"الآلاف يفرون من السودان يومياً".. الأمم المتحدة تؤكد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    أول اعتراف إسرائيلي بشن "هجوم أصفهان"    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    السعودية أكثر الدول حرصا على استقرار السودان    الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    الخارجيةترد على انكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثائق امريكية عن عبود (11): محاكمة الشيوعيين .. واشنطن: محمد علي صالح
نشر في سودانيل يوم 23 - 08 - 2013

سجن الشفيع احمد الشيخ، قاسم امين، شاكر مرسال، محمد احمد عمر، واخرين، وتبرئة محمد ابراهيم نقد وأخرين
"منع الخمور لن يوقف شراب الويسكي الاسكتلندي"
مبارك زروق: احمد خير كان آخر الدفعة في كلية القانون
في نادي "روتاري"، احمد خير لا يرد على محمد احمد محجوب
--------------------------------
واشنطن: محمد علي صالح
هذه الحلقة رقم 11 في هذا الجزء من الوثائق الامريكية عن السودان. وهي كألآتي:
وثائق الديمقراطية الاولى، رئيس الوزراء اسماعيل الازهري (1954-1956). وكانت 25 حلقة.
وثائق الديمقراطية الاولى، رئيس الوزراء عبد الله خليل (1956-1958). وكانت 22 حلقة.
وثائق النظام العسكري الثاني بقيادة المشير جعفر نميري (1969-1975، اخر سنة كشفت وثائقها). وكانت 38 حلقة.
هذه وثائق النظام العسكري الاول بقيادة الفريق ابراهيم عبود (1958-1964). وستكون 25 حلقة تقريبا.
وبعدها، واخيرا، وثائق الديمقراطية الثانية، بداية بثورة اكتوبر (1964-1969). وستكون 25 حلقة تقريبا. ان شاء الله.
----------------------------------
عناوين حلقة الاسبوع الماضي:
--"لا يقبل السودانيون ان تكتب امراة عن الجنس والدعارة"
-- عبود يريد مساعدات الصين وروسيا، لكنه يخشى مساعدتهم للشيوعيين السودانيين
--"اذا مول الروس خزان الرصيرص، بعد تمويل السد العالي، ليستيقظ الغرب للتوسعات الشيوعية في المنطقة"
--احمد خير ينتقد العسكريين، ولكن سرا للسفير الامريكي
--السفير السعودي: "احمد خير كذاب، ولم اعد اتعامل معه"
---------------------------------
في حلقة هذا الاسبوع، بداية مشاكل عبود مع الشيوعيين واليساريين. بعد شهرين فقط من الانقلاب العسكري، انعقدت اول محكمة عسكرية لمحاكمة قادتهم. وكما سنرى في حلقات قادمة، سيشكل الشيوعيون اقوى تكتل ضد عبود، وخلال سنوات حكمه، حتى ثورة اكتوبر سنة 1964.
وكما جاء في حلقة الاسبوع الماضي، وجد احمد خير، وزير الخارجية، ومن كبار المحامين في السودان، ومن قادة الحركة الوطنية، نفسه في وضع حرج، وهو يحاول اقناع السفير الامريكي بان عبود يريد ضمان استقلال القضاء، واعادة الجزء من الدستور المؤقت الخاص بذلك.
ولم يكن ذلك مقنعا لان الدستور كله قد حل. وايضا، لان عبود استغنى عن القانون المدني لمحاكمة معارضية. ولجاء الى قانون دفاع السودان لسنة 1939. وعدله بقانون دفاع السودان لسنة 1958. وصار يعتمد على المحاكم العسكرية لمحاكمة معارضيه.
----------------------------------
لا للخمور:
6-2-1959
من: السفير، الخرطوم
الى: وزير الخارجية
" ... يوم 26-1، اصدر المجلس الاعلي للقوات المسلحة امرا بمنع الخمور "بكل انواعها" في المناسبات الرسمية. بما في ذلك السفارات السودانية في الخارج ...
وكان الفريق عبود اعلن، في خطابه في ذكرى استقلال السودان يوم 1-1، ان كل الخطابات الحكومية يجب ان تكون باللغة العربية. "ليس فقط لتشريف اللغة العربية، ولكن، ايضا، ليقدر عامة الناس على الاطلاع على المراسلات الحكومية. وهذا حق من حقوقهم."
وعلمنا، من مصادرنا الخاصة، ان هناك قرارا اخرا اتخذه عبود، لكنه لم يعلنه. وهو منع المسئولين السودانيين "الذين في مناصب حساسة" من الزواج من "اجنبيات" ...
رأينا:
اولا: واضح ان قراري منع الخمور والتركيز على اللغة العربية هما للاستهلاك المحلي فقط، في دولة اسلامية عربية.
ثانيا: لم يضع القراران اي اعتبار لجزء كبير من السودانيين في جنوب البلاد، ليسوا مسلمين، ولا يعرفون اللغة العربية، ولا يريدون ان يعرفونها.
ثالثا: استعمال اللغة العربية في الخطابات الحكومية لن يجعل السودانيين يقدرون على الاطلاع على نشاطات حكومتهم لان 90 في المائة من السودانيين اميون.
رابعا: يقول كثير من الموظفين الفنيين والمتخصصين ان اللغة العربية ليست مناسبة لخطاباتهم ومراسلاتهم وتقاريرهم. وان السكرتيرة تقضي وقتا اطول في كتابة خطاب باللغة العربية بالمقارنة مع كتابته باللغة الانجليزية.
خامسا: لن تقدر البعثات المسيحية التبشيرية في الجنوب على مخاطبة المسئولين لانها لا تعرف اللغة العربية.
سادسا: بالنسبة لمنع الخمور، يوجد عدد كبير من السودانيين، الذين تعلموا على الطريقة البريطانية، والذين يفضلون شراب الويسكي الاسكتلندي. وبكميات كبيرة. ونحن نشك في ان هذه العادة ستنتهي بسبب قرار من الحكومة.
سابعا: بالنسبة لمنع زواج الذين في "وظائف حساسة" من "اجنبيات"، يبدو معقولا. وكان هناك قرار صدر بالاستغناء عن خدمات "غير السودانيين." لهذا، سيقلل القراران الكفاءات في المكاتب الحكومية. اضف الى هذا ان لابد من تعريفات لما هي "وظيفة حساسة"؟ ومن هي "الاجنبية"؟ ومن هو "غير السوداني"؟
ثامنا: يبدو لنا ان القصد من هذه القرارات هو احتكار الوظائف الحكومية للسودانيين العرب والمسلمين. وربما، سيصدر قرار حكومي يقول ذلك بصراحة ... "
--------------------------
قانون الطوارئ:
5-2-1959
من: السفير، الخرطوم
الى: وزير الخارجية
" ... في مقابلة، قال لى احمد خير، وزير الخارجية، ان الفريق عبود سيأمر قريبا باعادة العمل بمواد الدستور الخاصة بالهيئة القضائية. وكان عبود اعلن، يوم الانقلاب، حل الدستور. وشمل ذلك الغاء الجهاز التشريعي (البرلمان)، ووضع الجهاز القضائي تحت سيطرة المجلس الاعلى للقوات المسلحة. واذا فعل عبود ما قال خير، سيعيد للجهاز القضائي سلطته القانونية.
خير وانا تحدثنا عن مادتين في الدستور المؤقت:
المادة 9 التي تحمى استقلال القضاء.
المادة 92 التي تنص على وزارة مستقلة للعدل ...
واتفقنا على ان عبود الغى مجلس السيادة، الذي كان رأس الدولة، ووضع المجلس الاعلى للقوات مكانه.
وقلت انا: لكن، لا يوجد اساس قانوني لالغاء مجلس السيادة.
وقال خير: توجد القانونية في قانون دفاع السودان الذي وضع سنة 1939. واعتمد عبود على هذا القانون لاعلان حالة الطوارئ. ويمكن استمرار العمل بالقانون الجنائئ، على شرط ان لا يتعارض مع قانون سنة 1939...
وقلت انا: لكن، بعد الانقلاب، اعلن المجلس الاعلى للقوات المسلحة قانون دفاع السودان لسنة 1958. وفيه ان اتهامات معينة تحت القانون الجنائي ستحاكم امام محاكم عسكرية. ومن هذه الاتهامات: معاداة الدولة، الخيانة العظمى، معاداة القوات المسلحة، تعكير الهدوء العام ...
ولم ينف خير ذلك. لكنه كرر بان عبود سيأمر باعادة الاستقلالية للهيئة القضائية ...
مبارك زروق:
في وقت لاحق، قال لنا مبارك زروق، زعيم المعارضة في عهد حكومة عبد الله خليل، وقبلها وزير الخارجية في حكومة اسماعيل الازهري، والان من كبار المحامين السودانيين، ان المحامين يخشون ان عبود، بدلا عن اعادة القانونية الدستورية للهيئة القضائية، سيحولها الى وزارة العدل. وان كل الكلام عن اعادة القانونية ليس الا ذرا للرماد على العيون ...
وقال زروق ان زيادة ارباب، وزير المعارف والعدل، يريد السيطرة على الهيئة القضائية. وان هذا ليس سرا للذين يعرفون ارباب. وان ارباب كان ايضا وزيرا للمعارف والعدل في حكومة عبد الله خليل. وان ارباب يعتقد انه احسن من يعرف القانون في السودان. وبالتالي، "يريد ان يسيطر على كل القوانين."
وسالت زروق اذا يعتقد ان ارباب عنده بديل احسن من التقاليد الانجلوساكسونية الموجودة في القوانين السودانية، تندر زروق، وقال ان ارباب كان اخر طالب في دفعته في كلية القانون. ولهذا، "يحسد الذين يعرفون القانون احسن منه" ...
(في خطاب آخر، يوم 13-2، كتب السفير الامريكي انه حضر حفل العشاء السنوي في نادي "روتاري" في الخرطوم. وكان هناك احمد خير ، ومبارك زروق، ومحمد احمد محجوب، وزير الخارجية السابق. وان محجوب وقف، وانتقد علنا احمد خير. لكن، رفض احمد خير الدفاع عن نفسه. وقال انه سيرسل خطابا خاصا الى محجوب، يرد فيه عليه).
زيادة ارباب:
حسب معلوماتنا، زيادة ارباب عنده ميول اسلامية قوية ...
وهو، ومجموعة من القانونيين معه، يريدون اسلمة وتعريب كل القوانين السودانية. ويريدون القضاء على ما يسمونها "التاثيرات الاجنبية في القوانين السودانية."
هذه نقطة، والنقطة الاخرى هي ان العسكريين، وربما خير وارباب ايضا، يعرفون ان هذا النظام العسكري سيواجه، آجلا او عاجلا، معارضة ومعارضين. ولهذا، يريدون تحذير كل من يعارضهم بانه سيقدم الى محكمة عسكرية. ولهذا، كل حديث غير ذلك عن الدستورية والقانونية ليس الا، حقيقة، ذر الرماد على العيون ... "
رأينا:
اولا: كيف يقلق الفريق عبود، ويؤيده الوزير خير، على قانونية الهيئة القضائية بينما قانونية النظام نفسه فيها جدل؟
ثانيا: كيف يريدان اعادة نصوص دستورية للهيئة القضائية والدستور نفسه الغي بعد الانقلاب العسكري؟
ثالثا: كيف يقول خير ذلك، وفي البلاد الأن محكمة عسكرية لمحاكمة معارضين للنظام؟ ...
(انظر الوثيقة التالية)
---------------------------
اول محكمة عسكرية:
5-2-1959
من: السفير، الخرطوم
الى: وزير الخارجية
" ... يوم 29-1، صدرت احكام اول محكمة عسكرية منذ ان جاء الفريق عبود الى حكم السودان بانقلاب عسكري قبل اقل من ثلاثة شهور. حكمت المحكمة على سبعة مدنيين بالسجن لمدد تتراوح بين سنة وخمسة سنوات. وبرات سبعة مدنيين. وكانت التهم الموجهة ضدهم هي عضويتهم لمنظمات سودانية غير قانونية، وتعاونهم مع منظمات شيوعية دولية، وعقد اجتماعات سرية ...
في نفس الوقت، اعلنت وزارة الداخلية ألاتي:
اولا: حل اتحاد الشباب السوداني، المتحالف مع اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي (اليساري المتحالف مع الشيوعية العالمية).
ثانيا: منع ارسال اي مندوب الى مؤتمر الشباب الأسيوى الافريقي في القاهرة، الذي بدا جلساته.
ثالثا: منع اي نشاطات لاي منظمات شبابية سودانية حتى يعاد النظر في ارتباط هذه المنظمات مع "عناصر تخريبية" ...
بداية الاعتقالات:
يوم 17-11-1958، بعد شهر واحد فقط من انقلاب عبود العسكري، بدا العسكريون في تعقب المعارضين اليساريين. في ذلك اليوم، هجمت الشرطة على مكاتب صحيفة "الطليعة"، الناطقة بلسان الاتحاد العام لنقابات عمال السودان ...
في نفس اليوم، هجمت الشرطة، ايضا، على مكاتب الجبهة المعادية للاستعمار التي تميل نحو الشيوعية.
وفي نفس اليوم، اعتقلت الشرطة احد عشر رجلا من قادة اتحاد العمال ، ومن قادة الجبهة المعادية للاستعمار.
يوم 28-12، اعتقلت ثلاثة رجال أخرين. ووضعوا كلهم في سجن امدرمان، في انتظار التحقيقات معهم ...
يوم 31-12، اعلن نائب وزير الداخلية للامن ان التحقيقات اكتملت. وقال ان الموضوع عن "الشيوعيين"، وله صلة مع "الشيوعية الدولية." وان المتهمين سيقدمون الى المحاكمة بتهم الانتماء الى منظمات محظورة. وخاصة خرق المادة 17 من القانون الجنائي الذي يمنع المنظمات غير القانونية، وخاصة التي تنشر وتمارس مبادئ ونظريات الشيوعية الدولية. او مبادئ ونظريات "كومينفورم"...
وقال نائب وزير الداخلية بان المادة الرابعة من قانون دفاع السودان لسنة 1958 تمنع اي عمل معادي للحكومة. وتعرض من يرتكبه الى محاكمة عسكرية ...
وقال نائب الوزير ان المنظمات العالمية الممنوعة في السودان تشمل الأتي: الاتحاد العالمي لنقابات العمال، مجلس السلام العالمي، اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي، اتحاد النساء الديمقراطي العالمي، اتحاد الطلاب العالمي ...
("كومينفورم": اختصار عبارة "مكتب الاعلام الشيوعي." والاسم الكامل هو: "مكتب الاعلام التابع للاحزاب الشيوعية والعمالية." وهو جزء من الحركة الشيوعية الدولية.
سبقه "كومينتيرن"، اختصار "كوميونست انترناشونال"، الشيوعية الدولية. وهدفه: "بكل الوسائل، بما في ذلك القوة العسكرية، لابد من اسقاط الحكومات البرجوازية، وتاسيس جمهوريات شعبية، كمرحلة انتقالية نحو التخلص من الدولة، وتاسيس اليوتوبيا.")
قانون دفاع السودان:
يوم 4-1، اعلن المجلس الاعلى للقوات المسلحة بداية محاكمات عسكرية للمعتقلين، حسب قانون دفاع السودان لسنة 1958. وبناء على ذلك، نقل المعتقلون الى سجن عسكري في الخرطوم بحري.
يوم 14-1، اعلن تشكيل المحكمة العسكرية كالاتي: العقيد محجوب طه، رئيسا، العقيد عثمان نصر عثمان، الرائد احمد خالد شرفي، الرائد مبارك عثمان رحمه، النقيب محمد قاضي العبادي.
يوم 17-1، بدات المحكمة جلساتها. وفي بدايتها، انسحب المحامون احتجاجا على قرار رئيس المحكمة بان القانون العسكري يمنع وجود محام للمتهم. فقط يمكن وجود "صديق المتهم." ولا يحق لهذا "الصديق" ان يخاطب المحكمة، او يستجوب الشهود.
يوم 18-1، واصلت المحكمة جلساتها. واعلنت انها ستكون كلها سرية. ولن تنشر مداولاتها.
يوم 30-1، اعلنت المحكمة الاحكام الأتية:
1. السجن 5 سنوات: الشفيع احمد الشيخ، امين الاتحاد العام لنقابات عمال السودان. ونائب الرئيس الفخري للاتحاد العالمي لنقابات العمال، و"شيوعي كبير في السودان. كان نشطا في الجبهة المعادية للاستعمار" ...
2. السجن 5 سنوات: شاكر مرسال، "زعيم شيوعي نشط داخل الجبهة المعادية للاستعمار."
3. السجن 5 سنوات: طه على محمد، "زعيم عمالي شيوعي. كان واحدا من ستة قادة في الاتحاد العام لنقابات عمال السودان الذين حضروا احتفالات العيد الاربعين للثورة الشيوعية في موسكو."
4. السجن سنتين: محمد احمد عمر، "ناظر مدرسة الخرطوم الاهلية. اشترك في اجتماع غير قانوني في مكاتب صحيفة "الطلبعة" يوم 17-12."
5. السجن سنتين: قاسم امين، "الرئيس السابق للجبهة المعادية للاستعمار. شيوعي. ظل نشطا لفترة طويلة في الحركة النقابية في السودان."
6. السجن سنة: حسن محمد صالح، "يعمل في شركة جلاتلي هانكي، واشترك في اجتماع صحيفة "الطليعة."
7. السجن سنة: عوض محمد شرف الدين، "يعمل في مصلحة المخازن والمهمات."
8. براءة: محمد الحسن محمد، "قائد عمالي صغير، ونشط في المجال الشيوعي."
9. براءة: البدري الشيخ عبد الرحمن، "شيوعي، ونشط في اتحاد الشباب السوداني، والاتحاد العام لنقابات عمال السودان."
10. براءة: عبد الله الحاج محمد احمد، "زعيم عمالي نشط في الاتحاد العام لنقابات عمال السودان."
11. براءة: عبد الحميد على بشير، "عضو في الجبهة المعادية للاستعمار، يعتقد انه شيوعي."
12. براءة: محمد ابراهيم نقد، "سكرتير سابق لاتحاد الشباب السوداني. طرد من جامعة الخرطوم بسبب نشاطاته الشيوعية. اشترك في الوفد الذي حضر احتفالات اتحاد الشباب العالمي في رومانيا سنة 1953."
13. محمود محمد حبيش، "شيوعي، كان يعمل في صحيفة "الطليعة."
14. عباس محمد حسن، "شيوعي، يعمل في صحيفة "الميدان" التي اغلقت"...
صحيفة "الايام":
يوم 30-1 (يوم من صدور الاحكام)، اعلن وزير الداخلية ايقاف صحيفة "الايام"، اليومية التي تصدر في الخرطوم. والتي يبلغ توزيعها عشرة الاف نسخة كل يوم. ويصدرها بشير محمد سعيد، رئيس اتحاد الصحفيين السودانيين.
وكانت افتتاحية الصحيفة، في نفس اليوم، انتقدت المحكمة العسكرية لسببين:
اولا: كانت مداولاتها السرية.
ثانيا: لم تعلن تهما محددة ضد الذين حكمت عليهم بالسجن ...
في قرار ايقاف "الايام"، قال وزير الداخلية ان الافتتاحية فيها "شكوك في مداولات المحكمة. وشكوك في اسباب المحاكمات كما اعلنتها المحكمة. واساءات الى المحكمة. واذي لسمعة الحكومة. ودعوة للكراهية ضد الحكومة" ...
اتحاد الشباب السوداني:
يوم 24-1، اعلنت وزارة الداخلية رفض طلب تسجيل اتحاد الشباب السوداني حسب قانون النقابات والاتحادات. وقالت انه اتحاد "متخصص في الشئون السياسية، وليس جمعية او نقابة قانونية" ...
وكانت حكومة عبود، منذ ايام بعد الانقلاب العسكري، ضيقت الخناق على الاتحاد. واعتقلت اعضاء لجنته التنفيذية في مدني، والفاشر، والابيض، وعطبرة، وحققت معهم، ثم افرجت عنهم. وفي عطيرة والفاشر، صادرت الشرطة ملفات، ومعلومات، وكتب، وسجلات العضوية ...
ومؤخرا، الغت وزارة الداخلية اذنا لدخول وفد للشباب من جمهورية المانيا الديمقراطية (الشرقية الشيوعية) كان سيحل ضيفا على اتحاد الشباب السوداني ...
ويوم 28-1، في مؤتمر صحفي، قال اللواء طلعت فريد، وزير الاعلام والرياضة، ان السودان لن يرسل وفدا الى مؤتمر الشباب الأسيوي الافريقي الذي سيعقد في القاهرة. وقال: "قبل ان يرسل اتحاد الشباب وفدا الى القاهرة، لابد من طرد كل العناصر المخربة فيه" ...
هجمات على منازل:
يوم 26-1، هجمت الشرطة في الابيض على منزل مصطفى ابو حسين، السكرتير المحلي للجبهة المعادية للاستعمار. واعتقلته، وصادرت كتبا، واوراقا، ووثائق. وفي نفس اليوم، هجمت الشرطة، على منزل يوسف عبد المجيد، من قادة الجبهة المعادية للاستعمار هناك. وصادرت ماكينة طباعة، ومنشورات. لكن، استطاع عبد المجيد ان يهرب. واعلنت الشرطة انه، وأخرين، يطبعون ويوزعون منشورات ضد حكومة عبود ...
يوم 27-1، هجمت الشرطة على منزل حسن الطاهر زروق، عضو سابق في البرلمان باسم الجبهة المعادية للاستعمار. واعتقلته، وحققت معه، ثم افرجت عنه بكفالة مالية.
وفي نفس اليوم، هجمت على منزل محمد السيد سلام، رئيس سابق للاتحاد العام لنقابات عمال السودان. وصادرت كتبا، ومجلات، منها: "الشباب العالمي" و "كوريا الجديدة (الشمالية)". واعتقلته، وحققت معه، ثم افرجت عن بكفالة مالية.
وهجمت، ايضا، على منزل بابكر محمد علي، رئيس تحرير صحيفة "الميدان"، الناطقة بلسان الجبهة المعادية للاستعمار، والتي منعها نظام عبود. وصادرت موادا. واعتقلته ...
راينأ:
اولا: منذ قبل استقلال السودان، وحسب قانون الجمعيات غير المشروعة، منع الحزب الشيوعي، والاتحاد العالمي لنقابات العمال (الشيوعي)، والاتحاد العالمي للطلاب (الشيوعي). لكن، رغم ذلك، لم تتخذ الحكومات المتعاقبة اجرءات متشددة نحو هذه المنظمات، ونحو اعضائها.
ثانيا: يدل التشدد من جانب عبود على انه حازم ضد الشيوعية والشيوعيين.
ثالثا: يدل لجوء عبود الى المحاكم العسكرية على انه لا يريد نشر معلومات عن النشاطات الشيوعية والمعارضة لنظامه. وذلك لان المحاكم العسكرية يمكن ان تكون سرية، بينما المدنية يمكن ان تكشف تفاصيل لا يريد عبود نشرها للناس.
رابعا: مؤخرا، اتصل عسكري سوداني مع الملحق العسكري هنا، وسال عن امكانية ايفاد ضباط عسكريين الى الولايات المتحدة للتدريب على مواجهة النشاطات الشيوعية والتأمرية ... "
-------------------------------
الاسبوع القادم: الزواج من الاجنبيات
------------------------------
[email protected]
//////////////
مسجد الضرار ومسجد التقوى: معايير التمييز بين المؤسسة الإسلامية وغير الإسلامية. بقلم: د.صبري محمد خليل
د.صبري محمد خليل/ أستاذ بجامعه الخرطوم/ تخصص فلسفه القيم الاسلاميه [email protected] مسجد الضرار ومسجد التقوى: ميز القران الكريم بين مسجد الضرار والمسجد الذي أسس على التقوى ، قال تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ و َرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . لَا تَقُمْ فِيهِ أ َبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)( التوبة :107-108). وقد عرف الإمام ابن تيميه مسجد الضرار بقوله ( وكان مسجد الضرار قد بني لأبي عامر الفاسق الذي كان يقال له أبو عامر الراهب، وكان قد تنصر في الجاهلية، وكان المشركون يعظمونه، فلما جاء الإسلام حصل له من الحسد ما أوجب مخالفته للنبي صلى الله عليه و سلم وفراره إلى الكافرين، فقام طائفة من المنافقين يبنون هذا المسجد، وقصدوا أن يبنوه لأبي عامر هذا، والقصة مشهورة في ذلك، فلم يبنوه لأجل فعل ما أمر الله به ورسوله بل لغير ذلك ). أما المسجد الذي أسس على التقوى فقد قالت طائفة من العلماء انه مسجد قباء ، وقال آخرون هو مسجد النبي (صلى الله عليه وسلم).
بين الاصاله التبعية: والتعريف السابق يتصل بمسجد الضرار والمسجد الذي أسس على التقوى بالاصاله، أما مسجد الضرار والمسجد الذي أسس على التقوى بالتبعية، فهما كل مسجد تتحقق فيه شروط هذه المساجد ، يقول الإمام القرطبي (قال علماؤنا: وكل مسجد بني على ضرار أو رياء وسمعة فهو في حكم مسجد الضرار لا تجوز الصلاة فيه (الجامع 8/254(..ويقول الإمام ابن تيمية:
(كان السلف يكرهون الصلاة فيما يشبه مسجد الضرار ويرون العتيق أفضل من الجديد لأن العتيق أبعد عن أن يكون بني ضرارا من الجديد الذي يخاف ذلك
فيه) (في تفسير سورة الإخلاص ص 256).
الحكم وكيفيه التنفيذ: وتختلف كيفيه تنفيذ حكم مسجد الضرار بين الحاكم والعالم وآحاد الناس وعامتهم، فهي تأخذ عند الحاكم شكل المنع، والذي عبر عنه ابن القيم بمصطلح التعطيل( وكل مكان هذا شأنه فواجب على الإمام
تعطيله) ، كما تأخذ عند العالم شكل بيان شروط مسجد الضرار، وكون المسجد المعين هو مسجد ضرار،لانطباق شروط مسجد الضرار عليه،على وجه القطع واليقين... كما تاخد عند آحاد الناس وعامتهم شكل الاجتناب. بناء على هذا لا يجوز لآحاد الناس وعامتهم أن يقوموا بتنفيذ حكم مسجد الضرار طبقا للكيفية الخاصة بالحاكم(المنع) أو العالم أو العالم (الإفتاء)،أما احتجاج البعض بهدم الصحابة (رضي الله عنهم) لمسجد الضرار فهو غير صحيح لان الرسول (صلى اله عليه سلم ) هو الذي أمرهم بهدمه ،باعتبار نبوته وإمامته معا ، ورد في تفسير ابن كثير(... فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِد مَنْ هَدَمَهُ قَبْل مَقْدِمه الْمَدِينَة)،وورد فى تفسير الطبرى(... فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالِك بْن الدَّخْشَم أَخَا بَنِي سَالِم بْن عَوْف وَمَعْن بْن عَدِيّ أَوْ أَخَاهُ عَاصِم بْن عَدِيّ أَخَا بَنِي الْعَجْلَان , فَقَالَ : " اِنْطَلِقَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِد الظَّالِم أَهْله فَاهْدِمَاهُ وَحَرِّقَاهُ...).
بين المسجد والمؤسسة: كما أن حكم مسجد الضرار أو المسجد الذي أسس على التقوى، ينطبق على كل مؤسسه ( سياسيه أو اقتصاديه أو ثقافيه أو إعلاميه أو خيريه ...)، يصفها أصحابها بأنها إسلاميه، وتنطبق عليها شروط مسجد الضرار أو المسجد الذى اسس على التقوى ، يقول ابن القيم في فوائد غزوة
تبوك: (ومنها تحريق أمكنة المعصية التي يعصى الله ورسوله فيها وهدمها كما حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار وأمر بهدمه، وهو مسجد يصلى فيه ويذكر اسم الله فيه لما كان بناؤه ضرارا وتفريقا بين المؤمنين ومأوى للمنافقين، وكل مكان هذا شأنه فواجب على الإمام تعطيله، إما بهدم أو تحريق وإما بتغيير صورته وإخراجه عما وضع له)، ويقول الشيخ شلتوت (وهذا حكم كل منشاة فاسقه ولو كانت مسجدا تقام فيه الصلوات الخمس ويذكر فيها اسم الله ، وإذن فما بالنا به لو كانت منشاة غير المسجد. إن المنشات الفاسقة خطه رسمها المستعمرون الغاشمون كيدا للإسلام والعروبة ، واستعانوا على تنفيذها فى بلاد العروبة والإسلام بمرضى القلوب الذين يسارعون فيهم ، ويستنصرونهم على إخوانهم وأوطانهم ، وان حاربوا بها الله ورسوله. وان كانت المنشاة الفاسقة البسها أهلها في صدر الإسلام ثوب المسجديه وعباده الله وطاعته، فإنها في عصرنا الحاضر البسها أهلها أثواب إغراض متعددة ، يلبسونها ثوب الثقافة والعلم، ثوب الحضارة والفن، ثوب العلاج والرحمة، ثوب الاقتصاد والمال وأخيرا ثوب الأحلاف العسكرية باسم وقاية البلاد من شر العدوان والفوضى)( من توجيهات الإسلام ص234). إذا فشروط مسجد الضرار والمسجد الذي أسس على التقوى هي مثابة معايير للتمييز بين المؤسسة الاسلاميه وغيرالإسلاميه، وفيما يلي نعرض لأهم شروط مسجد الضرار، والتي هي بمثابة معايير للمؤسسة غير الاسلاميه، حتى لو وصفها أصحابها بأنها إسلاميه:
التفريق بين المؤمنين: من هذه الشروط –المعايير- والتي أشارت إليها الايه التفريق بين المؤمنين، وقد أشار العلماء إلى هذا الشرط ، يقول الإمام السيوطي (ومن تلك المحدثات كثرة المساجد في المحلة الواحدة، وذلك لما فيه من تفريق الجمع وتشتيت شمل المصلين، وحل عروة الانضمام في العبادة، وذهاب رونق وفرة المتعبدين وتعديد الكلمة واختلاف المشارب، ومضارة حكمة مشروعية الجماعات - أعني اتحاد الأصوات على أداء العبادات - وعودهم على بعضهم بالمنافع والمعونات والمضارة بالمسجد القديم أو شبه المضارة أو محبته الشهرة والسمعة وصرف الأموال فيما لا ضرورة فيه). وهذا الشرط يتسق مع قاعدة النهى عن التفرق فى الدين، اى النهى عن الاختلاف على مستوى أصول الدين ، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة ، والتي أشارت إليها كثير من النصوص كقوله تعالى( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ~ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ( آل عمران: الآية (104) وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (الأنعام: 159). ويتصل بهذه القاعدة تجنب التعصب المذهبي الذي ذمه العلماء ،يقول ابن القيِّم( وأما المتعصِّب الذي جعل قولَ متبوعه عيارًا على الكتاب والسُّنة وأقوالِ الصحابة، يزِنُها به، فما وافق قول متبوعه منها قبِلَه، وما خالفه ردَّه، فهذا إلى الذمِّ والعقاب أقرب منه إلى الأجر والصَّواب؛ وإن قال - وهو الواقع -: اتَّبعته وقلَّدته، ولا أدري أعلى صوابٍ هو أم لا؟ فالعُهْدة على القائل، وأنا حاكٍ لأقواله، قيل له: فهل تتخلَّص بهذا من الله عند السُّؤال لك عمَّا حكمت به بين عباد الله، وأفتيتهم به؟ فو الله إن للحُكَّام والمفتين لموقفًا للسؤال لا يتخلص فيه إلاَّ مَن عرف الحق، وحكم به، وأفتى به، وأما من عداهما فسيَعلم عند انكشاف الحال أنه لم يكن على شيء )(إعلام الموقِّعين" 2/ 232).
الضرر: ومن هذه الشروط -المعايير – التي أشارت إليها الايه الإضرار بالمسلمين، يقول محمد بن رشد الجد (إن من بنى مسجدا بقرب مسجد آخر ليضار به أهل المسجد الأول ويفرق به جماعتهم فهو من أعظم الضرر، لأن الإضرار
فيما يتعلق بالدين أشد منه فيما يتعلق بالنفس والمال، لا سيما في
المسجد المتخذ للصلاة التي هي عماد الدين، وقد أنزل الله تعالى في ذلك ما أنزل من قوله" والذين اتخذوا مسجدا ضرارا - إلى قوله - لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم".. فإن ثبت على بانيه أنه قصد الإضرار وتفريق الجماعة لا وجها من وجوه البر، وجب أن يحرق ويهدم ويترك مطروحا للزبول كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسجد الضرار) (في البيان والتحصيل 1/411 )،وهذا الشرط يتسق مع ما قرره العلماء من أن مقاصد الشرع هي تحقيق مصالح الناس الدنيوية والاخرويه يقول ألشاطبي( إن أحكام الشريعة ما شرعت إلا مصالح الناس ، وحيثما وجدت العمل به فيه ،حق لله من جهة وجوب العمل به، وفية حق للعبد من جهة انه ما شرع إلا
المصلحة)(الاعتصام) ، ويقول العز بن عبد السلام (التكاليف راجعه إلى مصالح الناس في دنياهم وأخراهم ، والله غني عن عباده الكل ،و لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين) ، وتتضمن هذه المقاصد حفظ الوجود الانسانى بأبعاده الروحية (الدين) والجسدية (النفس) والعقلية (العقل)
والذرية(النسل) والاقتصادية (المال) ،يقول الإمام الغزالي( ومقصود الشرع من الخلق خمسة : وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة) ( المستصفى31/287).
الكفر الاعتقادى والعملي: ومن هذه الشروط – المعايير- والتي أشارت إليها الايه الكفر، غير انه يجب هنا التمييز بين الكفر الاعتقادى، الذي يخرج من الملة ، ، والكفر العملي ، الذي قد لا يخرج من الملة ، والذي يتصل بارتكاب الكبائر، يقول ابن القيم ( وها هنا أصل آخر هو أن الكفر نوعان :
كفر عمل وكفر جحود وعناد، فكفر الجحود : أن يكفر بما علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء به من عند الله جحوداً وعناداً من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه، وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه ، وأما كفر العمل :
فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى ما لا بضاده) ( في كتاب الصلاة ص51 ) .
عدم خلوص النية: ومن هذه الشروط – المعايير-عدم خلوص النية، وهذا الشرط يتناقض مع كون النية هي شرط لكل الأعمال- بما فيها بناء المساجد والدعاء والخطبة فيها - قال الرسول (صلى الله عليه وسلم)(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) ، وقال تعالى ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) ، وقال تعالى ( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )(29)(الأعراف)، هذا الشرط يجعل الدين وسيله إلى غاية أخرى (سياسيه أو اقتصاديه أو اجتماعيه...) وليس غاية فى ذاته، فهو يشكل الأساس (الذاتي) للاتجار بالدين الذي ورد النهى عنه فى الكثير من النصوص كقوله تعالى (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)(المائدة: 44 )،وقوله تعالى(إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الاخره) (آل عمران) .
النفاق: ومن هذه الشروط –المعايير- النفاق، ذلك أن مسجد الضرار كما أشار جميع المفسرون بناه المنافقون ، لذا اعتبر العلماء أن كل مسجد بني على رياء فهو مسجد ضرار، يقول الإمام القرطبي (قال علماؤنا: وكل مسجد بني على ضرار أو رياء وسمعة فهو في حكم مسجد الضرار لا تجوز الصلاة فيه (الجامع 8/254(..
- للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان
http://drsabrikhalil.wordpress.com)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.