عبد الله حمدوك.. متلازمة الفشل والعمالة ..!!    بريطانيا .. (سيدى بى سيدو)    كريستيانو يقود النصر لمواجهة الهلال في نهائي الكأس    المربخ يتعادل في أولى تجاربه الإعدادية بالاسماعيلية    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    دورتموند يسقط باريس بهدف فولكروج.. ويؤجل الحسم لحديقة الأمراء    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    واشنطن: دول في المنطقة تحاول صب الزيت على النار في السودان    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصور.. المودل والممثلة السودانية الحسناء هديل إسماعيل تشعل مواقع التواصل بإطلالة مثيرة بأزياء قوات العمل الخاص    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    طبيب مصري يحسم الجدل ويكشف السبب الحقيقي لوفاة الرئيس المخلوع محمد مرسي    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فلوران لم يخلق من فسيخ النهضة شربات    رئيس نادي المريخ : وقوفنا خلف القوات المسلحة وقائدها أمر طبيعي وواجب وطني    لأول مرة منذ 10 أعوام.. اجتماع لجنة التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإيران    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا عن الوضع الاقتصادي الراهن والموازنة المُعدلة لعام 2012م؟ .. بقلم: أ. عابدة يحي المهدي
نشر في سودانيل يوم 25 - 06 - 2012

قد وصل التدهور في الاقتصاد درجة أقرب للإنهيار بعد أن طفحت إلى السطح كل التشوهات التي كانت تغطي عليها موارد البترول. فعندما فقدت الدولة هذا المورد ظهرت كل علامات الأزمة الإقتصادية المعروفة بلعنة الموارد والتي تتبع المرض الهولندي عندما تسيئ الدولة توظيف مواردها. حيث أخذت القطاعات الإنتاجية دوراً ثانوياً، وإستشرى سوء إدارة المال العام والفساد إضافة إلى تراكم الدين الداخلي والخارجي.
ومما فاقم من الأزمة الإقتصادية هو استمرار الحروب الأهلية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق والتوتر مع دولة جنوب السودان وغزو هجليج.
وأكبر دلالات الانهيار الاقتصادي هي الزيادة المتسارعة في مجمل الاسعار التي أدت إلى غلاء فاحش بحيث أصبح مصدراً رئيسياً للقلق لكافة الناس من جميع مشارب الحياة المختلفة ولا سيما الشرائح الفقيرة. فقد فاقت معدلات التضخم ال30 % بنهاية مايو 2012. والدلالة الأخرى هي فقدان قيمة العملة الوطنية وتوسع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسعر الموازي في ظل عدم قدرة الدولة توفير النقد الأجنبي لتلبية إحتياجات البلاد- فتباطأت عجلة الإنتاج لتصبح البلاد في وضع واضح من الركود التضخمي.
مع تفاقم الأزمة الإقتصادية أعلنت الإجراءات الأخيرة لتعالج الفجوة في الميزان الداخلي (موازنة الدولة) والميزان الخارجي (العجز في الحساب الجاري) – وهي إجراءات في مجملها أتخذت لمعالجة:
1- عدم واقعية موازنة 2012م التي بُنيت على تمنيات لايرادات خارجية من رسوم عبور وخدمات بترول واقتراض خارجي.
2- الآثار المترتبة من إصلاح واحد رئيسي وهو إصلاح سياسة سعر الصرف بزيادة 63% على السعر الرسمي ليصبح الدولار المتعامل به رسمياً 4.4 جنيه. هذا الإصلاح وإن تأخر كثيراً كان لا بد من إتخاذه بعد توسع الفجوة بين السعر الرسمي والموازي إلى 100%. فقد كان هذا الخلل من أكبر العوامل المؤثرة سلباً على الإقتصاد، فقد نتج منه:
أ‌. الدعم غير المباشر لمشتريات الحكومة بالنقد الأجنبي وإلتزاماتها الخارجية.
ب‌. الحد من تدفق النقد الأجنبي من الصادرات.
ت‌. الحد من تحويلات المغتربين عبر القنوات الرسمية.
ث‌. شراء الذهب من قِبَل البنك المركزي بأسعار مُجزية أقرب للسعر الموازي أدى إلى ضخ نقود ذات طابع تضخمي (Inject high powered money) مما أدى إلى زيادة في عرض النقود بضغوط تضخمية كبيرة.
ج‌. عدم الإستقرار في سعر الصرف أدى أيضاً إلى توقف تدفق الإستثمارات الأجنبية.
أما الاجراءات الأخرى التي أعلنها رئيس الدولة في البرلمان(18/06/2012) وأجملها وزير ماليته في الموازنة المُعدلة لعام 2012م فهي ليست بالاصلاحات بل هي معالجات- هنا وهنالك- لجلب موارد للدولة لتتعامل مع افرازات إصلاح سعر الصرف بينما هي ماضيه في ما هي فيه من سوء إدارة للمال العام وصرف متضخم على أجهزة الأمن والدفاع لتمويل الحرب الدائرة في الحدود الجنوبية للبلاد.
رفع الدعم عن المحروقات:
ومن أهم هذه الإجراءات التي أتخذت هي رفع الدعم عن المحروقات لتخفيض إنفاق الدولة وبالأصح لعدم قدرة الدولة على إستيراد إحتياجات البلاد البترولية بعد إنفصال الجنوب وأزمة هجليج وخصوصاً بالسعر الجديد للدولار فجاءت الزيادة المقترحة ب59% على البنزين و30% على الجازولين.
مع تسليمنا بأن سياسة الدعم هي ليست بالأمثل إلا أن البديل في ظل سياسات هذه الحكومة يلقي بأعباء على المواطن لا تطاق. فإن زيادة أسعار البنزين والجازولين سينعكس مباشرة على مجمل أسعار السلع والخدمات مما يزيد من الضغوط التضخمية. فالتضخم يلقي بعبئه على الفقير قبل الغني لأن الغني لديه خيارات لحفظ أمواله وقيمة ممتلكاته ولكن الفقير لا يملك غير دخله الضئيل الذي سرعان ما يأكله التضخم.
كانت التوصية من صندوق النقد الدولي منذ عام 2006م: رفع الدعم تدريجياً وإستبدال هذا الدعم بشبكة أمان إجتماعي تستهدف الفقراء مباشرة، كالتحويلات النقدية والعينية والحصص الغذائية (برامج التغذية المدرسية) وأيضاً الكبونات.
ومن المعلوم لذوي الدراية بمثل هذه الشبكات أن نجاحها في إستهداف الفقراء يتطلب-
تحديد القطاعات المستهدفة بدقة، ويتم الإستفادة هنا من المسوحات الأخيرة لتحديد الفقراء وأماكنهم.
تحديد نظم الدفع.
تحديد أطر الرصد والتقييم ونظام إدارة هذا الدعم المباشر.
ولكن ماذا فعلت الحكومة لرفع العبء عن الفقراء؟
1- منحه لموظفين الدولة- 100 جنيه لكل موظف.
وهي لا تساوي شيء إلا للموظفين الذين يتقاضون الحد الأدنى من الأجور ولكنها طُبقت على جميع المستويات.
زادت فاتورة المرتبات من غير أثر واضح، الموازنة جاءت ب 10% زيادة في بند الأجور والمرتبات بالرغم موظفو الدولة يمثلون أقل من 2- 3 % من القوى العاملة.
2- دعم 750 أسرة فقيرة دعم مباشر بتحويلات مالية – زيادة 250 ألف من العدد الذي صاحب رفع الدعم في يناير 2011م. لكن وزيرة الرعاية الإجتماعية نفسها أقرت أن هذا الدعم نفذ فقط لعدد 100 ألف أسرة فقيرة
3- بعض المعالجات الأخرى الصغيرة للمعاشيين وإدخال الأسر في مظلة التأمين الصحي، ولكن التنفيذ فيها في السابق كان ضعيفاً جداً.
لذلك، ليس لدينا أي ثقة بأن هذه الحكومة ستتخذ إجراءات كفيلة بحماية الفقراء، ولو بالجزء القليل، من الآثار المترتبة من رفع الدعم.
منع التجنيب:
لقد كثر الحديث لدرجة الملل عن التجنيب وولاية المالية على المال العام وتفعيل قانون الاجراءات المالية والمحاسبية حتى أصبحت كالأسطوانة المشروخة. ولكن لا حياة لمن تنادي، فهل يا ترى سيختلف الأمر هذه المره؟
قد جاء في تقرير المراجع العام 2010م عدد 11 وزارة تجنب بحوالي 250 مليون مجنبة- من أهمها وزارة الدفاع والشرطة. أضف إلى ذلك الوزارات الأخرى المعروفة بالتجنيب وهي:
- وزارة الكهرباء ووحدة السدود التي لم تخضع للمراجعة.
- وزارة النفط-: وهي مسئولة عن تحصيل مبيوعات المحروقات. بالاضافة الى أن المؤسسة السودانية للنفط ظلت تتحصل على 3% من المبيعات النفطية مقابل إدارتها لقطاع البترول. ويلاحظ ان العمولة تخصم من عائدات الصادر والمحلي قبل خصم الالتزامات من قروض وغيرها ، ولا تخضع المؤسسة السودانية للنفط للمراجعة. وقد تم تقدير هذه العمولة في تقرير المراجع العام لعام 2010م بمبلغ 500 مليون جنيه.
والأمرّ أن وزير المالية نفسه يجنب الأموال!!- طالع صحيفة الوطن 14 يونيو 2012. فكيف لنا أن نثق به لكي يمنع التجنيب؟
فإذا تم جمع الأموال المُجنبه لدى الوزارات والهيئات الحكومية كان يمكن أن توفر الجزء اليسير من الموارد لسد عجز الموازنة.
إعادة هيكلة الدولة لخفض الإنفاق:
أما الحديث عن إعادة هيكلة الدولة، بالرغم من أنه إصلاح مطلوب، إلا أنه جاء في شكل تقليص فقط للترهل في عدد الدستوريين إتحادياً وولائياً وأثره على الموازنة لا يتعدى ال1%. إذاً فهو ليس إصلاح بل إجراء أريد به إلهاء المواطن مع تحقيق ربما أهداف سياسية أخرى لا نعلمها.
ان إعادة الهيكلة الحقيقية للدولة والتي يمكن أن يكون لها أثر كبير على موازنة الدولة يتطلب إعادة النظر في مجمل النظام الفيدرالي في البلاد وإعادة هيكلة الخدمة المدنية وهي إصلاحات سياسية جذرية تتطلب توافق مع كل القوى السياسية.
زيادة الإيرادات:
هذا من حيث الإنفاق أما الإجراءات التي أتخذت لزيادة الإيرادات فأهمها هي الزيادة على ضريبة القيمة المُضافة من 15% إلى 17% وزيادة ضريبة التنمية من 10% إلى 13%. والإجراءان لهما أثر تضخمي واضح. كان ممكناً تفادي الزيادة في ضريبة القيمة المُضافة بزيادة الجُهد الضريبي وتوسيع المظلة الضريبية أفقياً لتفادي الآثار الضارة لزيادة الضريبة ولكن يبدو أن وزارة المالية تريد الحلول السريعة السهلة. والمعروف أن ضريبة القيمة المضافة تستهدف المستهلك لذلك يتأثر الفقير أكثر من الغني بهذه الزيادة إذ أنها تمسه في صلب إحتياجاته الأساسية.
هنالك إجراء آخر أتخذ لجلب موارد للدولة على حساب المواطن وهو فرض رسم تركيز على السكر. فمع تحرير سلعة السكر يصبح السعر المستورد أعلى من المنتج المحلي فتستفيد الدولة من هذا الفارق في الرسم الجديد.
جاءت مجمل هذه الإجراءات بأعباء إضافية على المواطن بأثرها التضخمي. ومع كل ذلك وضح من الموازنة المُعدلة أن العجز التشغيلي أي الفجوة بين الإيرادات والمصروفات الجارية ما زال يفوق ال6 مليار – أي حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي ليتم تمويله بالآتي:
- زيادة في التمويل بالعجز وهو في حد زاته إجراء تضخمي كما هو معلوم.
- زيادة في الإستدانة من الجمهور بإصدرات جديدة من الصكوك – أي زيادة في الدين الداخلي.
الدين الحكومي الداخلي
الاقتراض من الجمهور عن طريق اصدار سندات حكومية يمثل ممارسة راسخة تعتبر نظرياً وسيلة مقبولة لتمويل العجز الحكومي. لكن فيما يتعلق بالسودان، تقتضي الضرورة الاخذ بالمسائل التالية في الاعتبار:
أ‌) التكلفة العالية لاقتراض الحكومة المحلي ساهمت في توسيع عجز الموازنة. يتم اصدار الاوراق المالية الحكومية، بأرباح مرتفعة مما جعل تكلفة التمويل تمثل عبأً ثقيلا على موازنة- أدى إلى حلقة من خلق الديون وإصدار السندات يصعُب الخروج منها.
ب‌) لجوء الحكومة المتزايد للاقتراض الداخلي قد ادى لاقصاء القطاع الخاص. البنوك تفضل الإستثمار في الأوراق المالية نسبةً للعائد العالي وهي أقل مخاطرة.
ت‌) تراكم مُتأخرات الحكومة الداخلية يدُل على عدم قدرة موازنة الدولة على تحمُل عبء الدين المحلي المُتصاعد. وقد بدأت إشكالية المتأخرات المحلية في عام 2007م، عندما وصلت الى مبلغ 2,6 مليار جنيه سوداني. وقد دفعت المتأخرات الُمرحّلة الى عام 2008- بصورة جزئية- من حساب استقرار عائدات النفط الذي تجمعت فيه الأموال نتيجة لارتفاع الاسعار العالمية للنفط بصورة لا مثيل لها في ذلك العام. وبالرغم من ذلك بدأت المتأخرات تتراكم مجددا كما ورد في موازنة عام 2010 ووصلت 16 مليار جنيه عام 2011
ث‌) ساهمت متأخرات الدين المحلي للحكومة في ارتفاع حجم القروض المتعثرة وأضعاف القطاع المصرفي.
"الشركات الرمادية" الشركات شبه الحكومية هي التي تتحصل على العقود الحكومية. ولأن إمكانياتها كبيرة فلها القدرة على تحمل تأخر الدفعيات، كما أنها، في الأصل، تتقدم بتكاليف مرتفعة لتنفيذ المشروع لتلافي أي خسارة ناتجة من تعثر الدفعيات الحكومية. وقد أدى ذلك إلى إرتفاع تكلفة المشاريع التنموية.
وبالرغم من كل هذه السلبيات لم تجد الإجراءات المُتخذة سبيل لسد عجز الموازنة سواء اللجوء للمزيد من الدين الداخلي وإعادة جدولة المتأخرات. هذا مع علم متخذي القرار- علم اليقين - أن هذا الدين Unsustainable وهو بمثابة قنبلة موقوتة.
التمويل بالعجز:
في الفترة الأخيرة صار إقتراض الحكومة من الجمهور أكثر صعوبة حيث أصبحت السندات الحكومية غير جاذبة وذلك لسببين – أولهما عدم إلتزام وزارة المالية بدفع المستحقات في الوقت المحدد لها، وثانياً لأن العائد من السندات أصبح سلبي (negative return) نتيجةً لتصاعد معدل التضخم. وفي غياب الاقتراض الخارجي والداخلي، اصبح تمويل العجز يعتمد بصورة متزايدة على الاقتراض من البنك المركزي وتجاوز الحد المسموح به في الموازنة. ولا يوجد ادنى شك في أن فائض السيولة الناتج عن طباعة النقود لمقابلة إحتياجات الحكومة قد أدى الى ضغوط متزايدة علي قيمة الجنيه ومعدل التضخم وتبعية السياسة النقدية للإحتياجات المالية.
ان هذا التكييف لدور البنك المركزي لتلبية إحتياجات الحكومة (وزارة المالية) من شأنه أن يقوّض (undermine) السياسة النقدية ويجهض أي جهود للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي. لذلك لا بد من تغيير هذا الوضع لضمان إستقلال البنك المركزي لآداء دوره وأهمه الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وذلك بكبح جماح التضخم والحفاظ على معدلات تضخم متدنية وسعر صرف حقيقي مستقر.
الإقتراض الخارجي:
ان الإقتراض الخارجي لسد عجز الموازنة ليس متاح للسودان في الوقت الحاضر، نسبة لسوء علاقات الدولة الخارجية إضافة إلى متأخرات الدين الخارجي المتراكمة وخصوصاً تلك المتعلقة بمنظمات التنمية الدولية.
مما يحمد له في التعديل لموازنة عام 2012م هو وضع مبلغ واقعي للإقتراض الخارجي (568 مليون جنيه) ولكن الفارق بين هذا المبلغ والذي كان موجود في الموازنة الأصلية وهو 4.4 مليار جنيه يدل على إستخفاف وزارة المالية بعقول الناس. فماذا إستجد في الستة أشهر الأخيرة بالنسبة للإستدانة من الخارج لكي تنخفض فجأة مقدرة البلاد على الإقتراض بهذا الحد من ما يُعادل 1.6 مليار دولار إلى 129 مليون دولار أي بنسبة إنخفاض 1,260%- !!!
ومن المعلوم أن السودان لم يتمكن من الحصول على إعفاء للديون وفق المبادرات المطروحة وذلك نسبةً لتردي الأحوال الأمنية والسياسية في البلاد، لذلك ظلت متأخرات الدين الخارجي عقبه أمام حصول السودان على قروض مُيسره من قِبَل المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي.
وباستثناء بعض الصناديق العربية والاقليمية، لا يستطيع السودان الحصول على القروض الخارجية الا من عدد قليل من البلدان " الصديقة" الراغبة في توفير القروض له إما لاسباب سياسية و/أو بشروط غير ميسرة. وقد ظلت الحكومة السودانية تلجأ باستمرار لهذا النوع من التمويل لمشاريع التنمية، كما لجأت اليه في الآونة الاخيرة ايضا كشكل من اشكال الدعم للموازنة/وميزان المدفوعات.
وكما هو معلوم تشكل القروض غير الميسرة خطورة على مقدرة البلاد على السداد أي تحمُل الدين وذلك لأسباب عديدة منها:
1. تقدم هذه القروض بمعدلات فائدة مرتفعة وجدول زمني قصير للسداد و/او فترة سماح قصيرة. مما يجعل المشروع المزمع تمويله باهظ التكاليف ويضع عبئاً على التمويل الحكومي.
2. وفي معظم الاحيان تتطلب مثل هذه القروض ضمانات على أساس المبيعات النفطية المستقبلية او المرتبطة بالبيع الآجل. وقد ضاعف هذا النهج في الإستدانة الخارجية من تعقيد اشكالية الدين عندما إنفصل جنوب السودان وفقد السودان صادراته النفطية.
ومن الحقائق الجديرة بالاعتبار، ان التعاقد على قروض بشروط غير ميسرة سيعرض للخطر فرص السودان في الحصول على اي تخفيف للعبء في ظل المبادرات الحالية مثل المبادرة المتعلقة بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون والمبادرة المتعددة الاطراف لتخفيف عبء الدين.
ولكن حتى هذه القروض الصعبة (بشروط عسيرة) أصبحت صعبة المنال للسودان. فمع فقدان مورد البترول، تقلصت جدارة الدولة الإئتمانية (التي تتمثل في قدرتها على خدمة الدين) أضف إلى ذلك الصعوبات الناجمة من العلاقات الخارجية المشبوهة. لذلك توقفت تماماً عجلة التنمية التي كانت تمول في معظمها بالاقتراض الخارجي. ووضح ذلك جلياً في الموازنة الجديدة إذ قلص الصرف على التنمية بنسبة 50%. ونعتقد أن حتى هذه النسبه الضئيلة من التنميه ستتوقف مع شح الموارد.
الخلاصة:
إن حزمة الإجراءات الإقتصادية التي تبنتها الدولة مع التعديل في موازنة عام 2012م لا يمكن لها أن توقف التدهور الإقتصادي، فقد جاءت ضعيفة ومتأخرة للغاية مع آثار تضخمية واضحة ألقت بالعبء الأكبر على المواطن. ومن المتوقع أن ترتفع أسعار مجمل السلع والخدمات، والخطورة أن يفوق معدل التضخم الحاجز الذي بموجبه تدخل عوامل أخرى غير إقتصادية في تحديده مثل توقعات الناس بالإرتفاع المستمر في ظل شح في السلع. فيتحول التضخم إلى وحش يكتسب قوته من الزخم الخاص به ولا يمكن السيطرة عليه بالسياسات المالية والنقدية. ان توقعات المسئولين بأن الأسعار ستستقر بعد بضعة أشهر ليست بالواقعية في ظل إستمرار الحكومة في الإنفاق المترهل وإستنزاف موارد الدولة لتلبية إحتياجات الحروب الأهلية وحماية النظام.
وفي ظل عدم إتخاذ التدابير اللازمة لحماية المواطن من الآثار المترتبة من رفع الدعم عن المحروقات وزيادة مجمل الأسعار، نتوقع أن يرتفع بصورة كبيرة عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر. فإذا كانت تقديرات الدولة بأن 46% من السكان يقعون تحت خط الفقر فمعنى هذا أن النسبه سترتفع بعد هذه الإجراءات لتصل إلى الغالبية العُظمى من السكان.
ونتوقع أيضاً أن لا ينفرج الوضع في الميزان الخارجي إذ أن زيادة الصادرات غير البترولية خلاف الذهب – تتطلب إصلاحات هيكلية لا يمكن أن تأتي بنتيجة في المدى القصير. أما المعالجات السريعة التي كان يمكن لها أن تنقذ البلاد مثل الإقتراض الخارجي ليس متوفراً لها كما ذكرنا آنفاً لاسباب سياسية. ومع عدم إمكانية الدولة توفير النقد الأجنبي لتلبية إحتياجات الإقتصاد، تتوقف عجلة الإنتاج ولن يجدي زيادة جمارك أو ضرائب فليس هنالك نشاط إقتصادي ليجلب إيرادات للدولة. وفي ظل هذا الوضع وتعاظُم الضغوط التضخمية هنالك خطورة أن يتفاقم الوضع لتفقد العملة الوطنية قيمتها بالكامل.
لذلك فإن الحديث عن إصلاح إقتصادي لا يصحبه إصلاح سياسي - لا يمكن له أن يوقف التدهور والمعاناه.
Muiz Saad [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.