العام الهجرى 1433 مر كالبرق دون أن يمهلنا الزمن أن نتوقف هنيهة عند محطة (المحاسبة) لكي نتحاسب مع أنفسنا، والزمن محسوب علينا كلنا دون تمييز، وهو أنفس من الذهب، لكننا في هذا الزمان أهدرناه وبعناه بثمن بخس وكنا فيه من الزاهدين، رغم أنه هو العامل الفعال في ترجيح كفة الميزان، الذي يؤثر على الأعمال الصالحة. عموما دعنا نتأمل دلالات الهجرة التي كانت بمثابة نقطة تحول في تاريخ الدعوة المحمدية، لقد قوبل الدين الجديد، شأنه شأن كل رسالة سماوية، بكل حبروت وكبرياء من سادة وجبابرة قريش الذين أذاقوا الرسول الكريم وأصحابه الويل والعذاب الشديد الذي سجله التاريخ في صفحاته، لقد استخدموا كل وسائل التعذيب والارهاب والتنكيل ضد المسلمين الأوائل. وقد تحمل الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه شتى أصناف العذاب البدني والنفسي. ولما طفح الكيل وفاض طلب من أصحابه أن يهاجروا الى أرض الحبشة حيث سيكونون في مأمن من كيد الكفار ومكرهم، وكان قرار الهجرة قرارا صائيا، فهو فرار الى الله يوفر لهم، الأمن والطمأنينة والحرية التي سليها منهم جبابرة قريش، وقد كانوا آنذاك في حالة من الضعف لا يحسدهم عليها أحد ولما يشب الدين الوليد عن الطوق، وكان من الهشاشة بمكان لا يستطيع معها أن يشق طريقه وسط التحرشات والأعمال الاستفزازية لكفار قريش، فكان من الأسلم أن يهجروا المكان ويهاجروا بعقيدتهم الجديدة الى (ملاذ) آمن يستطيعون فيه أداء عباداتهم بكل حرية وأمان، حيث وجدوا في أرض الحبشة كل الترحيب والقبول من النجاشي. وكذا الحال في المدينةالمنورة التي وجد فيها الرسول الكريم وأصحابه الذين هاجروا اليها كل الترحيب والمؤازرة والعون والإخاء الذي بلغ شأوا يعيدا ودرجة لم تخطر على بال أحد، حيث ضرب الأنصار (أرقاما) قياسية بتعبيرنا الحالي، في مبدأ الإيثار والتعاون والمساندة، انها درجة رفيعة من نكران الذات والتفاني تصل الى أن يطلق الأنصاري زوجته ورفيقة دربه ويتنازل عنها لأخيه المسلم المهاجر، إنها قيم (حضارية) راقية. وفي الوقت نفسه تضحيات كبيرة من المهاجرين الذين تركوا وراءهم أنفس ما يملكون، بل هجروا مسقط رأسهم وديارهم وأموالهم ليبدأوا من الصفر، من أجل نصرة دينهم الجديد. كانت الهجرة قيمة وقمة انسانية سامقة، دللت على درجة إيمان وتقوى المهاجرين والأنصار على حد سواء، وكانت مثالا عمليا لقيمة التضحية وفيها الكثير من الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها بالتأمل العميق والتفكير السديد والغوص في معانيها السامية، فلولاها لما صمد الدين الجديد في مجابهة ودحر الكفر وأئمته الذين حاولوا الوقوف أمام المد الجارف الذي أطاح بتيجان الضلالة والجبروت التي ظلت على رءوسهم ردحا من الزمن. وزلزل الأرض تحت أقدامهم من أجل ان يخرج الناس من ظلمات الجهل والباطل الى نور الحق الساطع والعدالة السماوية. وقد سلمت النوايا وكانت الهجرة بحق الى الله نصرة لدينه وزهقا للباطل واحقاقا للحق. alrasheed ali [[email protected]]