إذا كسب المرتزقة الفاشر يعني ذلك وضع حجر أساس دولة العطاوة    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    عيساوي: البيضة والحجر    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوادِي الكبابيش رحلة الجنوب ورحيل الشَّنفريُّ الثاني .. بقلم: عبيد الطيب (ودالمقدَّم)
نشر في سودانيل يوم 21 - 11 - 2012


aubaid magadam [[email protected]]
والليلُ طويلٌ وانا مُقمِرٌ والبرقُ العباديُّ يُومِضُ و(الهمبريب والواوير) مضمخان بروائح الصندل والرَّيحان والقيصوم ويغازلان العزاري والجِرابُ مملوءٌ بالذكرياتِ والقلبُ مُتكٌئٌ والعود احمد إن بقي العمر و لم تثقُب قوارض الاغتراب والهجرة الجراب ولولا الذكريات لم تكن الاشجان ولا تعلقت بسويداواتها القلوب، كان العام الذي استبدلت فيه الإنقاذ العملة والذي أرّخَهُ الكبابيش بجفيِّف عُمَر من السنين السُّود والسنين الطَّوارِح فعمَّ الجفاف والقحط مراعي البادية الغربية واصبح الحال يُنبي بحتميَّة النجوع والرَّحيل ولا بد من رحلة الجنوب فتفرقت البادية أيدي سبأ ورحل الأبالة الي الجنوب وتوغلوا حتي وصلت طلائعهم الي بحر العرب وهومايسمونه (الحّد )ويا لروعة الدَّليل الشاعر الرائع النور ود الشَّايب الدِّويحي حين يبدع في الوصف:-
علي الحوسَة أُم دبار ما بقبل الحجَّه
ؤ بشوف حَزْ الغروز قابلني في رجَّه
ؤ بَدَّرت النِّجوع فوق دربي جات عجَّه
ؤحدَّدَت الصّعيد بي مشيت أُم قُجَّة
ؤخليت دقس العيون بي ورايا تِتهَجَّا
(حزالغروز اي سرات الناقة- أُم قجة ايضا من اسماء الناقة- تتهجا اي تلهج بذكره)
وبعضهم إتجه نحو منطقة لقاوة أو منطقة بابنوسة وغبيش والبعض الأخر آ ثر وفضَّل الأستقرار والدمرفي خزان ودعة تلك القرية التي أنجبت الكاتب الضخم والروائي الأستاذ ابراهيم اسحق
الخزان واللِّضية وناس بياض ولقاوة
دمرنا هناك أني وشرمة ؤ رعينا عضاوة
فرَّت ؤ دجَّت أُم زور بي الهشاب تِتْحَاوة
وأني قوقيت واللِّنقيب حَزَمْها ؤ واوي
فنجد بركة الدليل الحاج حسين ابو شناب وصلت ودمرت غرب منطقة الضعين معقل (الجكراي)
ودارموس ود مادبو وما أروع الشَّاعرات حين صورن المنظر
لِقْحَاً لي الهَبَرَّب --- ؤ هاَجَاً لي البَرَرَّب---- حسين بي اُمَّات شَررَّب---من الضعين غرَّب
الكونيبها إنْتَرَت---ؤ طبقت ليلها ؤسَرت -----الجات بي حودي ؤبرت----كارفة هِبيب الدَّرَت
سِيد مَرْدُومة القَفا-----وزرو الما بقول حَفَا----عجب عيني مصطفي-----سيد السَّاس مو لَفَا
دربِكْ سَمِح في التَّرد----ؤ نايبِك سنين في القَرْض---إتِّ ليه يا قليلة العَرض--بي رجالي بارَّه الأرض دَرْبِك سَمِح في اللّوز------ؤ جبتي الملايين جوز-------ليه يا سمحة الحوز------بي رجالي بارَّه القوز
(الهبَرَّب اي البَكر-البررَّب اي الجمال وهي كالصيد من جَمَالها- أُمَّات شررَّب اي الإبل والشررّب هي شفاهها–الكونيب اي السناب –إنْتَرت اي إمتلأ-مردومة القفا أي الإبل-مابقول حفا أي لا يتأسف )
وردت إبل صديقي الشنفري دونكي (قِريوِد السِّنْقِد ) مع (رباعته) رفاقه بركة الدَّليل الخرِّيت حاج احمد وديوسف الجرَّاري والدَّليل النور ود حمد الدِّويحي في طريقها الي الجنوب وكان منظر الدونكي مُدهشا حيث أمتلأت ساحته بالأبل وكأنّّ منظرها طابورعرض للجيش في يومه الوطني وأصحابها علي ظهور الجمال يوجهونها نحو المورد لتعُب الماء كأنهم ضباطٌ من الجيش أو ضباط الصَّف واحيانا يجلسون علي حافة الأحواض يخلطون لها الماء بالملح ويهدهدونها ببعض الرجز لتنهل المزيد من الماء (عَسل مو مِي حاتي إتضوقي-عسل مُو مِي حَاتِي إتْضُوقي)(ويا قاسي هُون لي أُمَّات دِقون) وحركة الإبل وهي تلتف حول أحواض المياه وحول نفسها كالبيادة في الجيش ويوم (الضِّمي) الورد للمنهل مرهق جدا بالنسبة لأصحاب الإبل خاصة اواخرها لأن للأبل حاسة شم قوية فعندما تهُبُّ لها رياج الجنوب أو حين تلمحُ وميض البروق تتذكَّر مخارف الجنوب وتصْدُر(تِسادِر) لوحدها مما يُصعِّب العثور عليها لأن النِّعم تتفرق فبعضها يذهب جنوبا وبعضها جنوب شرق او جنوب غرب لذا نجد أصحابها يحكمون عقالها ويسهرون الي الفجر وهذه لوحة رسمها احد الحُذّّاق والمهرة:-
هَبَّارة جقلة أُم رُوب
بلا قِعدانها ما بِتتبارة لي الأقروب
شافت الصَّعيد تلَّب رمَالُو شُبوب
ؤنَتَرها الرَّاعي وِقْفَت صَفَّت العَرْقُوب
واشقي الناس حالا في ذلك اليوم (أفندي) الدُّونكي و الزيَّاتي (مكنيكي الدونكي) وما أرع فضل ودزايد
عيِّط يا الرَّشيد قول عُوك
ؤواوِي ؤ لايم الجَدَعت حُوار باروك
أهل تقليَّة المو خميلة في الحاروك
وارْدَه اللّيلة سِهْرِيج ناس حسين مَدْرُوك
وما أجمل الرائع ود جودة العوني حين يقول:
عطَّشتُوها رايكم كيف
قطَّاعة السَّقاريرفوق ليالي الصَّيف
السِّهْريج ملان ما بِسْقي أُم الدَّيف
بلا النَّع البِخَلِّي الفودة سَلَّت سيف
(باروك أي خِداج- تقلية أي نعم كثيرة-السقارير أي القفار المُمْحِلة-النَّع أي المطر-الفودة أي الأضاة)
ولله در بت جودة الله الجرارية حين تقول:-
أُم حَشَّاوا عَاتي----ؤ بِقَت بِتحِن يوماتي----زملك ديش عَواتِي----ومِساهِر بي الزّيَّاتي
ما تِحنِّي ؤتنقندي----البي الكونيب منسندي---زَمْلََك ديش يوغندي---ؤ مِسَاهِر بي اللَّفندي
ما تِحِنِّي ؤ تَنهَجمي----وبي الدَّقْدّاق تِنْكَجمي---زَمْلَك ديش الرَّجمي---مِساهر بيك لي النَّجمي
وفي اليوم الثاني عرَّج صاحبي علي اهله وأرسل اليّ احد البزر لدعوتي لحضور آخر ليلة مع المشوقرين او(النُّجَّاع ) حيث يتم ذبح (كرامة) كما جرت العادة في كل البادية فطاب لنا الأُنس علي ضوء القمر وهدير الفحل وعزف الشنفري للمزمار والحليب والشاي (النَّاعم) والشواء من مطايب الضأن واحيانا يرسل لنا الجنوب الدِّعاش ويسارق النسيم فيداعب أغصان الأشجار فيختلط حفيفها مع تغريد الطيور وحنين النّوق ولود النَّاي فتكتمل الأوكسترا عندما يصدح الشَّنفري بصوته الشجيِّ بشوارد المظعون السليماني:-
خَبار كِيرِك مِنَعبِر بي هِجارو
ؤ سيدك ونَّسو الفوق راسو شايل طارو
شِقِّك فوقو ريقان غير اجِِزُّو خبارو
ؤ رِقِّك سامح الجادول ؤأدَّاه يِسارو
عاليبة أٌم سناباً مايح
ؤ عَرقُوبِك نبع منُّو اللَّوندِي الفايِح
حشَّاوِك مَسَك دَوْ الكَموق جي رايِح
ؤ سيدك ونَّسُو الجَرقومو كُلُّو سرايِح
(كيرك أي فحلك-منعبر أي ضامر وعندما يشتَدُّ الهياج بالفحل يُشبل برجليه بالخلاف الهجار-الرِّق صغارالإبل-سامح اي تجنب- الجادول السهل المُخضر-اللَّوندي أي رائحة العبس –سرايح أي خير)
وادي مجرور قطعناهو ؤعديل غربنا
والكَمَر المهنْدَس قاشو بي إتْكَرَّبنا
ضرب أم سيبة ابدا ما بنِقولو غلبنا
ولي الحارة أُم صقوراً جَاَجن إتَّالَبْنا
ألْبِل ديلا ما يِعَجبك سماحْهِن ؤ زوقهِن
ألْبِل ديلا ميتين الرِّجال بي شوقهِن
ؤألْبِل ديلا ملك الموت مقَسَّم فوقهِن
ؤألْبِل ديلا قاعِد ود عقيد لي سوقْهِن
بي الصَّي والصّناقير قامَن معاك قزاعِر
وبي الهيش والتِّبوس ليهِن تَكسر الواعِر
علي المَتْبُولة مَداحاً بشايل الشَّاعر
ؤ ضيباً قاصر الحاروك ؤ سِمِع الجاعِر
(ودعقيد هو اشهر الهمباته –كزاعر أي قلاد- المتبولة أي الجميلة-الضيب أي الذئب-حاروك أي نعم)
وفي الصباح عرّج الشنفري علي المدرسة للسَّلام والوداع وهو علي ظهر (المَجْقَني) فصاح قائلاً يداعبني مترنما ( اليوت عايطين بزُّورهُن قلب الجِن ما بِدورهُن ) ثم أردف :
المِدَرِّس والفقُّور-----وكلُّو القليب ما بدور----عيل سيد البِعَلِّي الكُور---ؤ بِعَقر العُلو المَمْطُور
فقلت هذه كحوار الرّاحل الشاعر الرّائع ابراهيم ود خليفة مع الشيخ جامع ايام الشباب وهم في الجزو:
يا شيخ العرب الصقيع قابلنا
والمِنريدو من شوفة فريقو أزْمنَّا
أخير ليك بَريَة العَرَّافو مال وإتَّنَّا
والله الحِجْلو بعد النومة ياخُد رنَّا
وقف معنا الشنفري برهة ثم أرْقَل صوب إبله ولقد طاب لهم المقام في عواتيل ودعة وجبال ساري وتلالها المخضرّة ومراعيها الخصبة حيث عُشب البغيل والخشين والخافوروكراع السُّقد ،لاحظ الدليل أن الشَّنفري اصبح يخلو بنفسه كثيرا وحين الرّواح لا يحب الأُنس والطُرَف كعادته مع الأناقيب وأكثر من عزف المزمار وخاصة معزوفة( اللّود ) ولاحظه حين اصلح سِعن الماء وسرق النظر إليه وهو يتفقد اشياءه بدقة وينظف سلاحه فأدرك والده أن الشنفري يَضْمُر أمرا وكان والده يحبه حبا عميقا ولا يرفض له أمرا وفي الهزيع الأخير من اللّيل أرهف الشَّنفري السمع الي قمرية تُغرِّد علي اعالي الأغصان فصار يُجاريها بصوته الشَّجيّ:
يا قمريّة إن طرَّاكِي--ؤ ذكرتينا مَعَاكِي--سمحة ؤتامَّة صباكي-----والفرع النَّي لولاكِي
النَّاس البريدهُن عذَّبوني صدُّو جارو ؤ جافو
ويا الأُستاذ ريدنا العُزري وين إنْصَافو
عذاب ريد القِفيل ماضاق وحيحو ؤشافو
ؤما قالولو ناس قيس ليلي هِلكُو ؤهافو
ولله درّك أيُّها الشنفري حين تقول بل دعني من أجل هذه الدُّرة أن افصح بكُنْيتك وأُسَمِّيكَ بها
(أبو البرعي) إرضاءً للإنسان العميق في ملاحظاته والصديق الجميل العمدة حمد محمد حامد
عبلوجة الرَّشيد المو هو هايِنْهَا
فرَّت لي الزِّرَد رجعت مَوَاطِنْهَا
ؤ وَرَدت في الحريق حيضانها قارِنْهَا
ديفة أُم نايط الجَفَلَن روايِنْهَا
قاجَّة قُرُونْهَا والصيَّاد مِباينْهَ
مَرَّات تِنْدَرِق مرَّات بِعايِنْهَا
ؤ لَمْبَة سودري البَقَّن رتَايِنْهَا
ؤ قالب أُو شُومْبُك البوليسها صايِنْهَا
ؤ بي الوَلَع الرِّقاق شاحِن كمايِنْهَا
بِت عَربأً عِزاز والجار مِدَايِنْهَا
ما بِصُّر وجِهْهَا تِشُوف غبايِنْهَا
ؤ بشاشة وشَّهَا توريك بَطَايِنْهَا
فأخذ الشنفري مِزمارة وعزف اللّود وتعمٌّق في معزوفة (زنوبا وين يا البزر- السمحة أُم رُوبا وين يالبزر-قصيبة النوبة وين يا البزر- ؤ ليهن دوبا وين يا البزر )وتلاعب بالمزمار فرقصت القمريّة طربا حتي توقفت عن التغريد وآثرت الإستماع والإستمتاع بهذه اللَّحون الشَّجيّة ثم توقف الشنفري عن العزف وفي الحال قرّر الرَّحيل صوب الديار ألم أقُلْ لكم بأنه مخلوق (بسيط من شوق وغَم)
فأسرج الشنفري بعيره من منطقة (جبال ساري) ميمما صوب منطقة ام سنطة وما جاورها ومن حيث لا أدري ومع بزوق الفجر واليوم جمعة رأيت شخصا ينام جوار خيمتي فعرفت أنَّهُ الشنفري ووجدت غزالين معلقتين علي أوتاد الخيمة وطائر الحُبار بجانبها أشعلتُ النار لصُنع الشاي فسمعت الشَّنفري يقول: (الليلة لبن الجُرْب ولبن بُدرة الشّجر خليهو أشرب ليك ناعم)
تعانقنا عناقا حارا وكانت الأحضان صادقة وحين أدرك بأني سوف اسأله عن سبب قدومه وإبله في الجنوب البعيد ومخاطرته بنفسه حيث اخترق الوهاد والعتامير لوحده وهي معقل عصابات النَّهب وقطاع الطُرق ولقد أوتي الشنفري حاسة حادة وفراسة صادقة علي التعمق في جوهر أصدقاءه فجلس علي (العنقريب) وقال:- حالي يا صديقي كحال الشيخ العباسي قُدِّس سره من شيخٍ حين قال:-
يا هل تَهبُّ لديّ من تلقائكم ريحُ الرِّضا ونسائم التوفيقِ
فأروحُ أدّرع الفلاة يقودني شوقي الصحيح وفِعْلُ أيدي النّوقِ
وأفيقُ من جهد الصبابةِ مبرداً منكم غليل فؤادِيَ المَحْرُوقِِ
ثم إتكأَ علي ظهره وأنشد بصوته الطَّروب وكان صاحب موهبة رائعة بأدب البادية إن كان دوبيت أو توية أو جراري أو حتي شدو العزاري واشار الي بعيره:
العند ناس (ساري) أمْسيتُو---وبي الكُرباج عشّيتو---وَرِيد الحُمْ شَاقيتو---ولي المَا إنفرز بيتو
سيد الهاج وإنْحَرَق----ؤسيد العُرفو أنْفََلَق------سلَّم دابي العَلَق----بريدك ريد ما إنْخَلَق
ثم أنشد بصوت مُضعن الجميل بروائع سلَّم ود بابا
دومَاتَك حاكَن السِّعِن القديم ؤ مِلَبِّن
ؤ رَقَلَك بِمْحَق الحَدَبي الطِّوال ؤ مِدَقِّن
طالْب المِنُّو ما ظَنّيتُو عقلي إيَقَّن
ؤ غَوَّر جَرْحُو في تَمرة فؤادي مِحَقِّن
يا الصَنْدَل صدير المَرْدة خِف لا تِجَلِّق
ؤ سيدَك زاتو من حسر البريدها مِقَلِّق
السبب الخَلَّا شرشُوفَك رقيق مِتْعَلِّق
هَجْم الدِّيسو سابل ؤفوق فنيتو مِغَلِّق
يا الصَّنْدَل صدير المَرْدة خِف طوالي
ؤ سيدك زاتو مُشتاق لي أُم لهيجاً حالي
السبب الخلَّا شَرشُوفك رقيق يا الغالي
شَيوم الدِّيسو سابل وفوق فنيتو بَهَالي
أبوكَ بِشاري مو الدَّرش الكبيرة جِهامتو
ؤرَدَعِي إيديكَ جنحين البعيدة حُوامتو
الخلَّاك تَكِسْر الهيش تِقَاوِي ضلامتُو
كُزّيم البِسَلِّل دِيسو من حُزَّامْتو
(السِّعِن المِلّبِّن أي يُنَقِّط بدون ثقب ويقولون يوشل-الحدب المِدَقِّن اي سلسلة جبال وعتامير ممتدة- مِحَقِّن أي ممتلئ بالقيح- إيَقِّن أي يطمئن- المردة أي الجميلة والطويلة-الدِّيسو سابل أي شعره منسكب-فنيدتو أي خصره-مغلِّق أي يُغطِّيها-جهامتو أي حجمه –كُزّيم أي القُبلة –الدَّيس أي الشعر
ثم عرّج علي الشاعر الرَّائع الباباي وكُنا من المعجبين بشعره وشعر إبنه محمد وإبنته آمنة:-
بكيرات راهِب الفي مُشْرَعِن ما ضَاحِن
بِلاوْحَن في الفتيق نامَن بِروقْهِن لاحِن
قالب أُمَّات نِمِر المِشَّدِّدين في مباعْحِن
جِروحُو المِن زمان لِسَّع جِداد ما راحِن
مَقَدُور سَرْوة لي أُم أهلاً بقولْنا عَداوة
بِتُر فوق ضيلو قَرْن آمنة الوَضِيبْهَا إتْساوه
أوكت يِتْحَدَّر قطر سكة ؤ حديدو مساوه
ؤمَجْرُوح سيدو مقطوع قلبو ما بِتْدَاوه
مَقَدُور سَرْوة لي أُم أَهلاً بقولنا حِسَاسة
بِتُر فوق ضيلو قَرْن آمنة الوَضِيبْهَا إتْوَاسَه
أوكَت يِتْحَدَّر قطر سكَّة وحديدو مَعَاصَه
ؤ مجروح سيدو مقطوع قلبو مافي عياسَه
(ضاحِن أي متجولات-مقدورسروة اي أُسرِج خلسة وفي العصر-قرن أمنة أي شعرها)
ثم صدح بروائع الشاعرين ود مهلف وابراهيم ودخليفة فبدأ بود مهلف
ضَعَن ناساً قبيل جرَّاسو نقرَن ؤ شيَّل
ؤفيهو فلانة ديفة البي العتامير قيَّل
الدَّيس كابي بي تحت الفنايِد نيَّل
ؤسَمْح النَّافلة بي نُدَداهُو رَجَّح ؤ مَيَّل
قَدَمها حمامي مو الدُّرَشاوي
ؤ إيدنها مَخَسَّلَة واجمل علي القِرَّاوي
عيونها دقسة الكاكْليتْها فيها بِحاوي
ؤ نفسها الصَّب عِشي وأصبح دعاشو مِناوي
ثم ابراهيم ودخليفة ود جادين
ساساق ساقي ؤ جريَّا مع الأهالي فضحني
ؤ سلطان حِجتي بي إلإ نفصال واضحني
بعد ما هَبَّ سعدي وبي البخت فرَّحني
تُب يا كافي شايباً شوم عُقُب صابَحْنِي
ود إنْدَرجو جاك ضَكَر الطريق أرْقِلْبُو
ؤ طالب الرَّاسي مَسْتُور العِروض مو مِسِلْبو
دور اللَّدْرَع اللِّبس الشفون بِقدِلبو
نزل الجُرف ؤمَسك الوادي مِتّوتِلْبُو
داك ألم البريدو وداك النَّصُب إتَّاقا
ؤ داك مُقْرَح بَدو الشَّتَّالة وأُم شَمراقا
وريد الرَّاضَع الحِيني ؤوطي النَّقناقا
ؤمعشُوق عَبلَة مَقْطُوع قلبو من عَلَّاقَة
رحل صديقي الشنفري كما رحل الشَّنفريُّ الكبير صاحب لامية العرب وهو يردّدها
أقيموا بني أُمِّي صُدُور مطيِّكُمْ فإنِّي إلي قومٍ سِواكُمْ لأَمْيَلُ
فقد حُمَّت الحاجَاتُ واللَّيْلُ مُقْمِرٌ وَشُدَّت لِطِيَّاتٍ مَطايا وأَرْحُلُ
وفي الأَرْضِ مَنْأَي للكَريمِ عَنِ الأَذي وفيها لِمَن خاف القِلَي مُتَعَزَّلُ
لَعَمْرُكَ ما بالأَرْضِ ضِيقٌ علي امْرِئٍ سَرَي راغِبَاً أو راهِباً وَهْوَ يَعْقِلُ
وقد حفظها صديقي كلها عن ظهر قلب من الشيخ المورتاني محمد مختار الكُنتي عندما أستأجرني علي أن اجلب له كل اسبوعين غزال بعد أن اجعلها قديدا (شرموط يابس) ويُحفظني إبن عاشر وشرح الاخضري والاجرومية وبعض العلوم الأخري و صديقي الشنفري التزم أن يمُد الشيخ بغزال كل اسبوع علي أن يحفظه لامية العرب ومال صديقي الشيخ الكُنتي نحو الشنفري لعلمه بمهارته في القنص ودقة تصويبه وكرمه وسماحة خُلقه والشيخ الكُنتي كان رجلا عالما متواضعا سمحا وصاحب طرفة ولقد تعمقت صلتي به حتي صرنا صديقين ومن حسن حظي عند وصوله الحمراء تعرف قبلي بشقيقي عبدالباقي (النيل) والذي يسبُقني كرما وسماحة ونبلا أكرم من رأيته في حياتي فلا معن ولا حاتم ولقد رأيته وقد ذهب الي عُرسٍ في البادية وكانت السيرة الي بيت العروس مسافة بعيدة وكلها علي الدواب من جمال وخيل وحمير وفي الطريق وجد شيخا هرما يمشي راجلا منحنيا يتوكأ علي عصاته فنزل من مطيته وحمله عليها وعندما اوصله اقسم أن لا يمتطيها مرة اُخري واهداها له ومن عجائب عبد الباقي عندما ذهب الي ليبيا عن طريق الصحراء وأوشك الظمأ أن يتلفه وأصحابه ووجدوا عينا من الماء عمقها اكثر من خمسة أمتار ولكن ثعبانا ضخما في عمقها منعهم الورد تبرع بنفسه ان يفدي اصحابه أو يقتل الثعبان وقد كان نزل في الجُبِّ وسقا القوم و أنقذ اصحابه من الموت، لقد تهيأ صاحبي الشَّنفري للرَّحيل في هدوء بعد أن أحكَم إستعداده فملأَ الجراب من قديد الصّيد وأحكم قفل علبة البهار وتفقد (ضبية) الجُبخانة ونظَّف بندقية (المانقستو) ذات الماسورة الطويلة اي فوهتها وخطوطها الرأسية المستقيمة والتي كان دائما يداعبني حين يَحْمِلُها قائلا:(يارفيقي في وداعة الله وأني ما معايا وزر عيل الخالق والمانقستو أم شلوخاً كيف شلوخ شيخ الجيلي ود الشيخ بابكر) وأناخ المطايا وقد وضع يديه علي عُرف بعيره وذروة سنامه يُفليها ويُمشطها ويُداعبها بأنامله كأنه يغازله وعندما اراد أن يُشْبل المِقْوَد في رأس بعيره (وقَجَّ) دائرة الرٍّسَن مدَّ (المَجقني) عنقه و أَدْخل رأسه في حلقة الرَّسن وهو يرزم ليردِّد الشنفري:
طَلْقَت مِن دَرَت ترعي ؤتِكِس بي نوقَك
سراتَك جَرَّفَة سَمِح الوَرَق في طوقك
القَاعْدَات هناك بِتْوَنَّسَن بي شوقك
كمَّا مُت شَرْطَناً علي أسوقْهِن فوقك
طلقَت من دَرَت ترعي وتِكس فوق طشَّك
ومنك ؤليك دومْتَك تِمَّلِي ؤتتبشَّك
إضليم العريفات المِدَرِّج وشَّك
ؤهجَّام دكة البي سِرُّو ما بَتْهَشَّك
طلقت من درت ترعي ؤتِكس بي رغامك
ؤ ما بِضلَّن دوام عاريّة عان ها أيامك
ستات اللكيك ناس أُم عِروض قدَّامك
ؤفِيهِن فسحة ليك كان ما عصرتّ بهامَك
أنِي نويت عليك ؤإتَّ عيل أدَّرَّب
ؤبَشُوف سارياً يِكُب برقو البِوّلْوِل غَرَّب
إتَّ طال شوقَك علي التَّمَك المقامو جَررَّب
وشوق سيدك علي البادية الفريقها مزرَّب
أني نويت عليك وأتَّ قوم في همومك
ونايبك مَعْدنة ماركة ؤرقيق قدُّومك
بَخَاف سِت المَخَنْجَك بي الرِّصانة تلومك
ؤدومتك سَقت الدَّير سايلة فوق جَرْقُومك
وكأنَّ بعيره يردِّد قول الرائع الشاعر ودالمُر:
كم لوليت بيك الكُور نَمن غنّيت
ؤكَم هاجَمت بيك الصِّنْعََتِن كَبريت
ناس حنفي البِعَرفو روايِع الدُّوبيت
قول ليهُن خلاس من دار علي أتْعَدّيت
وعندما أزف زمان الفراق و نعق غراب البين علي رأس شدرة المدرسة وكرر نعيقه مؤذنا بالرَّحيل وأشتممتُ منه رائحة الشؤم وفراقا سرمدي سرق الشنفري النظر نحوي حين لمح وميض برق علي جفوني وارعدت الدموع وعرف بانها إن هطلت علي أودية روحه وتلال قلبه سوف يخضرّ فؤاده من جديد وتعود قماريه الي القوقاي ويعرف مقدار معزَّتي علي نفسه فلذا اسرع بالرَّحيل وأنا اعرف أن روحه نفورٌ لا تلين للتوسل والرجاء بطبعها فمسك يدي قائلا :- أني راحل يا صديقي راحلٌ وسوف أترك لمزماري أن يدوزن روحي و للهمبريب والدِّعاش أن يداعب ألامي و حنيني وسوف يصلك صوتي مع وشوشتها للأغصان وعانقي عناقا حارا ثم قال وعلي مُحيَّاه بارق ضوءٍ من الحُزن الرَّزين:- تعلم لم يكن الفراق الاّ بسببٍ أنت تعرفه وكنت لا اتمني حدوثه وخاصة إن وجهتي الأفق البعيد وعالمه المَهُول ولكن ليس بيدي حيلة وكيف افعل مع امثال تلك ويعني الفتاة التي خاطبته قائلة وهي غامزة ٌ بطرف جفنها :-(خلاس فارقت إبلك بقيت ماشي أقروب) ليأتي رده سمحا وبليغاً:-
دي حَالْة الزَّمن يا أُم رُوب
ؤقُدُرْت الخالِق الفي أمرو مو مغلوب
بعد ما كُنت بفَرِّش في البِطانو بِِلُوبُ
جيت ألْليلة ماسك السِّكَّة ماشي أقروب
ؤنَصْبُر لي الإله زي ما صبر أيُّوب
والحي رِزْقو حي كان مان إنْرَدَم بي الطُّوب
فودعني ورحل ولكنني لا اخاف عليه وهو مثل المعدن النفيس لا يصدأُ ولكنه اخذ معه نصفي الأيسر لأنه من الذين (ترايمهم) الرّوح والي الان اري جبينه حين تومض البروق وأسْمَعُ صوته حين توشوش الاشجار وأشُمُّ ريحه حين يضوع دِعاش المطر فنزيف حزني مستمرٌ الي يومنا ولكنه الآن في هدوءٍ لكنني لا أدري ماذا أفعل حين يضوع عبق المكان مثل ما فعل في إجازتي الأخيرة فكتبت من الحُزن المقفي :-
كُل ما يِهِب دِعاش ؤ يسارِق السَّاهيت
لي ليم الفَنْجِري ؤ ضُلِّي الرَّهين شاشيت
ؤ لي سَمْحْ النَّافلة والوجه الصَّبوح دوبيت
ؤ مع الطَّير البِغرِّد في الدّغش قُوقيت
ؤ حنين النّوق ؤ قرْواح اللُّقح سَوّيت
إتَّ ما بِصُّر جبينك ولي الكُبار دَعّيت
ؤ تَفِقد الجار ولي ضيف الهِجوع عَشّيت
ؤ كُنت مُقنع وَلاَيَاك ؤ كُنت طَنِيبْة البيت
ؤغروز قلبك مِطاوعَك ولي الوكر شَقّيت
ؤ ركَزْتْ في الحوبة وإتْجَتَّنْتَ ما فزّيت
ؤ طِريت ناس فاطنة والقدَّالة وِسْتَعزيت
ؤكتير قَبَّلْت وسِيق الهَبْرَب أُم مَحَويت
ؤ صَعَب دربك زَلَق لي ناس قِعير البيت
بعد ما رحلتَ كيف مطَر الرِّشاش عدّيت
ؤ تركتَ دِيارْنا يا زين الرِّجال جافيت
ؤحرقت قلوبنا بي جمر الفراق ؤشويت
مُحال بعدَك ترايم روحنا يا الكاكليت
عبيد الطيب (ودالمقدم) بادية الكبابيش 21-11-2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.