعرقيات الأخرى, وقد كان للعامل الخارجى دور رئيسى فى إستغلال عامل التباين العرقى والإثنى فى منطقة القرن الأفريقى لتحقيق مصالحه فى المنطقة, عبر صياغتها بصورة تسمح له بتحقيق مصالحه الإستراتيجية, وتبقى عوامل أخرى مثل إتساع رقعة الدول فى منطقة القرن الإفريقى, والطبيعة الجبلية والغابية, وعدم وجود الطرق المعبدة, وعدم قدرة الإقتصاد على الوفاء بمتطلبات المجموعات السكانية فى أطراف الدولة, أحد أهم مسببات ظاهرة إنتشار الحروب الأهلية, وبالتالى أزمات الإندماج الوطنى فى منطقة القرن الأفريقى, وقد حاولت بعض دول القرن الأفريقى إدارة هذه الأزمة عن طريق إسخدام إسلوب الفصل, أو إدماج المكونات الإثنية والقبلية الأخرى فى ثقافة الإثنية المسيطرة, أو بإتباع سياسة إعتماد الحكم الفيدرالى, ولكن تبقى أزمة الإندماج الوطنى فى القارة الأفريقية, أحد الأزمات التى تحتاج لتشريح عميق عبر إستخدام البحث العلمى, للوصول لأسباب إندلاعها وإنتشارها, ومن ثم إقتراح أفضل الوسائل لحلها والقضاء على مسبباتها.
مراجع الورقة
المراجع العربية:
1. إبراهيم أحمد نصر الدين, العلاقات الإفريقية الدولية,ط 1, القاهرة:مكتبة مدبولى,2011 م.
2. إسماعيل صبرى مقلد,العلاقات السياسية الدولية دراسة فى إصول النظريات,المكتبة الأكاديمية.القاهرة,طبعة خاصة,القاهرة,1991 م.
3. ضرار صالح ضرار, تاريخ السودان الحديث,دار مكتبة الحياة بيروت, الطبعة الرابعة,1968 م.
4. السيد أحمد فليفل, تعيين الحدود السودانية الحبشية وأثره على قبايل الوطاويط والبرتا والبرون والكوما, دراسة وثائقية للفترة من 1899 – 1936 م, معهد البحوث والدراسات الأفريقية القاهرة,ا لندوة الدولية لحوض النيل, مارس 2000 م.
5. الباحث, دراسة ميدانية عن الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية لقبائل منطقة القرن الأفريقى, السودان, أرتريا, أثيوبيا, جيبوتى, الصومال, كينيا, يوغندا, الفترة من العام 1996 إلى العام 1998 م والفترة من العام 2002 م إلى 2009 م.
6. بهاء الدين مكاوي, الصراعات الاثنية في إفريقيا, الأسباب وتداعيات استراتيجيات الحل, المركز العالمي للدراسات الإفريقية, سلسلة قضايا افريقية"2", شركة مطابع السودان للعملة المحدودة, الخرطوم- اكتوبر2007م.
7. حسن مكى, إثيوبيا والتغيير السياسى, مجلة الدراسات الإفريقية, العدد السادس, الخرطوم,1999 م.
8. صلاح الدين حافظ, صراع القوى حول القرن الإفريقيى, سلسلة عالم المعرفة, العدد 49,الكويت, يناير 1978 م.
9. التقرير الإستراتيجى الإفريقيي للعام 2007-2008م, معهد البحوث والدراسات الإفريقية, جامعة القاهرة, القاهرة, إكتوبر 2008م .
10. عمر عوض الله قسم السيد, الفيدرالية كأداة لإدارة النزاع فى المجتمعات متعددة الأعراق والثقافات "حالة السودان", مركز عبدالكريم ميرغنى أمدرمان, السودان, ط1, أبريل 2010 م.
11. عبدالوهاب الطيب البشير, الأقليات العرقية والدينية ودورها فى التعايش القومى فى أثيوبيا, مركز البحوث والدراسات الأفريقية, جامعة أفريقيا العالمية, الخرطوم, ط1, 2009 م.
المراجع الإنكليزية:
1. John Young, Armed Groups along Sudan's Eastern Frontier: An Overview an Analysis, Small Arms Survey ,Graduate Institute of International Studies,47 Avenue Blanc, 1202 Geneva, Switzerland, (2006).
2. M.A Mohamed Salish, Globalization and Human Insecurity in Africa, the Eye on Ethiopia and Horn of Africa magazine, Vol No.125.Addis Ababa, Ethiopia, 2005.
3. Keller, Edmond & Rotchild, Donald (Eds), Africa in the New International Order: Rethinking State Sovereignty and Regional Security, (London; lynne Rienner Publisher, 1996).
4. Ocaya, Dent and Lakidi, (eds.) Africa Interial Conflict: The Search of Response, Report of the High level Consultation 23-25 MAR 1992, (Arusha: Tanzania, Orgnized by International Peace Acadmy).
5. Eddy Maloka(Ed), a United State of Africa, (Pretoria: Africa Institute of South Africa May 2002).
6. Woodward, Peter, “Anew Map of Africa? Reflection on the Horn" In Africa insight, (vol, 23 No.1, 1993).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.