في الوقت الذي تشهد فيه العاصمة الأثيوبية أديس أبابا مباحثات مصيرية بين الحكومة السودانية وحكومة جنوب السودان حول عدد من الملفات منها الحدود والملف الأمني والإنساني وجهت الرياضة ممثلة في كرة القدم لطمة قوية للسياسيين وهي تستقبل بكل الحب والترحاب لاعب الهلال السابق والمنتخب الوطني أتير توماس ولكن هذه المرة بصفة (لاعب أجنبي) وهو في تقديري الحدث الأول والأهم في الساحة الرياضية لذا كنت أتوقع أن يتم إبرازه في المانشيتات الأولي للصحف الرياضية لأهمية الخبر التاريخية أولا ولمايمكن أن يخلفه من مشاعر مختلطة لدي السودانيين ولكن الأولويات عند الصحافة الرياضية جعلت هذه المفاجأة التي وصفها أحد المراقبين أنها من العيار الثقيل خبرا عاديا . عودة أتير توماس بصفته الجديدة لم تكن خبرا عاديا بل كان خبر الساعة والساحة وتناقلته وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية من زاوية هذه الأهمية وأعطته حقه بالكامل فغير انه دخل التاريخ من أوسع أبوابه كأول لاعب من دولة الجنوب يلعب في السودان فهو أيضا أول لاعب لعب في السودان بجنسيتين مختلفتين ( السودان وجنوب السودان) وإن سبقه في دخول تاريخ اللعب للمنتخبات الوطنية لاعب آخر هو جيمس جوزيف الذي لعب للمنتخب الوطني السوداني ولمنتخب جنوب السودان. إذا وضعنا مقارنة بين العدائيات التي شهدتها السياسة بين الدولتين والتي وصلت الحرب وماادراك ما الحرب وماخلفته من دمار إنعكس علي الواقع الإقتصادي هنا وهناك وبين التسامح الكبير الذي تتعامل به الرياضة مع مثل هذه الظروف (الإنفصال) سنجد أن الرياضة قد إنتصرت بالفنية القاضية علي السياسة وعرابيها ويؤكد ذلك الأخبار التي تتواتر عن التعقيدات التي تشهدها مباحثات أديس ابابا في هذا الوقت تفتح الرياضة زراعيها لتحتضن أحد أبنائها الذين دافعوا عن ألوان العلم في عدد من المنافسات القارية ورغم أنه عائد بهوية جديدة إلا أن ذلك يبقي علي الورق فقط لأن وجدان اتير توماس وإرتباطه النفسي جعل من الصعوبة فصله عن الواقع الذي عاش وترعرع فيه . عودة اتير أفرحتني علي المستوي الشخصي لأنها حملت رسالة قوية للجالسين في أثيوبيا تقول أن صفة (أجنبي) التي مضي بها علي إنتقاله للنادي الأهلي الخرطوم لاتعني الإعدام أو الإقصاء أو صعوبة الوصول إلي حلول ولاتعني إستحالة عودتنا (شماليين وجنوبيين) للتعايش مع بعضنا البعض إذا خرجنا من دهاليز السياسة وأجندتها والمصالح التي تحركها. رغم أن عودة توماس بصفته الجديدة أحدثت ربكة عند الكثيرين ولكنها نبهت أيضا إلي أننا مازلنا بعيدا عن القوانين والسياسة نتعامل بعاطفة وعقلية الشعب الواحد فمازال ريتشارد جاستن قائد فريق الخرطوم هو ريتشارد جاستن نجم الهلال والمنتخب الوطني لم يتغير السلوك اليومي تجاهه ولايشعر هو أنه أصبح أجنبيا وذات الشيء ينطبق علي حارس الهلال جمعة جينارو الذي يؤكد كل يوم أنه مكسب كبير لفريق الهلال الشيء الذي جعل أحد المعلقين وفي غمرة إعجابه بالمستوي المميز الذي يقدمه يؤكد علي أن حراسة المنتخب الوطني في أمان طالما أن هناك حارش شاب مثل جمعة جينارو . بل إن قوانين الرياضة ولغتها التي تختلف عن لغة السياسة وقوانينها جعلت (كور ألبينو) الجنوبي السوداني يحرس مرمي منتخب الشباب في مباراته الأخيرة أمام المنتخب التنزاني ويتم التعامل مع الأمر بكل الحب والإحترام بل أكاد أجزم أن أحدا لم ينتبه إلي ماكان ومايجب أن يكون . وهي كلها دلالات ومؤشرات علي أن الرياضة تسبق السياسة بكثير في التعامل مع أكثر القضايا تعقيدا أو هكذا يتخيل أهل السياسة رغم أن هذه القضايا بالتطبيق العملي في الواقع الرياضي غيرموجودة. hassan faroog [[email protected]]