[email protected] من المؤكد أن إعلان الرئيس السوداني عمر البشير باطلاق سرح جميع المعتقلين السياسيين لدى مخاطبته الجلسة الافتتاحية للدورة الجديدة للهيئة التشريعية القومية أمس، تجيء ثمرة من ثمرات اللقاءات السياسية التي تمت بين قيادات القوى الوطنية، حكومة ومعارضة، داخل السودان وخارجه، مما أحدث حراكاً سياسياً مشهوداً. وبأتي في الوقت نفسه، تأكيداً لجدية دعوة الرئيس عمر البشير إلى القوى السياسية للحوار الوطني، بُغية الوصول إلى معالجات ناجعة لقضايا الوطن، مؤكداً أنهم سيمضون في الاتصالات بالقوى السياسية والاجتماعية كافة، دون عزل أو استثناء لأحد، بما في ذلك المجموعات التي تحمل السلاح. ولكي يتحقق لهذا الحوار الوطني النجاح المنشود والتوفيق المرتقب بإذن الله تعالى، كان من الضروري أن يتضمن خطاب الرئيس البشير ما يؤكد جدية الدعوة إلى حوار وطني لكافة القوي السياسية، فكانت هناك مؤشرات لإعادة الثقة، وبناء اللُحمة الوطنية، وتضمينات لجدية المسعى، وتأكيدات لصدقية العزم وقوة الإرادة، وجاء إعلانه صريحاً في غير مواربة، باطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، كل ذلك في إطار بسط الحريات وكفالة مناخ حقيقي للحريات، وبسطها للجميع، والتأكبد على تأمين حرية التعبير للأفراد والجماعات، حبث قال: “نجدد التزامنا بتهيئة المناخ لكافة القوى السياسية التي أدعوها إلى إعلان استعدادها للحوار الجاد والتفاهم حول الآليات التي تنظم ذلك الحوار". ولم بفت على الرئيس البشير الإشارة إلى اللقاءات والحوارات التي انداحت في الأيام القليلة الماضية بين القوى السياسية كافة، حكومة ومعارضة، في إطار البحث عن السبيل إلى إحداث مقاربات لتوافق وطني وفق أجندات وطنية لمعالجة قضايا الوطن، والخروج الآمن من الضائقة الراهنة التي استحكمت حلقاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد أعرب الرئيس البشير عن شكره للقوى التي سارعت نحو الحوار، مؤكداً أنه يريده حوار يشارك في فعالياته جميع القوى السياسية، مشيراً إلى أن السودان وطن يسع الجميع، بثقافته وتنوعه وتاريخه ومستقبله. ومن المفيد الإشارة أيضاً أن الرئيس البشير تعهد بالسعي الجاد من أجل استئناف الحوار حول منطقتي جنوب كردفات والنيل الأزرق، بما يمكن للوصول إلى حلول مرضية تُكمل حلقات الأمن والاستقرار كافة. إذ أن هذا التعهد يؤكد حقيقة أن دعوته إلى الحوار الوطني لم تقص أحداً. أخلص إلى أن اللقاءات والحوارات التي جرت زمراً وفرادى بين القوى السياسية، أحدثت حراكاً سياسياً مشهوداً في البلاد، وجاء خطاب الرئيس البشير أمس متوجاً لهذا الحراك السياسي، ومتفاعلاً معه ومنفعلاً به، في إطار الجهود المبذولة من أجل تحقيق مصالحة وطنية أو توافق وطني. لم يكن الرئيس البشير بعيداً عن تلكم اللقاءات التي جرت بين نائبيه ومساعديه وبعض قيادات القوى المعارضة، بل كا ن مطلعاً على تفاصيلها كافة في البدء والمنتهى، ومشجعاً لها ومأملاً فيها. ولم يكن مستغرباً أن يبارك الرئيس البشير جهود نائبه الأول علي عثمان محمد طه في لقائه بالدكتور علي الحاج محمد مساعد الأمين العام للمؤتمر الشعبي السابق في برلين ونائبه الحاج آدم يوسف في لقائه بالدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي، وكذلك مساعده عبد الرحمن الصادق المهدي في لقاءاته مع الصادق الصديق المهدي رئيس حزب الأمة القومي والدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي وفاروق أبو عيسى رئيس الهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني. ولا ننسى لقاء الرئيس البشير نفسه بمحمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل). كل هذه اللقاءات تندرج في الجهود المبذولة لتحقيق مصالحة وطنية أو توافق وطني، بجهد سوداني خالص مخلص، كما كان تحقيق المصالحة الوطنية السودانية بين نظام الرئيس الراحل جعفر محمد نميري والجبهة الوطنية، الممثل لقوى المعارضة السودانية في عام 1977. وأحسب أن الحديث عن لقاء وشيك سيجمع الرئيس البشير بالدكتور حسن الترابي لم يعد من ضروب الخيال أو من أضغاث أحلام المفرضين في التفاؤل من الإسلامين، بل هناك الكثير من الؤشرات التي تؤكد قرب هذا اللقاء. وأن الفريقين أحرص على نجاح مُخرجاته من أجل مصلحة السودان، بعيداً عن النظرة الحزبية الضيقة، والانغلاق في مرارات الماضي التي تحجب الإبصار إلى المستقبل. فالدكتور الترابي بلا أدنى ريب قادر على التسامي عن مرارات الماضي، وليس تجربة المصالحة الوطنية ببعيدة عن الأذهان، إذ قدم معظم قبادات المعارضة إبان المصالحة الوطنية في يوليو 1977 من الخارج، ما عدا الدكتور الترابي الذي قدم من السجن! وأنا ما زلت عند رأيي، أننا في حاجة ماسة إلى شخصية وطنية في قامة الراحل فتح الرحمن البشير تقرب شقة الخلاف ومسافة التباعد. والمأمول أن ينهض بهذه المهمة الوطنية من هو مقبول لدى الأطراف كافة.. ألا رحم الله تعالى فتح الرحمن البشير بقدر ما قدم لوطنه من جهد حفظ المال والنفس. وفي خاتمة هذه العُجالة تجدني أدعو الرئيس البشير إلى إظهار قدر أكبر من التسامح والعفو في بسط الحربات بعد إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين أن يُصدر عفواً كريماً، بالتجاوز عن العقوبات المفروضة بحرمان بعض الكُتاب والصحافيين من الكتابة في الصحف، بدعوتهم إلى العودة لمزاولة الكتابة في الصحافة السودانية للإسهام الفاعل في هذا الحراك السياسي الوطني، وللكثير منهم مجاهداتهم الصحافية غير المنكورة في التنوير والتثقيف. وأحسب أن بلادنا في هذا المنعطف الخطير تحتاج إلى جهد الجميع، والعفو الرئاسي أحسبه مأمول وقريب بإذن الله تعالى. ونحن جميعاً نسعى جاهدين إلى بذل الجهود المقدرة في أن تنزاح عن بلادنا هذه الضائقة التي استحكمت حلقاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكننا تأمل ونعمل من أجل أن تفرج قريباً بعد أن ظن البعض -إن بعض الظن إثم- أنها لا تفرج! وعلينا أن نغير قي البدء ما بأنفسنا ومن ثم نعمل جاهدين من أجل تغيير بلادنا إلى الأفضل وتيسيير أسباب النماء والإزدهار. ولنستذكر في هذا الخصوص، قول الله تعالى: "لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ". وقول الإمام أبي عبدالله بن إدريس الشافعي: ولرب نازلةٍ يضيق لها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج