torshain Adam [[email protected]] هذه مقالة كتبت من وحي قراءة كتاب فرض نفسه. تولدت الكلمات عن شعور دفين وكامن لا يتزحزح، ومرد ذلك الواقع الذي يعيش فيه أهل السودان. فصرير الأقلام ربما يكزن أقوى من دوي المدافع. فالقلم به تصاب الكلي والمفاصل من الأمور. ورب كلمة صادقة أصابت وكان لها أثر أكبر من وقع السهام والنبال. الهدف من هذه العبارات تقديم النصح، وإقامة الدليل على كل فرد أو جماعة تخلى وتخلت عن مبادئها، مع الركون إلى الظالمين. دروس التاريخ تعلم الناس إنّ الممدوح مسبوب يوماً، والمسبوب ممدوح يوماً آخر. وسنّة الحياة هي أن الأيام دول بين النّاس. ولا بد من الاستقامة للفوز بالنجاة. وليعلم الناس أن الثورة لا تعني سوى اقتحام الأخطار، وأنه لا توجد ثورة بلا متاعب، ولا يوجد نصر بلا تضحيات في وقت يفر فيه ذوي المصالح فرار العبيد. وليعلموا أيضاً أن البطولة التي يبحث عنها البعض ليست شعاراً يرفع، وإنما مواقف يصنعها الإنسان بنفسه. فحين تدلهم الخطوب، يجد البطل نفسه يقوم بالدور، بأريحية ورباطة جأش، تعتريه السكينة، غير خائف ولا وجل، مقدم مقبل لا يلتفت وراءه. وليعلم الناس في - زمن الاعوجاج- أن الثورة في سبيل قيمة ما، لا يحسب الإنسان فيها سوى حساب القيمة، فمنطق حساب الربح والخسارة، النصر أو الهزيمة، هو منطق المنتفعين والباحثين عن المصالح الدنيوية. وليعلم خاصّة النّاس أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان أجلاً ولا يقطعان رزقاً. وأن ركوب سكة الخطر، لهي حالة تفرض على الإنسان خوضها بحرية الاختيار، طائعاً لا مكرهاً. والإنسان العاقل لا يخوض معركة لم يختر زمانها أو مكانها. وقد خاض المسلمون ثلاث معارك ضارية، فالمعركة الأولى كانت مع الكفر بدأت مع نزول الرسالة، والثانية معركة الإسلام مع تحريف الدين لمصلحة السلطان، والمعركة الثالثة معركة الإسلام مع التزييف. واليوم يواجه حملة مشعل لواء الإصلاح ثلاث جبهات لمواجهة المزيفين والمحرفين والخارجين في صعيد واحد. الإنسان قد يكون واثقاً من النصر فيقدم على المجابهة مع الباطل، وهذه معركة التجار، لا معركة الثوار. فالذي يقاتل وفق مبادئه وقيمه منتصر لا محالة، وأما الميكيافيليون فهم خاسئون، وان لا مست أنفوهم الثريا. الانتصار لا يعني الحصول على الكرسيّ، أو المشاركة في الحكم، أو دك حصون الأعداء، فأسمي معنى للانتصار قد يكون بالموت وبالشهادة، وقد يكون بتحقيق المراد وفق منهج الله، ولرب هزيمة يراها الناس، ولكنها تحمل طعم النصر، ورب نصر مزيف هو الهزيمة بعينها. وفي ظل واقع مثل هذا، علينا أن نكشف فرعون زماننا وهامانه، وزياده، وحجاجه، ونمروذه، وبلاعمه، وقابيله وطواغيته ما أكثرهم!. وواجبنا لا يقتصر عن كشف من هم خلفاء ابليس في هذا الزمان، بل أعوانهم الذين يزينون لهم الباطل فيلبسونه لباس الحق في مختلف المجالات. وواجبنا الأول هو أن نكشف زيف أباليس هذا الزمان وأعوانهم. فبيننا قارونيون يخرجون علينا في زينة، يراهم من يراهم ولسان حاله يقول: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون! يدرك العقلاء أن الله قد سن سنناً وقوانين كونية، وكأن هؤلاء يريدون من الله أن يغير سننه ونواميس الكون التي لا تفرق بين حجر وشجر وبقر وإنسان. فهي تسري على الكل دونما استثناء. فملل الكفر ونحله عرفت السنن الكونية فأنكبت على المادة وسخرتها لرفاهية الشعوب المادية. فهي وان حققت ذلك، فقد أفقدت رفاهية الروح التي تعد الأهم. تذكرنا كتب التاريخ أن معاوية أقام مجلساً وجاء بكل أهل الحل والعقد فيه، ووقف الخطيب، والى جنبه الجلاد وقال للناس: هذا أمير المؤمنين(معاوية) فان مات، فهذا(يزيد) ومن أبى فهذا(الجلاد). وكان ما كان، وما يزال الناس في بلاد العالم الاسلامي يسيرون على ذات النهج. ولكن للناس معادن. منهم أخيار ومنهم الأراذل. منهم صاحب المبادئ، ومنهم المتسلق الذي يجري وراء ركاب السلطة. ففي كل عصر ومصر هنالك طلاب السلطة وهنالك كلابها التي هي للحراسة. فمن بين الناس من أتاح الله لهم دراسة الطبائع البشرية، ومعرفة تأثيرات السلطة أو المال على الشخصية. فهم أدرى بخبايا النفوس، وسبروا غورها، وهم يتمتعون بفراسة المؤمن الذي ينظر بنور الله. والاعوجاج لا يقف أمامه سوى هؤلاء لمنازلة أهله. فقد قيل أن الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء. ولقد قال الحسين، وهو صاحب قضية: "أني لم اخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي". فنحن نحتاج إلى حسينيون يقومون الاعوجاج الذي ظهر في البر والبحر والجو بما كسبت أيدي الناس. فأهل السلطان يتلذذون في زماننا وعروض المسلمات تنتهك، فلخلل في التفكير، وطمس في البصيرة قد أصابهم، ولفقدانهم الصدق مع الله، انخذلوا! ومع ذلك فهم يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا. لا تعنيهم المبادئ إن وجدت في الأصل، وإنما يهمهم النظام وما يترتب عليه من مصالح. لقد كان العباس في معركة عاشوراء يطلب الماء للأطفال، وكان الأنذال يطلبون البيعة للنظام الذي يترأسه يزيد. وهو ذات الموقف الذي تقفه زبانية الأنظمة العربية اليوم، لا سيما في ظل ثورات الرّبيع العربيّ. لكل بداية نهاية، وها هي الروايات التاريخية تذكر انه لم تتم ست سنوات حتى كان قتلة الإمام الحسين مقيدين في الأصفاد يتلقون جزاءهم العادل، على أيدي الثائرين. فالعدالة تتحقق وأن طال الزمن لا محالة. فلا فرار من القدر المسطور. فالآمال العريضة التي تبني على الوهم و تزيين المتملقين مجرد سراب بقيعة. وتبقى كياسة المؤمن، وفطنة اللبيب، ودهاء العاقل، وتقوى المؤمن، وصدق التوجه، وشجاعة صاحب المبدأ، وثورة الحكيم، والله متم نوره، ولو كره اليزيديون، وفرعونهم وقارونهم معهم. فلخلل في التفكير يظن كثيرون أن من مقومات السيطرة على الحكم المال والسلطان. فالأنبياء والرسل لم يبعثوا بجنود مرسلة ولكن تتنزل عليهم الملائكة وفق المشيئة، والرسل ما عهد الناس أن منهم صاحب مال. فرسالة هؤلاء تكمن في الكلمة الطيبة، والقول الحسن، والبلاغ المبين، والوعظ والتذكير. والطغاة دوماً لا يطيقون سماع كلمة الحق، لأنها ثقيلة عليهم، فالسارق يهرب من كلمة سارق، والكذاب كذلك، والظالم والغاصب والمعتدي، وكل واحد من هؤلاء يعرف نفسه وحقيقته. وعند مواجهته يستحوذ الرعب عليه فيخشى الناس، لا يجد بداً من تضييق الخناق عليهم، قتلاً وسحلا وتشريدا....الخ. ومع ذلك تظل سنن الله نافذة. وكل سلطان ظلوم زائل على الرغم من تسخير الاقتصاديات في المجتمع المسلم، لتجنيد الجنود، وشراء الأسلحة، ورفاهية أهل السلطة. يأخذ هؤلاء من بيت المال ما يشاءون، تبنى لهم الناطحات، يشترون الفارهات، ويتزوجون الغانيات مثنى وثلاث ورباع، وتظل المباني قائمة في ظل غياب المعاني. . وفي زماننا ما كان للثورات العربية اليوم أن تقوم لو كان بين الحكام العرب من يقتدي بسعيد بن عامر. فالثورات قد قامت لغياب العدالة، في ظل استضعاف الشعوب. وشتان ما بين سير أصحاب الرسالة وحملة لواء الإصلاح، وبين هؤلاء. حيث تشير كتب السيرة أن عمر بن الخطاب طلب من وفد أهل حمص كتابة أسماء فقراءهم ليعطيهم من مال المسلمين. وقد كتبوا أسماء الفقراء، ومنهم واليهم سعيد بن عامر. فلما علم عمر بكى. وأرسل عمر ألف دينار في صرة لسعيد بن عامر. فلما بلغته: قال إنا لله وانأ إليه راجعون. وكأن مصيبة قد أصابته. فسألته زوجه: ما الأمر؟ هل توفي أمير المؤمنين؟ قال أعظم من ذلك، دخلت علي الدنيا لتفسد آخرتي. فأمرته بالتخلص من الدنانير فتصدق بها للمساكين. وسعيد هو الذي شكا أهل حمص من ثلاث فقط خصال، بعد ثناء عاطر عليه، هي: انه لا يخرج إلى الناس حتى يرتفع النهار. ولا يخرج ليلاً. وله يوم في الشهر لا يخرج إليهم. وتلجمنا الدهشة حين يجيب والي حمص سعيد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، بأن ليس لأهله خادم، فيعجن مع أهله عجينهم، ثم ينتظر حتى يختمر، فيخبزه لهم، ثم يتوضأ ويخرج، وانه قد جعل النهار لهم والليل لعبادة ربه، وانه ليس له ثياب، ولا خادم يغسل، فيغسل ثيابه بنفسه وينتظرها لتجف. فقال عمر: الحمد لله الذي لم يخيب ظني بك. فشتان ما بين سيرة وسيرة.