مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    إيلون ماسك: لا نبغي تعليم الذكاء الاصطناعي الكذب    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    الرئيس التركي يستقبل رئيس مجلس السيادة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المُتَهَادِي كَمَا القَمَر! .... بقلم: كمال الجزولي
نشر في سودانيل يوم 19 - 07 - 2009


[email protected]
الإثنين
هيَّأت لي دعوة كريمة من صديقيَّ السفيرين السابقين محمد المكي ابراهيم وصلاح محمد علي أن أشهد، بدار الدبلوماسيين بالخرطوم، مساء الثلاثين من يونيو الفائت، محاضرة فريدة لمحمد المكي عن (لغة الدبلوماسيَّة السودانيَّة).
باقة من سفراء السودان السابقين، أغلبهم في الجلابيب البيض والعمائم، يتقدَّمهم مصطفى مدني، السفير العتيد، ووزير الدَّولة الأسبق بالخارجيَّة، اصطفوا، "سرباً من الغرانيق!"، بعبارة صديقي الشاعر محجوب كبلو، صفاً وراء صف، على الكراسي الوثيرة، تحت الثريات المتلاصفة، في القاعة الفخيمة.
باقة من مهابة شَيب الأفواد والشوارب، وخطوط الزَّمن الدقيقة ترتسم نمنماتٍ على الجباه، وحول العيون، تحدِّث عن مكنونات المعارف الثمينة، والتجارب الثرَّة، والخبرات الباذخة، فلكأنهم أشياخ قبيلة تشرَّبوا الحكمة بين وهج الشموس وصهد الرَّمال، لكن، أوَّاه .. لا وجود للدبلوماسيين الشباب!
أشرف على المحاضرة السفير صلاح محمد على، سكرتير رابطة السفراء، وعُهد بتقديمها إلى السفير جمال محمد ابراهيم، وكلاهما أحيل إلى التقاعد في عزِّ بذله، وأوج عطائه!
في متن محاضرته أفصح مكي عن قلقه من تراجع مستوى اللغة الإنجليزيَّة، لغة العالم والعلم الحديث، لدى الدبلوماسيين الجُدُد، مقترحاً جملة حلول عاجلة، كتنظيم دورات تدريبيَّة إسعافيَّة، وإغراء بعض من تلقوا تعليمهم في المهاجر، من أبنائنا، للالتحاق بسلك الخدمة الخارجيَّة، وقد عملوا، وأقاموا هناك، ردحاً من الزَّمن، فأتقنوا دقائق هذه اللغة. وأبدى انزعاجه من تغيُّب الجيل الجديد من الدبلوماسيين عن المحاضرة، رغم أنها تعنيهم هم، في المقام الأوَّل .. "أما أنتم فلست في موقف من يحاضر قاماتكم السامقة، ولذا سأكتفي بإشارات مقتضبة لجوهر المشكلة"، أو كما قال.
ما أن فتح باب المناقشة حتى انبرى (الغرانيق) يتبارون، بأشجان يتمازج فيها الحزن والكوميديا السَّوداء، في سَوْق نماذج مرعبة لبعض كوارث زغب الحواصل من دبلوماسيينا في الترجمة والمكاتبات الخارجيَّة! قال أحدهم إنه، عندما كان سفيراً خارج السودان، درج على إعادة صياغة الكثير من الخطابات التي كانت الخرطوم تبعث بها، عن طريقه، إلى بعض الجهات هناك، كونه كان يستشعر خجلاً للسودان من ركاكة لغتها!
وروى آخر كيف أن خطاباً صاغه دبلوماسي شاب، وبعث به إلى إدارة اقتصاديَّة في بلد أجنبي، كاد يدمِّر علاقات السودان التجاريَّة كلها معه، إذ قلب المعنى المقصود إلى معكوسه تماماً!
وعلى ما اتسمت به المداخلات من تنوُّع بين التلقائيَّة والحيويَّة والعمق من جهة، وبين التفكه شديد الذكاء واللمَّاحيَّة من الجهة الأخرى، إلا أنها، في مجملها، كادت تستحيل إلى ما يشبه المناحة، بما نضحت به من مرارة الأسى، وتواتر الشكوى من أن أحداً لم يعُد يستشير السفراء السابقين، مستودع مهنيَّة الخدمة الخارجيَّة، أو يبدي حتى مجرَّد الرغبة في الاستفادة من خبراتهم!
السفير جمال محمد ابراهيم تعجَّب من تحوُّل الأمر إلى مشكلة نبحث، بآخرة، عن علاج لها، مع أن مستوى الإنجليزيَّة، في نفس الوزارة، قبل عشرات السنوات، أجبر باحثاً مرموقاً كبارستون على التنويه به، في كتابه (الدبلوماسيَّة الحديثة)، الصادر عام 1988م، حيث ضمَّن فصل (التفاوض بالخطابات)، والذي خصَّصه لأبلغ المذكرات التي جرى تداولها بالإنجليزيَّة في أروقة الأمم المتحدة، مذكرة المرحوم عبد الرحمن عبد الله، مندوب السودان الدائم لدى المنظمة الدوليَّة، عام 1981م، إلى رئيس مجلس الأمن، حول النزاع السوداني الليبي التشادي آنذاك.
إلتقط السفير أحمد عبد الوهاب طرف هذا الخيط، ليقطع بأن ثمَّة مشكلة تواصل بين الأجيال. وخلص إلى أنه لا بُدَّ من مخاطبة ذهنيَّة الجيل الجديد؛ لكن لا بُدَّ، أوَّلاً، من إصلاح مناهج التعليم للإرتقاء بمعارف هذا الجيل. فما يسمِّيه مكي مشكلة الجيل الجديد من الدبلوماسيين هو، في الواقع، جزء من مشكلة الجيل الجديد كله، بسبب التدهور الذي لحق بالعمليَّة التعليميَّة بأسرها. والأدهى أن هذا الجيل لا يكاد يعي أنه يعاني من مشكلة، بل وربَّما يعتقد أن أمثالنا مِمَّن يتحدثون عن مشكلة لديه هم الذين يعانون، بالأحرى، من مشكلة!
إتفق السفير حسن جاد كريم مع هذا الرأي، مشدِّداً على أن ما لحق بكوادرنا المهنيَّة من ضعف في اللغات، سواء في الخارجيَّة أم في غيرها، يضعف من فرصنا في المشاركات الخارجيَّة، ويفوِّت علينا فرصاً ثمينة للاستفادة، مثلاً، من منح المانحين، أو المنافسة على الوظائف في المنظمات الإقليميَّة والدوليَّة!
تعضيداً لهذه الحقيقة الأليمة، ومن واقع خبرته كسفير سابق للسودان بزامبيا، وممثل له لدى الكوميسا، روى السفير صلاح محمد علي أن رئيساً لأحد وفودنا فوَّت على بلادنا، ذات مؤتمر للكوميسا، مكاسب كبيرة كان يمكن حصدها، وما ذلك إلا لضعف إلمامه بالإنجليزيَّة، حيث كان هو في وادٍ، والمؤتمر في وادٍ آخر!
تفاعل السفير الوزير مصطفى مدني مع الاتجاه العام في المناقشة، مضيفاً أنه لا بُدَّ من حفز الناشئة للسعي إلى التعلم؛ فالأجيال التي عاصرت الحركة الوطنيَّة كان لديها توق للمشاركة، ولذا كان لديها حماس للتعلم، بالإضافة إلى ما أتيح لها من فرص التدريب الشاق.
أما السفير عوض محمد الحسن فقد فجَّر، في نهاية المناقشة، عاصفة من ضحك كالبكا، حين لامس حواف المسكوت عنه، بمخاطبته للمناقشين، مستخدماً بعض مجازات مكي الشهيرة، بقوله:
"أراكم تطرَّقتم إلى بعض (الأفيال) و(الظلال)؛ لكنكم، على حين طعنتم (ظلالاً) كثيرة، لم تطعنوا (فيلاً) واحداً"!
الثلاثاء
نعيد القول، ولا نفتر، بأن مطموسي البصائر، مستلبي العقول، مغسولي الأدمغة، مِن (القنابليين) الذين يتوهَّمون الإحسان للإسلام بما صاغت الانكسارات الاجتماعيَّة ذهنيَّاتهم ووجدانهم على سلاسة الاستقبال لثقافة العنف، والاسترخاص لكرامة الآخر، وإشاعة مزاج الكراهيَّة، والإقصاء، وتعكير الحياة، وإشعال الفتن، وشرح الصدور بوسواس الإرهاب، والقتل، والتدمير، والإهلاك، إنما يتحرَّكون، في الواقع، بدفع الأثر (التحريضي) الخطير ل (الفتاوى) السلفيَّة المتطرِّفة التي لا توفر سبيلاً لانتحال كلمة الله في مطلق عليائه، بينما هي، في حقيقة أمرها، مجرَّد تعبير عن مواقف سياسيَّة بشريَّة مدخولة بما لا حصر له من غمائم الذهنيَّة الشاذة، وتشوُّهات التركيبة النفسيَّة المنحرفة!
أوجب واجبات الدولة في العالم الإسلامي أن تنأى بنفسها عن مَواطن الاشتباه في كونها (الحبر الأعظم) ل (التحريض) على (التطرُّف)، وأن تعير ما يصدر مِن مضخَّات الاستنارة والوسطيَّة أذناً صاغية، وأن تعي خطورة الإغواء بوهم الاستفادة من (المتطرِّفين) في مناوئة خصومها السياسيين؛ فإن (درس السادات) الأساسي هو أن أسلحة هؤلاء قد تستدير، يوماً، إلى صدرها هي نفسها .. ولاتَ ساعة مندم!
الأربعاء
إستغرب الكثيرون من رقة استقبال القذافي لضيفته التي لم يكن يخفي إعجابه بها، بحسب وكالة AFP، كوندليزا رايس، وزيرة الخارجيَّة الأمريكيَّة السابقة، أو " ليزا .. صديقتي الأفريقيَّة السوداء"، كما كان يناديها، وذلك لدى زيارتها لطرابلس في 5/9/08، حيث أهداها آلة موسيقيَّة، وخاتماً من الماس، وقلادة حفرت عليها صورته، كما أهدى شون ماكورماك، الناطق باسمها، ساعة سويسريَّة مزيَّنة، أيضاً، برسمه، وما إلى ذلك من تفاصيل كشف عنها تقرير الخارجيَّة الأمريكيَّة الذي نشرته الجريدة الرسميَّة، والذي حدَّد إجمالي قيمة تلك الهدايا بمبلغ 225.212 دولاراً.
مبعث الاستغراب، هنا، أن "ليزا" هذه ليست، فقط، "صديقتي الأفريقيَّة السوداء"، بل هي أحد أشرس صقور المحافظين الجُدُد، ومن أعتى أعمدة شركة (شيفرون) التي أطلقت إسمها، حتى قبل تقلدها منصبي مستشارة الأمن القومي، ثمَّ الخارجيَّة، على واحدة من أضخم ناقلات النفط التي تملكها، تقديراً لخدماتها (الجليلة!) لها، وما أدراك ما خدمات "ليزا" ل (شيفرون)! فبأيِّ تلك الآلاء يبذل محرِّر العرب، وموحِّد الأفارقة، وزعيم ثوَّار العالم، كلَّ تلك الرِّقة في استقبالها، هي وتابعها ماكورماك، وتكريمهما، كلَّ ذلك التكريم، من حُرِّ مال الشعب الليبي؟!
مهما يكن من أمر، فقد حلت لعنة الله والشعب الأمريكي على بوش الإبن وطاقمه، وضمنه "ليزا" التي غادرت البيت الأبيض، غير مأسوف على شبابها، عقب الزيارة بأشهر قلائل، ولكن .. بعد أن سلمت البيت الأبيض كلَّ هدايا القذافي الفاخرة، لتدخل في أملاك الدولة التي يحظر قانونها على ممثليها قبول أدنى هديَّة، بصفة شخصيَّة، من دولة أجنبيَّة!
غير أن مبعث الاستغراب الأوخم، بل الغضب والاستهجان المستحقين، دون أدنى ريب، هو معاملة القذافي، بعد مرور أقلِّ من عام على ذلك، للأمَّة السودانيَّة جمعاء، ممثلة في الفريق أوَّل سلفاكير ميارديت، النائب الأوَّل لرئيس الجمهوريَّة، ورئيس حكومة الجنوب، ورئيس الحركة الشعبيَّة لتحرير السودان، خلال زيارته، هو الآخر، لطرابلس أواخر يونيو الماضي. فقد كشف سلفا للمصلين في كتدرائيَّة سانت تريزا الكاثوليكيَّة بجوبا أن القذافي اتصل به أثناء الزيارة، في الثالثة صباحاً (!) ليؤكد له (مساندة!) ليبيا لجنوب السودان إذا ما قرَّر، في استفتاء 2011م، (الانفصال!) عن شماله، و .. "إذا أراد الجنوبيون أن يقترعوا على الاستقلال فينبغي ألا يخشوا أحداً، و(سأقف!) إلى جانبهم .. لقد كان من (الخطأ!) الإبقاء على الجنوب موحَّداً مع الشمال بعد عام 1956م .. كان (ينبغي!) أن (ينفصل!)، إما كدولة مستقلة أو ينضمَّ إلى دولة أخرى في شرق أفريقيا!"، ووعد بإرسال (خبراء ليبيين!) إلى جنوب السودان "للمساعدة في إعادة إعمار البنية التحتيَّة وفي الزراعة!" (الأحداث، 1/7/09). وكفى بذلك (تحريضاً) على تفكيك بنية وطنيَّة قائمة!
فإذا كانت هذه عيِّنة مِمَّا يضمر القذافي من وراء (حكومة الولايات المتحدة الأفريقيَّة) التي ما ينفكُّ يدفع باتجاهها، ولم يسلم بها الأفارقة بعد، فكيف يكون الحال إنْ سلموا، وقامت، وتسنم رئاستها؟! وإذا كان لا يقيم اعتباراً لما تواضعنا عليه، نحن أصحاب الشأن، من إلزام لأنفسنا بالعمل من أجل أن تجئ نتيجة الاستفتاء في صالح (الوحدة)، كقدس أقداس سيادتنا الوطنيَّة، فما الذي يجبرنا على الصمت إزاء ترهاته، مهما كان حجم التعقيدات الجيوبوليتيكيَّة، وعدم الرَّدِّ عليها ولو بطلب توضيح بالطرق الدبلوماسيَّة؟! لماذا نقبل على أنفسنا أن ننتظر حتى تتجرَّأ (السفارة) الليبيَّة في الخرطوم بإصدار بيان (تكذب!) فيه، علناً، تصريحات النائب الأوَّل لرئيس الدولة (الصحافة، 3/7/09)؟! أفلو حدث هذا في أيَّة دولة أخرى، أما كانت، على الأقل، ستستدعي سفيرها من طرابلس، كإيماءة غضب مشروع، هذا إذا لم تسحبه، أو تأمر بطرد السفير الليبي جزاءً وفاقاً على التطاول الفظ، وقلة الحياء المُهينة؟! و .. هل تقبل السيادة والكرامة الوطنيَّة القسمة على اثنين؟!
لكن، بصرف النظر عن هذه الأسئلة المشروعة، وما قد يرد عليها من إجابات، فقد حقَّ للمشفقين على (الوحدة) أن يتساءلوا، أيضاً، عن مغزى كشف سلفا للواقعة؛ هل أراد أن يطمئن الانفصاليين الجنوبيين بأن ثمَّة قوى ستدعم خيارهم؟! أم، تراه، أراد فضح القوى التي تتربَّص الدوائر ب (وحدة) البلاد وسلامة أراضيها؟!
لقد ظلت كفتا هذين السؤالين تتأرجحان بالتكافؤ، طوال الأسبوع الذي أعقب تصريحات النائب الأوَّل، وإلى أن ابتدر زيارة غير مسبوقة لبعض ولايات الشمال، بدأها، في 7/7/09، بولاية جنوب كردفان، حيث خاطب المواطنين بميدان الحريَّة في كادوقلي، محذراً من "الأصوات الداعية للفتنة وهدم السلام .. باعتبارها لم تحارب ولم تجرِّب مرارة الحرب ومعاناتها"، ومجدِّداً "حرصه على وحدة السودان كخيار أوَّل للحركة الشعبيَّة"، داعياً الجنوبيين "لتغليب هذا الخيار في صناديق الاستفتاء"، ومطالباً الجميع "بالجِّدِّ والاجتهاد لجعل الوحدة جاذبة بتقديم أفضل الخدمات، وتنفيذ مشروعات التنمية بالجنوب" (الأحداث، 8/7/09). وإلى ذلك فند سلفا "الاعتقاد السائد بأن الجنوبيين سيصوِّتون للانفصال"!
وكم كانت لافتة، في السياق، ملاحظته الناقدة ل "عدم وجود علم السودان في الاحتفال"، بينما كانت عربته المكشوفة تشق الحشود التي اصطفت تحييه على طول الطريق من مطار المدينة إلى ميدان الحريَّة (الأخبار، 8/7/09).
وفي زيارته إلى أبيي، أيضاً، بتاريخ 9/7/09، دمغ سلفا أولئك الذين "يتهمون الحركة بالانفصاليَّة" بأنهم مجرَّد "انتهازيين" (الأحداث، 10/7/09)؛ ونادى ب "تفويت الفرصة على دعاة الانفصال الجُدُد، وعديمي المبادئ الذين يحلون أينما حلت مصالحهم"، محذراً من "اتباعهم في الانتخابات"، ومطالباً جماهير أبيي ب "العمل لترسيخ التعايش بين المسيريَّة والدينكا كما في الماضي" (الصحافة، 10/7/09).
توقيت الزيارة، وخطاباتها الأساسيَّة، قطعت الشكَّ باليقين، وجاءت ردَّاً شافياً على من يتوهَّمون أن الجنوبيين، أجمعهم، انفصاليون، ونزلت برداً وسلاماً على الوحدويين، في الشمال والجنوب، الذين ينبغي أن تبقى عيونهم مفتوحة، ليس، فقط، على انفصاليِّي الداخل، بل وعلى من يدَّعون صداقة بلادنا، بينما هم يدسُّون لها الخناجر تحت المعاطف!
الخميس
مساء الثلاثاء 7/7/09، وعلى مدى ساعات ثلاث، ظلَّ الملايين مشدودين إلى شاشات التلفزيون، يتابعون حفل تأبين مايكل جاكسون، أحد أعظم الموسيقيين في التاريخ الإنساني، والذي رحل في 25/6/09، بعد صراع مرير مع المرض؛ وقد وصف لاري كنج الحفل بأنه، على كثرة ما حضر من نظائره، لم يشهد أروع منه قط!
في كلمتها كشفت السيناتور جاكسون لي، عن ولاية تكساس، أنه ما من مرَّة لجأوا فيها إلى مايكل لدعم مشروع خيري إلا واستجاب بأكثر من المتوقع! لذا فإن الكونغرس بصدد مناقشة مشروع قرار مقدَّم منها بأن يُعتبر مايكل رجل مهمِّات إنسانيَّة عالميَّة، ورائداً عالمياً في مجال مكافحة الجوع والمرض، وأن يُحتفى بمساهماته في حقول الفنون والموسيقى، والأمن الغذائي، والتطوُّر العلمي باتجاه علاج الإيدز. أما آل شاربتون، رجل الدين وحقوق الإنسان الأمريكي المعروف، فقد احتفى بفضل مايكل على مجتمعه، قائلاً إنه: "ارتقى بمشاعر الناس إلى المستوى الذي تحطمت فيه كلُّ الحواجز العنصريَّة، حتى لقد أضحى من الممكن أن يترأس البيت الأبيض رجل ملون"!
ولد مايكل في غاري بإنديانا في 29/8/1958م، لأسرة من الطبقة الوسطى، وكان ترتيبه الثامن بين أشقائه. ولعلَّ من مصادفات الفأل الطيِّب أن ميلاده قد تزامن مع ولادة موسيقى البوب سول (Pop - Soul)، كثمرة للمزاوجة بين أسلوب (الإيقاع + البلوز)، أو ما يُعرف بال (R & B)، اختصاراً لل (Rhythm & Blues)، وبين أسلوب ال (بوب) التقليدي. وعندما بلغ الخامسة كان إخوته جيرمين وجاكي وتيتو يقدمون عروضاً غنائيَّة في المدينة. وبانضمامه إليهم عام 1963م، هو وشقيقه مارلون، بزغ نجم فرقة (خماسي جاكسون Jackson Five) الشهيرة. وما لبث مايكل أن صار، عام 1967م، مغني الفرقة الأساسي. وعندما غنوا Who is Loving You لسموكي روبنسون، عام 1969م، جاء أداء مايكل فيها مذهلاً، وعمره لم يكن قد تجاوز 11 سنة، إلى الحدِّ الذي دفع روبنسون نفسه لأن يطلب من والد مايكل إطلاعه على شهادة ميلاده، إذ لم يصدِّق أن طفلاً في عمره يمكن أن يؤدِّي، بمثل ذلك الاقتدار، تلك الأغنية التي تحتاج، في رأيه، إلى مغنٍّ بذاكرة عاطفيَّة شديدة القوَّة والثراء.
وفي عام 1971م أطلق مايكل أغنيةGot To Be There، كأول اغنية فردية له، فحلت المراتب الخمس الأولى. وكانت تلك هي نقطة انطلاقه بمنأى عن الفرقة. لكن ستيف هولدن يؤرخ، في النيويورك تايمز، في 21/10/1979م، لانطلاقة مايكل الحقيقيَّة على طريق الغناء الفردي بألبوم Off the Wall عام 1979م، والذي اعتبر، وقتها، أفضل إنتاج في مجال البوب سول.
وفي 1982م أطلق مايكل ألبومه Thriller الذي اعتبره النقاد مستحقاً لأن يقدَّر بأكثر من مجرد كونه (الألبوم الأكثر نجاحاً في تاريخ الموسيقى)، حيث بيعت منه 100 مليون نسخة، وعدَّه جون روكويل، في النيويورك تايمز بتاريخ 19/12/1982م، مؤشرا إيجابياً على قرب تداعي الحاجز الثقافي بين موسيقى السود وموسيقى البيض، وبالتالي بين السود والبيض أنفسهم!
بذلك المجد دخل مايكل عقد الثمانينات، وما بعدها، منطلقاً على طريق إنجازاته الضخمة المتلاحقة. وفي الأثناء ابتدع رقصته الشهيرة (مشية القمر) ، والتي تنساب خلالها قدماه برشاقة وإعجاز، فلكأنه قمر يتهادى خلف السُّحب! لذا، ما أن صدر أوَّل أفلامه على أشرطة الفيديو بعنوان (المتهادي كما القمر Moonwalker)، عام 1988م، حتى أصبح ثاني أكثر أفلام الفيديو مبيعاً في التاريخ.
لقد اشتهر مايكل بفرادة إيقاعاته، وأصالة جمله اللحنيَّة، وجمال رقصاته المعقدة والعصيَّة على التقليد، فضلاً عن كونه أوَّل من أطلق الأغنيات المصوَّرة القصيرة (الفيديو كليب)، بديلاً لما كانت تنتجه هوليوود من أفلام موسيقيَّة طويلة.
لم تقتصر أمجاد مايكل على ما حقق في مجال الغناء والموسيقى والرقص، ولو كان فعل لما لامه أحد، لكن طاقات الخير في دواخله اتسعت لتشمل مختلف وجوه العمل الإنساني في أكثر صوره إلحاحاً. من ذلك أنه، في 1984م، تبرع ب 19 وحدة سريرية متكاملة لمستشفى في نيويورك، كي تصبح جزءاً من كبريات مراكز أبحاث السرطان في أمريكا. وفي نفس العام أدخل المستشفى، إثر تعرضه لحروق في رأسه أثناء تصويره أحد الإعلانات، فأقدم، بعد أن شفي، على التبرُّع بكل ما حصُل عليه، وقدره مليون ونصف المليون دولار، لذات المستشفى، كي يُخصَّص لعلاج الأطفال من الحروق. وفي 1985م، وبمبادرة شخصيَّة منه، كتب، مع ليونيل ريتشي، وغنى، مع 44 آخرين من ألمع نجوم الموسيقى العالميين، الأغنية الأشهر We are the world، والتي خُصِّصت كلُّ عائداتها لمكافحة المجاعة في أفريقيا. وفي 1989م تبرع بكلِّ عائدات حفلاته في لوس انجلوس ل Child help USA، وهي أضخم منظمة خيريَّة للحدِّ من إساءة معاملة الأطفال في شتى أنحاء العالم. وفي 1992م، وخلال 11 يوماً، طاف على مساحة 30 ألف ميل في أفريقيا، كي يزور ويتبرَّع للعديد من المستشفيات، والمدارس، والملاجىء، ودور الأيتام، والمصحات العقليَّة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
لذلك كله، وللكثير غيره، حقَّ لموسوعة جينيس للأرقام القياسيَّة أن تلقب مايكل بنجم البوب الأكثر تبرعاً للمنظمات الخيريَّة في التاريخ، حيث يُقدر مجموع تبرعاته بأكثر من 50 مليون دولار، ذهب أكثرها لمكافحة الفقر والمرض والجوع في أفريقيا، علاوة على نبذ العنصرية، ودعم التعليم في بلدان العالم الثالث. وهذا، بالتحديد، ما يجدر بالشباب الشغوفين بفنه العظيم ألا يجهلوه أيضاً.
الجمعة
قانون الانتخابات القوميَّة لسنة 2008م يجرِّم استعمال أيِّ حزب أو مرشح لأيٍّ من "إمكانات الدولة، أو موارد القطاع العام الماديَّة أو البشريَّة" في أيَّة حملة انتخابيَّة؛ كما ويعاقب على هذا الفعل بالسجن مدَّة قد تبلغ سنتين، أو بالغرامة، أو بالعقوبتين معاً.
لقد لاحظنا، مثلاً، في رزنامة 21/4/08 بصحيفة (أجراس الحريَّة)، وبالاستناد إلى ما كانت نشرت صحيفة (السوداني) بتاريخ 12/4/08، أن الحزب الحاكم قد (استعمل)، آنذاك، (إمكانات الدولة)، ممثلة في وفد من شخصيات دستوريَّة وتنفيذيَّة رفيعة، بقيادة نائب رئيس الجمهوريَّة نفسه، وعضويَّة 4 وزراء، فضلاً عن أمين ديوان الزكاة، ومفوَّض قسمة الموارد، ومدير الهيئة العامَّة للكهرباء، في طواف بولاية نهر النيل، افتتحت خلاله، فجأة، قرابة العشرة مشروعات جديدة، موَّل بعضها ديوان الزكاة، وبعضها الآخر بنك السودان بلا ضمانات مصرفيَّة! ورأى المراقبون في ذلك مسعيً للكسب السياسي في حملة انتخابيَّة استباقيَّة، بحيث يتمُّ إعفاء المديونيَّة، لاحقاً، حال انحياز الشخص المُمَوَّل إلى المؤتمر الوطني، بينما يُشدَّد على الآخرين للسداد في الموعد المحدَّد! وتأكيداً لذلك التحليل عالج الوفد عدداً كبيراً من الحالات الفئويَّة والفرديَّة! وعقد ثلاث ليال سياسيَّة، في الدامر وبربر وعطبرة، تمَّ نقلها بتلفزيون الدولة وإذاعة الدولة! وطالب نائب الرئيس الجماهير بالثبات على بيعتها للرئيس! وقال، كأنما العقل الباطن هو الذي يقول: "لا تحسبوا هذا مشروعاً للمتاجرة السياسيَّة .. نحن عندما نتكلم عن مشروع إسلامي نعلم أنه مقيَّد بالأخلاق"!
ولاحظنا كذلك، بالاستناد إلى ما كانت نشرت، أيضاً، جريدة الصحافة في ذات التاريخ، أن الحزب الحاكم استخدم، في طواف مماثل بأنحاء ولاية البحر الأحمر، 150 شخصيَّة دستوريَّة وتنفيذيَّة بقيادة الوالي نفسه، على متون 30 سيَّارة حكوميَّة من أجود الموديلات! ضمَّ الوفد وزير صحة الولاية الذي تعهَّد بمجانيَّة العلاج والقضاء على الملاريا! ومدير هيئة مياهها الذي أطنب في تعداد مآثر حكومته، ما قد كان وما سيكون!
ومعتمد محليَّة عقيق الذي مدح حكومة حزبه وشتم الأحزاب الأخرى! فضلاً عن مستشار الوالي الذي كشف، علناً، وبلا أدنى مواربة، عن الغرض من ذلك الطواف، قائلاً: "أتينا إليكم بغرض ترشيح الوالي .. وهو مرشح المؤتمر الوطني للمرحلة القادمة"! وبعد هذا كله لم يجد مدير المياه حرجاً في نفسه ليقول: "نحن لا نريد أكثر من الدعوات الصالحات ولا نعشم في السلطة"!
كان أقصى ما جال بعقولنا، إزاء ذينك المثالين، هو أن المؤتمر الوطني قد استثمر فترة (الفوات) ما بين تمرير القانون في المفوَّضيَّة، وبين اكتمال تشريعه في البرلمان ورئاسة الجمهوريَّة، أي فترة ما قبل سريانه، لأغراض ممارسة تلك الأنشطة (الانتخابيَّة) البحتة، مستغلاً إمكانات الدولة ومعيناتها. ولم يخطر ببالنا، قط، رغم علمنا بصعوبة فطامه من صنوف الأنشطة هذه، أنه قد يتمادى فيها حتى خلال الفترة اللاحقة لوضع القانون موضع التطبيق. ولكن ها هي الممارسة العمليَّة تكذب توقعاتنا يومياً، ولا يحتاج منا إدراك ذلك لأكثر من أن ننظر حولنا بقليل من الانتباه، بل وقد تبلغ من الأشكال الصارخة مبلغاً لا يتورَّع معه السيِّد أحمد المجذوب، والي نهر النيل، من التعهُّد، في لقاء جماهيري بمنطقة الفداء (كحيلة شرق)، بمناسبة زيارة رئيس الجمهوريَّة للولاية، قائلاً بالحرف الواحد: "إن محليَّة أبو حمد سلمتنا صناديقها الخاصَّة بالرئيس بنسبة 100%، وإننا نزمع رفعها إلى 200%" (الأخبار، 18/6/09).
من المتوقع، بطبيعة الحال، إنْ سارت الأمور على هذه الوتيرة، أن تتصاعد حُمَّى هذه الأنشطة، كلما اقترب موعد الانتخابات، من خلال (العمل السياسي) للمؤتمر الوطني، حتف أنف (القانون)! فمن يعوِّل على (القانون) وحده لمجابهتها (واطاتو صِبْحَتْ)! ذلك أن (القانون) إنما يتأسَّس على (القاعدة الحقوقيَّة) العامَّة، وهي مطلقة، بينما يتأسَّس (العمل السياسي) على (ميزان القوَّة)، وهو نسبي يتمظهر على الأرض بقدر كسب هذا الطرف أو ذاك؛ فما العمل؟!
السبت
رغم رسوخ إيماننا بأن الموت حقٌّ، بل إنه، للمفارقة، الحقيقة الوحيدة المطلقة في هذه الحياة، ورغم عمق يقيننا بأن من عاش ما عاش إلا ليموت، وأن المنيَّة آتية لا ريب فيها، طال الزَّمن أم قصُر، وفي ساعة لا تتقدَّم عنها ولا تتأخر، إلا أن فقد الأحبَّاء ما ينفكُّ، مع ذلك، وللغرابة، ولحكمة يعلمها عالم الغيب والشهادة وحده، يزلزل، المرَّة تلو المرَّة، أركان هذه النفس البشريَّة المُستكِنَّة، دائماً، في هشاشة صلصالها الكتيم، المفطورة، جبلة، من طينة جزعها القديم، الرازحة، أبداً، في قيود ضعفها المقيم .. ولا قوَّة إلا بالله.
هكذا شقَّ عليَّ، ونزل نزول الصاعقة، نبأ وفاة صديقي الحبيب حسن النور عثمان الذي سيحمل طائر الليل جثمانه، اليوم، من جوهانسبيرج "وما تدري نفس بأيِّ أرض تموت"، وسنمشي خلف جنازته، صباح غدٍ، إن قيَّض الله لنا أن نحيا إلى صباح الغد، كي نشيِّعه إلى مثواه الأخير بمقابر أحمد شرفي بأم درمان.
رحم الله حبيبنا حسناً، وجزاه عن الإحسان إحساناً، وعن الإساءة عفواً وغفراناً، وجعل قبره روضة من رياض الجنة، وغرس البركة في ذريَّته، وفي أرملته، وفي شقيقه أحمد، وفي أهله أجمعين؛ اللهمَّ إنا نتضرَّع إليك أن تكرم نزله، وتؤنس وحشته، وتيمِّن كتابه، وتيسِّر حسابه، وتثقل بالحسنات ميزانه، وتثبت علي الصراط أقدامه، وتجعله في مراقد الأقربين إليك مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الأحد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.