بسم الله الرحمن الرحيم بعد الرسائل الكثيرة التي استلمتها بسببه: عندما كتبت موضوعي بعنوان "هل فشلت الحركة الشعبية في التحول إلى حزب سياسي" كنت أعلم مسبقا بأن الأمر لن يمر دون تعليقات قد تصل إلى درجة الإساءة إن لم يفهم الموضوع في السياق الذي كتب من أجله. لقد استلمت العديد من الرسائل من عدة جهات وأفراد معظمهم أعضاء في الحركة من داخل السودان ومن دول عربية غربية. الآراء كانت متباينة منهم مقتصد ومنهم منتصرا لنفسه غضبان. ولكن وللحقيقية حتي الرسائل التي كانت حادة إلى درجة ما كانت في إطار المقبول وكانت في كثير من نواحيها عقلانية مع شيء من التحيز. وفي الوقت الذي انتقدني بالبعض للتطاول – الذي لا أراه وأن كان فعلا لم أقصده، طالبني البعض بالحديث عن أمور أخري كثيرة أنا على علم بها ولكني نأيت بنفسي عن التعرض لها حتي لا أخرج عن الموضوعية. ورغم إن العمل الصحفي يري إن أي شخصية عامة أو قضية عامة من حق الجميع الإلمام بها في إطار الموضوعية والمهنية، إلا أنني رأيت إن هناك أمور كثيرة تتعلق بعمل الحركة وميزانيتها وأداء أمينها العام يجب أن يسعى الحادبين على أمر الحركة ومستقبلها لمناقشتها في أروقة الحركة بغية التوصل إلى حلول لها بعيدا عن الإثارة الصحفية. ولكننا قد نعود إلى طرح مثل هذه المواضيع –بالحركة وغيرها من الأحزاب- إن دعت الضرورة لذلك، خاصة وإننا مقبلون على انتخابات هي الأكبر والأهم في عمر الأمة السودانية. أنا متابعة للوضع السياسي في السودان منذ فترة ليست بالقصيرة- أنا عجوزة شوية يا جماعة- وعشت وتابعت بنفسي – كما هو حال الكثيرين منكم - جزء من هذه التطورات في مختلف مراحلها. وأعتقد إن السودان تأثر كثيرا، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، منذ استقلاله بالحرب الدائرة في الجنوب. لذا كان من المنطقي أن ينعكس أي تطور في إطار الحرب على الحياة في السودان بمختلف مجالاتها. وبالتالي كان التوقيع على اتفاق السلام الشامل – اتفاق نيفاشا- نقطة تحول ومنعطف مهم للغاية في تاريخ السودان ومستقبلة، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن الاتفاقية منحت الجنوب (ولا نقول الجنوبيين لأنه لم يتم حتي الآن الاتفاق على من هو الجنوبي الذي يحق له المشاركة في الاستفتاء الذي سيكون بعد غد، أعني بعد عامين والعام في السياسة كاليوم في حياة العام) حق تقرير المصير. والحركة الشعبية التي ظلت تقاتل منذ أكثر من عقدين قدمت كثير من التضحيات للحصول على هذا الحق، فهو لم يتأتي كمنحة أو هبة من الحكومة. ورئيس الحركة الشعبية الراحل د. قرنق كانت له رؤية محددة واضحة بذلك الكثير من أجل تحقيقها والرجل عرف عنه أنه كان وحدوي وهذا ما كرر التصريح به في غير مرة. ود. قرنق كان زعيما سياسيا بكل ما تعنيه الكلمة من معني. فهو كان يقود سفينة الحركة بحنكة الربان الذي خبر البحر وأدرك كنهه، ولم يكن يدع الأشياء تسير هكذا كيفما توجهها الأمواج. بعد التوقيع على الاتفاقية وعودته إلى الخرطوم بعد عشرين عاما ونيف، خطف الرجل الأضواء بهدوئه وحلاوة لسانه وخبرته.. فلقد كان الراحل سلسا من غير أن ينقص ذلك في شخصيه، ومرحا من غير أن يؤثر ذلك على جديته، ولطيفا من غير أن ينتقص ذلك من صرامته. لقد كان يعي تماما بخبرته وحنكته ومقدراته الفطرية أن لكل حدث حديث ولكل مقام مقال. فدخل الشوارع والمنازل والقلوب، ورسم اسمه خالدا على جدار ذاكرة هذا الوطن الأبي مع كبار الزعماء والقيادات. ما زلت أذكر جيدا يوم أن عاد إلى أرض الوطن بعد اتفاق السلام الشامل. كنت جالسة أمام الشاشة البلورية وتسمر بصري عليها ألحظ ذاك الراحل وقدماه تلامس أرض الخرطوم بعد غيار عقدين من الزمان.. وعلى شفاه بسمة عريضة احتضنت داخلها كل مكونات المجتمع السوداني وأطيافه السياسية، وعيناه المقروقتان تبصران إلى مستقبل بعيد زاهر يعوض هذا الشعب المكلوم مآسي الماضي ويداوي جروحه ويأخذ بيده إلى طريق الرقي والتقديم القائم على مبادئ الوحدة والانصهار والتعايش السلمي ونبذ العنف والفرقة والشتات. وأعتقد إن هذا ما رآه غير أيضا.. بل إن غير رأي أكثر من ذلك ما دفع الكثيرين منهم للانضمام للحركة الشعبية تيمنا بدكتور قرنق الذي عقدوا على نواصيه آمالهم وعلى أفكاره نهجهم وعلى حركته مصيرهم. وتشاء الأقدار أن يرحل د. قرنق ولما يجف مداد اتفاقية السلام بعد. ونحن نرضي بقضاء الله وقدره. رحل الدكتور ولسان حال أعضاء الحركة الشعبية يدعو الله أن يجيرهم في مصابهم ويبدلهم من هو في مقامه ليكمل الطريق الذي رسمه لهم قائدهم قرنق. ولكن.. تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.. أين هي اليوم سفينة الحركة الشعبية من الطريق الذي رسمه لها د. قرنق.. أين هو من ينهل من ميراث الراحل قرنق.. القائد سلفا لا نشك في كفاءته ولا في مقدراته، ونعلم أن كل منا له إيجابياته وسلبياته.. ونعلم أن سلفا يبذل جهد خارق حتي لا تحيد سفينة الحركة عن طريق زعيمها الراحل.. حتي لا تطلاطمها الأمواج. ولكن هناك بالسفينة من يريد أن يقودها إلى غير وجهه مؤسسها وراكبيها من الأعضاء.. يريد أن يوجه السفينة كيف يشاء وكيف ما تتطلب مصالحة الشخصية وليس كما يتوافق ومصلحة الوطن التي هي قطعا من مصلحة الحركة. وهذا تحديدا ما دفعني إلى الكتابة. السودان اليوم شئنا أم أبينا يسير بخطي متسارعة نحو تأسيس دولة ديمقراطية يسودها القانون وتحكمها المؤسسية وتحفظ بها الحرمات وتتاح المشاركة فيها لكل من أراد، وسيحدث هذا التغيير بحضور دولي وشهود أمميين. ولا مجال هنا للتحجج بحجج واهية سئمنا سماعها وترددها. سكون الفصل الآن عبر صناديق الاقتراع وعلى الجميع أن يعلموا ذلك ويعملوا بموجبه. والمواطن اليوم ليس المواطن بالأمس. فالعالم من حولنا قد تبدل والسودان ذلك. "يعني ما فيش يمة أرحميني". سنمنح أصواتنا لم يستحقها فقط وسنحرمها من لا يستحق. نعم هكذا سيكون الحال. وبما أننا مقبلون على هذه المرحلة الحساسة من عمر الأمة، كان لا بد من الحديث عن المنعطفات التي أثرت في تاريخها، وكان لا بد من الحديث عن الحركة الشعبية وعن أمينها العام. وبمناسبة أمينها العام أجو التوضيح بأن السامري هو الذي أضل قومه من حيث أرد هداهم بعد أن ذهب سيدنا موسي (عليه وعلى رسولنا أفضل الصلاة والتسليم). وقد كتبت بأنني أعني السامري في الجانب السياسي وليس الروحي. فأنا لا أجزم أن الأمين العام للحركة يريد بالضرورة أن يهلك نفسه ومن بالسفينة جميعا، لا فقد يكون الرجل يقصد خير بقراراته وتصريحاته (النارية)، ولكن ما رميت إليه هو إن من واجبنا كسودانيين (أعضاء في الحركة أو غير أعضاء– حيث إن مصير الحركة قد سينعكس سلبا أو إيجابا على مستقبل السودان ككل- أن ننوه إلى أي أتجاه تسير السفينة حتي يتم تدارك الأمر قبل فوات الأوان، وهناك حديث عن الرسول (ص) ما معناه إذا ترك من هم أعلي السفينة من هم في أدناها يخرقونها لشرب الماء – وهو هدف نبيل لا شك، وحسن النية في التصرف متوفر أيضا) فستغرق السفينة ويهلك كل من عليها. أرجو أن أكون قد أوفيت الموضوع حقه،، ومرحبا بكل تعليق هادف ونقد بناء في سبيل بناء وطن واحد كبير يسع الجميع * ملحوظة سألني كثيرون عن هويتي السياسية، فقلت لهم رغم أنني مستقلة وأرفض التحزب لنفسي ولا أمنع غيري منه. إلا أنني أعتقد أن المؤتمر الوطني هو أصلح من يحكم البلاد في هذه المرحلة الحساسة من تاريخها- رغم تحفظاتنا على كثير من سياساته، وإلا فإننا سنفقد السودان بشكله الحالي وقد نفقده أيضا كوطن والمتابع لأحوال بعض الدول من حولنا يدرك أن ما أقول ليس مزحا. ويكتمل العقد بأن تنضم الحركة الشعبية (على الأقل فرع الشمال إن فضلت هي حكم الجنوب الفيدرالي أو الكونفيدرالي فقط) – بعد إعادة تصحيح مسار سفينتها – إلى الحكومة القادمة. أما بقية الأحزاب التقليدية والتقدمية قد فقدت شرعيتها وقاعدتها منذ أمد بعيد، وهم يعيشون في وهم وأحلام سيفيقون منها عند إعلان نتائج الانتخابات. ولكم جميعا العتبي،،، سلامات د. كريمة كوكو سودانية مقيمة ببريطانيا karima kookoo [[email protected]]